يناير 30، 2010

الترجمة من الصعيدية إلى العربية (2)

OLYMPUS DIGITAL CAMERA          أهلا بك عزيزي المترجم من الصعيدية إلى العربية (والعكس), سنتحدث اليوم في درسنا الثاني من دروس الترجمة عن بعض المصطلحات والتعبيرات التي قد تسيء فهمها.

حين يقول واحد من أهل الصعيد عنك أنك "أحمج" أو يقول فلان "أحمج" كيف ستفهم هذا التعبير؟ قد ترد الجيم إلى القاف الفصيحة وتحصل على المعنى "أحمق" لكن هذا غير صحيح على الإطلاق رغم أن كلا الكلمتين صفة لكن الأولى تقترب من الصفة العامية "حمَقِي" بمعنى سريع الغضب. وبالتالي فإن قلنا في الصعيدية أن فلان أحمج فهذا يعني أنه يغضب بسرعة.

دعنا الآن ننتقل لتعبير آخر: "فلان ضميره ميت". كيف ستفهم هذه العبارة؟ حسناً خذ قليلاً من الوقت في التفكير قبل أن تجيب. إذا سمعت هذه العبارة خاصة على ألسنة كبار السن في قرى الصعيد فقد تترجمها على أن "فلان ليس لديه ضمير" لكن هذا غير صحيح أيضاً. يأتي المعنى السابق على ألسنة المتعلمين والمختلطين بأهل المدينة. السكان الأصليون للصعيد يعنون بهذا التعبير أن فلاناً لا يضمر حقداً ولا شراً لأحد!

"عيط عليه" هذا التعبير لا يعني البكاء مطلقاً بل يعني أن تنادي على فلان, ولا أدري من أي مادة أو بأي طريقة تشكلت هذه الكلمة.

"عزِّمه" أي وصله إلى حيث سيذهب وودعه, وهي لا علاقة لها بالعزم والإصرار أو المثابرة.

"عوَّج" حين ترد الجيم إلى القاف الفصحى سيكون لديك الفعل كالتالي: عوَّق, وستنسبه لذوي الاحتياجات الخاصة :) بينما هو في الحقيقة يعني تأخر.

"جِطّة" مرة أخرى لا علاقة لهذه الكلمة بكلمة "قطة" على الإطلاق وإنما تشير هذه الكلمة إلى نوع من الأسلحة التي يتم تصنيعها محلياً ولا يستوعب هذا السلاح سوى طلقة واحدة في كل مرة.

دجيت” لا علاقة لها بـ”دقيت”  العامية, وإنما تعني “دلوقتي” وفي بعض اللهجات تنطق “دلجيت”.

الاختلافات بين الصعيدية والعامية البيضاء لا تقف عند هذا الحد, والتعبيرات الأصيلة المنحوتة بدقة كثيرة لكنني اليوم مشغول وأردت فقط ألا أغيب. في الدروس التالية سنستكمل هذه التعبيرات ونتحدث عن الجمع الشاذ. أراكم في تدوينة جديدة غداً.. :)

ما لا تعرفه النساء

male__by_agnieszkakryspin لن أستطيع اليوم أن أبدأ بالمقدمة التي تعرفونها جيداً والتي تقول إنني أكتب ما ينضح به عقلي وما ينتجه تداعي الأفكار فقط, لذا فلن أبدأ بهذه الكلمات, ولن أحذر من محتوى هذه التدوينة الذي قد يؤدي إلى سخط البعض.

لندلف إلى الموضوع مباشرة. أعتقد أن النمو الجنسي عند الذكور يسير على مسارين متوازيين لكن ليس بنفس المعدل, وهذان المساران هما المسار الجسدي الذي ينمو بطيئاً (أو على الأقل أبطء منه عند الإناث) و المسار النفسي الذي يبدأ مبكراً جداً. الذكر يبدأ في التدرب على أدواره الذكورية منذ الرابعة تقريباً, لكن التدرب على الأدوار الجنسية قد يبدأ مع نهاية المرحلة الابتدائية. قد تستغربون ما أقوله لكنها الحقيقة, وربما ينبغي أن أشير هنا إلى وجود اختلافات تعتمد على البيئة والمحيط الخارجي الذي يعيش فيه الذكر تؤثر على وقت حدوث هذا النوع من المران النفسي الجسدي أو تلغي حدوثه من الأساس.

أعرف أن ما سأقوله هو نوع من الحدس المخلوط بالدراسة. أي أنه نوع من الملاحظة العارضة التي استقيتها من خلال اقترابي من كل الفئات السنية أثناء عملي كمدرس ومن خبراتي الشخصية, مخلوطة بدراسات نفسية وتربوية تعرضت لها, لذا لن يكون الكلام دقيقاً للتطبيق على جميع الحالات, لكنه سيكون صحيحاً في المجمل.

عند انتقال الذكر من المدرسة الابتدائية إلى الإعدادية, خاصة تلك المدارس التي تفصل بين الجنسين, فهو يدخل إلى بيئة مختلفة المثيرات. يبدأ في سماع تفاصيل تغير من تشكيله النفسي كلها تتعلق بالجنس ويبزغ في عقله سؤال واحد. لماذا لا يحدث هذا معي؟ فهو لا يرى تلك الإفرازات التي يتحدثون عنها ولم يسمع من أحد من والديه أي معلومة عن هذا الموضوع. يأخذه الفضول إلى المزيد من المعرفة التي قد تكون ضارة جداً به. يحدث هذا حتى في أفضل المدارس الخاصة, ويقل كثيراً في المدارس المختلطة نظراً لتحرج الطرفين من الذكور والإناث, لكنه إن حدث فيها تكون كارثة.

ما الذي يحدث حين ترد هذه المعلومات غير المناسبة (والتي قد تكون خاطئة تماماً) إلى عقل الذكر الطفل؟ سيجد أنه ليس رجلاً, وهو لن يتفهم فكرة أنه لم يبلغ بعد, فجميع أصدقائه سيحكون عن مآثرهم التي هي لابد متخيلة. سيتسبب هذا في محاولات لاتوافقية منه للتكيف مع البناء المعرفي الجديد له, ومن هنا يبدأ في عمل سلوكيات مشينة. بمعنى أنه قد يتجه إلى معاكسة الفتيات في الشارع وأحيانا للتحرش بهن باللمس أو حتى الضرب (إن كان ربنا مديله شوية صحة يعني) كما سيتجه إلى إطلاق الشتائم بين مجتمعه الذكوري في محاولة منه لإثبات أنه أرجل من الباقين.

رأيت هذا بعيني في أفضل المدارس, وعشته بنفسي حين كنت طالباً. فحين انتقلت إلى المدرسة الإعدادية كان معي في الفصل (فصل الفائقين على فكرة) واحداً من أبناء أحد الشخصيات المرموقة في محافظتنا. "ولد ابن ناس" كما يحب البعض أن يقول, لكنه كان يركب دراجته ويغازل الفتيات بكلمات قبيحة للغاية, أو حتى بأفعال غير لائقة في الطريق العام. لم يكن عقلي يستوعب هذا في هذه الأيام, فاصطدمت به وسألته إن كان يرضى أن يحدث هذا لأخته وهو سؤال يبدو لي اليوم كلاسيكياً جداً. ورد علي برد كلاسيكي أيضاً فقال "أنا أختي ما تطلعش الشارع باللبس ده". هو تحرش فضيل إذاً.

في طريق عودتي أنا وزميل لي في المدرسة كانت سيدة محترمة تبلغ من العمر على الأقل خمسة وثلاثين عاماً (مازلت أذكر وجهها وملابسها على فكرة) تجلس في الكنبة الأمامية للميكروباص, وفوجئت به يدخل يده في فرجة بين مسند الكرسي ومقعده. لم تستطع السيدة أن تفتح فمها, وأحس هو بشعور جيد.

الجميل أن الكثير من النساء يتعاملن مع الطفل في الصف السادس الابتدائي والمراهق في الصفوف الإعدادية على أنه طفل نظراً لصغر حجمه. لم أفهم لماذا كان جارنا ينفعل كثيراً حين تقبلني ابنته ذات العشرين عاما وتحضنني ثم تدخل بي إلى غرفتها كي تلعب معي. كنت في هذه الأيام في الصف الخامس الابتدائي وكنت صديقها المميز, لكنه رفض هذه الصداقة بشكل مطلق. واليوم فقط فهمت لماذا كان الرجل يغضب كل هذا الغضب!!

سيحدث مع الكثير من الآنسات أن يكتشفن أن الطفل الذكر الذي لم يتجاوز العشرة أعوام ولم يبلغ الحلم بعد قد دخل غرفهن متسحباً في الليل, أو صارحهن بأشياء لن يصدقنها.

هذه المشكلة المتضخمة لم تنبع من سوء تربية الأولاد, وإنما نبعت من السياق المجتمعي الذي يعتبر التوعية الجنسية البسيطة سراً من أسرار أمن الدولة, ويترك الولد ينمو بطريقة نفسية جنسية غير سوية.

الذكر لن يكتسب الأدوار النفسية الجنسية له دون تدريب. هذا يحدث بطرق كثيرة لن أبينها هنا لعدم أهميتها, لكنه يحدث في حياة من نعتبرهم أطفالاً, وبشكل شبه يومي. يحتاج الطفل الصغير إلى مجتمع من الذكور كي يمارس الضرب والشد والعنف. هذه طاقات لابد من تنفيسها ومهارات لابد من التدرب عليها, لكنه يحتاج إلى الحماية أيضاً من هذا المجتمع الذي سيؤدي به إلى لا توافقية في نموه النفسي الجنسي. غير أن مجموعة الذكور هذه مهمة جداً, لعدم تحول الذكر إلى الشذوذ.

