أغسطس 31، 2009

أهذه أنتِ, أم أن عيني حولتا جميع النساء كي يشبهنكِ؟

love

Couple_by_Lady_Samurai_05.png

cuz we’re living in a world of fools
Breaking us down
When they all should let us be
We belong to you and me

أغسطس 30، 2009

فرحة

3asafeer وقفت الطفلة الصغيرة تبحث في وجوه الرجال في الجامع عن أبيها. تبكي كأنها لن تراه ثانية, وتجري بين المصلين ثم ما تلبث أن تقف أمام أحدهم وتمعن النظر فيه لتكتشف أنه ليس أباها فتجري مرة ثانية.

أنا أكره الأطفال الصغار كثيراً, ولا أعرف كيف أتعامل معهم على الإطلاق. حين يأتي إخوتي البنات إلى البيت ويتركن أطفالهن كي ترعاهم أمي أنزعج كثيراً, إذ تتحول حجرتي إلى جحيم, فلدى جميع الأطفال تلك الرغبة المتقدة في الاسكتشاف وتلك الحناجر "السوبرانية" ذات الأصوات القوية الحادة والتي لا يكفون عن تجريبها على مختلف النبرات العالية.

وقفت البنت أمامي. تأملتني للحظة, ثم أكملت نحيبها وجريها بين المصلين. كان صوتها حاداً جداً فلم أستطع أن أتحمله وهي تصرخ وتنادي قائلة:
-    "يا باباااا"

في الأيام الأخيرة لم أعد أستطيع النوم كما ينبغي وصارت الكوابيس تطاردني فأستيقظ قبل أن أنام, وهاهي الآن كابوس يتحرك على قدميه أتى كي يعذبني. أنا أتعذب كثيراً لمعاناة الآخرين, وهي تبدو كما المفجوع في أبيه أو أمه. عيناها الفزعتان رسختا في ذاكرتي فلم أعد أستطيع أتحمل أو أن أركز في خطبة الشيخ.

ربما علي أن أعترف أنني لم أعد أستطيع التركيز في أي شيء مهما كان بسيطاً.. هي ليس لها ذنب.

استمر بكاؤها, وكانت كلما بحثت أكثر زاد صراخها علواً, وعيناها احمراراً, وازداد صدرها علواً وهبوطاً. فكرت في أن على الشيخ أن يوقف الخطبة ويبحث لها عن والدها. ثم ما لبثت أن أدركت أن العالم لا يتوقف من أجل بكاء أو فقد, وأنه لو كان كذلك ما كنت أنا لأبقى في هذه الحال.

قمت من مكاني واتجهت نحوها, أمسكت يدها, فأشاح في وجهي أحد المصلين بيديه وقال إنني لا ينبغي أن أحضر أطفالاً لا يدركون إلى الجامع معي. كاد الرجل يسبني لولا مهابة المكان. نظر الجميع نحوي وهم يعتقدون أنني أبو الفتاة. توقفت قليلاً عند قدرتهم على الغضب وسكوتهم عن البكاء, ثم آثرت عدم المواجهة.

خرجت بها خارج المسجد, فازداد بكاؤها. أنا لا أحتمل كل هذا الوجع بطبيعتي, فكيف وأنا حزين؟ مع هذا فلم يكن أمامي وأنا أرى كل هذا النشيج سوى أن أورط نفسي في هذه المهمة التي لا أجيدها.

أخذت أتذكر ما كانت أمي تفعله كي تسكت أبناء إخوتي, وكيف كان أبي يتعامل معهم. اشتريت لها قطعة شيكولاتة, فرفضتها, وقالت إنها "عايزة بابا", ثم بكت أكثر.

احتضنتها, فكرت في أن الأمور لو سارت كما أردت لصار عندي طفلة في مثل عمرها. على الفور امتلأ عقلي بالكثير من الذكريات التي جاهدت حتى تجاوزتها.

وقفت بالصغيرة عند باب الجامع, وانتظرت أن يخرج المصلون, فربما يتعرف عليها أحدهم. كانت لا تزال تبكي, وأنا كنت ما أزال في حيرة من أمري, لا أعرف كيف أسكتها.

لا أعلم ما الذي جعلني أشير إلى تلك العصافير التي وقفت على أفرع الشجرة المواجهة للمسجد. تنبهت هي على الفور وصمتت عن بكائها للحظة, ثم ما لبث وجهها أن عاد إلى انزعاجه الأول, فاقتربت بها من الشجرة كي ترى كماً أكبر من العصافير.

فكرت أنها أصغر من أن تفهم أي من الحواديت, وأنني على أي حال لا أحفظ أياً منها. كان تفكيري مشتتاً كالعادة لكن الحاجة اقتضت أن أركز ذهني كي أجد لها حكاية تسكتها.

شعرت بصعوبة ذلك فلم أستطع أن أمنع نفسي من التأفف. أنا أشعر بالضيق الشديد منذ زمن, ولا أستطيع البوح به لأحد. وها أنا الآن وقد ورطت نفسي في مهمة تبدو مستحيلة. ها أنا أحاول التخفيف من حزنها, فمن يخفف حزني؟

نظرت إلى الصغيرة وقبلتها بين عينيها. أخبرتها أنني سأحكي لها حكاية, فبدأ الحماس يشغلها قليلاً.

رغم أنني لا أحفظ أي من الحكايات, فقد وجدت نفسي أحكي لها عن ذلك الولد الصغير الذي كان يخرج كل يوم مع أبيه إلى الحقل, فيرى العصافير وهي تطير في السماء, وينظر إلى السحاب, ويسأل أباه عن المكان الذي تذهب إليه العصافير في الليل فيخبره أنها تبيت على تلك الشجرة التي تتوسط الحقل. وكيف أن الصغير تسلق الشجرة في تلك الليلة كي يسلم على العصافير ويلعب معها, لكنه أخذ يتسلق ويتسلق حتى وصل إلى السحاب.
لم يكن يبدو عليها أنها تفهم كثيراً مما قلت, لكنها كانت تفهم جيداً الابتسامة المرسومة على شفتي ونظراتي وملامحي, كانت تقرأ مشاعري وتحس بانفعالي مع أحداث القصة.

حين سكت, زادت عيناها اتساعاً, وخفت أنا أن تعود إلى بكائها فأكملت. أخبرتها أن الولد الصغير الشقي تسلق حتى وصل إلى السحاب, وأنه رأى هناك بلاداً عجيبة, ورأى بنتاً جميلة مثلها تلبس فستاناً حلواً.

انتبهت إلى فستانها الذي لم يكن فستاناً بقدر ما كان قميص نوم. كانت الحمالات تسقط من على كتفيها فيسقط الفستان ويكشف عن جلد أبيض نقي. وكانت تعيده هي إلى وضعه الأول على الفور. نظرت إليها وابتسمت حين فكرت في إنها سوف تكبر وتصير أكثر جمالاً من حبيبتي, أو تلك التي كانت حبيبتي.

عدت إلى الحكاية فقلت لها إن الفتاة كانت تعيش فوق السحاب وتلبس فستاناً مثل فستانها, وكان الولد الصغير يتسلق الشجرة كل يوم كي يلعب معها ويعود إلى منزل أبيه قبل صلاة الفجر. وأن الأيام مرت, وكبر الولد, وكبرت البنت ومنعها أبوها من الخروج. فكان من الصعب على الولد أن يراها, وصار من المستحيل أن يقنع أباه بأن هناك فتاة يحبها وتعيش في قرية فوق السحاب.
كانت الخطبة قد انتهت وبدأ المصلون في الخروج. اقتربت من باب المسجد, وأركبتها فوق كتفي كي ترى الجميع ويرونها. لكن أحداً لم يتوقف أو يتلفت.
بعد ربع ساعة خفت من أن تعود إلى بكائها, فجلسنا في الظل تحت الشجرة, وأكملت حكايتي, قلت لها إن الولد لم يستطع أن يقنع أباه الذي قال له إنه مجنون, فحزن كثيراً, وحزنت الفتاة, لكنها انتظرته أن يعود.

تنبهت فجأة إلى أنني أحكي حكايتي التي تكفي لادخالي وإدخال أي شخص آخر في حالة بكاء متصل.

فكرت في أن علي أن أجد نهاية أجمل للحكاية, وقبل أن تطلب مني أن أكمل كنت قد أخبرتها أنه في ذلك اليوم بينما كانت الفتاة تعمل في الحقل, خلعت من الأرض تلك اللفتة العملاقة الكبيرة, فانكسرت الأرض/السحاب, ورأت فتاها يزرع في الحقل, وأنها نادت عليه فنادى أباه الذي لم يصدق عينيه.

لاحظت ابتسامة صغيرة على شفتيها, فقربت منها قطعة الشيكولاتة وأخبرتها أنني لن أستمر في الحكاية إلا إذا أكلت. قضمت الشيكولاتة فقبلتها, وأخبرتها أن الولد لم يهدأ وإنما أخذ أباه وتسلقا الشجرة وزارا منزل البنت الجميلة وأن زفافهما كان على أفرع الشجرة بين السماء والأرض وكان أغلب الضيوف من العصافير.

شعرت بعدما انتهيت من الحكاية بانفراج همي وأحسست بالأمل في أن تنتهي حكايتي في الواقع كما ابتدعتها في الخيال.

ضحكت هي وأخبرتني أن حكايتي حلوة, وشعرت أنا بالزهو والسعادة لأنني أخيراً عرفت أن أخرجها من حزنها. حملتها مرة أخرى على كتفي, واشتريت وجبة خفيفة لنا. كنت أضع الطعام في فمها, فتقلدني وتضع الطعام لي في فمي. كانت تنبهر كلما قضمت بفمي الكبير الطعام من يدها. تنظر كمن تستكشف ماكينة ضخمة لم ترها من قبل. وكنت أنا أقبل يدها الصغيرة, وأضحك حتى شعرت بانقباض في عضلات وجهي من كثرة الضحك.
عدت إلى الجامع قرب صلاة العصر, بينما كنت أتمنى ألا أجد والدها فترحل عني وترحل معها سعادتي بها. شكرت الله كثيراً حين تكرر معي ما حدث بعد صلاة الظهر.

عدت إلى الجامع مرة أخرى قرب صلاة المغرب وكانت هي قد تعبت من كثرة الضحك واللعب فأسندت رأسها على كتفي وتثاقلت عيناها استعداداً للنوم.
الطيور التي تركت بيوتها طول النهار كانت تعود إلى الشجرة في تلك اللحظات. انتبهت هي حين رأتها على الفور, وأشارت في فرحة بالغة إليها. شعرت أنا بفرحة كبيرة حين نادتني وأشارت بيدها وهي تقول
-    "العصافير يا بابا.. العصافير".

من التاريخ السري لعمرو السيد (2)

egypt-flag الحفاظ على صورة مصر هو أحد المسئوليات التي لا أجد من يقوم بها في البلد, فأقوم بها وحدي. كنت أمشي في وسط البلد حين ربتت يد على كتفي. نظرت إليه فإذا هو شخص أجنبي يسألني:

- مينينين زعبوط رمزيز؟

أخذت الكثير من الوقت قبل أن أفهم أنه يريد أن يذهب إلى رمسيس. قلت له

- عايز تروح ميدان رمسيس؟ إنت مسافر؟

لم يبد عليه أنه فهم, أراد أن أشرح له الطريق. لكن مثله سيحتاج إلى ألف سنة كي يفهم. بدا عليه أنه لا يريد أن يزعجني أكثر, لكنني حلفت عليه الأيمان المغلظة والطلاقات الثلاثية بأنني لابد وأن أوصله بنفسي إلى رمسيس. مشينا, فخطر ببالي أن نتحدث بالإنجليزية. قلت له:

- Where are you from?d

- From Malaysia. d

(بإنجليزية مكسرة وحروف مختلطة)d

تعرفون أنني من مواليد هونج كونج أساساً, وبالتالي فلا أعلم ما اللغة التي يتحدثونها هناك.

- How do you find Egypt? d

- Great Country, but there are a lot of robbers.d

جملة واحدة كانت في بالي "يا واقعة أهلك اللي مش فايتة.. إحنا حرامية يا..". لكن الرجل ضيف علينا, كان يجب علي أن أريه كيف نتعامل بأدب مع الضيوف, وأن أكشف له عن وجه مصر الحقيقي. لذا, قررت أن أكسر عينه بطريقتي, فلا يتحدث عن مصر إلا بالخير حين يعود لبلده.

