ديسمبر 27، 2007

أجمل

                        907762_an_old_book

كدت أقع في المسافة الفاصلة بين الكنبة وكرسي السائق حين توقف الميكروباص فجأة. ترددت كلمات التباع في أذني لفترة لم تطل, فسرعان ما داست السيدة السمينة التي كانت تجلس بجواري على قدمي. صرخت .. نظرت إلي وكأنما تعتذر ثم داست القدم الأخرى..

قبل أن أسب الجالس عن يميني وألعن أمه التي تسببت في ركوبه معي.. فكرت أن علي أن أسب نفسي ألف مرة. هل انعدمت الميكروباصات حتى أركب هذه الخردة؟!.. أرجع بتفكيري .. في الحقيقة أنا لم أختر الميكروباص بل دخلته بقوة دفع الركاب.. مرة أخرى ينفث دخان سيجارته في الهواء فيلفح وجههي.. ومرة أخرى أكح وأطلب منه إطفاء السيجارة..

انطلق صوت التباع وعبارته التي بدت مقدسة:
-    "ارفع الجنيه من على الأرض"
سندت يدي على ظهر كرسي السائق حتى لا أقع بينما تكومت هي على أرضية الميكروباص.. لم أستطع أن أكتم أنة الألم داخلي.. وبقدر كبير من الجرأة لم أعهده على نفسي مددت لها يدي وأجلستها.. لاحظت دمعة تتسحب على خدها.. وتخيلت ركبتيها تحت الجيبة وقد دبغتا بأخضر مؤلم..
بدت جارتي الجديدة أرق مما يحدث حولنا.. كانت مثل زغب أصفر على جلد طفل حديث الولادة.. التقطت صورة لها بذاكرتي.. وصورة أخرى لشفتيها تشكرني..

نظر السائق في المرآة ثم مصمص شفتيه... وبينما تبادل مع التباع كلمات عن بنات اليومين دول.. سألتها متى ركبت, لم ترد وإنما اكتفت بنصف ابتسامة طربت لها..

تركت نفسي لها تحدثنا عن كل شيء حولنا: السمج الذي يدخن بجواري.. السائق القصير المتهور.. عبارات التباع المؤذية.. غناء الجنود بالخلف على أنغام الأغنية الهابطة.. جدران الميكروباص التي بقي عليها أجزاء من ملصقات قديمة لآيات قرآنية وصور للمسيح, حتى بابه الذي تعلق بصورة جديدة لفتاة شبه عارية..

حين أطلق التباع كلمته.. ثبت قدمي على أرضية العربة .. ولففت ذراعي حول ذراعها.. اتسعت عيناها في شيء من الدهشة والاستنكار.. حاولت أن تفلت ذراعها لكنني أمسكتها بقوة.. وقبل أن تفتح فمها وضعت يدي على نصف وجهها الأسفل وركزت النظر عند عينيها.. بينما فاضت ملامحها بالكثير من الخجل والرغبة.. أسندت ظهري على الكنبة وتمنيت لو يطول الطريق.