ديسمبر 18، 2011

طعام وابتسامة دافئة

father-and-son

ترك الظرف على الطاولة ثم قال وهو ينصرف إنه ينفذ وصية صديقي المرحوم. تركني ذاهلا حتى أنني لم أنتبه إليه وهو يصفق الباب خلفه ولم أقم معه بما ينبغي من واجب الزيارة.

مددت يدي نحو الظرف دون أن ألمسه, توقفت عضلاتي وعقلي فجأة وكأن كل ما في يحاول أن يستوعب...
- المرحوم؟ صديقي؟

هو ليس صديقي بالتأكيد, كل ما في الامر أننا جلسنا معا ربما مرة أو مرتين على مقهى البورصة, كانت المرة الأولى حين لم يجد لنفسه طاولة فاستأذنني في أن يريح كوبه على طاولتي. كان هذا منذ فترة ليست بالقليلة, تحدثنا بعدها ربما مرة أو مرتين, وتبادلنا تحية المساء في الشارع المؤدي للمقهى مرات عديدة.

ما الذي يمكن أن يتركه لي رجل عجوز يحتضر وأنا في الأساس لا أعرفه؟ بالتأكيد لن يكون ما تركه ذا قيمة, هوعلى الأغلب يريد مساعدة مادية لولده الذي في السجن, أو يريدني أن أزوره.

أفتح الظرف فأقرأ سطرا وحيدا كتبه بيد لابد وأنها كانت ترتعش:

"ممتن لك. أنت الوحيد الذي استمع لهمومي ومشاكلي باهتمام كبير".

أشعر بإحراج كبير من نفسي, في الحقيقة أنا لم أنصت له على الإطلاق, كنت أمثل الاستماع فقط, وكنت أسأله بعض الأسئلة بطريقة آلية بين الحين والآخر حتى لا يظن أنني سرحت بعقلي بعيدا عنه.

أتذكره وهو يقلب تذكرة القطار بين أصابعه في ذلك اليوم, كانت دموعه على خده وهو يخبرني عن رحلة العناء التي يقوم بها إلى الصعيد كي يرى ابنه لدقائق قليلة, زادت حدة بكائه وهو يقول إنهم سجنوه ظلما, ثم انهمك في سرد تفاصيل قضيته بينما كنت أنا أمثل الاستماع فقط. في نهاية حديثه كتب لي رقم هاتفه على ظهر التذكرة رغبة منه في التواصل معي, شكرت الله أنه لم يطلب رقم هاتفي, ابتسمت ثم أسرعت في الانصراف وتحاشيت الجلوس معه بعدها.

كان الظلام يغطي كل المسافات على جانبي الطريق تماما كما يغطي الموت الجانب الأكبر من الحياة. أشعرتني السيارات العجلى المارقة من حولي بقليل من الأنس, كان الجميع يتسابقون للحاق بصلاة العيد في قراهم ومدنهم وكانت رائحة الطعام الذي أعدته أمي نفاذة مسيطرة كسؤالها:

- ما دمت لا تعرف الرجل فلم أنت حزين إلى هذا الحد؟

ما أشعر به ليس حزنا بكل تأكيد, هو شعور بالشفقة فقط, وإن كنت لا أدري هل أشفق على الأب الذي رحل بائسا ووحيداً؟ أم على الابن الذي تنتظره أيام طويلة من الحبس والحزن؟ أم أشفق على نفسي أنا؟ ما أعرفه جيداً أنه لم يعد هناك مكان شاغر بداخلي, فأنا ممتليء بالموتى... أحملهم معي كل يوم للعمل, تثيرهم كلمات وجمل بسيطة من زملائي للخروج من داخلي فينتشرون بين المكاتب والدواليب, يخفون كل ما حولي ويعبثون بملفات الذاكرة فأعيش لحظة فقدانهم مرات ومرات قبل أن يقابلوني صدفة في طريقي للبيت, وقبل أن ينادي علي أبي وأنا داخل إلى سلم العمارة كي أحمل عنه ما اشتراه, وقبل أن يمسح يوسف البقال يده وهو يبتسم ثم يرفعها بالتحية, وقبل أن أقضي وقتا عصيبا أعيدهم فيه جميعا إلى داخلي...