ضغطت على "توكة" الحزام, ورفعت يدي إلى أعلى فلم يحدث أي شيء. بدا علي القليل من الإحراج, ثم رأيت أنه ربما من الأفضل أن أتخلى عن دوري السوبرماني للحظات. ربما علي أن أستخدم طرق الناس العاديين. لذا, توقفت عند أقرب عصارة, ودعوته لعدد 2 عبوة كانز من فئة الجنيهين, ثم أشرت للعلبة في يده وقلت له:

d “I bought it for you in order to say good things about us when you go back. This will help you say that you came and found us hospitable.. drink ya 7'abibi.. drink”.d

كان هذا هو محمد عازير الذي لم أتركه إلا بعد أن أوصلته الأتوبيس الذي يريد أن يركبه. أشار إلي بإبهامه وهو يركب قائلاً:

- عمرو.. إنت كويس كتير.

(هيييييييه.. أهو كله عشان خاطر مصر. بس يا ريت لو حد يعرف فين مصر دي يقولها إنها مديونالي باربعة جنيه)

سامانذا

مرة أخرى كنت أمشي في المحطة حين أوقفتني سيدة مبهرة الجمال, ولا عيب فيها إلا أنها طويلة وعريضة بما يجعلني أتضاءل أمامها حجماً. نظرت إلي وقد توسمت في علامات التميز والنبوغ والفهم وكل الأشياء التي لا يتسع المجال هنا لذكرها والتي قد أرفق بهذه التدوينة قائمة بها. قالت لي بصوت رنان:

- Is this train going to Luxor?d

لم أكن أعرف إن كان القطار ذاهباً إلى الأقصر أم إلى الجحيم, لذا قلت لها:

- Just give me a minute, I'll ask and be back.d

سألت سائق القطار فقال لي إنه ذاهب إلى أسوان. رجعت إليها وأخبرتها, فابتسمت (وما أدراك كيف ابتسمت هيههه) وشكرتني. عرضت عليها أن أحمل معها حقائبها إلى القطار فقالت لي:

- Thank you very much, and I can pay you if you want.d

هنا فهمت أنها لم تلحظ أي من علامات النبوغ والتميز, "انتي فكراني إيه بالظبط؟" هكذا فكرت. لكنني تداركت نفسي وقلت لها على الفور

- I am not doing this for money. It's out of duty. Egyptian man man mand.

أشارت لي أن أحمل الحقيبة الصغيرة, فانحنيت كي أحملها, لكنني لم أستطع أن أعود بظهري إلى وضعه السابق. نظرت إليها في قليل من الخجل وأخبرتها أنها قد ترغب في أن تحمل هي تلك الحقيبة. ضحكت (وما أدراك كيف ضحكت). اضطررت إلى الضغط على "توكة" الحزام,فتبدلت ثيابي على الفور إلى تلك الملابس السوبرمانية وظهرت لي تلك العضلات الكاوتشوكية. حملت حقيبتها التي عرفت بعدها أنها تزن 35 كيلو جراماً, ومشيت وهي تتبعني. سألتها:

- Where do you come from?d

ردت بلهجة مصرية خالصة..

- أمريكا..

(ده انتي شكلك من شبرا)

- From where in America?d

- Chicagod

قبل أن نصل إلى القطار, ذهلت عندما أخبرتني أنها لم تحجز تذكرة بعد. (هو انتي فاكرة هنا تسيب زي عندكم في بلادكم ولا إيه؟) قلت لها إن علينا أن نحجز ودعوت الله أن نجد تذاكر لها. فأشارت لي أن أجلس أنا بجوار الحقائب حتى تحجز هي وتعود.

ثم مر أكثر من نصف الساعة ولم تعد تلك التي لا أعرف اسمها. فكرت في أن هذه الشنطة الثقيلة لابد وأن بها متفجرات. هذا مخطط أجنبي لتدمير محطة القطار المتقدمة العبقرية التي ننفرد بها ونتباهى على كل الأمم. اتصلت بأحد أصدقائي الذي تصادف وأنه موجود بالمحطة. أخبرته بأن يقف بجانب المتفجرات حتى أعرف أين ذهبت ابنة مستر الرفضي هذه.

وصلت إلى شباك التذاكر فوجدتها تحاول جاهدة إقناع الرجل بأنها ذاهبة إلى الأقصر ومع ذلك فقد استخرج لها تذكرة إلى أسوان. لم يكن معها نقوداً مصرية فدفعت عنها وأعطتني هي الدولارت مكان ما دفعت. ثم عدنا إلى الحقائب فتهلل وجهها حين رأت صديقي, وقابلته كأنما نحن أصدقاء منذ ما قبل الديناصورات. خفت أن يعتقد الرجل أنني ألعب بذيلي في القاهرة. وبالتالي سيخبر أسرتي وأصدقائي بأشياء ليس لها أساساً من الصحة. تعمدت أن أسألها عن اسمها أمامه, فأجابت: سامانذا.

عرضت علينا الجلوس معها وشرب القهوة, لكنني كنت في عجلة من أمري. كانت سامانذا ستطير من الفرحة بعد أن أوصلتها إلى الرصيف الذي ستغادر عليه. كم هي موحشة الغربة, وكم هو جميل أن تجد من يساعدك في بلد لا تعرفه. أرادت أن تعطينا نقوداً فقلت لها:

- It's a free country hered

(أعني مجانية مستباحة, بينما أمريكا بلد الحرية) فهمت على الفور الدعابة وضحكت (وما أدراك كيف ضحكت).

كما ترون فقدري أن أعمل على الحفاظ على سمعة وصورة هذا البلد. ويبدو أنني أقوم بهذه المهمة وحدي, وبشكل جيد.

:)

هذه التدوينة مهداة لمن أوجعتهم بالتدوينة السابقة: إيزولد وديدي وواحدة من الناس.. ربما أنجح في رسم ابتسامة بدلاً من تلك “التكشيرة العابسة”.

أغسطس 29، 2009

تعود أن تموت

n12740820085_3152 الذهاب لساقية الصاوي له الكثير من الفوائد, ليس أقلها أن تتعرف على المبدعين من هذا الجيل. والمبدع الذي سأتحدث عنه اليوم لفت نظري في لقاء الأدباء منذ الوهلة الأولى. تعليقاته تدل على وعي كبير وقراءة مطولة للأدب شعره ونثره وللنقد أيضاً. لكنك حين تسمع شعره توقن أنك أمام مبدع بحق.

يبهرك عادل محمد بالطريقة التي يلقي بها قصيدته قبل أن يبهرك بكلماته. طريقته في الإلقاء تأخذك إلى لب النص. يعرف أين يقف ومتى يسكت. يعرف كيف ينتزع منك تصفيقاً مستحقاً.

حين علمت بديوانه الأول "تعود أن تموت", جذبني العنوان كثيراً. أردت أن أعرف لم قد يحتاج المرء التعايش مع الموت, وحين قرأت القصيدة التي تحمل عنوان الديوان فهمت. يقول عادل "اني أرى أن التعود جزء كبير من الحب. وهذا التعود هو ما يؤلم في الفراق. لقد تعودت أن يكون أول من يواسيك, وأول من يشاركك فرحك ومشاريعك وأحلامك, وتعودت أن تضعه قاسما مشتركا في أخص ما يخصك, وتعودت أن ترى في عينيه دمعك".

قبل أن أترككم مع القصيدة, لعادل ديوان آخر بعنوان"إليكِ يسير الطريق". يمكنكم شراء الديوانين من مكتبة البلد أو عمر بوك ستورز, أو ابحثوا على الإنترنت لتعرفوا أقرب الأماكن إليكم.

تعود أن تموت..

تعوّد أن تكونَ لديك

ككلّ الأخريات لديك

كأنّك لم تكنِ تهوى

ولم تجعل لها عينيك

كأنّ العمر كان سُدىً

وحبّك في ضمير الأيك

زرعتَ ربيعَهُ عشقاً

ليسقط في الخريف عليك

غداً إذ ما تقابلها

تمالك قلبك المهزوز

ورعشة صوتك الباكي

ونزفة حبّك الموخوز

توهّم أنّها أخرى

إذا معها الخيال يجوز

ستعرف من حلى يدها

الذي بالأمنيات يفوز

بعمرك كن حياديا مع الذكرى

مع ما كان ..

ما قد كان سوف يكون ..

ما لم – بينكم – يكنِ

ومرّ على رسائلها مرور الغافل الفطنِ

تنكّر وجهها المنثور فوق قصيدة الوطن

وسلها عنه في شغفٍ ويوم زفافها.. غنِّ

تعوّد لا تقل " نحن "

وعُد بضميرك المفرد

له حقّ امتلاك الحلم

وأنتَ عليك أن تشهد

وحيداً تحمل المأساة

ورغم حريقها تصمد

فقدت بكارةً معها

عساك اليوم أن ترشد

أغسطس 28، 2009

في سماء واحدة (2)

Moon_and_Sun_as_Lovers_by_bear48 عندما انفتح باب المترو وضعت قدمي فيه بينما عيناي مشغولتان بما في يدي. سمعت بعض همسات وهمهمات لم ألتفت إليها. انحنت الفتاة الواقفة بجواري قليلاً وقرأت اسم الكتاب الذي انشغلت به بصوت مرتفع:

- الرجال من المريخ, والنساء..

نظرت إليها في شيء من الدهشة.. وضعت يدها على فمها وضحكت قائلة بهمس:

- أهلا بك على كوكب الزهرة.

نظرت حولي فأكتشفت أنني دخلت العربة المخصصة للسيدات, قبل أن أستدرك ما حدث انغلق الباب, ورأيت كل الراكبات ينظرن نحوي بنظرات تتفاوت بين الاستنكار والاحتقار والقرف. انفلتت منها ضحكة أخرى, ونظرت أنا إلى الأرض في حرج.

تحرك المترو فجأة فاختل توازنها. مددت يدي لها, فلم تمسكها وإنما رجعت خطوة للخلف كي تمسك بالمقبض المعلق. انطلق قدر كبير من مصمصة الشفائف من أفواه السيدات المحيطات بنا. وتمنيت أنا لو أختفي, ثم أوليت وجهي صوب الباب, وراقبت صورتها المنعكسة على الزجاج. شاهدتها وهي تتحدث إلى الواقفات بجوارها, وباستمتاع شديد أخذت أستوضح في الهواء كلماتها, وأدقق في الزجاج كي أرى ملامحها. كانت تنظر بين الحين والآخر نحوي, فأشعر بالسرور يملأني.

بعد دقائق مرت سريعة جداً, توقف القطار وانفتح الباب فانتهت متعتي ووجدت نفسي مجبراً على التحرك والنزول. وضعت قدمي على الرصيف, فتحرك خلفي القطار ولم ألتفت.

في الطريق إلى المنزل لمت نفسي ألف مرة. كيف فوت الفرصة؟ كيف لم أعرف رقم هاتفها؟ عنوانها؟ أو حتى اسمها؟ ترى ماذا يكون اسمها؟

أستلقي على سطح المنزل, وأنظر إلى السماء المظلمة, أبحث عن شيء لا أعرفه, ربما هو الزهرة. أرجع إلى الكتاب.. لا يعجبني الكلام المكتوب فيه, فأتركه وأنظر إلى القمر. أجده وحيداً مثلي تبزغ من خلفه نجمات بعيدة وهو لا ينظر إليهن, ولا يلتفت. أضع كفي خلف رأسي, وأتذكر ضحكتها فأجد الابتسامة تعلو شفتي من فورها.

في الصباح, أقوم متأخراً على العمل, ألبس ملابسي بكل ما أوتيت من سرعة, وأخرج إلى الشارع, أبحث عن وجهها بين الوجوه التي أصادفها في طريقي, وقبل أن أهبط السلم إلى المترو أتذكر قمر البارحة فأرفع وجهي لأعلى. أشعر بكثير من سعادة لا مبرر لها حين أراه وقد التقى مع الشمس في سماء واحدة.

أغسطس 27، 2009

رمضان لم يأت عندنا

ramada في العام السابق, ذهبت إلى صلاة التهجد متأخراً قليلاً عن موعدها. كان المسجد قد امتلأ بالمصلين عن آخره. بل واصطف عدد لا يحصى من المصلين خارجه واقفين على سجاجيد وحصر فرشت على الإسفلت. نظرت إليهم وهم يقومون من السجدة الثانية في الركعة الأولى فهالني ما رأيت, وعلمت فضل صلاة الجماعة, أو ربما رأيت بنفسي فضلاً من فضائلها. وقف الجميع في لحظة واحدة بعبارة نطق بها الشيخ. فحينما قال "الله أكبر" وقفوا وكأنما هم جيش أو مجموعة عسكرية مُحكمة التدريب. كان الشارع مظلماً مما جعلني أهاب الموقف أكثر. شعاع النور المنفلت من باب المسجد كان يكشف جانباً من المصلين, بينما لم يظهر على مد بصري سوى الرؤوس.