ما يحدث بعد هذا أن الولد يصل إلى مرحلة البلوغ الجسدي, وهذا يجعله يشعر بارتياح كبير, وتتغير نظرته من محاولة إثبات الذكورية الجسدية إلى الرومانسية, فتجد في المرحلة الثانوية الكثير من العلاقات بين طلبة مدرسة البنين ومدرسة البنات التي لابد ستكون ملاصقة. في هذه الفترة يتراجع العنف عند الذكور لكنه يثبت في سلوك بعضهم ويبقى حتى فترة الجامعة.

في الجامعة يقابل الذكر مجتمعاً لابد أن يكون فيه متحضراً. فالأقوال التي اعتاد على قولها والتحرشات التي أصبحت جزءاً منه ستتسبب في فضيحة له إن استمر بها, غير أنه يحاول الحصول على القبول المجتمعي وإعجاب الجنس الآخر الذي لن يأتي بهذه الطرق الغوغائية. لكن مرة أخرى أريد أن أوضح أن بعض التصرفات غير السوية قد تظهر أيضاً. أثناء مشيهم على الكورنيش فوجئ مجموعة من زملائي بالجامعة بأن "س" الولد المهذب للغاية, الوسيم جداً, المجتهد أيضاً, أعطى ضربة بكتفه لفتاة تمر بجانبه فأوقعها أرضاً. تأسف الباقون لها ووبخوه على فعلته وأوقفوا لها عربة أخذتها إلى البيت. لكن الحادثة لم تكن مجرد عنف, كانت محاولة منه وهو الوسيم الذي يقول له الجميع أن "يا خسارة إنك ما طلعتش بنت" لإثبات الرجولة, ولكن بشكل لا توافقي جعله يندم كثيراً بعدها.

تقول الإحصاءات أن أغلب المتحرشين هم من الرجال في الأربعين وما فوقها, وهذا أمر نفسي بحت. فالكثير من الرجال تستمر الخبرات الأولى لديهم, وبعد خبرات متكررة فاشلة في استرضاء الجنس الآخر يتحول الذكر إلى العادات الأولى. المحاولات الفاشلة في الاسترضاء كثيرة, ومنها فشله في الزواج, أو فشله في الزواج ممن يريد, أو فشل زيجته على المستوى النفسي أو الفسيولوجي, أو ببساطة سوء التربية, ولا أقول قلتها.

أخيراً ينكسر الجسد, وتخبو قواه, ويضعف الرجل جنسياً. وربما تجدر الإشارة هنا إلى وجود اختلافات كبيرة بين الرجال في هذا أيضاً, تبعاً لعاداتهم الجنسية خلال أيام حياتهم, وصحتهم والأمراض التي أصابتهم إلى غير هذا. وهنا تتعامل النساء مع الذكور على أنهم حملان صغيرة, وقد تتخفف الواحدة منهن من أكثر ملابسها وتقول لنفسها "ده زي أبويا", لكن الحقيقة أن بعض الرجال يكون لديهم من العقل ما يجعلهم يتفهمون هذه الرسالة, بينما يشعر البعض بإهانة شديدة. فالرجل قد يكبر أو يشيخ أو حتى يموت جسدياً, لكن شهوته تبقى مستعرة, وخبراته النفسية تستمر في العمل.

قد تؤدي هذه المقالة إلى الكثير من اللغط, وقد تؤدي بالبعض إلى الحرص المبالغ فيه من مجتمع الذكور, وهذا أمر غير صحيح تماماً, ما وددت الإشارة إليه هنا هو احترام النمو النفسي للذكر, والتأكيد على ضرورة اقتراب الأم أو الأب من ابنهما المراهق بشكل يجعله يطمئن, فكل السلوكيات الشاذة وغير السوية منبعها مخاوف وأسئلة لا إجابات لها, أو هكذا يبدو الأمر لي. أتعرفون؟ ربما يجدر بي أن أتوجه بالكثير من الشكر لأمي.

يناير 29، 2010

من التاريخ السري لعمرو السيد (6)

Love_by_arlek_in في البدء كانت دعاء. لا يمكنني القول بأن ما كان بيننا كان علاقة حب حقيقية إلا أنني أذكر أنني كنت مصرا على الزواج منها, وحينما سألني جدي عن السبب قلت له "عشان عينيها خضرا زي الملوخية يا جدو" كانت دعاء زميلتي في الحضانة بيضاء شقراء خضراء العينين, وكانت فوق هذا كله رقيقة للغاية. لكنها اختفت فجأة من حياتي بعد انتهاء سنين الحضانة على الرغم من أن والدتها أصبحت صديقة مقربة من أمي.

كنت أذهب للمدرسة مع منى, أختي في الرضاعة التي كنت أحبها أيضاً, لكن دون تفكير فعلي في الزواج منها لأن أبي كان دائما يخبرني أن هذا لا يجوز شرعاً. أحببت منى لكنني لم أدرك مدى حبي لها سوى بعد أن توفيت من أثر مرض أصابها وتركتني أذهب وحدي إلى المدرسة.

تحولت الحياة بعد منى إلى اللعب مع الرفاق من الأولاد ودخل إلى حياتي في هذا التوقيت أحد الأولاد, وكان عنيفاً جداً. فتحولت من الرومانسية الطفولية المطلقة إلى الضرب والخناقات التي تحدث في حياة الأولاد العاديين. أحمد الله أنني مررت بهذه الفترة وإلا لكنت مستأنساً جداً.

ظهرت دعاء مرة أخرى في نهاية المرحلة الابتدائية, كانت أجمل بكثير لكن كلامها تغير, وأصبحت فظة للغاية. ذات يوم طلبت مني أمها أن أوصلها للمنزل, فأشرت ونحن في الشارع إلى أعمدة إضاءة جديدة كانوا قد ركبوها في الحي كنوع من بداية الحديث, لكنها فاجأتني بجملة مازالت ترن في أذني إلى الآن: "إن شاء الله هايجي يوم يعلقوك فيها" استغربت جدا من رد فعلها, ومن تغيرها الكبير.

كنت أراقب دعاء من بعيد لكنني بعد سنة فهمت أن أسرتها تختلف كثيرا عن أسرتنا وأنها لم تعد هي ومع بداية فترة المراهقة لبست هي النقاب فلم أعد أتعرف عليها حين تمر من الشارع.

مع بداية سنين المراهقة الوسطى ظهرت في الحي سمر التي كانت تشبه سعاد حسني إلى حد بعيد, كانت مجتهدة للغاية وكانت تسهر طول الليل في البلكونة كي تذاكر, أما أنا فقد كانت المذاكرة بالنسبة لي أمر ثانوي أمام جمالها, فأنا كنت أجلس في البلكونة المقابلة أستمع إليها وهي تذاكر وكنت أحصل على درجات أعلى منها بلا مجهود كبير. الغريب أنني كنت أعرفها من خلال النادي حين كان عمري لا يتجاوز السبع سنوات, لكننا كنا دائما نتشاجر كلما تقابلنا. تعلقت قليلاً بسمر, لكنني قررت أنني لن أقترب منها ولن أفكر فيها لإحساس داخلي بأنني كبرت وأن هذا قد يقودني إلى شيء يغضب الله.

كانت المفاجأة في السنة الأولى للجامعة, حين رأيتها تجلس بجوار شاب على كورنيش النيل, لم أغضب على الإطلاق, ولم أحكم على علاقتها أو أشعر بأنها خانتني (لأن ما كانش فيه حاجة من الأساس تخوني عليها ههههه) لكن ملاحظة واحدة ملأت عقلي.. "الولد مش شبه حسين فهمي :(".

هذه العلاقات البريئة للغاية على الرغم من كل شيء فقد شكلت لدي شكل المرأة وأعطتني مفهوماً أتعامل به مع النساء. فالخبرات الأولى يتم تطبيقها على الخبرات التالية بشكل تلقائي.

لا أدري لماذا أكتب هذه القصص المخجلة.. لكن عقلي يسترجع ويحلل وأردت أن أتخلص مما كان يشغله.

ملحوظة: تم تغيير أسماء أغلب الشخصيات للحفاظ على الخصوصية.

يناير 28، 2010

نجاح

1_596597_1_34 حلو قوي النجاح, فعلا والله. النهاردة أنا فعلا كنت متضايق ومكشر ومتعصب. يظهر إن الواحد مش بس بيتأثر باللي بيعيشه ويقراه, لكن كمان بنفسه.. بتفكيره غير الواعي, وقبل ما أدخل في كلام مقوقز عاوز أتكلم في الماتش, وده ممكن يزعل الرفيقة إنجي اللي في مدونتها هات م الآخر قالت كلام جامد جداً عن إن اللي بيحصل هو اختصار لمصر في حداشر لاعب وأنا معاها جداً, لكن أنا النهاردة شفت تأثير نجاح شحاتة وعصام وعبد الشافي وجدو وأحمد حسن ومتعب وسيد معوض.. دول أكتر ناس حسيت إنهم هايموتوا ويكسبوا وكنت بادعي مش لمصر بس لكن للناس دي اللي حسيت إنهم فعلا عايزين ينجحوا. وحسيت فعلا بفرحة لما طلعت بعد الماتش.