أوقف السيارة عند استراحة على الطريق, أفكر فيما قاله المحامي وهو يترك لي الظرف, أفكر في المرحوم صديقي الذي لم أعرفه, أرشف قهوتي بينما يدور حديث بيني والمحامي في مكتبه... يعطيني تصريح الزيارة ويقول إنني لا ينبغي أن أخبر الابن بأي شيء, أهز رأسي موافقا, ثم أنصرف وبداخلي رغبة غير عادية في إخباره, ليس لأنه سيقلق مع انقطاع أبيه عن زيارته, لكن لكي يدعو له, لكي يحمله بداخله كاملا ونقيا كما أحمل أنا أبي والآخرين ربما يكون هذا هو المعروف الوحيد الذي أفعله لهذا الرجل.

أتخيل الابن خلف القضبان والستائر الحديدية وقت الزيارة, ترى كيف سأخبره؟ هل سأقولها كما جائني خبر أبي حادا وصادما؟

أبوك مات يا محمد.

أبوك توفي.

أبوك... تعيش أنت.

تبدو جميعها جملا صلبة تفتك بأي قلب أحب أم لم يحب. أفكر في تمهيد آخر:

أبوك كان رجلا طيبا

أصمت حين أنتبه إلى أن التمهيد يشتمل على الخبر, تنهب سيارتي الطريق, يختفي المقود وتصمت تكبيرات العيد التي بدأت تخرج من مساجد المدينة, يختفي الطريق نفسه وتنسحب بوادر النور التي كانت قد تسحبت فوق كل شيء, أجد نفسي في زنزانته, متوقعا زيارة العيد التي اعتدتها, وطعاما وابتسامة دافئة, وإطمئنانا إلى أن هناك من يهمه أن أعيش وأن أخرج.

أثبت نظارتي الشمسية وأنا بين الأهالي المنتظرين لموعد الزيارة, أقاوم ذلك الشعور داخلي الذي يدفعني لعدم التعامل مع أي مسجون أو قريب لمسجون, أبتسم حين أراه نسخة شابة من والده:

- أبوك بخيريا محمد كل ما في الأمر أنه قرر أن يلبى نداء الله هذا العام وحلفني أن أزورك بدلا منه.

- ....

- لم يخبرك بأنه سيحج؟

- ....

- ايييه, ربما لأنه لم يتوقع أن يختاروه في القرعة, اتصلوا به في اللحظة الأخيرة وقالوا أنهم وجدوا له مكاناً شاغرا.

نوفمبر 27، 2011

My mood



كل أما نتألم
من شئ بيجرحنا
نشطب عشان نرتاح
بالجاف مكان الجرح
لافيه توبه تمحى جراح
ولا حزن ننساه بفرح
والدنيا جمع وبس
مفهاش علامه طرح
مصطفى إبراهيم

نوفمبر 03، 2011

رحمة

sorrowDetailByJuliaKay-765527

 

في الطريق الطويل المحبوس بين سورين عاليين, التفت العجزة والمحتاجون النائمين على الجانبين إليها. لم تكن ملابسها تدل على أنها غنية بأي حال, لكن ما حفز بعضهم إلى النظر إليها وربما القيام من مكانه هي تلك العربة التي تجرها سيدة عجوز والملأى بعلب العصير والحلوى والكثير من المخبوزات الجاهزة...

حينما اقتربت أكثر, بدا واضحا أن إحدى قدميها أطول من الأخرى, كانت تستند على العربة وتبذل مجهودا كبيرا حتى لا تنكب على جنبها, وكان فستانها الأصفر ذو الطابع البلدي طويلاً فاضطرت إلى أن تمشي على مهل وإلى الوقوف بين الحين والآخر لأخذ النفس ولإدخال خصلات شعرها الأمامية تحت طرحتها الخضراء المزركشة..