لي مع رمضان الكثير من الذكريات, كلها حلوة وواحدة منها مؤلمة. ففي تلك الليلة نمت بعد أن تمنيت على الله المغفرة, فرأيت في المنام أني أتوضأ. وعندما استيقظت تهللت فرحاً, وأحسست أن أجنحة تنبت وأن جلدي صار أنعم, وأنني أصبحت أخف حركة ووزناً. لكنني علمت بعدها بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الرؤية لم تكن تعني ما ظننت, وأن للوضوء فيها معنى آخر تماماً.

مع هذا فأنا أفرح حين يأتي رمضان. يتهلل قلبي ويتعلق بالسماء. أمتليء بأمنيات كثيرة, أغلبها لي وبعضها لغيري. أطلب من الله وقلبي موقن أنه سيستجيب.

أعلم أني أدعو كثيراً (عن جهل) بأشياء لو تحققت لأصبحت أتعس حالاً, وأضل سبيلاً. أعلم هذا, إلا أنني أنتظر من الله الاجابة, أو دلالة على أنه سمعني, إشارة على أن كلامي لم يخرج من جوفي ليحتل مكاناً مبهماً في الفراغ.

هذه السنة انتظرت رمضان, واشتقت إليه كثيراً, لكنه حين أتى زار الجميع ولم يزرني. كل ما أعرفه أنني اليوم أختلف كثيراً عن العام الماضي. فليس من تكدرت نفسه كمن حافظ عليها بيضاء نقية, وليس من عرف السوء كمن لم يعرفه, وليس من ظلم كمن لم يظلم, وليس من قسى قلبه كمن لم يقس.

أذهب للصلاة, فلا يرزقني الله الدعاء, وأعود كما أتيت. ربما ما حدث أن رمضان كشفني أمام نفسي, فجعلني أدرك أنني أردد كلمات عن الرضا بقضاء الله على شفتي بينما أنا في الحقيقة ساخط على قدري وحالي بلا مبرر. ربما يجب علي أن أرضى, وأن أذهب أنا إليه.

لماذا أقول كل هذا الكلام؟.. ربما لأنني رأيت الكثيرين يتحدثون عن اختلاف في طعم رمضان, عن تغير في الشارع وقلة في الزينات, عن اختفاء لعادات وظهور لعادات أخرى, عن اختفاء الفرحة المتعلقة بأشياء لا تمثل لي أي علاقة بالشهر. هؤلاء مصيبتهم أقل من مصيبتي فهم يرون أن الشهر قد أتى, بينما أظل أنا منتظراً منه أن يزورني.

أغسطس 26، 2009

Up

حينما أشعر بالضيق, وبأن كل ما أريد بعيد المنال, أستمع إلى شانيا وهي تغني “Up”, فأحس أن الضيق طاقة تدفعني إلى الأمام.

يمكنكم قراءة الكلمات هنا

أغسطس 25، 2009

في سماء واحدة

The_Sun_and_the_Moon_by_xcgirl08 أفقت على سخرية في عيون المارة وهم يخبرونني بأن علي أن أحوش ما وقع. نظرت فإذا بي أرى أشياء كثيرة تقع مني. رأيت وروداً, وتذاكر للسينما, وقطع شيكولاتة, ودمى, وصورة لبيت صغير, وبعض كلمات حب تناثرت. راقبتك وأنت تبتعدين بينما تلهث خلفك ضحكات طفولية كنا قد ضحكناها معاً. راقبت قدميك الناعمتين تخفقان كجناحي حمامة بيضاء مذبوحة والرأس ثابتة في السماء. أخذت ألملم أشيائي الملقاة على الإسفلت من بين أرجل الناس, وكنت كلما لملمت بعضها, وقعت أشياء أخرى. ضممت ما جمعت إلى صدري في ألم, و مشيت.

استلقيت على النجيل المبتل للحديقة, ونثرت حزني في ظلام الليل, بينما كانت شفتاي تتمتم بما سمعت كما الممسوس.

في الصباح, كان كل شيء مختلفاً جداً, فالبدر الذي سهر معي ذلك الليل القصير, لم يرحل. ربما أوحشته شمسه كثيراً, وأراد أن يقول لها إن صباحها صباح خير, أو ربما جاءت هي مسرعة كي تراه قبل أن يختفي. ابتسمت أنا ابتسامة عريضة وشعرت بالكثير من فرح لا مبرر له وأنا أراهما في سماء واحدة.

My Mood

The_Dreaming_Boat__by_aNiiiCe

مركب ورق في البحر
والبحر قلبه كبيــر
مركب ورق قلبى
بتعاند المجادير
موج ياخدها لفوق
وموج يطوحها
شطوط بتحضنها
وشطوط بتجرحها
والبحر بجلاله
كتير مابيسعهاش
مركب ورق قلبى
أوان فرحها ماجاش

أغنية من فيلم “انت عمري”. لو حد يعرف مين كاتبها يقولي.

أغسطس 24، 2009

وجبة تُؤكل باردة

2c49453340039d3e لمعت عيناه الخضراوتان, وابتسم كثعلب على وشك الظفر بغنيمة سهلة, ثم أجلسني وأعطاني سيجارة أشعلها بنفسه. لم يكن مقتنعاً بأنني تشاجرت معها فقط لأنها قالت إنها تحبني. ولم يكن هذا هو السبب, فابنة العاهرة أرادت أن تعيش اللحظة بشكل زائد وأن تقول إنني حبيبها الوحيد. أنا متأكد من أنها نامت مع نصف رجال المدينة, وهي بعد كل ما رأيته وخبرته في الحياة تريد أن تعلق لي ذيلاً وقرنين. أخبرته بكل هذا, وأردفت أنه ضابط ومن المؤكد أن هذه الأصناف ترد عليه كثيراً.

لم يبد عليه الاقتناع, فوجدتني أنفي التهمة عن نفسي. نعم كانت السيارة سيارتي لكنها هي من كانت تقود, وحين قالت إنها تحبني وحدي ثرت عليها. فكيف يمكن أن تخلص امرأة لرجل؟ أنا كنت مثل الكثيرين على "نياتي", لكنني أعرف اليوم أن هذا غير معقول. قلت لها كل ما أريد, فوصمتني بالجنون والمرض النفسي, وتصاعدت حدة كلماتنا حتى صفعتها, ثم ظهرت فتاة صغيرة تمشي بلا اكتراث على الطريق فكان ما حدث.

- لكن لماذا تأتي إلى هنا بقدميك فتشي بصديقتك, وتشهر بسمعتك, وأنت من أنت؟ ألا تخاف من كلام الناس؟ ألا تخاف من التورط؟

نظرت إليه ولم أجب. كيف لم أفكر في هذا كله؟ ففي الصباح سأصير مادة إعلامية ممتعة للصحافة, سيجد هؤلاء الكلاب ثغرة ينفذون بها إلي, وسيقرأ الجميع عن الرجل الثري القاطن في الحي الفاره والذي كان بصحبة عشيقته حين صدمت فتاة مسكينة, سيسخر العاجزون والفقراء والعاطلون من صورتي وأنا أبعد وجهي عن الكاميرات, وسيستلقي أغلبهم على ظهره في المساء ويحكي لامرأته عني ثم سيردف ذلك بالحديث عن نعمة الفقر والطهر والشرف والكثير من الهراء. هم يفعلون أكثر مما فعلت, لكنهم لا قيمة لهم كي يصبحوا مثلما سأصبح غداً مادة للتندر وضرب المثل. سيحكي أصدقائي ما حدث وسيغير أكثرهم في الحكاية حتى تصبح أكثر امتاعاً وتشويقاً. أعرف هذا جيداً لأنني كنت أراه وأفعله.

أنظر إلى وجه الضابط فأجده ما يزال منتظراً الإجابة. أنا بالفعل لا أعلم لماذا أتيت إلى هنا. ربما لأنني لست سيئاً إلى الدرجة التي كنت أظنها, فبعدما رمينا الفتاة في الفتحة التي تؤدي إلى المجاري, صعدنا إلى الشقة وخلعت هي ملابسها كاملة وتركت باب الحمام مفتوحا بينما أسدلت المياه على جسدها. دعتني إلى أن أقف بجوارها تحت الماء لكنني وقفت ذاهلاً من بساطة تعاملها مع الموقف ولم أتحرك من مكاني. حتى عندما حاولت أن أنخرط معها في فعلنا شبه اليومي, لم أستطع. نظرت إليها بعد أن ارتدت ذلك القميص الأحمر المشتعل فتخيلتها شيطاناً, وخفت منها. حاولت أن أفعل معها ما اعتدنا عليه, لكن عضوي ظل منكمشاً كعذراء خجلة, حتى صفعت هي الباب وراءها وغادرت ووجها أشد حمرة من القميص الذي كانت تلبسه.

في الشارع كان الجميع ينظرون إلي وأنا أشير إلى فتحة المجاري التي رميت فيها الفتاة. كانت دائرة كبيرة من ساكني الحي تنظر إلي, وسمعت كلمات السخرية التي توقعتها من أفواه البوابين والخدم, الأسوأ من هذا أنها جاءت أيضاً من أفواه الجيران, حتى شيخ المسجد المجاور سخر مني وقال إن هذا هو آخر المشي "البطال". أنا متأكد من أنهم لا يعلمون ما حدث, لكنهم كانوا يتحدثون وينقلون التفاصيل لبعضهم, فالحفل حفل الجميع, والسخرية وإلقاء التهم وجبة لا تحتاج إلى إعداد كبير.

أدرت نظري لدقيقة واحدة فوجدت كل من حولي يحدقون في. كنت أشعر بنظراتهم وهي تثقبني وأعينهم وهي تمسحني من أخمص قدمي إلى آخر خصلة من شعري. أطرقت النظر وأحسست بالكثير من الخجل, حتى صرت منكمشاً كعضوي في الليلة السابقة. غاب الرجل الذي أحضروه خصيصاً للبحث عن رفات الفتاة في ظلام المجاري. لم يظهر سوى بعد دقائق مرت ثقيلة متمهلة, عاد ومعه قطعة لحم حمراء غلّبت أنها جنين لم يكتمل, غاب مرة ثانية, وخرج بعظمة فخذ لرجل أو ربما امرأة, غاب مرة ثالثة فأدرت نظري لأرى الهواء وقد خلا من كلمات السخرية, وأرى الجميع وهم يضعون أيديهم حول رقابهم.

ابتكار الخوف

"الطرحة في السلام شوبينج سنتر تطبقها مليون تطبيقة وبرضه بتشف.. أومال إيه ما هي مؤامرة.. مش شوبينج ده يهودي!"

كانت أول مرة بالنسبة لي أعرف فيها أن شوبينج يهودي.. التفت إليه وسألت"فعلاً؟". قال مؤكداً "أومال إيه طبعاً يهودي".

كان هذا الذي يتكلم وكيلاً لمعهد أزهري. قد تضحكون عند قراءة هذه العبارة لكنني أردها إلى تعليمه الذي ينظر إلى الإنجليزية على أنها "مادة ثقافية", أي أنها أقل في المرتبة من العلوم الدينية. أغلب الأزهرية ضعفاء جداً في الإنجليزية, لكنني لست بصدد الحديث عن هذا. إنما أريد أن أتحدث عن المؤامرة والخلط والخزعبلات.

تختلط في عقولنا الكثير من الحدود الفاصلة الدقيقة بين الأشياء. فاليهودية دين وهي ليست دليلاً على سوء المرء أو نيته السيئة أو طبيعته الحاقدة المتآمرة. أنا نفسي وقعت في هذا الخطأ أثناء ضرب غزة, فكنت أغني طول اليوم أغنية بورات Throw the Jew down the well. ورغم معرفتي أن هذه الأغنية قد ألفت للكشف عن التوجه العنصري عند الناس, إلا أنني كنت أجد تشفياً في اليهود (أو الإسرائيليين والصهاينة, حيث قضى الافتراض الذهني تساوي الثلاثة مصطلحات) الذين يضربون غزة. كنت أغني طيلة اليوم:

Throw the Jew down the well. So, my country can be free.g

نحن لا نخلط فقط بين اليهودية والصهيونية, بل نحن نشعر بخوف شديد من كل شيء حولنا وننسبه إلى هذا الكيان المختلط. فالمحطات الفضائية مؤامرة, وزي المحجبات الشفاف مؤامرة.. وربما تكون هذه التدوينة مؤامرة أيضاً. ويصبح كل شيء يهودياً, أي صهيونياً بالمعنى المفترض للكلمة. فيصبح شوبينج مطارداً, موصوماً بالتآمر على هذا البلد.

أنا لا أقول إنهم لا يتآمرون, بل أشير إلى هوس البعض بهذا التآمر, بينما تنام أعيننا عما يحدث لمياه النيل على سبيل المثال, ومحاولة إسرائيل التودد إلى دول حوض النيل (عدا مصر والسودان) في محاولة للإطباق على مورد حيوي قد يفتك بنا. تنام أعيننا عن الماء الجوفي الذي أجهزت عليه إسرائيل في صحراء سيناء, وننظر بأفواه فاغرة لها وهي تجري كي تنفذ مخطط البحر الأسود.