الشارع بقى هنا كان زي أي شارع في أي محافظة تانية. الناس كلها بأعلام وفرحانة والعربيات على اختلاف أنواعها وشكلها مليان بشر من فوق وتحت كلهم بيقولوا “مصر”. الفرحة دي على الرغم من كل السمات السلبية ليها لكن ممكن تزود إنتاجية الناس دي وتدفعهم للنجاح. أنا بعد ما شفت الماتش بصراحة الدم غلي في عروقي وراجع عاوز أشتغل لغاية الصبح. طيب تخيلوا تأثير ماتش النهاردة لو انهزمنا على الطلبة اللي بيمتحنوا؟ جون عماد متعب في الجزاير في ماتش القاهرة تسبب في موت خمسة بالسكتة القلبية هناك. تخيلوا لو الحال كده في مصر. أنا عارف إن دي كورة بس أنا مش مركز على الماتش أنا عاجبني المجهود والإصرار والحماس. كنت متضايق جدا النهاردة بس حاسس دلوقتي إن الاستمرار في الضيق خيانة للبلد, مش معقولة مصر كلها تبقى فرحانة وأنا الوحيد اللي أكشر, ده حتى الناس في الشارع كان ممكن يفتكروني جزايري.. إسكتوا بقى مش أنا وشي كان هايضيع خالص. ولد صغير ماسك علبة بيرسول ووجهها ناحة وشي وقعد يولع في الولاعة وأنا باصص له ببلاهة ومش فاهم هو بيعمل إيه, ولولا ستر ربنا وإن الولاعة ما ولعتش كان زمان وشي اتحرق. المهم إني فهمت من هنا وبعدت راحت الولاعة مولعة. هع هع هع... حاجة حلوة قوي عجبتني النهاردة. التواجد الأمني لحماية الجماهير من بعضها بعد الماتش فعلا الله ينور.

أنا هامشي بقى.. ليلة سعيدة للناس اللي هاتنام :)

Your me

just_kill_me_by_togaklutz

Sorry for not writing anything the past week, and sorry for writing this in English, but I just wanna write it in English. Today, I discovered a very important thing: I am not what I am. Isn't it astonishing? I am not what I am. I am the way u see me. I am ur ideas, injustices, expectations, preconceived thoughts…. I am what u see, and u see me in a far different way.. u see a very different one than the person I am, a very different ME.

I have an idea. Let's play the Russian roulette. In case u do not know it, I'll explain. It is a game in which players place one bullet in a six-shooter, then spin its cylinder, and place the muzzle against themselves. They believe that the lucky ones will survive and I say the unlucky one is the survivor. Anyway.. I wanna play it, but with six bullets inside ur revolver. Now, shot me. Can u shot me? Can u even know who I am? Where I am? Why don't u blow up the damned one inside ur head? Why do u know me just when u r killing me, when u r hurting me? Isn't it a lame universe? Isn't it lame?

يناير 22، 2010

مايكل جاكسون

أحب أغاني جاكسون, وأحب الأقدم منها أكثر لأنها ترتبط بذكريات المراهقة الخالية من الأعباء. كنت وأصدقائي نتغنى بأغناي جاكسون في الثانوية, وأنا تعرفت عليه منهم وبهرت به. كانت إحدى أغنياتنا المفضلة هي They don’t care about us وهي إحدى أجرأ الأغاني في تاريخ البشرية غير أنها لم تخش مس طرف اليهود في أحد جملها. الأغنية الثانية في الترتيب كانت أغنية Man in the Mirror والتي أعتقد أنه من الصعب أن نجد لها مثيلاً في أغاني اليوم. أما ثالث أغنية في الترتيب فربما تستغربونها لأنها لم تكن تتجه نفس التوجه الأخلاقي والمراعي للحقوق الإنسانية كالأغنيتين السابقتين وهي أغنية Dirty Diana. حين مات جاكسون لم أحزن على أنه مات مسيحياً أو مسلماً كما فعل البعض, أنا فقط حزنت على أن العالم الذي أعرفه يتغير, وأنه سيأتي قريباً يوماً (إن أعطاني الله العمر) أشغل فيه أغاني جاكسون التي ستصبح وقتها قديمة جداً كي أعيش لحظات في العالم الذي ألفته, وكي أبتعد عن عالم لم أعد أستطيع التكيف معه, فأنا لا أسمع ريانا ولا إيمينم ولا حمزة نمرة وهذه أسماء يبدو أنها ستسيطر على ساحة الغناء وستكون لها سيادة في الأيام القادمة. إلى جميع محبي أغاني جاكسون اسمعوا معي هذه الأغنية كي يبدأ يومكم بالكثير من العزم والحماس :)

يناير 21، 2010

التعليم في بلاد يحكمها العسكر (2)

Education نسيت أن أتنصل في الجزء الأول من هذه السلسلة من التدوينات من أي أثر جانبي قد يلحق بالقارئ من جراء القراءة, وأرى أنه من واجبي أن أحذر من يعانون من مشكلات في القلب أو السكر أو الضغط أو أصحاب النفسيات سهلة الاكتئاب من قراءة أي مادة تتحدث عن حال هذه البلد.

كنا قد توقفنا في الجزء الأول عند كلام د. أحمد عبد الفتاح والذي قال فيه ما مفاده إن تعليمنا العالي متخلف جداً, وقد يبدو للبعض أن الدول العربية الأخرى أسوأ حالاً منا, لكن هذا غير صحيح, فالكثير من الدول العربية مثل قطر والكويت والإمارات ستشهد جامعاتها ازدهارا كبيراً في العقد القادم بينما سنتقهقر نحن إلى الخلف وبشدة. الحقيقة أن هذه البلدان بدأت إصلاح التعليم لديها منذ مدة وأدخلت الكثير من النظم التي لا نحلم بأن نطبقها نحن اليوم.

المشكلة في التعليم المصري ليست مشكلة واحدة وإنما هي خليط من الأمراض المستفحلة التي لن تشفى. هذه الجملة ليست يائسة لكنها الحقيقة. الأطباء وحدهم يعرفون أن هناك بعض المرضى لديهم الكثير من الأمراض إلى درجة أنهم يذهبون للمستشفيات ليس لشيء سوى كي يموتوا هناك. والتعليم المصري واحد من هؤلاء.

ما يمكن أن نطمح إليه هو إقامة نوع جديد من المدارس وتصفية الموجود حالياً على فترة زمنية تقدر بثلاثين إلى خمسين عاماً تقريباً, مع فصل وزارة التربية عن الحكومة وجعلها هيئة مستقلة لا يترأسها فنياً شخص واحد وإنما مجلس من العاملين في الحقل التربوي, وإلحاق كليات التربية بهذه الهيئة وفصلها عن وزارة التعليم العالي. لدي مبررات لهذا التصور الذي يطمح إلى إصلاح جذري وسأعود إلى الحديث عن هذا النموذج حالما ننتهي من الحديث عن المشكلات.

يعاني التعليم المصري من مشكلات تتعلق بكل عناصره, فهناك مشكلات تتعلق بالمعلمين, وأخرى بالطلاب, وثالثة بالتجهيزات, ورابعة بالميزانية, وخامسة تنبع من ثقافتنا وطبيعة الطالب وأولياء الأمور لكن أغلب مشكلات التعليم المصري تنبع من إدارته ومن محاولات الإصلاح غير الواعية, وغير المبنية على أي أساس علمي.

الإصلاح التعليمي لا يتم بقرارات صارمة غير مبنية على دراسة, والحقيقة أن استخدام القرارات هو سمت عسكري أيضاً أدعو الله أن نتخلص منه. منذ شهرين وقعت في يدي مقالة بالإنجليزية بعنوان Why what works does not work. والحقيقة أنني لم أقرأ المقالة لأنني توقفت عند العنوان. لماذا لا تفلح محاولات نقل الطرق التعليمية من البلدان الأجنبية إلينا؟ الواقع أن الوزير المخضرم يستخدم خبرته الحدسية فيعتبر أن ما نجح في الخارج لابد سينجح لدينا وبالتالي يطبق فكرة تبدو براقة في محاولة منه للإصلاح. والإصلاح التعليمي يتم في الغرب بشكل مغاير تماماً, فهم يجرون بحثاً حول فاعلية الطريقة التدريسية, وقد يتطلب هذا البحث عشر سنوات وقد يتم على مناطق متفرقة من أنحاء البلاد, وبعد البحث يتم التجريب, أي التطبيق على عينة من المدارس, ثم يلاحظون من خلال التطبيق التجريبي بعض المشكلات فيتم البحث ثم التجريب على عينة أكبر, وقد يحتاج الأمر إلى البحث مرة أخرى قبل أن يتم اتخاذ قرار.

فكرة مثل التعليم النشط نجحت في العديد من الدول بالعالم, وهي طريقة تبدو مثالية, لكن مصرنا الحبيبة لا تمتلك المعلم المدرب ولا المدرسة المجهزة ولا النظام المناسب. من الطبيعي جداً ألا تفلح الفكرة لدينا سوى في كسر أعناق الطلاب الذين يصر معلموهم على التواجد في مقدمة الفصل والشرح على السبورة بينما هم موزعين في مجموعات دائرية وظهور أغلبهم إلى السبورة!!

الإصلاح التعليمي يحتاج إلى بحث وتجريب ثم تطبيق شامل في النهاية, وقد ينتهي البحث إلى أن طريقة أو أسلوباً معيناً يفيد في الصعيد أو القرى أو المناطق النائية ولا يفيد في المدينة أو الوجه البحري, وقد يتم تطبيق أنظمة مختلفة في أماكن متجاورة مكانياً لكنها مختلفة الظروف. أرجو ألا تفهموا أن هذه الطريق في الإصلاح سراً عسكرياً لا يعرفه أحد في مصر, فهو يدرس في جامعاتنا ليل نهار, لكن واضع السياسة لم يستمع يوما لمطبقها!!!!!