العجيب أنهم يلعبون معنا على المكشوف, ونحن نبحر في الخيال لتنبثق عقولنا عن محاولات للمؤامرة في العوالم الماورائية, وبأفكار خزعبلاتية إن جاز التعبير.

نحن لدينا إذاً مشكلة في التعامل مع الكيان الصهيوني, فنحن نخلط في توصيفه, فلا نراه بشكل واضح ولا نرى ألاعيبه الواضحة. ولدينا مشكلة أخرى في عقولنا التي لم تعد تري الواقع, فأصبحت تتخيل الخطر في الخيال بل وتشعر بالخوف منه.

أغسطس 23، 2009

ف حيطان الجامعة

e578385be300a1b3811c305f71d6e624

ف حيطان الجامعة
الكوسة جبال
عصابات عمال
وموظف سايق الاستهبال
مليون حرفوش
وأنا بادعي إلهي يحوش
تدخل في الجامعة ملك
تطلع حرفوش
تتعين برة بكام ملطوش
وإن كان ع الحب
ف الحب مالوش
الحب حرام
ع اللي ممعهوش

من كشكول محاضراتي أيام الجامعة

أغسطس 22، 2009

جالاتيا جميلة بالمكنسة

15632_cover--1_small

جاء في الأسطورة الإغريقية القديمة أن بيجماليون كان نحاتاً بارعاً يعيش في جزيرة قبرص, وتحديداً في أماثوس. كان بيجماليون يجد سعادته في العالم الصامت للتماثيل التي كان يصنعها بإزميله. ولأنه كان أحد المعجبين بأفروديت, فقد نأى بنفسه عن أي ارتباط بالنساء. لكنه كان يوقر أفروديت بشدة. ثم حدث أن صنع تمثالاً من العاج لامرأة وسماه جالاتيا. وكان لهذا التمثال جمال غير عادي حتى أنه وقع في حبه, حتى بدأ يتمنى لو أن التمثال كان على قيد الحياة.

أشفقت أفروديت على هذا المحب الوحيد. وفي أحد الأيام بينما كان يحتوي التمثال الصلب بذراعيه, أحس بيجماليون فجأة أن التمثال يتحرك وأن قبلاته يتم الرد عليها بقبلات. لقد أصبح التمثال بمعجزة على قيد الحياة.

استجابت أفروديت لحب بيجماليون فكانت «جالاتيا» التي تزوجها وأنجبت له بافوس. غير أن بيجماليون يكتشف بعد مضي فترة من الزمن أن زوجته جالاتيا تعيش حياة عادية، وأنها لم تعد تشبه المثال الرائع للجمال في تمثالها، ويتأكد له أنها فارقت الجمال الخالد عندما تمسك بالمكنسة لتمسح الغبار، فتصبح امرأة عادية. لذلك يبتهل بيجماليون مرة أخرى للإلهة أفروديت لتعود جالاتيا تمثالا، فتستجيب له.

لكن بعد مدة يشعر بيجماليون بالوحدة، و يفتقد جالاتيا المرأة، فييبتهل للآلهة لتعود جالاتيا امرأة، فترفض الآلهة طلبه هذا, فيعاني. ويفقد صوابه فيحطم التمثال في النهاية, ويموت كمداً وحزناً على فراق زوجته.. حبيبته.

أغسطس 21، 2009

فكرة

حين تأتي الفكرة تقهرني فأكون لها عبداً, وأروضها فأصبح سيداً..

حاولت أكثر من مرة أن أرد على تعليقاتكم لكنني لم أستطع.. فقد غزتني فكرة جديدة وأغرتني كي أتتبعها إلى ذلك البعيد الذي لا أعرفه. أجدني اليوم مشتتاً بين ما أريد وما ينبغي. هي تلك المتلازمة التي لا تخرج حياتي منها أبداً. أعد بأن أعيد ترتيب أولوياتي في المرة القادمة.. لكنني هذه المرة قررت أن ألغي الكثير من الأشياء وشرعت في كتابة روايتي الأولى والتي لم أضع لها اسما حتى وقت كتابة هذه الكلمات.

المشكلة أنني بهذا أضيف لحياتي المعقدة المزيد من الصعوبات. لا أعرف, ربما من الأفضل أن أتوقف عن الكتابة كلية, أو ربما يكون الأفضل ألا أفعل شيئاً غير الكتابة.

على أي حال فسواء كتبت أم لم أكتب تلك الرواية فأنا أرى أن لحظة ميلاد الفكرة تستحق التسجيل.. فميلادها كثيراً ما يكون لحظة مصيرية خطيرة, أو ربما ليست خطيرة على الإطلاق, فحياتي كلها قرارات أطلق عليها أنها مصيرية, بينما يبدو ألا شيء يغير المصير.

ملحوظة: شعرت بمشاعر مختلطة اليوم إذ فرحت بعودة إيزولد, بينما شعرت بالقلق من غياب إنجي ومن قبلها جارة القمر. مرحبا مجددا إيزولد, وسلمكما الله يا إنحي أنت وجارة القمر.

أغسطس 19، 2009

بيبا بيا


دنيا مسعود... أغنيات مصرية خالصة عبر وجه مصري خالص وحنجرة يشي صوتها بارتباط عميق بالجذور

أغسطس 18، 2009

خطة جديدة

Flying_Unicorn جذبت أذن الحصان الحديدي المجنح ونزلت على سطح البيت. كان علي أن أعرف أنه غير مناسب من البداية. هي أرق من نسمات الهواء المتلكئة التي سيصر هذا الحصان الأرعن على تجاوزها, وأنا لن أتركها تجلس خلفي على أي حال, فأنا أريد أن أحيط خصرها الطري بيدي, وأن أتحسس موضع قلبها فأشعر بدقاته تعلو من فرط السعادة والدهشة.

دخلت شقتي وأنا أشعر بإحباط شديد, فقد بذلت مجهوداً كبيراً لإخراج هذا الحصان من تلك الحكاية الفرنسية, وبذلت مجهوداً أكبر في التدرب على الطيران به. كنت أعرف منذ البداية أن فكرة الحصان الطائر هذه تقليدية للغاية.. عادية جداً. فلم ضيعت فيها كل هذا الوقت؟

فكرت للحظة, ثم دفعت بقدمي الأحذية الزجاجية والعصوات السحرية والأبسطة والمكانس الطائرة, وكل تلك الأشياء البلهاء التي جمعتها من كتب الحواديت. أزلت الكتب المفتوح أغلبها من على مكتبي وأمسكت القلم. ربما علي أن أضع خطة جديدة, فأميرتي تستحق أشياء مبتكرة وحكاية حب مدهشة.

أغسطس 16، 2009

أجازة

relax_by_yatiekas

نصحتني إيزولد بأخذ أجازة, وألح علي في هذا الأستاذ جمال عمارة. أرى أنني أحتاج إلى إجازة وإن كنت لا أستحقها. سأعود إليكم يوم الأربعاء, أو ربما قبل هذا بكثير..

أغسطس 15، 2009

قبلة حمراء مؤلمة

finch_by_inferences دخلت من باب المنزل, فإذا أمي تنظر لي تحت حاجب مرفوع. قالت إنني تأخرت وإن العصفورة أخبرتها بما حدث. اندهشت كثيراً, فقد مررت في كل الممرات الضيقة حتى لا تراني تلك العصافير اللعينة, فتخبر أمي أنني كنت ألعب الكرة في الشارع. قالت إنني لا فائدة مني, وأمنت جدتي على كلامها بينما قلت لنفسي إنني سأكبر يوماً ما وسأشتري بندقية أصطاد بها كل العصافير وتنتهي المشكلة.

في الليل استيقظت على صوت أمي تتألم.. جريت إلى غرفتها, فنظرت إلي وسألتني عن السبب الذي جعلني أستيقظ. أشرت إلى بقع حمراء على يدي. فابتسمت. قالت إن الناموسة تحبني لأنني ولد مطيع ثم غمزت بعينها. قالت إن من يسمعون الكلام فقط هم من تقبلهم الناموسة تلك القبلات الحمراء المؤلمة, وإنها ستعود مرة أخرى بعد يومين كي تزيل أحمر الشفاه الذي تركته إن تصرفت كما ينبغي.

نظرت إليها وأنا أضحك بخجل, فاحتضنتني, وأجلستني على حجرها. قالت إن علي أن أغسل قدمي المتسختين قبل أن أعود للنوم حتى لا تشمني "الشمامة". حين سألتها عن الطريقة التي تشم بها الشمامة الأطفال الصغار, وضعت فمها في وسط بطني وقالت "كده" ثم أخذت تدغدغني وأخذت أضحك.

في الصباح, كان الكثير من الناس في بيتنا. أخذتني جدتي من يدي وخرجت بي إلى البلكونة. أشارت إلى أعلى وقالت إن أمي أصبحت هناك وإنها لن تعود ثانية. بكيت وأخبرتها أنني سأكون ولداً مطيعاً وسأتوقف عن لعب الكرة في الشارع فقط لو تعود. احتضنتني جدتي, وقبلتني. ثم قالت إن أمي تحبني, وستعرف أخباري أولاً بأول, فقد رحلت لكنها تركت سماء مليئة بالعصافير.

من التاريخ السري لعمرو السيد (1)

في الصورة أنا وأم سامح

- أنا: إحنا رايحين فين يا حامد؟

- حامد: إمشي وانت ساكت.

- مصطفى: إحنا رايحين مكان.

- أنا: يا سلام. ما أنا عارف إننا رايحين مكان. يعني فين المكان ده بالظبط؟ وهانعمل إيه هناك؟

حامد: إحنا رايحين زار (بطريقة ريا وسكينة)

كانت الجملة الأخيرة كفيلة بأن أعلنها صريحة أني لن أخطو خطوة واحدة إلى الأمام. نظر إلي حامد وقال إنه قد اتخذ كل الإجراءات اللازمة فليس علي أن أخشى شيئاً, أردف مصطفى قائلاً إنه أحضر معه دجاجة كي يذبحوها عند قدمي أول من "يشوهر".

مشيت لا أعرف إلى أين, ثم إذا بلافتة مكتوب عليها "مكان".. ضحك مصطفى بمكر, وأشار حامد إلى رجل جالس أمام ذلك المبنى المواجه لضريح سعد زغلول. قال إن الرجل ليس بواباً وأنه سيلعب دوراً مهماً الليلة. دخلنا.. ثم كانت المفاجأة.

لم يكن ما ذهبنا إليه زاراً, بل كان فناً راقياً بكل ما تعنيه الكلمة. القاعة مصمة بحيث تبدو بيتاً مصرياً قديماً ينتمي إلى ما قبل الثورة بقليل. السياح يحيطون بنا من كل مكان, ألسنتهم تدل على أنهم من جنسيات متباينة. حين بدأ العرض كانت أم سامح تغني بصوت قوي, وحولها الدفوف ومعازف غريبة الشكل, أغلبها تنتمي إلى السودان والحبشة, الكلمات كانت خليطاً من العربية ولغات ولهجات أخرى أعتقد أنها كلها تعود إلى النوبة والسودان وإثيوبيا.

الجميع في القاعة يتمايلون, الحشد كله كان مبتهجاً. لست بصدد الحديث هنا عن الأمور الفنية فيما رأيت, أو عن أنواع الزار الثلاثة التي تكلم عنها حامد بعد العرض. لست بصدد الحديث عن الآلات الغريبة مثل الطنبور والمنجور. فأنا بصدد الإشارة إلى السعادة والبهجة, إلى تلك الثقة التي رأيتها في أعين العارضين, تلك الفرحة الواثقة بأنهم يقدمون شيئاً متميزاً مختلفاً, وأنهم فنانون بحق.

كانت هذه فرصة رأيت فيها فنانين غير هؤلاء الذين يتبعهم الحرس والكاميرات.. فرصة رأيت فيها الفن كما ينبغي أن يكون.

شاهدوا "مكان" هنا..

أغسطس 13، 2009

سمكة

Flying_fish_by_laverinne جاء في الأثر, أن صياداً في عهد موسى (ص) وجد سمكة كبيرة, فأخذها فرحاً إلى بيته.. وبينما هو في طريقه, إذ بصياد آخر يأخذها منه عنوة. قال الرجل:

- اللهم إني ظلمت, ولا طاقة لي بانتظار الآخرة.

وما أن دعا الله حتى استجاب له. إذ على الفور عضت السمكة يد المغتصب, فأحس بألم شديد في إصبعه.

تعجب الطبيب, ثم باح بخوفه من أن ينتقل الألم إلى الكف إن لم يُبتر الإصبع. لكن وعلى الرغم من عملية البتر التي تمت سريعاً, فقد انتقل الألم. وكان المدهش أن الطبيب كان كلما قطع جزءاً من يد الظالم, انتقل الألم لما بعده, حتى غاب الرجل عن الوعي من الإعياء والتعب.

ثم حدث أن جاء للظالم في المنام صوت يلومه على ظلمه, ويخبره أن الألم سيستمر مادامت المظلمة. فلما رُفع الظلم عن المظلوم سكن الألم, وعاد للظالم إصبعه.

حكاية تم تبسيطها من كتاب "قصص العرب" لإبراهيم شمس الدين

أغسطس 12، 2009

قمر صناعي

satellite

قمر صناعي أنا..

تعالى, فما دنا

تخطى خطوط الطول والعرض

تعلق بين الأفق والأرض

فلا صار هناك, ولا بقي هنا

قمر صناعي أنا.

من كشكول محاضراتي أيام الجامعة

أغسطس 11، 2009

حاجة غريبة والله (2)

radiohead أحياناً كثيرة تشعر أنك الوحيد في العالم الذي لا يعلم أي شيء على الإطلاق. أنا مثلاً استيقظت في صبيحة أحد الأيام لأجد كل الناس يتكلمون عن الفيس بوك والذي لم أكن قد شرفت بزيارته قبل عامين. في هذا اليوم شعرت أنني لو فتحت الحلة التي تطبخ فيها أمي لوجدت معلومة عن هذا الموقع. كان الجميع يتحدثون عنه, وكأني أنا الوحيد الذي وقعت من فوهة الزمن. وعندما سجلت في الفيس بوك اكتشفت أن جميع أصدقائي هناك.. حتى الجهلة منهم بالحاسب الآلي والإنترنت (من وجهة نظري على الأقل). ساعتها شعرت بأن محمد سعد (الشهير باللمبي) والذي لا أطيق مشاهدته يوجه لي جملته الشهيرة في هذا الإعلان الرمضاني قائلاً "انت قاعد هنا والناس كلها راحت الأوبرا".

بالأمس استمعت إلى فرقة راديوهيد Radiohead. لم تعجبني موسيقاهم بطيئة الإيقاع ولم أجد تميزاً في أصواتهم, لكنني وجدت العالم كله يتحدث عنهم. تساءلت على الفور عن الجديد الذي أتوا به. ثم اكتشفت أنهم يختارون كلماتهم بعناية. أعجبتني لهم أغنية بعنوان Down is the new up. وجدت بها الكثير من الأمل والتفاؤل. بالإضافة إلى ذلك فهم ينتهجون نهجاً مغايراً في تصوير أغانيهم.. فهم يستخدمون الأشكال المجردة ثلاثية الأبعاد وجرافيك غريب الشكل في حين مازلنا نحن نجذب المشاهد باستخدام تقنية "المزز" عالية الكفاءة!!

الأكثر من ذلك, وربما هذا هو سبب الانتشار المريع لهم في الآونة الأخيرة, هو أنهم يبيعون ألبوماتهم الغنائية بشكل غريب جداً. فهم يتيحون الألبوم على موقعهم بسعر يتراوح من صفر دولار إلى 100 دولار تقريباً. أي أن على المشتري أن يحدد قيمة المنتج. العجيب أنه بالرغم من أن 3 من بين كل خمسة أشخاص نزلوا الألبوم لم يدفعوا, فمن دفعوا وحدهم جعلوا الفريق يكسب 6 مليون دولار في أسبوع واحد من إصدار ألبومهم In Rainbows ويقدر ما يدفعه الفرد في المتوسط مقابل الألبوم 1.11 دولاراً وهو ما يزيد على القيمة التي كانوا سيتقاضونها في حال نشر المنتج بالطريقة العادية في السوق.

جملة واحدة تتردد الآن في عقلي.. مؤكد أنكم تعرفونها.. أيوة

حاجة غريبة والله

أغسطس 10، 2009

حظوظ :)

drama أعود من العمل بعد يوم تتراوح ساعات العمل فيه من 10 إلى 12 ساعة, أدرب عضلات جسدي لمدة نصف ساعة بأوزان متوسطة الثقل خوفاً من أن يصاب جسدي بالترهل الذي بدأ بالفعل, ثم أغسل ظهري بصابونة كبريت كي أعالج البثور التي ملأته, أنشف جسدي ثم أقوم بخلط الكثير من المراهم والكريمات لأدهن بها ظهري, وبالطبع لا أصل لكل مكان فيه. جلدي حساس جداً, وحين يأتي الصيف يلتهب أغلبه, فأجدني مضطراً إلى دهان أماكن كثيرة بدهانات متعددة, ثم أجلس نصف عار حتى يشرب الجلد الدواء. يذكرني هذا بعقاب جارتنا لابنها. فقد قيدته ودهنت جسده بالعسل وتركته للذباب. المهم أنني بعد ذلك أبدأ في تدليك فروة رأسي ورشها باستخدام بخاخة للحفاظ على القدر الذي تبقى من شعري.

بعد ذلك يأتي دور إعداد الغداء/العشاء في وجبة واحدة, فأنا أعيش بمفردي, وبالتالي يتحتم علي أن أحدد ما سآكل وأن أطهو والأكثر من ذلك أن أتناول ما طهوته والذي لا يكون شهياً في أغلب الأحيان. أغسل أسناني خوفاً من أن تتسوس, أتصل بأسرتي في أقاصي الصعيد ثم أكتب تدوينة. بعدها أقرأ قليلاً إما في رواية أو في أحد الأبحاث استعداداً للتقدم للمرة الثانية لدراسة الماجستير في إحدى الجامعات. وأنام بينما أقرأ. ثم أصحو من النوم فأكرر كثيراً مما فعلته قبل أن أنام, وأتوجه للعمل.

أستغل يوم الجمعة في أعمال أخرى ذات شأن وستعود على الأمة بالكثير من النفع. فأنا أغسل ملابسي وأنشرها وأغسل الأطباق وأرتب الشقة التي تتحول بشكل سريع إلى جبلاية قرود. أنا المترجم الوحيد في الشركة الذي يداوم على العمل في أيام السبت. أفعل هذا كي أستحق إجازة تتراوح بين أربعة أيام إلى خمسة كل شهر أقوم فيها بعمل الكثير من الواجبات تجاه أسرتي, وأقوم أيضاً فيها بعمل الكثير من الأشياء التي تنقصني.

يضيع أغلب جهدي كما ترون في محاولة الوصول إلى صحة جسدية عادية, والبقاء على قيد الحياة من خلال العمل والطهي والأكل والواجبات المنزلية. أحلم رغم هذا الروتين اليومي بأن أصبح يوماً كاتباً جيداً ومترجماً لا يشق له غبار.. أحلم أن أجد مكاناً في قطار الحياة الذي دفعت فيه ثمن التذكرة وغرامة التكييف ولم أجد فيه كرسياً فوقفت متململاً يملأني الضيق. أحلم, وبمرور الأيام تتحول هذه الأحلام إلى وحوش تجري خلفي ولا أملك الهرب منها.

أنا بالإضافة إلى صعوبة الحياة التي أحياها, وموقفي الوظيفي التعليمي الحرج, لدي الكثير من المشكلات الاجتماعية والشخصية التي يمكن لأي شخص أن يقرأها بسهولة بين أسطر قصصي. كل ما أعلمه أن الحياة تحولت مرة واحدة إلى شيء مؤلم صعب وغير سار على الإطلاق.

نعم أعيش حياة مليئة بالفشل والإحباط والألم, لكنني كما ترون أفرز الكثير من الأفكار, رأسي تعمل بلا توقف تقريباً, أقرأ كثيراً, وأعمل كثيراً, وأكتب بشكل مكثف. أسابق لحظات حياتي وأحاول أن أتكيف مع وضعي الحالي, وأن أرتقي.

أنا أحاول أن أضحك, وأن أتلمس كل شيء إيجابي وأقول لنفسي إنه علامة من الله على حدوث انفراجة أنتظرها منذ زمن طويل. ما كتبته في قصة زفاف لم يكن خيالاً جامحاً بل كان ما حدث لي بالفعل, فأنا أكلم الأشياء في شقتي, وأضحك معها وأدلل أغلبها. حتى الناموسة حين تلدغني لا أقتلها, أنظر إليها فقط وأقول لها إنها قليلة الأدب, وإنني شاب وحيد أعزب وهي تريد أن توردني موارد الإثم. أخاصمها وأطلب منها أن تأتي كي تمسح طلاء الشفاه الأحمر المؤلم الذي طبعته على جلدي.

اندهش أحمد شكل, زميلي في العمل, كثيراً حين رآني مسروراً بعدما قرأت إعلاناً عن منحة كنت أنتظرها, ظن في البداية أنني قبلت في المنحة وحين أخبرته أنني سعيد فقط لأنها جاءت في موعدها, كان عقله سيطير. أنا "أتلكك" كي أفرح, فأنا أريد أن أعيش.

أضحك رغم أني أمر بالكثير من الفواجع. أراهن أن أغلب من يقرأ هذا المقال لن يحتمل مجرد أن أحكي له عن قليل مما أصابني ويصيبني كل يوم.

أعيش وسط الكثير من المشكلات المزمنة, لكنني لا أترك اليأس يصيبني, أقول لنفسي دائماً كلمات قالتها تسنيم ذات مرة وهي أنني واقف في طابور طويل وسأحصل يوماً ما على نصيبي من السعادة. أو أقول كلمات تميم: "قد كان هذا من قبل واجتزنا به, لا شيء في هذا يخيف ولا مفاجأة هنالك". أو أغني أغنية وجيه عزيز "إن ما قدرتش تضحك ما تدمعش ولا تبكيش"... إلى "قولهم العيب مش فيا ده العيب في الضي". أو أقول "ضاقت فلما استحكمت حلقتها فرجت.. وكنت أظنها لا تفرج".

لا يلحظ أغلب أصدقائي وأكثرهم قرباً مني كل ما أمر به, لا يلحظ هذا زملائي في العمل, لكن هذه المساحة التي أقمتها على الإنترنت هي مساحة كي أقول فيها بصوت عال إنني أتألم. في الحقيقة لقد أصبحت هذه المدونة بيتاً وعائلة لي في واقع افتراضي. أنا ممتن لكم لأنكم تتحملون معي تلك الآلام وأود أن أعفيكم منها, لكنني لا أستطيع.

لماذا أقول كل هذا الكلام؟ ربما بسبب الكثير من التعليقات التي نعتت كلامي بالكآبة والافتقاد إلى الفكاهة والمرح. مع أنني أكتب تدوينات بها الكثير من المرارة وتدوينات أخرى تحول المرارة إلى سعادة وتدوينات ثالثة محايدة, بل وأحكي الحواديت للبنات الحلوين, وأحاول كثيراً رسم البسمات على وجوه الكثيرين.أنا الشخص الذي كتب زفاف, وأنا من كتب مراخير طويلة وأنا أيضاً من كتب حروق. لهؤلاء الذين قالوا إنني كئيب أقول إنني متفاءل جداً, والدليل أني مازلت على قيد الحياة.. الدليل هو أنني مازلت أتألم وأعلو فوق هذا الألم.. الدليل هو أنني مازلت أبتسم وأضحك, لكنهم لم يسعدهم الحظ برؤية ابتسامتي ولا سماع ضحكتي.. والدنيا حظوظ

طفلة صغيرة في مهد كبير

Grandmother_by_radina على الرغم من أنني ابن المدينة الذي لا يحب الريف كثيراً, إلا أن صدمة الخبر كانت كفيلة لأن أسرع بلا تفكير. كان الخبر صادماً بالنسبة لأبي أيضاً, فبدل ثيابه وقرر أن يذهب على الفور.

أكره أن أذهب إلى "البلد" فالعيون هناك تحملق في كأنني مخلوق عجيب هبط لتوه من الفضاء. أكره عدم مقدرتي على الحديث بلكنتهم واستهزاء أغلبهم بتلك اللكنة الشمالية التي أخذتها عن أمي. أكره كل شيء هناك, لكنني أحب جدتي.

هي أيضاً تحبني كثيراً. كنت كلما ذهبت إليها وأنا صغير تعطيني مبلغاً كبيراً من المال كي أشتري حلوى. كان المال في أغلب الأحيان يكفي لأن أشتري نصف بضاعة المحل الفقير الموجود بالقرية. حين كبرت قليلاً حكت لي الكثير عن جدي الذي توفي قبل عشرة سنوات. كنت أعشق ألق الحب المتلألأ في عينيها رغم مرور الكثير من السنين. كنت أعجب لها حين تنظر إلى السماء كما لو كانت تتساءل عن السبب الذي تعيش من أجله بعد وفاة حبيبها.

كثيراً ما كانت تخبرني بأن علي أن أتزوج, فهي تريد أن تفرح مرة أخيرة في الدنيا قبل أن تذهب إلى حيث يمكث جدي.. تتنهد وتخبرني بأنها اشتاقت إلى اللقاء. في المرة السابقة حين كررت مطلبها علي, ابتسمت وقلت إني سأفعل, ثم مرت خمس سنوات كاملة ولم يحدث شيء.