الكثير من المسلمات لا ننظر إليها في نظامنا التعليمي. كم عدد أيام الدراسة لدينا وكم العدد الصافي لساعات الدراسة؟ في الولايات المتحدة يبلغ عدد أيام الدراسة 180 يوماً في المتوسط, وفي اليابان 220 يوماً أما في مصر فلدينا ثمانية أشهر من الدراسة ندرس فيها ما يقل عن 150 يوماً, هذا بالإضافة إلى أن الطلبة في معظم قطاعات التعليم تعطي نفسها أسبوعين أجازة قبل الامتحان وأحياناً أكثر, وبالإضافة إلى أن ساعات الدراسة لدينا لا تزيد عن ست ساعات مليئة بالمشتتات, بينما يدرس ويلعب ويعيش الطلاب في بعض المدارس في الغرب من الثامنة صباحاً إلى السابعة مساء ويقومون بعمل واجبات إضافية في المنزل!!

في الكثير من الدول انتبه القائمون على التعليم إلى أن الأجازة المدرسية الطويلة تجعل الطالب يفقد الكثير مما تعلمه فأضافوا بعض أشهر الدراسة الصيفية في المدارس والجامعات يدرس بها الطالب نصف يوم (يعني لغاية الساعة اتنين الضهر!!!!!!) كي لا يتدنى مستوى الطالب مع فترة الأجازة الصيفية التي تأخذ عندنا مداها.

لكن الأزمة الحقيقية في نظامنا التعليمي هي نظام الامتحانات. الواقع أن سلوك الإنسان لابد له من موجه, والطالب المجد وغير المجد يسألان على السواء هذا السؤال "يعني دي هانمتحن فيها إزاي؟" الامتحان هو الموجه الأول لشرح المعلم ولدراسة الطالب, وقد فطن الكثيرون إلى أن الامتحانات الورقية لا تتمتع بالصدق أي أنها لا تقيس ما وضعت لقياسه ولا تعطي نتائج دقيقة. على سبيل المثال ما هو معدل ذكاءك؟ هل لأن معدل ذكاء طالب معين أكبر من آخر هل يعني هذا أنه حتماً سيحقق نجاحاً أكبر؟ اسمح لي أن أخبرك بأن هذا غير صحيح. لأن اختبار الذكاء لا يقيس سوى مدى محدود من القدرات اللغوية والرياضية, بينما يقوم العقل بوظائف أخرى لا تعد ولا تحصى. اختبار نهاية العام أيضاً ليس دليلاً قاطعاً على تحصيل الطالب, كما أن التحصيل نفسه ليس هدفاً في حد ذاته. فتحصيل الطالب للمعلومة هو مجرد مؤشر على أنه قد يستطيع استخدامها. وهذا الاحتمال يقبل الكثير من الشك. ومع حالة الفساد المجتمعي الجماعية يصبح تغيير نظام الامتحانات الورقية المألوفة أمراً يقابله الكثير من الرفض, فأولياء الأمور لن يقبلوا أن يجعل المعلم أولادهم تحت رحمته كل شهر فيقيم إسهامهم داخل الفصل ويمتحنهم بأشكال مختلفة منها الشفوي ومنها التطبيقي لكن الحقيقة إن هذا هو أحد الأسس الجوهرية للإصلاح. غير أن وسائل الإعلام لدينا لن تترك القائمين على التعليم يقومون بعملهم, فمع الإرهاب الذي يحدث لكل من يحاول وضع امتحان يجعل الطالب يفكر لن تنصلح الأمور. وهنا لابد أن نشير إلى أمر هزلي جداً.

هل حين يقول الطلبة أن الامتحان صعب يصبح صعباً فتقوم الدنيا ولا تقعد؟ هل هذا أمر صحيح؟ الحقيقة أن معيار الصعوبة عند الطالب هو قدرته على الحل, أي أن الطالب الذي حل السؤال سيحكم عليه أنه سهل وبسيط, والطالب الذي لم يستطع سيشكو من أن السؤال صعب (مولع), والحكاية في التربية لها مقياس للصعوبة والسهولة, يعني أننا يمكننا بطريقة علمية أن نحكم, لكن الارتكان إلى أراء الطلبة وأولياء الأمور كل عام, وسيل البرامج والأخبار الامتحانية (إن جاز التعبير) لا يدل على شيء سوى وجود خلل كبير.

يكفيكم هذا القدر من الإحباط اليوم في التدوينة التالية سنأخذ جرعات أخرى من الحق المر (على رأي الغزالي). متأسف لغيابي أمس, وكنت أود أن أترك رسالة في المدونة زي كبار الكتاب :) وأقول "يعتذر الكاتب الكبير عن تدوينة اليوم ويستأنف الكتابة غداً" (أصلي طول عمري نفسي أطلع كاتب عشان يبقالي عمود أكتب فيه الجملة دي ههههههه) لكن ربنا ستر ونمت قبل أن أفعل هذا :)

يناير 19، 2010

خروج

Loss_Of_Speech_by_barbranz روحه الطاهرة التي خرجت من ندبة في قلبي أنا, تركت جثته باردة مسجاة تحت جلدي في خليط من ماء الورد وبعض الدموع والأدعية, ثم غادرت منطلقة نحو البعيد ولم تلتفت.

تلفتي يا روحه.. تمهلي يا روح أبي.

يناير 18، 2010

التعليم في بلاد يحكمها العسكر (1)

2795586596_810896d6e5 حاولت ألا أتكلم في هذا الموضوع اليوم, لكن تصريحات السيد أحمد زكي بدر وزير التعليم الجديد أغاظتني بما يكفي لأن أكتب, وجعلت الكتابة في هذا الموضوع تحديداً أولوية أولى.. لن أناقش تصريحات السيد الوزير التي كانت مثل طعام بلا ملح, لكنني سأناقش الوضع العام للتعليم في بلادنا.. أعتذر لقراء المدونة من خارج مصر عن هذا الموضوع المغرق في المحلية وأعدهم بأن يضحكوا ملئ قلوبهم إن قرأوا لكنه ضحك –كما قال المتنبي- كالبكا.


قد لا يوجد على الطريق أي منشأة حربية لكن الناس يطلقون على الطريق السريع "الطريق الحربي" هذا لأن الجيش في بلادنا يمد الطرق ويبني المصانع بل ويزرع ويفعل كل شيء تقريباً عدا مسح الأحذية (فهذه المهمة الأخيرة متروكة للشعب). الشعار الأساسي للجيش المصري هو "يد تبني, ويد تحمل السلاح", وهو شعار مضحك بصراحة, مضحك إلى حد البكا. فالجيش لابد أن يحمل السلاح ويحمل السلاح فقط. والواقع أن الجيش المصري تحول إلى ما يشبه السخرة لبعض العساكر تعيسي الحظ الذين ينبغي عليهم أن يعملوا ويبنوا دون أجر, وتقول لهم الدولة إن هذه هي الخدمة العسكرية!!


العسكر في كل مكان, ربما لن تلاحظهم لكنك ستجدهم في كل مكان. المحافظون في كل المحافظات من ضباط الجيش أو الشرطة السابقين, وكلهم يشار إليهم بالسيد اللواء فلان الفلاني. هناك قناعة لدى رئيس هذه البلاد أن العسكريين فقط هم من يمكنهم أن يحكموا ويديروا باقتدار. ومن ثم يتم نشرهم في كل مكان وفي جميع المناصب.


لا مشكلة على الإطلاق في دولة متقدمة يقودها العسكر, فالمؤسسات التي بها ستكون ناضجة بما فيه الكفاية كي توجه نفسها وسيكون لديها نظماً ذاتية التوجيه ترتقي بالحال كل يوم, لكن الدول النامية تحتاج في أطوار النمو الأولى والتي لم نخرج منها بعد إلى عقول مستنيرة وواعية تضع الأسس لا عضلات ونسور وأوسمة. المشكلة أن الدولة المصرية قامت على أكتاف الثورة المجيدة فأصبح العسكر بلهجة المواطنين الفقراء هم "أصحاب البلد".


نحن اليوم نتحدث عن التعليم, لكن كل شيء متصل. سأطرح الآن عليك بعض الأسئلة التي ستحتاج منك إلى تركيز كبير وشحذ للذاكرة. متى كانت آخر مرة سمعت فيها تعبير "نقيب المعلمين", متى كانت آخر مرة سمعت فيها أن نقيب المعلمين قال كذا أو فعل كذا؟ ربما سمعت عن نقيب الأطباء أو نقيب المحامين وربما كان لهؤلاء وقفات مهنية وسياسية في قضايا خارجية وداخلية لكنك بالتأكيد لم تسمع عن نقيب المعلمين.. وربما لن تسمع عنه سوى حين يموت من طول جلوسه على الكرسي.


دعك من هذا. هل سمعت قبل هذا أن مدرساً رشح نفسه لعضوية مجلس الشعب, أو ترقى وتدرج في المناصب حتى أصبح وزيراً؟ هل سمعت قبل هذا أن وزير التعليم رجل تربوي تخرج من كلية التربية وعمل بها عميداً ثم رئيساً للجامعة حتى وصل للوزارة؟


كيف يتم اختيار وزير التعليم إذاً؟ ينبغي أن يكون وزير التعليم طبيباً في الأساس أو مهندساً, فهؤلاء على ما يبدو كانوا طلبة مجتهدين ذاكروا بجد في الثانوية العامة وهم لديهم الكثير من "العلام والمفهومية" لكن خريجي كليات التربية لو فلحوا كانوا دخلوا كلية محترمة. هذا هو لسان حال الأحداث. بهاء الدين كان في الأساس طبيباً والجمل مهندساً (قسم كهرباء) والوزير الجديد مهندس اتصالات لمن لا يعلم.