القلق يحتل وجه أبي.. أعرف أن شريطاً من الذكريات يدور في رأسه, أمسك بيده محاولاً طمأنته ندخل إلى البيت فأراها وقد تضاءل جسدها فأصبحت طفلة صغيرة في مهد كبير. يهرول أبي إليها, يرفع رأسها إلى صدره, فتفتح عينيها بتثاقل وتسأله:

- إنت مين؟

يبكي أبي بحرقة شديدة, وأمنع نفسي من البكاء, أحاول تخفيف الموقف, فأنظر إليها وأقول مداعباً:

- انتي كبرتي ولا إيه يا ستي.. ده محمود ابنك.

تنظر إلي والفرحة تملأ وجهها, ترد بسعادة غامرة:

- انت جيت يا عمرو

أغسطس 08، 2009

إيزولد

أقمت هذه المدونة قبل أكثر من عامين, ولم أعط عنوانها لأحد, وكانت المفاجأة في أحد الأيام أن زارتني فتاة تدعو نفسها واندرر. من اللحظة الأولى أدركت أنني أمام شخصية واعية. كانت تتحدث عن الاستشراق وأشياء فوق مستوى فهمي, انبهرت عندما دخلت مدونتها بقدرتها على التعبير عن نفسها بالإنجليزية. واندرر والتي غيرت اسمها بعد ذلك إلى هالو ثم إيزولد لم تكن مجرد قارئة للمدونة, فتعليقاتها أعطتني الكثير من الثقة في أن ما أكتبه يستحق القراءة. هي أقدم زوار هذه المدونة من الذين التقيت بهم على الإنترنت, ولا أذكر أنها تركت تدوينة إلا وعلقت عليها وأعطت رأيها بلا مجاملة.

تعلمت من إيزولد أن الفرحة لا تأتي للإنسان وإنما هو يخلقها. فأنا لاحظت من خلال تعليقاتها وتدويناتها أن لديها الكثير من الأشياء التي تدعوها للحزن, لكنها مع هذا كانت تكتب تعليقات مليئة بالسعادة والسرور.

بقي عشرة أيام على سفر إيزولد إلى الولايات المتحدة, طبقاً لما هو مكتوب في مدونتها. أرى أن تعليقاتها أصبحت مليئة بالقلق والتوتر وربما الحزن أيضاً. اليوم أريد أن أرد لها جزءاً من تشجيعها ودعمها لي.لذا فأنا أدعوكم إلى زيارتها, والدعاء لها معي بأن يحفظها الله في سفرها عن يمينها وعن يسارها ومن خلفها ومن أمامها ومن تحتها ومن فوقها, وأن يحميها الله من نفسها. كما أدعوكم إلى الدخول إلى مدونتها كي تقتربوا منها أكثر. صلوا لإيزولد بظهر الغيب بما شئتم من الدعاء, ولا تنسوني أنا أيضاً.

اليوم أنا أهديها هذه الحدوتة, لربما أستطيع أن أرسم ابتسامة على شفتيها, وأرجو ألا يعلق أحد على هذه التدوينة قبلها, فاليوم يومها, والحفل هنا منعقد من أجلها.

ملك قلوب القطط

 

king

في يوم من ذات الأيام نزلت أميرة القطط للشارع ومعاها وصيفاتها والحراس.. من بعيد شافت قط مشمشي وسيم قوي. هي كانت قطة بيضة وحلوة كمان. العين جات في العين, والقلب سلم على القلب. القط وهو في عز سعادته ما بصش قدامه وهو بيعدي الطريق فجات عربية من بعيد قوي وداست على رجله.

أميرة القطط قلقت عليه قوي, لكن حراسها قالولها إن الاختلاط بعامة القطط يخالف تعاليم أبوها الملك, ووصيفاتها استعجبوا قوي من إنها حست بكل الألم ده عشان حتة قط في الشارع لا راح ولا جه.

في اليوم اللي بعده كان قط حكايتنا واللي اسمه طقطق عند دكتور القطاقيط اللي قاله:

- أنا هاعالجك بس عشان انت صعبت عليا.. لكن الجبس ده المفروض يتدفع عليه أكتر من خمس فيران ميتين أو تلاتة حيين.

طقطق ما كانش قط عادي, هو كان من عيلة كبيرة, من بلاد بعيدة قوي, وكان من تقاليد عيلته إنهم ما ياكلوش من الزبالة في الشارع. هما كانوا بيعتمدوا على صيد القطط. لكن طقطق ما كانش بيحب يصطاد الفيران عشان هو كان على عكس بقية القطط بيحب الفيران, والكلاب وكل حاجة حواليه. بعد ما رجله اتجبست طقطق صمم إنه ما يخالفش مبادئ العيلة وإنه لو هايموت مش هاياكل من الزبالة. يوم ورا يوم الأكل اللي كان شايله في القط فريزر (أصلهم ما كانش عندهم ديب فريزر هههه) قرب يخلص.

طقطق قرر يطلع لشارع المدينة. هو بيحب الناس كلها, وبيحب كل شيء حواليه. من زمان وهو نفسه يعرف طريق الرجوع لبلده لكن ما باليد حيلة. المهم هو قرر إنه يحاول يتصاحب على أي أسرة تستضيفه عندها, عشان يحبهم ويحبوه, ويفرح بيهم ويفرحوا بيه, لكن حظه كان وحش قوي قوي, لأنه قابل شوية عيال أشقيا خالص كانوا بيحبوا يلعبوا بالحونات.. فمسكوه من ديله وفضلوا يلفوه في الهوا ويسيبوه فيخبط في الحيطة, ويلفوه ويسيبوه ويخبط في الحيطة.

طقطق ما ردش الإساءة بالإساءة وما رضيش يخربشهم.. هو بس أخد بعضه ومشي بعيد بعيد.

الأيام عدت, حلوة ووحشة وطقطق رجله خفت بس كانت بتعرج حبة نونو كده. هو كان مثقف قوي, كل يوم كان بيقعد يقرا في تراث أجداده القطاقيط, وبعد ما يقرا يفتكر أميرته, ويسأل نفسه يا ترى هي فاكراه ولا لأ.

الأميرة من قصرها كانت بتبص في بلورتها السحرية وتشوف طقطق وهو كل يوم بتحصل معاه حاجات تقطع القلب.. لكن كانت بتحاول تراعي تقاليد القصر, وما تجيبش لنفسها مشاكل كتيير.

مرت الأيام وعنين طقطق ضعفت من كتر القراية, راح لدكتور العيون المقطقطة فقاله إنه محتاج نضارة قططي, وإنها هاتكلفه عشرين فار. لكن إزاي يعني يصطاد وهو بيحب الفيران؟ طقطق وحيد في المدينة ومعهوش اللي يساعده, فقرر إنه عشان يعيش لازم يكون قاسي. وقال إنه هايعتمد على نفسه وهايصطاد الفيران عشان يشتري النضارة. من بعيد شاف حاجتين سود كده افتكرهم فيران, ولما قرب منهم طلعوا كلاب سودا كبيرة طلعت تجري وراه وما سابوهوش غير لما إدوله علقة نضيفة.

الأميرة كانت شايفة الكلام ده من بعيد وصعب عليها طقطق قوي فقررت تستحمل كل اللي هايحصلها وأمرت الحراس إنهم يروحوا يخلصوه من الكلاب ويجيبوه.

لما وصل طقطق القصر كان مليان جروح كتيرة والدكاترة الملكيين قالوا إنه مش هايعيش كتير. الأميرة كانت عارفة إنها بتحبه قوي فقررت تخلي آخر أيامه حلوة قوي. قعدت هي وعلماء القصر يفكروا في طريقة يخلوا طقطق بيها يشوف أهله قبل ما يموت. هو عاش طول حياته وحيد, ولو شافهم هايبقى ده حاجة هاتفرحه أكيد.

العلما قالوا إنهم عندهم الحال, فعملوا نضارة لطقطق وركبوا في حيطان القصر مرايات ضخمة مقعرة ومحدبة عشان لما يعدي وسطها يشوف قطط شبهه كتير. الأميرة وقفت في الناحية التانية من السفرة وطقطق قعد في وشها, والشاش حواليه داير ما يدور.. قالت له إنها بتحبه, وقال إنه بيحبها.. مشوا مع بعض في القصر فشاف أجداده القطاقيط.. وفجأة وهو ماسك إيدها, حس إن اللحظة جت, وإنه بيموت. بص عليها وقالها إنه ما كانش خايف يموت, وإنما كان خايف يموت من غير ما حد يقوله "باحبك".. الأميرة فضلت تقوله إنها بتحبه لغاية ما فستك (يعني مات هههه)

هي كانت هاتموت عليه من الزعل, وقررت تخلد ذكراه فأمرت النحاتين يعملوله تمثال. كان التمثال لقط ملفوف بالشاش وخارج من صدره قلب كبير. في كل عيد حب, كانوا القطاقيط والقطقوطات اللي بيدوروا على حد يحبهم بييجوا ويقفوا عند التمثال ويقولوا أمنيتهم. اتقال في مدينة القطط إن التمثال ده كان له مفعول سحري, وإن كل اللي بيدور على الحب ممكن يلاقيه حوالين التمثال.

أغسطس 07، 2009

أسمعه يضحك

(1)

شعرت أن قلبه يتصدع من شدة الحزن فحاولت التخفيف عنه مستفسرا عما حدث, لكنه رفض أن يبوح بسره, فاحترمت رغبته.

وقفت أمامه أربت على كتفه في شيء من التعاطف. اغترفت من حزنه فهو أحد صديقين لا أملك سواهما, ومن خلف وجهه الذي بدا لي لحظتها بلا ملامح, رأيتها.

كنت أرقبها دائما في قاعة المحاضرات عند ذهابها وإيابها من خلف حواجبي الكثة, كنت أكلمها في خيالاتي وأختصم معها, لكنني لم أشأ أن أتطفل عليها كما يفعل الباقون.

أرغمته لحظات الصمت علي الانهيار فبدأ يحكي سره, ثم رأيتها من خلفه تناديني بإصبعها.. أحسست أن الفرصة تبتسم أمامي, وفي أقل من لمح البصر كنت عندها.. تتكلم وأتكلم, تبتسم فأضحك. لحظتها شعرت أن الكون قد حضر بين يدي لكن دون شخص واحد, .ذلك الذي تركته خلفي يشكو حزنه للهواء.

(2)

أحس أن الحزن يشق قلبي, يربت صديقي الآخر على كتفي, يحاول أن يخفف عني, مستفسرا عن سبب وجومي وقد زاغت عيناه, لكنني لكبرياء داخلي أرفض أن أحكي, ثم أجدني وسط لحظات الصمت أنهار, وفي مستهل حكايتي يذهب, وأسمعه يضحك.

هذه القصة من مجموعة كوابيس الفتى الطائر نشرتها خصيصاً حتى لا تنام إينجيل وهي زعلانة مني, وأنا أهديها لها.

احتفال

قد لا يهمكم كثيراً ما سأقوله الآن, لكنني أشعر بضرورة تأريخ اللحظة وتدوينها, فاليوم صفق لي أستاذي محمد عبد المطلب مرة حين قرأت عليه قصة "زفاف", ومرة أخرى حين قرأت قصة "الشمس تزور أبي أولاً". اليوم صفق الأستاذ للتلميذ. لذا فأنا أشعر بسعادة غامرة بعد يوم مليء بالقلق.. أشعر بالحاجة إلى نوم هادئ خاصة بعد ليال طويلة من السهر. اليوم, لا حاجة لي بأن أسعد نفسي بأسباب ملفقة, فأنا أشعر بسعادة حقيقية.

أغسطس 06، 2009

الجميل الذي يليق عليه الغرام

love_love_love_by_narabia منذ الكثير من السنوات تغزل أشرف عبد المنعم في مقاله الفني الثابت بالصفحة الثانية من أهرام الجمعة بجملة في أغنية لمحمد فؤاد: "إنت الجميل اللي لايق عليه الغرام".. أغاظتني هذه الجملة تحديداً. فأنا لا أرى أن الغرام مثل الفساتين والقمصان تليق على شخص ولا تليق على آخر. مع هذا فبعد مرور الزمن بدأت أؤمن بهذه الجملة بشدة.

لقد اكتشفت بعد الكثير من السنوات أن هناك الكثير من الأشياء التي لابد من توافرها في الطرف الآخر كي "يليق عليه الغرام". فكل منا لديه صورة عقلية عن أوصاف هذا الطرف سواء وعينا ذلك أم لم نعيه. لكن مما تتشكل هذه الصورة؟ إنها تتشكل من الجمال والمال والنسب والذكاء/البناء الفكري, والبناء الجسدي, والسلوكيات, والقبول الروحي, والسلطة/النفوذ, والطبقة الاجتماعية والقائمة تطووووول.

بعد الكثير من السنين, وبعد تجارب تعلمت فيها بالطريقة الصعبة (طريقة المحاولة والخطأ) اكتشفت أن "الجميل اللي لايق عليه الغرام" بالنسبة لي هي فتاة تمتلك قدراً بسيطاً من الجمال, والبناء الجسدي, ولا يشترط أبداً أن يكون لديها أي قدر من المال, أو النفوذ, أو المستوى الاجتماعي المتميز, بينما يشترط أن تكون على قدر كبير من الذكاء والعلم والقبول الروحي. عرفت بعد الكثير من العذاب أن الفتاة المناسبة لي والتي سيليق عيها الغرام هي فتاة تضحك في الأزمات, وتتحدى الأيام, وتحب قراءة الأدب, وتحب الحواديت.. وفوق كل ذلك تتمتع بقبول عندي.

فكرت في بقية المتغيرات, وأنا أعتقد أن لدي أسباب منطقية تجعلني لا أبحث عنها. فإن تحدثنا عن النسب أو المال أوالمستوى الاجتماعي المتميز أو النفوذ, فأنا حين سأغلق الباب أنا وزوجتي المستقبلية, سوف نترك كل هذا خارج البيت وسأظل أنا وهي فقط. بالطبع لابد من توافر قدر معين من هذه الصفات.. قدر لا يجعل حياتنا تتكدر.

أما بالنسبة للجمال والبناء الجسدي, فأنا أعرف أن الحب يأتي بدونهما, بينما الجنس هو أمر إجرائي قد تأتي فيه المتعة بلا حب على الإطلاق. والمتعة الجنسية هي متعة قصيرة الزمن من وجهة نظري على محوريها الطولي والرأسي. فلا ينبغي أن نعطيها الكثير من الاهتمام.

هذه هي حسبتي للأمور, ولكل منا حسبته الخاصة به. أنا أبحث عن زوجة تصلح صديقة عمر قبل أن تصلح كحبيبة. فالحب عاطفة ملتهبة تسير على متصل سيني فتعطي شكلاً منحنياً قصيراً يصعد بقوة ويهبط بقوة أيضاً.

الاختيار يصبح أكثر تعقيداً حين نعلم أن الكثير من الناس يظهرون ما لا يبطنون, وتضعهم بيئاتهم الاجتماعية في مواضع زائفة لا ينبغي أن يشغلوها. فلا تعلم إن كان هذا الذي ترى هو من تنطبق عليه الصورة, أم أنه زيف وانطلت عليك الخدعة.

هناك مشكلة أخرى هي أن البشر يتفننون في التمييز بين أنفسهم, فإن وجدت الطرف الذي تبحث عنه فقد يقف بينكما حائل المنصب أو الطبقة أو النسب. تخيلوا معي أن يجد فردان بعضهما البعض فتنطبق الصورة الذهنية التي في عقل كل منهما على الآخر. هل يحدث هذا حقاً؟ نعم, يحدث.. وتزداد احتمالية حدوثه كلما قلت ثقافة الفرد, حيث تصبح توقعاته أقل, وصورة هذا الذي يليق عليه الغرام المتكونة في عقله أكثر بساطة. وتقل هذه الاحتمالية أكثر فأكثر, كلما على شأن الفرد, وازداد في المعرفة, حيث تتعقد ملامح الصورة, وتزداد المتطلبات والتوقعات.

الأكثر من ذلك, أن المرء إن استطاع أن يجد نصفه الآخر, وكان هذا النصف يناسبه على جميع المحاور, فقد لا يرضى الأهل لأسباب قد تكون ميتافيزيقية ما ورائية ليس لها علاقة بالواقع. أو قد يجد أن هذا الطرف غير مستعد للارتباط, أو يجده مرتبط بالفعل. يواتيني هنا بيت شعري كتبه أحد أصدقائي حيث قال: "بالدبلة قالت لي أنا مخطوبة.. وكلامها خبط زي الطوبة".

قد يؤدي ذلك كله إلى زواج والسلام, وهو أمر أخذت على نفسي عهداً ألا أقع فيه. "فالزواج والسلام" هو عقد واتفاق ضمني على العيش بطريقة سلمية بين طرفين, وتبادل المتعة الإجرائية والمسئوليات والواجبات. لا تتعجبون, فقد يصبح الزواج اتفاقاً مثل اتفاقات النفط مقابل الغذاء. وكما ترون, فالحب احتمال موجود, لكنه صعب التحقيق.. هو احتمال ضعيف.

كتبت هذه المقالة رداً على تعليق لزهرة الربيعية.. وأنا أهديها لها.

أغسطس 04، 2009

الحب في المنفى

3536972170_6152e2bd95 يستطيع بهاء طاهر باقتدار كبير أن يدخلك في نار الصراع النفسي للبطل... في حرب فعلية واقعية, وأخرى متخيلة, كما يستطيع بعدها مباشرة أن يدخلك في جنة النسيان والتلهي. قرأت خلال الفترة الماضية رواية بهاء "الحب في المنفى", والتي كنت أعتقد في البداية أنها حكاية رومانسية يمكنني أن أقرأها قبل أن أنام, لكنني بعد الفصل الأول تبينت أنها من نفس النوع الصادم المؤلم الذي يكتبه بهاء.

"الحب في المنفى"... قد يعطيك الاسم انطباعاً خادعاً... لكنه بقدر الخدعة التي يخدعها لك بقدر ما هو صادق في الإشارة إلى مضمون الرواية. فالحب في الرواية لا يتوقف عند حد حب الرجل للمرأة, بل يمتد لحب الناس لأوطانهم, والأب لأبنائه, والأم لطفل لم تره. يتجاوز الحب حدود العرق واللون واللغة, لكنه لا يتجاوز حدود الأرض أبداً. المنفى في الرواية إذاً ليس منفى البطل وحده, لكنه منفى الحب أيضاً. تقرأ فتشعر أن الأرض كلها صارت منفى للحب فجاء فيها مكدراً.

تبدأ الرواية بصوت لصحفي عتيد, رمته السنون في أحد البلدان الأوروبية, لأن قلمه السياسي لم يعد يناسب الوضع في القاهرة. يتشكل الصراع داخل نفس هذا الصحفي من الكثير من العوامل المتناحرة:

- علاقته بزوجته السابقة منار, والتي انهارت فقط بعد نهاية حكم عبد الناصر. غريب أن تتأثر العلاقة بين زوجين بالأحوال السياسية للبلد, لكن الكاتب أراد أن يكون الحب كياناً واحداً. يعيش البطل بعد وفاة الزعيم في عالم خاص به هو فقط, فتمل زوجته السياسة ومصالح البلد وتود لو تعيش. هي على الرغم من ذلك سيدة متفتحة ومثقفة ولا تقل عنه وطنية, لكن حدود السياسة عندها تقف على عتبات المنزل.

- علاقته غير الشرعية ببريجيت وحبه لها, وبريجيت هي أحد الأوروبيات التي تعرف عليها في مؤتمر صحفي, بينما كانت تترجم شهادة بيدرو إيبانز (أحد ضحايا انتهاك حقوق الإنسان في شيلي). هذه العلاقة على الرغم من أنها كانت المهدئ الأساسي للأحداث وللألم في حياة البطل وفي قراءة القارئ إلا أنها مصدر ألم كبير في نهاية الرواية.

- علاقته بابنه خالد الذي يريد أن يكون على صواب دائما, بينما أبوه مترنح بين المبادئ والخطأ. خالد يعيش في القاهرة مع أمه منار, وهو بطل في الشطرنج يقرر مرة واحدة أن لعب الشطرنج حرام وأنه لن يذهب لبطولة العالم المرشح لها. يتحول خالد إلى صورة الديني المتطرف بينما أبوه عابث لاه.

- حبه لمصر وللوطن. أفنى البطل حياته كلها في كتابة المقالات الصحفية ساطراً بقلمه مستقبل الأمة كما رآه ناصر وكما أراد هو. أحب البلد حباً حقيقياً, وعاش في صراعات مع جميع الفئات التي كانت تحارب الزعيم. مات ناصر, وتغيرت البلد, وعاش هو في صراعاته التي لم تمت.

في بداية الرواية عبارة من "أنا كارنينا" لتولستوي. كنت قد قرأت هذه العبارة منذ ما يقرب من عشرة أعوام, وعندما رأيتها عرفت أن الأحداث لن تكون مبهجة بأي حال. تقول هذه العبارة "كل الأسر السعيدة تتشابه, ولكن كل أسرة شقية فريدة في شقائها". تفهم في وقت مبكر من الرواية أن النهاية لن تكون سعيدة. يأتي ذلك على لسان البطل نفسه.

لكني أعرف أن الشقاء ندبة في الروح, إن بدأت في الطفولة فهي تستمر العمر كله.

مع هذا فقد وجدت نفسي مصدوماً عندما انتهيت من هذا العمل, إذ لم أتوقع أبداً أن يكون الختام بهذا السوء, وهذا الألم. ففي النهاية تموت القضية السياسية في نفوس المدافعين عنها, ويموت الحب بقرار بريجيت السفر إلى النمسا والمكوث مع والدها بعد التضييق على من يتظاهرون من أجل الوطن. وتتفسخ علاقة الأب بالابن. ويموت البطل بعد أن قررت الصحيفة التي يعمل لها بالقاهرة أنهم لا يحتاجون إلى مراسلين في أي دولة أوروبية. وهذه بالطبع لعبة سياسية أخرى. أغلقت الكتاب والكثير من الأسئلة تدور برأسي.هل ينبغي أن يموت الحب بكل أشكاله يا بهاء؟ هل تموت القضية؟ هل يموت الأمل؟

العجيب أن بريجيت التي هي الحياة والأمل بعينهما في القصة, تقرر أن تنتحر وتموت هي وحبيبها قبل ختام الرواية بصفحات قليلة. تقرر أنها ستعيش في الآخرة (وفق أيدلوجيتها الغربية) ما لم تعشه في الدنيا من سلام وطمأنينة. تضغط على قدم حبيبها الموضوعة على دواسة البنزين وهما في طريقهما للمطار. هي من أرادت السفر, لكنها مع هذا تريد المكوث. تتقطع بين الأمرين, فتقرر أن الموت أهون. تتشبث بعجلة القيادة وتحرك السيارة المندفعة نحو جرف, لكن البطل يتمكن من كبح السيارة قبل أن تهوي. النزعة ذاتها تدب في نفس البطل قبل أن يستسلم للموت.

لماذا لم تطع بريجيت عندما حانت اللحظة؟.. أن تكونا معاً إلى الأبد بعيداً عن العالم, عن الأمير, عن الدماء التي لم ترقها لكنك تغوص فيها.. لماذا لم تواتك الشجاعة؟ لماذا لم تكن مستعداً؟

يجيد بهاء صنع الصراع النفسي لأبطاله. أحبه كثيراً حين يجعل الشخصية تتفوه بكلام يبدو منطقياً جداً, ثم بعدها تدحض هذه الشخصية نفسها بنفسها, كي تظهر الحقيقة. الكذب وخداع النفس أحد السمات الأساسية للبشر التي يركز عليها بهاء بشدة.

لا شيء مما قلته صحيح. كل ما في الأمر أنني اكتشفت اليوم شيئاً مهماً جداً... اكتشفت أنني أكذب.

لا تعطيك الرواية نفسها طواعية, بل عليك أن تسد الكثير من الفجوات في الأحداث الماضية كي تفسر ما حدث وكيف آل الوضع إلى ما هو عليه. كيف تخلى إبراهيم (صديق بطل الرواية وعدوه اللدود) عن المرأة التي طالما أحبها, ولماذا ظل بعدها دون زواج؟ ولماذا رضيت هي بشخص أدنى منها بكثير على كل المستويات بعد انفصالها عن إبراهيم؟ لماذا تكره بريجيت (عشيقة البطل) مولر (أحد الناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان ومن يبدو لك أنه في موضع الأب بالنسبة لها) كل هذا الكره؟ هل هذا فقط لأنه كان على علاقة غير شرعية بأمها؟ أم أن هناك علاقة أخرى بينها وبينه؟ أين يذهب بيدرو (أحد الشهود على انتهاكات حقوق الإنسان) وكيف يتحول إلى موزع للمخدرات؟ أشياء كثيرة تتركك الرواية كي تفكر فيها, وقد لا تصل إلى جواب في النهاية.