سيقول أحدهم إن الجمل كان رجل تعليم وأحمد بدر أيضاً رجل تعليم لكن هذا أشبه بأن تذهب لطبيب الأنف والأذن بالتهاب في الزائدة الدودية. هم كانوا يعملون في التعليم في تخصصاتهم لكن لا معرفة لهم بالتربية. أحمد زكي بدر على التحديد رجل سره باتع فهو مهندس كما أنه ابن وزير داخلية سابق!!! ألم أقل لكم إنها حكومة العسكر؟


حين وجه أحدهم سؤالاً للوزير الجديد عن استراتيجية تطوير التعليم في البلاد لم يستطع أن يرد, وقال بعض أفكار مشتتة ولسان حاله يقول "أنا إيه اللي جابني هنا". يستعد الوزير الجديد إلى الإعلان عن مشروع تطوير التعليم الذي ربما لم يسمع عنه قبل هذه الأيام. فالجمل كان هو صاحب الفكرة والأب الشرعي لها لكن المشروع سيقدم للمجلس الموقر للموافقة عليه بالطبع دون أن يدافع عنه أحد, ببساطة لأن الوقت لا يكفي للوزير الجديد كي يستوعب معنى أن يصبح وزيراً للتربية وأن يكون في رقبته ما يزيد عن ستة عشر مليون طالب وطالبة.


لا أحب الحديث المرسل الذي لا يعتمد على الأرقام حين نتحدث عن التعليم أو البحث العلمي. ينبغي أن يكون لدينا ما يثبت أن لدينا مشكلة في الأساس لذا سأسوق ما أتى في دراسة أحمد عبد الفتاح الزكي من جامعة دمياط: "من بين أفضل 500 جامعة في عام 2006 وفقا لتصنيف Shanghai Jiao Tong University Ranking لم يرد ذكر أية دولة عربية من بين دول العالم التي مثلت بجامعاتها سوي مصر في المرتبة الأخيرة ممثلة فقط في جامعة القاهرة التي جاءت في المرتبة 403 في حين جاءت إسرائيل في المرتبة الثانية عشرة ممثلة بسبع جامعات"..


نحن نعاني مشكلة في التعليم وهي تنبع من نظرتنا إلى المعلم (وأنا هنا لا أعني مدرسي المدارس فقط ولكن أساتذة الجامعات أيضاً) ومن اضمحلال شديد في البحث العلمي في كليات التربية. في التدوينات القادمة سأقدم تصوراً للمشكلات التي يعاني منها التعليم وبتواضع شديد سأقدم استراتيجية مقترحة لتطويره.

يناير 16، 2010

لماذا أحترم اليهود والإخوان..

Eye_of_the_Storm_by_rabiya_aysu أكتب هذه التدوينة كنوع من العصف الذهني والتداعي الحر غير الإرادي بعدما قرأت تدوينة "هاموت كمداً" لإيزولد في مدونتها كارنفال شو. وسأتحدث هنا عن بعض النقاط حول اليهود والصهيونية والإخوان المسلمين.

أولاً دعونا نتذكر من أين بدأت الصهيونية. الحقيقة أن كل من يتحدث عن الصهيونية يشير إلى كتاب تيودور هرتسل "الدولة اليهودية" والذي حدثت فيه الإشارة الأولى إلى ضرورة أن يكون لليهود دولة. لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة فلن يستطيع كتيب عدد صفحاته لا يزيد عن المائة بأي حال أن يقيم دولة عصابية مثل إسرائيل. فإسرائيل صنعها الغربيون من غير اليهود من قبل أن يصنعها اليهود أنفسهم!!

كان اليهود في القارة الأوروبية يعانون الأمرين لا لشيء غير أنهم يهود, ولم يسمح لهم الحكام في هذه الفترة (طيلة القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الثانية) بأن يمتلكوا أي أراض. فكان اليهودي صانع ساعات, أو حداد, أو نجار.. لم يكن منهم من يمتلك أرضاً على الإطلاق. الأوروبيون كان معظمهم من الفلاحين وقبل هذه الفترة بنحو ثلاثين عاماً كانت دولة الولايات المتحدة قد أعلنت رسمياً وكانت في هذا الوقت تتكون من عشر ولايات تقريباً (عام 1776). أطلق الأوربيون على أمريكا العالم الجديد, وحاولوا الهجرة إليها بحثاً عن مصادر أخرى للرزق, لكن أغلب الأوربيين كما يقول مالكوم جلادويل كانوا فلاحين. لم يكن من المهاجرين من يعمل بالحرف سوى اليهود. ومن ثم شهد اليهود الذين سافروا إلى الولايات المتحدة ثراء فاحشاً. يقول مالكوم جلادويل أن اليهودي المهاجر حرفي, أما أبناؤه في الجيل التالي فقد أصبحوا أصحاب مصانع, والجيل الثالث لم يعمل بالحرف على الإطلاق بل أصبحوا مهنيين (أي أطباء ومحامين إلى غير هذا من مهن) أما الجيل الرابع فقد سيطر على مقدرات الأمور في الولايات المتحدة.

نعود إلى القارة الأوروبية, ونعود في الزمن إلى أيام أن كان تيودور هرتسل في ألمانيا حيث شهد التمييز والعنصرية ضد اليهود فكتب كتابه الشهير "الدولة اليهودية". لكن تيودور لم يجد من يتحمس لنشر الكتاب, وبعد أن رأى الأمرين في نشره سافر إلى بريطانيا, حيث تجمع حشد كبير من يهودي روسيا النازحين إلى بريطانيا بسبب ما شهدوه في روسيا. لم يكن بيلفور يرحب باليهود, وكان يتخوف من أن يجعل هذا النزوح من بريطانيا جيتو كبير لهم, ومن هنا جاء الوعد المشئوم. لم يكن كتاب هرتسل وحده هو السبب في قيام دولة اليهود ولا الصهيونية فقد ذاق هرتسل الأمرين كي تتحقق أمانيه, حتى أنه أرسل للسلطان العثماني يطلب شراء الأرض لكن الرجل رفض. والعجيب أن هرتسل لم يكن يفكر في البداية في أن دولة اليهود ستبنى في فلسطين وإنما أثر عليه صديق التقى به في بريطانيا يدعى زانجويل, وأخبره أن فلسطين هي أفضل البقاع لليهود.

اليهود هم شرايين غذت الولايات المتحدة بالعمل الجاد لسنوات وسنوات. لقد خدموا بجد وكفاح يحسدون عليه وحصدوا ثمار جهدهم. فدولة إسرائيل على ما فيها من تقدم تتلقى من الولايات المتحدة ثلث المعونات التي تقدمها للعالم كله, وتحظى وحدها بأحدث الأسلحة العسكرية الأمريكية. هل من العجب أن تقف أمريكا إلى جانب إسرائيل إذا كان اليهود هم من أقاموا هذه الدولة على أكتافهم؟!!

أحترم دولة إسرائيل لسبب واحد, هو أنها دولة لا تهين شعبها وتأخذ بتداول السلطة ولديها نظام سياسي ثابت وقوي وإن كانت به فضائحه وله مشكلاته. أنا أحترم أيضاً الإخوان المسلمين قدر احترامي لليهود.. قد تتعجب من هذه العبارة, لكن هذه هي الحقيقة, فالإخوان يشتركون مع الصهاينة في الكثير من السمات.

يلعب كلا الفريقين لعبة الدين والسياسة, فقد استطاع الصهاينة جذب أغلب يهودي العالم من خلال اللعب على وتر الدين, والدعوة إلى حياة بها نوع من التكافؤ والعدالة الاجتماعية. بينما يحاول الإخوان وهم جماعة حديثة العمر نسبياً (أسسها حسن البنا في عام 1928) وعمرها يقترب من نصف عمر الصهيونية الوصول إلى حكم البلدان من خلال النداء بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية, وبتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية.

أنشأ جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا الذي لم يكن يعرف في بداية عمله أنه سينتهي إلى ما انتهى إليه وهو بذلك يتفق مع تيودور هرتسل في البداية التلقائية غير المدركة. لم يكن من الممكن لحسن البنا أن ينشر دعوته من الإسماعيلية فسافر إلى القاهرة كما سافر هرتسل إلى بريطانيا.

استطاع الإخوان أن يكونوا جاليات لهم في 72 دولة عربية وغير عربية إسلامية وغير إسلامية خلال الثمانين سنة الماضية مما يؤكد لنا أن الإخوان يعملون وبجد. أحترم الإخوان لا لأنهم في اجتهاد اليهود فقط ولكن أيضاً لأن لديهم دولة منظمة. وأرجوا ألا تتعجبوا من كلمة دولة هذه فأنا تعاملت معهم ودخلت بيوتهم وأعرف كيف ينظرون إلى الحياة وما هي طموحاتهم. إن دولة الإخوان أفضل في نسقها السياسي من النسق السياسي للدولة المصرية. وكانت أكبر تعديلاتها الدستورية ما حدث منذ أيام حين ترك المرشد محمد مهدي عاكف كرسي رئاسة الجماعة لخلفه د.محمد بديع, وحين قرر الأول ألا يستمر المرشد في مقعده سوى لفترة رئاسية واحدة مدتها ستة سنوات وهو تعديل دستوري شجاع. فكرسي الجماعة لا يعني بالنسبة للمرشد المال والسلطة فقط لكنه يعني أيضاً الكثير من الحصانة, فالحكومة ستفكر ألف مرة قبل أن تتهم المرشد بينما يمكنها أن تعتقل الكثيرين دون أدنى خوف.

أحترم الإخوان لأن لديهم نظامهم الاقتصادي الثابت أيضاً. فالإخواني يعمل من أجل بناء المستشفيات والمدارس إلى غير ذلك من المشروعات الخدمية التي يتقاضون على الخدمة المقدمة فيها المال الوفير, ويعطون العاملين بها الشيء اليسير ومن هنا يمول الإخوان أنشطتهم (أنا كنت أعمل في أحد مدارسهم وكان راتبي 175 جنيها في الشهر بينما تحقق المدرسة أرباحاً تقدر بعشرة ملايين جنيه في العام الواحد). إلى جانب ذلك تفرض الجماعة على ميسوري الحال منهم دفع خمسة إلى سبعة بالمائة من أرباحهم السنوية كتبرع للقيام بالأنشطة, هذا إلى جانب الذكاء الشديد الذي يتمتعون به وقدرتهم على جلب الكثير من الأموال من الخارج. هم يقولون أنهم لا يتلقون معونات من أي جهة أجنبية وهم في هذا على حق, لكنهم يأخذون أموالاً من أعضاء خارجيين!!

تعاملت الحكومات المتعاقبة في ظل قيادة الرئيس مبارك مع الصهاينة بشيء من الود الحذر, بينما لم تتعامل بالعنف المتوقع مع جماعة الإخوان. مبارك يعرف كيف يبقي الأمور هادئة على السطح مع الإخوان والصهاينة. لم يرغب النظام في التعامل بشكل مباشر مع الإخوان إلا في حالات قليلة, وفضل أن يطلق العنان بدلا من هذا لجماعات سلفية تستقطب الشباب وتدعو إلى الدين وتنشر بين الناس أن طاعة الحاكم من طاعة الله ورسوله!!

وبين الصهاينة والإخوان والنظام الحالي نأخذ نحن مقعد المتفرجين.. أرجو من الله ألا يُسلب المقعد أيضاً في الأيام القليلة القادمة.

يناير 14، 2010

تعويض

The_Love_Omen_by_gilad ثلاثة أيام وليلة, أجفف السحاب من أثر المطر وأحشو به وسادتها كي تستريح.. المدارات سفر طويل عليها وهي لابد ستأتي مرهقة. أعلم أنها ستأتي.... مرهقة. وستطلب مني في دلال أن أحكي لها حكاية كي تنام. وسأحكي فقط.. لو تبتسم ثلاثة أعوام وليلة.

يناير 11، 2010

الترجمة من الصعيدية إلى العربية

177690521_c5d4fea40e

للأستاذ جمال عمارة الكثير من التدوينات عن فن الترجمة. أنا أيضاً أريد أن أكتب في هذا المجال. لذا قررت أن أعارض ما يكتبه الأستاذ جمال, وأن اكتب في الترجمة من الصعيدية إلى العربية والعكس. من المعروف أن العامية الصعيدية تعطش الجيم وتقرب القاف من الجيم المعطشة لكن هناك معلومات أخرى قد لا تعرفها عنها.

التراكيب المدمجة:

توجد في الصعيدية بعض التراكيب التي تم دمجها فتسمعها ككلمة واحدة. من هذه التراكيب السؤال الشائع "هوّيه" مع ضم الهاء وتشديد الواو. حسناَ خذ بعض الوقت كي تتأمل الكلمة. حاول أن تترجمها بنفسك قبل أن تغش الإجابة.. هذه الكلمة مدمجة من ضمير الغائب "هو" وأداة الاستفهام "ايه" لكنها تنطق مرة واحدة كما لو كان الكلمتان كلمة واحدة. جرب أن تنطقها مرة أخرى قبل أن تنتقل للنقطة التالية.

الاختزالات

تأمل السؤال التالي: "كديه سكن؟" هذا السؤال بسيط التكوين صعب الفهم. ستتفاجأ حين تعرف معناه. إنه يساوي السؤال التالي في العربية الفصيحة "في أي طابق تسكن؟" أو الجملة التالية من العامية البيضاء "انت ساكن في الدور الكام؟ كلمة "كديه" هي في الأساس كلمتان تم دمجهما. وكما ترى فالعامية لا تدمج فقط الكلمات لكنها أحيانا تحذف بعض الكلمات التي لا ترى لها قيمة, وهذا الإيجاز أحد مقومات بلاغتها, وأحد أسباب عدم فهم القاهريين لبعض تكويناتها.

كلمات مفردة

"شعلة": ضاقت الكلمات على الصعايدة أو هكذا يبدو الأمر. ستجد أنهم يطلقون هذه اللفظة للإشارة إلى كلمة "بتاع" في اللهجة العامية أو "الشيء" في العربية الفصحى. والجمع شُعَل.

"تور" وتنطق كما ننطق كلمة tour بالإنجليزية وتعني قم.

"اندلى" أي نزل

"فلينة" أي فلنة (تي شيرت)

"حاياجة" وقد أشرنا إليها في تدوينة سابقة وتعني الحلبة.

نبذة تاريخية

لكن للكلمة "حياجة" تاريخ طويل. فعلى ما يبدو أن فرقة من مدينة حلب كانت تجوب القرى فيما مضى لتقديم عروض راقصة. ويبدو أن الراقصات كن نساء سيئات السمعة, وكان الرجال الصعايدة يعشقونهن لجمالهن الأخاذ, لكن عرف وتقاليد القرية كانت تمنع الرجال من الاختلاط بالحلبيات. وكان من يقترب منهن يجرس في القرية كلها, ومن هنا أصبحت كلمة "حلبية" سبة تعني امرأة غير حسنة السير. وبهذا كان على الذهن الصعيدي أن يتفتق عن اسم آخر للمشروب غير هذا الاسم المشين. هذه معلومة تاريخية أخرى أكثر طرافة, في الثلاثينيات من القرن العشرين لم يكن الصعيد يعرف الباذنجان, لذا فعندما ورد إليه وزرع هناك للمرة الأولى كان يشار إليه على أنه "ضادنجان".

قد يخيل إليك عزيزي القارئ أنك لن تفهم الصعيدي حين يتكلم, لكن الحقيقة أن وسائل الإعلام ساوت اللهجات في جميع البلدان. القليل من اللهجات مازالت حية في القليل من الأماكن وغالباً ما تنطق على ألسنة كبار السن أو أبناء الطبقات الفقيرة. هذا هو الحال في دمياط وبورسعيد وفي الصعيد أيضاً. ربما احتفظ البدو قليلاً بلهجتهم لكن لا تقلق فهم في طريقهم للتغيير. لكن كيف يمكنك أن تكشف الصعيدي إذا كان الجميع يتحدثون لهجة بيضاء محايدة. حسنأً أكتب له الجملة التالية وطلب منه أن يقرأها.

- "عاوز قزازة حاجة ساقعة".

ركز جيداً في نطقه لكلمة "قزازة" من المفترض أن ينطقها بكسر القاف, لكنني أعدك أنه سيفتح القاف فتحة واضحة وجلية.

في النهاية إليك هذا التدريب. ترجم الجملة التالية إلى العربية:

توري يا بت توري.. اعملي لولد عمك حاياجة”.

يتم وضع الترجمة في رسالة على العنوان التالي: نجع الفحيرة بجوار ساجية أبو الغيط.

ملحوظة: إن لم يقتلني الأستاذ جمال عمارة, فسأحاول أن أكتب جزءاً ثانياً لهذه التدوينة :)

يناير 10، 2010

My mood

بننجرح .. كل يوم
لكن بيفرحنا
إن أنت جوا القلب
ساكن في أفراحنا
وأنت الأمل في العيون
والنشوة ساعة الجنون
وإياك تكون زيهم
وتروح وتجرحنا
د أنت الوحيد منهم
تقدر تريحنا

يناير 07، 2010

هدية

lovea أربعة جدران مصمتة نثر عليها كل ما لديه من مسحوق الظلام المعتم. فكر في أنه يستطيع أن يدخن الآن لآلاف السنين دون أن يزعجه أحد ودون أن يشغل عينيه بالنظر إلى صورة الموت المرسوم على علبة السجائر. أربعة جدران باردة يستطيع أن يموت بينها بلا خوف وستحافظ على جسده لوقت طويل نسبياً. أربعة جدران استغرق بناءها وقتاً ومجهوداً كبيرين وهو يستحق الآن أن ينام, ربما إلى الأبد.

قطع تفكيره صوت جرس الحائط. لم يتحرك ولم يبد أنه سمع. كان قد اتخذ قراراً بأنه سيظل مستلقياً في سكون تام قبل أن يغفو غفوة طويلة. لكن فاطمة “بنت الذين” عبرت من بين الطوب والإسمنت وأحدثت الكثير من الجلبة. فتحت النور فأغمض عينيه وتأذى. قبلت جبهته وارتمت بين ذراعيه. همست بأنها قد اشترت له هدية جديدة. بفضول طفل فتح عينيه ونظر داخل الأغلفة ليجد نافذة تطل على شارع فسيح, وشمس متوهجة وسيارات وعصافير.

يناير 06، 2010

حتى الحيوانات لم تعد تعرفني

Cotton_plant_by_mtfarda كان منظر أعواد القطن البنية الجافة الواقفة في الحقل يقبض الروح, لكن جدي كان مبتسماً مستبشراً بحلول وقت الحصاد. لم ألحظ وقتها مدى التشابه بينه وبين عود القطن الجاف. فكلاهما كان أسمر ورشيقاً وكلاهما كانت له عمامة بيضاء فوق رأسه. في هذه الأيام كنت أحب الذهاب إلى قريتنا كثيراً, ربما لأن جدي كان يعطيني علبة طوفي كاملة من الدكان الذي يملكه كلما ذهبت, أو لأن جدتي كانت تخرج لي بين أسبوع وآخر ورقة بخمسين جنيه كانت تساوي الكثير في هذا الوقت (منذ عشرين عاماً تقريباً) وتقول "اشتري بيها كاكوليا" تنطقها هكذا "كاكوليا", أو ربما لأنني كنت ألعب مع جدي وأجري بين الشوارع والحقول وأركب الحمار والجمل. المهم أنني كنت أحب الذهاب إلى قريتنا ولا تهمني الأسباب.

في ذلك اليوم ضحك جدي معي كثيراً, وحين دخلنا البيت توجه نحو جدتي ولاطفها ثم سألها عن الصلاة فلم تجب. وجم وجهه على الفور ثم أشهدني عليها. قال إنها تتكاسل عن الصلاة وإنه بريء منها يوم الدين.