الوطن في النهاية هو أشد ما يؤلم. ربما قرأتَ كثيراً عن مذابح مثل صبرا وشتيلة وقانا ودير ياسين, لكنك حين تقرأ هذه الرواية, ستعيش المذبحة. سترى الجثث في كل مكان.. أكوام من الذباب تقف على أكوام من الجثث. أعضاء تناسلية وأثداء مبتورة وموضوعة فوق صدور أصحابها. بطون أمهات مبقورة وفتيات مغتصبات وأجنة ممثل بها. الآلاف يقتلون في لحظة غدر من إنسان لإنسان. عندما تقرأ, ستعرف أن صفة الإنسانية أصبحت مرادفاً للعار.

قد يكون من المجحف أن نقارن هذه الرواية من حيث الحبكة والشخصيات برواية بهاء طاهر التي تليها "واحة الغروب". لكننا يمكن أن نقول بإطمئنان شديد أن بناء السرد في واحة الغروب جاء أقوى بكثير مما في "الحب في المنفى". هناك الكثير من الأشياء التي أود الحديث عنها لكن المقام هنا لا يتسع. فهناك الأمير ويوسف وإيلين وبرنارد, لكن الكلام عن هؤلاء يحتimg1468اج إلى تدوينة منفصلة.

بقي أن أقول أن طبعة دار الشروق أغاظتني كثيراً.. لأن بها الكثير من الأخطاء الإملائية, وهو ما يعد إهانة لعمل كبهاء. في الوقت نفسه أعجبني كثيراً تصميم الغلاف لعمرو الكفراوي.

تنتهي الرواية بعد أن تنكأ جرحاً على جرح, وتترك في النفس صراعات كثيرة. تنتهي بعد أن تقضي على كل أمل في الحياة وتتركك تفكر في الانتحار والموت كحل وحيد لإنهاء ملحمة الحياة المؤلمة. أعدك بأنك حين تقرأ هذا العمل, ستتألم. وأعدك أيضاً بأنك ستستمتع.

أغسطس 03، 2009

حروق

match_heart_in_fire_by_dkraner تحكي لي أمي أنني عندما كنت صغيراً, كنت أنبهر كثيراً برؤية النار. كانت هي تحذرني من الاقتراب بأن تفتح عينيها على اتساعهما وتنطق بتلك الكلمة الحاسمة المكونة من حرفين بسيطين. لكنني كنت أردد هذه الكلمة كأنما أحذرها هي, ثم أبتسم وأضع يدي في اللهب. أبكي كثيراً بعدها, وتنزعج هي.. تجري باتجاهي وتضمني إلى صدرها وتقبل موضع الحرق, قبل أن تنفخ فيه بفمها, وتصب عليه الماء البارد, وتدهنه بدهان لا يخلو منه بيتنا تحسباً لمثل هذه الظروف.

حينما كبرت قليلاً كنت أجري بعض التجارب العلمية في المطبخ أو البلكونة, وكان من الطبيعي أن تشم في بيتنا رائحة أشياء تحترق. لكن أمي لم تكن تعنفني كثيراً, فهي تعلم أن لدي رغبة كبيرة في الاقتراب من النور والأشياء المتوهجة المضيئة.

اليوم سأسابق القطار عائداً إليها.. سألقي بنفسي في حضنها وسأكشف لها صدري كي ترى ذلك الموضع الذي احترق من قلبي بدون نار أو لهب.

بالأمس حلمت

Marriage_by_amandapandamonium

بالأمس لم أستيقظ بالقدر الكافي, فجاء النوم قصيراً متقطعاً وسقطت من فوهة الحلم على السطح الصلب لأرضية حجرتي قبل حتى أن أراكِ. قمت وشعور ثقيل بالضيق يقتلني.

لكنني أعدكِ اليوم أنني سأظل متيقظاً لوقت طويل وسأبذل كل مجهود أستطيعه في العمل, لكي أنام جيداً. أعدك أنني حين يأتي الحلم سأواصل إلى ما بعد ذلك الجزء الممل من الاتفاقات بين الرجال, وأصل إلى المشهد الذي أمسك فيه يدك وتمشين إلى جانبي فيصفق الجميع من حولنا وتبتهج الموسيقى.

سنشعر أن هذا الكون لنا وحدنا, فلا أجد حرجاً في أن أملأ رئتي من عطرك, وعيني من بسمتك. ستحممنا أمي بآيات تقينا من الحسد, وسيضيء وجه أبيكِ بالكثير من النور. أعدك أنني الليلة سأجعل الحلم طويلاً كما ينبغي, لكن عليك أنت أيضاً أن تعديني ألا تندهشي كثيراً حين أخلع حذائي في آخر الزفاف, وأميل كي أخلع عنك حذاءيك. عديني بألا تمانعي في ذلك يا عزيزتي, فهذه الأحذية التي طالما التصقت بالأرض, لن تستطيع أن تحلق معنا في السماء.

أغسطس 02، 2009

مراخير طويلة



دي حدوتة للبنات الحلوين, الولاد الوحشين الكلبين مش يقروا. ولو قروا, مش يعلقوا. ولو علقوا, يقولوا كلام حلو..

كان فيه ملك جميل ووسيم ومعجب بنفسه خالص خالص جداً يعني. كل ما يشوف مراية يقف قدامها يسبسب شعره، ويتملى في جماله.

في يوم كان الملك ماشي في الغابة هو وحراسه, فشاف واحدة ست عجوزة جدا جدا. بص عليها كده وقالها:
- "انتي يا ست يا عجوزة انتي.. كل دي مراخير؟!! مش معقول, ده مراخيرك أطول من دراعك".
الكلام ما كانش فيه حاجة تضحك بس حرس الملك كان لازم يضحكوا لما لقوه بيضحك. الست وقفت ورفعت شعرها الرمادي من على عينيها ورفعت صولجان كان في إيدها في وش الملك, وقالت كلام مش مفهوم, وبعدها قالت له:
- مراخير المحروس هاتبقى أكبر من البرطوش, ومش هايرجع لأصله غير لما يقر ويعترف إنه مراخيره كبيرة, يا ملك الجزيرة.

الملك فهم على طول إنها ساحرة ووشه جاب ألوان.. لكن قبل ما يقول لحراسه يقبضوا عليها كانت الساحرة اختفت. الراجل بقى في ورطة كبيرة, لأن مراته حامل في ولي العهد. كان الوزير جبنه فقاله:
- يا مولاي, ولي العهد لو جه بمراخير كبيرة فعلاً فأول ما هايبص في مراية لما يبقى عنده تلات سنين حايعرف إنها كبيرة والمشكلة كلها هاتنتهي. السحر ده ضعيف قوي ومش هايستمر.
- انت شايف كده يا وزير
- طبعاً يا مولاي.

لما الملكة جابت المحروس كان جميل جداً, عينيه زرق زي مية البحر, وشعره بلون الدهب, لكن مناخيره كانت أكبر من رجله.. حاجة غريبة فعلاً.. كل اللي كان يبص عليه يلاحظ مناخيره أول حاجة, فيكتم الضحكة ويقول "الله.. يا حكمتك يا ربي". الملك لاحظ الحكاية دي, فابتدى يمرض بعد ما حس إنه ضيع مستقبل ابنه لأن الشعب هايتمسخر عليه لما يمسك الحكم.

لما بقى عمر الأمير تلات سنين كان الملك ودع. المرض والضيق هلكوه. الملكة ورجال البلاط خافوا على ولي العهد إنه يموت زي أبوه من الاكتئاب والزعل, فملوا القصر برسومات للملك المتوفي بعد ما طولوا مناخيره, ورسومات لبنات حلوين مناخيرهم كبيرة برضه. كمان رجال البلاط اللي كانوا طمعانين في رضا الملكة كانوا بيقعدوا يشدوا في مناخيرهم ليل نهار عشان تطول. وبكده لما تشوفهم الملكة ترضى عليهم. كان كل اللي حوالين الأمير بيحاولوا يحسسوه إن المناخير الطويلة قمة الجمال.. ويقعدوا يقولوله إنهم نفسهم في مناخير زي مناخيره.

علماء التاريخ قعدوا يدوروا في الكتب على العظماء اللي مناخيرهم كبيرة وابتدوا يعلموا قصص العظماء دول في المناهج للأطفال اللي من سن الأمير وللأمير نفسه, عشان لما الأمير يمسك الحكم يبقى واثق في نفسه والناس تبقى معجبة بيه. رجال الدين قعدوا يوعظوا في الناس ويقولولهم إن ربنا بيدي كل واحد على أد مناخيره. علماء النفس قالوا إن طول المناخير يدل على قوة الشخصية, والثبات الإنفعالي والصحة البدنية كمان.

لما الأمير كبر وكان لازم يختار عروسة ويتولى الحكم, أمه جابتله يجي ميت لوحة لميت عروسة, لكن كلهم كانت مناخيرهم أد التوتة. الأمير قال:
- كلهم وحشين. أنا عايز واحدة مراخيرها زي مراخيري.. مراخير طويلة وكبيرة تدل على العظمة والشموخ وقوة الشخصية.

طبعا وصيفات الملكة كتموا ضحكتهم بالعافية, وبعدين الملكة شاورتله على صورة واحدة غير المية. كانت دي صورة الأميرة بنت ملك البلاد البعيدة. قالت له إن مناخيرها صغيرة, لكن بيقولوا عليها إنها فعلا بنت شخصيتها قوية, وجدعة وبنت بلد كده وحاجات من دي يعني.

الأمير لما شاف الصورة اتوهم, وقال إنه عايز من ده. أمه قالت له إنه لازم يسافر عشان يخطبها. فبدأ رحلة مدتها سنة على ضهر حصان, كان كل يوم يصحى من النوم ويبص في الصورة ويقولها "آه بس لو مراخيرك زي مراخيري.. لكن أقول إيه؟ الحلو ما يكملشي".

الأمير لاحظ حاجة وهو ماشي بين البلاد. لاحظ إنه كل ما يدخل بلد الناس بتضحك لما تشوفه. بقى نفسه يعرف السبب, حراسه قالوله إن الناس مش بتضحك عليه, لكن هما سعدا بس بوصوله.. عشان كده كان بيبتسم ببلاهة ويرفع إيده يسلم والناس تضحك أكتر.

لما وصل لقصر ملك البلاد البعيدة لقى مصيبة كبيرة خالص, خالص. الأميرة اتخطفت, وبيقولوا إن اللي خطفتها الساحرة الشريرة. قعد الأمير سنتين يدور في الغابات والصحاري لحد ما وصلها, فلقاها مسجونة في بيت قزاز. لما قرب منها حس بشعور جارف بالحب. كان فيه فتحة في حيطان البيت تقدر تبص عليه منها بنص وشها أو ممكن تطلع منها إيد من إيديها. سمعت كلامه وحكايته, ويظهر إنها بدأت تحبه. بس كانت عينيها على طول بتبص على أطول مناخير شافتها في حياتها. الأمير لاحظ. بص في صورته المنعكسة على الحيطة القزاز.. وقالها.
- مالك؟ بتبصي على مراخيري ليه جامد كده؟ مش عجباكي يا روح الملكة؟!!! دي أحلى مراخير في التاريخ.

الأميرة كانت مؤدبة, وبنت ناس فمرضيتش ترد عليه. بس مديتله إيدها عشان يبوسها (وده كان سلو بلدهم يعني). الأمير جه يبوس إيدها ما عرفش من مناخيره. فقال:
- تخيلي.. انتي مراخيرك حلوة فعلاً.. وأنا لازم أعترف إن مراخيري طويلة وشكلها مش حلو.. بس أنا نفسي تقبليني. المراخير دي خلقة ربنا.. ما ليش يد فيها.. لكن أنا أقدر أسعدك, لأني باحبك وفضلت سنين أدور عليكي بدون يأس.

الأميرة قالت له:
- إنت نبيل قوي.. وأنا قررت أتجوزك وأستحمل مناخيرك الطويلة دي. بس اوعى تكون بتنف كتير.. عشان مش ناقصة قرف.

الأمير والأميرة ضحكوا, ومع ضحكتهم اتكسر البيت القزاز.. ولأنه اعترف أخيراً بإن مناخيره طويلة فعلى طول السحر ابتدى يتفك ورجع جميل تاني.

وفأجة طلعت الساحرة من الهوا وهي هاتتجنن, قالت إنها عملت كل حاجة عشان تبعدهم عن بعض, وعشان الأمير ما يشوفش حقيقته في عنين الأميرة, ونكدت عليها عشان ماتضحكشي فيتفك السحر, ومع ذلك هما عرفوا يضحكوا ويخرجوا من الأزمة الكبيرة دي. الساحرة قالت كلام كتير مش مفهوم وحطت صولجانها على راسها وحرقت نفسها.

المهم بقى, إن الأمير اتجوز الأميرة, واتعملهم فرح كبير. بس كان فيه مجهودات كبيرة لازم تتعمل عشان يقنعوا الشعب إن "المراخير" لا تدل على أي شيء من صفات الفرد.


توتا توتا

تصبحوا على خييير
:)