لا أذكر الآن الكثير من التفاصيل لكنني أذكر وجهه المبتسم وضحكه معي الذي استمر حتى مغرب الشمس حين قرر أبي أن يعود بي إلى المدينة.

أنا ابن المدينة, ولكنتي مختلفة عن لكنتهم. كان هذا يشغلني كثيراً. فأنا أتحدث مثل أمي لكنهم يتحدثون بشكل لا تتحدث به أمي ولا يتحدث به أبي. هم يطلقون على الحلبة حاياجة وعلى البيض كحريت, ويلبسون بشكل مختلف وتنظر القرية كلها لي على أنني ابن بحري.. ابن الاسكندرانية (مع أن أمي أساساً من نفس القرية), وحده جدي لم يكن ينظر إلى هكذا, فأنا كنت قطعة منه.. قطعة مختلفة بعض الشيء.

في اليوم التالي ليوم رحلتنا في حقول القطن جاء الخبر لأبي فانقبضت ملامح وجهه لكنه لم يدمع. رحل جدي فجأة في حادث سير.

بعد شهر من وفاته أصبح كل شيء مختلفاً جداً. فأبي لم يعد كما كان وإن ظل صامتاً, والدكان أصبح مغلقاً, والحيوانات في البيت لم تعد تعرفني. غير أنهم باعوا الجمل.

لم تعد القرية قريتي بعد جدي, أصبح كل شيء غريباً ومغلفاً بالحزن. حتى جدتي لم تعد لابتهاجها الأول وحاولت الانتحار أكثر من مرة. مرت الأيام والسنون وأنا بعيد عن القرية. لم تعد تهمني أفراحهم ولا أحزانهم.. كنت فقط أريد أن أبتعد. أما أبي فقد ظل صامتاً كاتماً همه وأصر على أن يواصل ما بدأه جدي.

مع الأيام تحول أبي إلى صورة من أبيه. عود من القطن أسمر ورشيق وعلى رأسه شعر أبيض. كان من الطبيعي جداً أن يرحل هو أيضاً قبل أن يشهد الحصاد.

رحل أبي فجأة مثلما رحل أبوه وتركا في الروح ندبة لن تزول, وفي القلب جرحاً لن يلتئم.

ولاد العم.. عود أحمد

463078

أذكر أن آخر الأفلام التي كانت تتكلم عن الجاسوسية والصراع المخابراتي الخفي بين مصر وإسرائيل (إن كان موجوداً من الأساس) كان بطولة نادية الجندي (هذا باعتبار أن ما تقوم به نادية يوضع تحت خانة الأفلام). والحقيقة أن الأفلام التي تتحدث بحس قومي قد اختفت من شاشة السينما المصرية لسنوات طويلة, وكانت نادية وحدها هي المهتمة بهذا الجانب, لكن تجاربها كانت دائماً منقوصة. ثم جاء فيلم ليلة سقوط بغداد الذي ركب موجة الكوميديا في مناقشته للموضوع ومن ثم خرج من دائرة الأفلام التي نركز عليها في هذه التدوينة. فنحن هنا نتحدث عن فيلم يناقش الأوضاع الخارجية لبلادنا برؤية جادة.

في ولاد العم نجد أنفسنا أمام جيل آخر من النجوم يجرب نفسه في منطقة جديدة عليهم. الجميل في الأمر أنهم جميعاً أجادوا وخرجوا بعمل محترم. حين تشاهد أولاد العم ستلاحظ التميز غير العادي في الأداء التمثيلي لشريف منير وكريم عبد العزيز ومنى زكي. شريف منير تحديداً يجب أن نعتبره ظاهرة فريدة من نوعها. فالأخير من جيل ربما تجاوزته السينما الآن, وربما كان شريف يمثل قبل أن تولد منى زكي, فأول أعماله كانت في عام 1984 إن لم تخني الذاكرة (هذا على اعتبار أنني كنت أتابع الأعمال الدرامية وأنا في اkareemللفة :) ), لكنه مع هذا يمثل بتألق كبير ولا يهمه ترتيب الأسماء على الأفيش ويراقب تقدمه وحده دون الانشغال بالآخرين. لن أتحدث عن منى زكي التي عادت سالمة إلى التمثيل بطبيعتها بدلاً من الاستعراض الذي أعتقد أنه كان مقصوداً في احكي يا شهرزاد, لكنني أود أن أشير هنا إلى كريم عبد العزيز الذي ينبغي أن تقارنوا تمثيله الحالي بالأداء الذي ظهر به أول ما ظهر. هذا الرجل يتقدم وبقوة.

مخرج الفيلم شريف عرفة أيضاً كان في تجربة جديدة عليه. فعلى الرغم من أن عرفة مخرج أفلام حركة جيد, إلا أن هذا الفيلم كان مختلفاً عن سابقيه. فعرفة الذي أخرج مافيا والجزيرة لم يتعرض في تجاربه السابقة لمشاكل تتعلق بمكان التصوير على سبيل المثال. إذ اضطر إلى تصوير أغلب الفيلم في جنوب إفريقيا نظراً للتشابه في الشكل الظاهري بينها وبين أرض فلسطين, وتشابه سمت شوارعها مع العاصمة تل أبيب. اضطر عرفة إلى تصميم بيئة إسرائيلية كاملة كي يتحرك فيها الأبطال. الأكثر من هذا أنه اضطر إلى تعليم الأبطال أنفسهم بعضاً من العبرية كي يخرج الفيلم صادقاً. ربما لهذا المجهود الضخم خرج الفيلم ببعض الهنات الإخراجية التي سنتحدث عنها لاحقاً.

قصة الفيلم فكرة وكتابة عمرو سمير عاطف الذي اشتهر من قبل بكتابة مسلسلات خفيفة مثل بكار (للأطفال) وتامر وشوقية, وراجل وست ستات, والعيادة. عمرو عاطف أيضاً يجرب نفسه في ميدان جديد عليه, فيكتب قصة قال إن فكرتها أوحتها له زوجته وهذا تصريح خطير منه!!

يحكي الفيلم قصة فتاة مصرية متزوجة ولديها ولد وبنت تستيقظ من النوم لتجد زوجها الذي أحبته كثيراً يعترف بأنه إسرائيلي الجنسية وأنه يعمل بالموساد ويجبرها على التسلل معه عبر المتوسط إلى إسرائيل. لتعيش أياماً قاسية ويكلف كريم عبد العزيز ضابط المخابرات المصري بالدخول إلى الموساد الإسرائيلي والكشف عن المعلومات التي عرفها دانيال (شريف منير) وسبب تواجده في مصر طيلة الفترة السابقة وأن يعود بالزوجة وطفليها. وهو في آخر الفيلم ينجح في هذا كله ويموت الشر ممثلاً في دانيال. ينتهي الفيلم بعبارة على لسان كريم عبد العزيز حين يسأله أحدهم: "إحنا مش هانرجع؟" (يعني نرجع إلى مصر) فيرد كريم: بأننا "راجعون" (يعني لتحرير فلسطين).

القصة إذا ما نظرنا إليها نظرة كلية نجد أن بها القليل من المضامين الفكرية, وأن تفاصيلها لا تضيف الكثير. لكن هذا قد يكون مبرراً لو وضعنا في اعتبارنا إلى أن الفيلم يميل إلى سمت أفلام الحركة.

كنت أتمنى أن نخرج في هذه القصة من فكرة الإسرائيلي الصهيوني الوحش (بكسر الواو والحاء). فدانيال لن يستطيع أن يمثل الحب ويخدع امرأة لمدة تتجاوز خمس سنوات إن لم يحبها بالفعل. وكي يصل إليك ما أريد أن أقول تأمل معي قصة رأفت الهجان, وكيف رسمته السينما رجلا رومانسياً محباً للنساء حتى اليهوديات منهن. الإسرائيلي الصهيوني اليهودي أيضاً له قلب ويستطيع أن يحب –خاصة إذا كانت زوجته مصرية جميلة مثل منى زكي- لكن الفيلم أصر على أن يخرجه بلا مشاعر وأن يظهر الإسرائيليين على أنهم "وحشين قوي" إلى درجة تخرج عن نطاق المنطق والواقع. وأنا هنا لا أناصر الإسرائيليين لكنني أناصر طبيعة البشر.

هناك الكثير من الأشياء غير منطقية بالفيلم, منها التنقل السهل والسريع بين البلدان بلا أي صعوبة تذكر. ومنها التحول السريع في شخصية البطلة من امرأة تكره إسرائيل إلى حد الموت إلى سيدة تريد أن "تهاود أمورها", وتعيش كي تربي أطفالها. أعتقد أن هذا التحول يلزمه منعطفاًحاداً وخبرة قاسية في الاتجاه المضاد لما كانت تعايشه البطلة.

الموسيقى التصويرية للفيلم كانت من إبداع العملاق عمر خيرت, وبالطبع كانت رائعة إلا أنني لا أتذكر أنني خرجت من السينما بتيمة موسيقية ثابتة في أذني.

أجاد شريف عرفة في كل شيء إلا أن بعض الهنات بدت واضحة. منها رداءة 201132170364_604x333q100 المكياج الموضوع على وجه شريف منير في الصورة التي أمامكم. ومنها عدم احتراق شعر شريف منير حين احترق دانيال تماماً في الدقائق الأخيرة من الفيلم.

استطاع شريف عرفة أخيراً أن يوظف دوران الكاميرا حول البطل توظيفاً صحيحاً. في مافيا كان كطفل قليل التجربة في يده لعبة جديدة وهو فرح بها. لكنه اليوم يدور بالكاميرا في موضع صحيح من السيناريو حول كريم عبد العزيز في مشهد من أشد مشاهد الفيلم سخونة وقوة. إلا أن هذا المشهد نفسه كان مسبوقاً بمشهد من أشد مشاهد الفيلم سخفاً. فكريم يقف عند قرية يقصفها الإسرائيليون بالطائرات ويجتاحها الجنود ويخرجون أهلها. لا حاجة لك أن تقرأ نقداً أو ترى حرباً كي تعرف أن هذا غير منطقي. فالمنطق يقول أن القصف الجوي يحدث أولاً ثم يحدث الاجتياح البري. من الواضح أن هذا المشهد كلف المنتج الكثير من الدولارات لذا نجده يتكرر في كل إعلانات الفيلم وأفيشاته.

الأفيش الرئيسي والأكثر انتشاراً للفيلم يستحق الإشادةragol-new على الرغم من أنه استقى التصميم العام من أغلفة كتب رجل المستحيل (على حد تعبير أحمد الشمسي) إلا أنه جاء قوياً, وأكثر جوانبه قوة كانت الطريقة التي كتب بها اسم الفيلم. دقق في اسم الفيلم جيداً على الأفيش كي تدرك أن طريقة كتابة الاسم تحوي مضمون القصة والكلمات المكونة للاسم. فهو مكتوب بشكل يجعل الحروف العربية تميل إلى شكل الحروف العبرية. (هذه أيضاً كانت ملاحظة الشمسي)

"ولاد العم" إذاً عود أحمد لأفلام جادة وإن مال إلى تيمة أفلام الحركة من أجل التسويق التجاري. وهو فيلم يحمل الكثير من التجريب والاجتهاد. شاهد الفيلم في السينما تشجيعاً للفن الجاد الخالي من الاستخفاف والظرف.

يناير 04، 2010

حين يدعو عمر خيرت..

لن تشعر بعد أن تستمع لهذه المقطوعة سوى بأن قلبك اتسع ليشمل العالم. أسمعها وفي عقلي بعض الأشخاص الذين أشعر نحوهم بالامتنان, فلا أملك سوى أن أدعو لهم. استمتعوا معي بعمر خيرت.

شكر خاص لأحمد حشمت الذي أهداني هذه المقطوعة.

يناير 03، 2010

من التاريخ السري لعمرو السيد (5)

GetAttachment.aspx على رصيف 8 في محطة رمسيس وقف رجال الأمن كي يمنعوا العابرين من الدخول إذا لم يشتروا تذكرة قيمتها جنيه واحد فقط. أنا بالطبع لم أرغب في دفع هذا الجنيه لأنني لست زائراً. أنا جئت كي أحجز تذكرة القطار, ومن غير المنطقي أن أدفع لدخول الرصيف ثم أدفع ثانية ثمن التذكرة. والقضية هنا ليست قضية المال على الإطلاق.. إنها قضية منطق.


المهم أنني عبرت ثم حين رجعت كي أغادر المحطة أحسست أنني أمارس الازدواجية في أقصى صورها. رجعت إلى رجال الأمن وسألتهم عن سبب دفع التذكرة فقالوا إنها من أجل دخول الرصيف. قلت إن الداخلون إلى الأرصفة 1, و2, و3, و4, و5, و6 لا يدفعون فلماذا يدفع أهل الصعيد فقط على الأرصفة 8, و9, و10, و11. رجل الأمن الذي على البوابة قال لي إن كلامي صحيحاً وأخبرني أن علي أن أتوجه إلى رئيس هيئة السكك الحديدية وأخبره.


طبعا هذا الحارس يريد أن "يسخنني". أو هو لا يريد الوصول إلى الحق, وإنما يحاول فقط أن يسكتني. فكرت للحظة أن أمشي وأغادر المحطة, لكن محاربتي للازدواجية جعلتني أتحول مرة أخرى وأقبل التحدي, حصلت على تذكرة وقررت خوض التجربة.

- فين مكتب رئيس الهيئة يا ابني..

كنت أتحدث إلى رجل في الأربعين من عمره يبدو من ملابسه أنه يعمل بالهيئة.. ينبغي عليك أن تكون مستعداً لهذا الموقف إذا كنت ترغب في خوضه. أنا كنت ألبس ملابساً تعزز موقفي, واستعرت من الألفاظ ما يشعر العاملين بأنهم أدنى مني سلطة.


- هو فيه مشكلة ولا حاجة يا بيه؟
- انت بتشتغل إيه هنا؟
- أنا موظف هنا.
- طيب خلاص ما تكلمنيش خالص. أنا باسأل سؤال واضح.. فين مكتب رئيس الهيئة.

يمكنك أن تستعير أيضاً بعض القوالب الجاهزة في مثل هذه المواقف فتقول: "طيب اسكت عشان ما تضرش نفسك".. وإن كنت من الذين يستطيعون إطلاق السباب (على ألا تكون مزدوجاً في هذا فتستخدمها في الشارع لكنك تمنع أولادك في البيت من الحديث بها) يمكنك أن تستخدم بعض الشتائم المراعية للبيئة مثل "حيوان, أو حمار, أو جربوع", لكن احذر من التمادي في هذا فقد يجرك إلى جنحة.

- فين مكتب رئيس الهيئة؟ (أتحدث إلى موظف آخر)
- فيه حاجة يا فندم؟
- مش شغلك.
- اطلع السلم ده.
- ده سلم طوارئ يا أستاذ.. أنا أطلع من سلم الطوارئ؟ فين السلم اللي بيطلع عليه رئيس الهيئة؟
- من هنا يا فندم.

لاحظ أنك لو اتبعت كلامه وصعدت من سلم الطوارئ سيشك في أمرك.. هو الآن يظن أنك "رتبة" والرتب لها ألفاظ, وأفعال ونظرات معينة. أهم شيء ألا يشعر أنك لست كذلك, وأن تنظر في عينيه مباشرة ولا تتردد.

لن أتحدث طويلاً عن كم الأفراد الذين قابلونني في الطريق وتعاملت معهم بنفس الطريقة. في مكتب رئيس الهيئة العامة للسكك الحديدية قابلت السكرتير. وقررت ألا أدخل للرئيس. لماذا؟ أنا أؤمن باللامركزية جداً, وفي ظل الكيان المركزي لكل الأمور لدينا أعتقد أنه علينا أن نحل مشكلاتنا على المستويات الأدنى ثم تصعيدها... هذا يبدو منطقياً بشكل أكبر. أمسكت بالتذكرة وعرضتها على السكرتير.

- شفت التذكرة دي قبل كده؟

لاحظ أنني هنا من يسأل. هو يسأل في نفسه أيضاً عن هويتي. لكنك الآن تفهم اللعبة. ينبغي أن تظل هويتك غامضة وأن تتحدث بثقة كبيرة. بهذا سيعطونك اهتماماً غير عادي.

- دي من عندنا يا فندم.
- عفارم عليك. من عندكم. بتجمعوها ليه؟ وبتروح فين؟ التذكرة دي مش قانونية. غير إنها مش بتتجمع على جميع الأرصفة. (العديد من الأسئلة ثم أبتع الأسئلة بتهمتين أو ثلاثة)

بدا القلق على وجه الرجل ثم رفع سماعة التليفون واتصل بمفتش المحطة. المفتش رجل أكثر خبثاً منهم جميعاً, وأكثر ثباتاً. يحتاج التغلب عليه إلى أن ترهبه بخطأ في عمله.

- فين الغرض من التذكرة؟ مش مكتوب ليه عليها؟

هنا فقط بدا على الرجل التردد, وقال لي:
- تعالى وريني مين اللي باع لك التذكرة.

رجعت إلى البوابة معه وتجمع حولنا بعض الموظفين والحراس الذين أكلهم الفضول. الكمساري الذي يقطع التذاكر على الباب بدا مسكيناً للغاية ولا حول له ولا قوة. حينما طلبت منه أن يرى التذكرة التي في يدي, أعطاني مجموعة التذاكر التي فيه يده كلها. نظرت فإذا الغرض من التذكرة مكتوباً لكن الكمساري أثناء قطع تذكرتي لم يقطعها بشكل كامل. بدأ الإحراج يتسلل إلي. نظر إلي الكمساري وقال:

- حضرتك لو عاوز تمن التذكرة أهو.
- انت بتديني جنيه؟ أنا هاشتري المجموعة دي كلها.. الدفتر كله. (وده معناه إني هاخد ده كدليل على فساد يعني)

التمادي في اللعبة لم يبد قراراً جيداً خاصة بعدما علمت بما لا يدع مجالاً للشك أن التذكرة قانونية. وأوضح لي أحدهم فلسفة الهيئة في قطع هذه التذاكر وكيف يمكن لمن يريد حجز تذاكر السفر ألا يدفع تذكرة الزائرين لدخول الرصيف. نظرة بعيني إلى الأرصفة الأخرى أدركت بعدها أن الأرصفة الأولى في المحطة يقف عليها كمسارية أيضاً لابد وأنهم يقطعون مثل هذه التذكرة. نظرت بغل إلى الحارس الذي نصحني بأن "أطلع" لرئيس الهيئة وقال إن كلامي كله صحيحاً.

- يا فندم هما بس مش عارفين يتعاملوا مع الناس إزاي.. لكن الموضوع كله قانوني.

هكذا قال أحد الموظفين اللبقين. وانهارت أمام عيني القضية التي كنت أبحث عنها.

- أنا المهم عندي إن البلد تمشي صح.

سلمت عليهم (بألاطة كبيرة) ثم تحولت إلى الخلف. صحيح أنني ضيعت وقتاً طويلاً في مناقشات لا داعي منها. إلا أنني شعرت بالانفرادية (عكس الازدواجية يعني) واستمتعت بهذا الشعور كثيراً.