سرعان ما تحلق حولها الجميع... أرادت أن تعتذر لأنها لم تعد تستطيع أن تجلس أمام الفرن فتخبز بيدها كما كانت تفعل في السنوات السابقة, إلا أنهم بدوا فرحين بهذه الهدايا غير المعتادة بالنسبة لهم... وزعت كل شيء عليهم, واحتفظت ببعض ما في العربة لمن لم يستطع القيام منهم...

بينما دلفت من البوابة, كان طفلان يجريان خلف بعضهما في فرحة بالحلوى, وكان عجوزان يشربان العصير باستمتاع واضح, بينما جلست هي امام قبره وأجهشت بالبكاء...

أكتوبر 27، 2011

من التاريخ السري لعمرو السيد

train_lr

في طريق العودة أشعر عادة بتعب كبير وتكون لدي رغبة غير عادية في النوم, فبعد القفز بين المواصلات من أجل الوصول إلى أكثر من محافظة للانتهاء مما تقتضيه دراستي ويقتضيه عملي أشعر بأنني لم أعد موجوداً تحت ملابسي وإنما يوجد بدلا مني شعور كبير بالتعب والإرهاق.

ما أن أرحت ظهري على الكرسي حتى وجدت أحدهم يطرق على كتفي...

- حضرتك مترجم؟

هكذا كان سؤاله الذي جعلني في قمة الاستغراب.

- أيوة

- طيب ممكن تشوف الاتنين دول عايزين ايه؟

كان الرجل يشير إلى سائح شديد الشبه بليونارديو دي كابريو حين يطول شعره ويعقصه, وكانت بجانبه فتاته التي تبدو أمريكية من أصل لاتيني. قلت لهما بالإنجليزية إن عليهما الحصول على تذاكر للقطار قبل الصعود, ورد السائح بأنه يريد الذهاب إلى الأقصر وأنهم قالوا له إنه يمكنه دفع ثمن التذاكر أثناء الرحلة...

- But as you see the train is very crowded. You will be very lucky if you find a vacant seat.

- Well, I guess we will be standing till we reach Luxor.

- No, you won't.

قلتها بينما كنت أخلي لهما المقعد الخاص بي, كانا محظوظان أن الراكب بجواري لم يأت فجلسا أغلب الطريق, بينما استمتعت أنا بالحديث مع بني جلدتي من المصريين...

مال علي الرجل الذي سألني السؤال الغريب في باديء الأمر...

- لولاك كانوا لاصوا!

- ده واجبنا... هم ضيوف عندنا.

على يميني كان راكباً ممتعضاً...

- تقوم وتقعدهم؟ دول أمريكان يا أستاذ... هما اللي ولعوا في العراق وأفغانستان.

رجل متدين عن يساري:

- لا يلام المرؤ على مروئته.

أنا:

- الشعب حاجة والحكومات حاجة.

الممتعض:

- ولو...

أتفرغ للاستماع لرجل عجوز بين العربات يتحدث في السياسة بالكثير من الأكاذيب وكأنه هو الوحيد الذي يعرف, الباقون كانوا ينظرون إليه بأفواه فاغرة, استرسلت أنا في حديث مع الرجل الممتعض عن تعاليم الإسلام ومعاملة العدو لندلف إلى الحديث عن مسلمي الأندلس فأكتشف أن الرجل قاريء نهم وباحث في التراث... يحدثني عن الزرقالي وطريقة قياسه لمحيط الأرض. ثم يحدثني المتدين عن يساري عن حياة المسلمين الأول, يهيأ إلي أن القطار تحول إلى قاعة علم.

يميل علي الرجل البسيط الذي ورطني مع الأمريكيين ويحدثني في السياسة وفي قدرة الشباب على تقلد الأمور في البلاد, أكتشف فكراً خفيا خلف ملابسه البسيطة, وأخرج من القطار شاكراً للظروف التي جعلتني ألتقي بهم, وبالتفكير في اختلاف ردود فعلهم عند اصطدامهم بمكون ثقافي لم يعتادوا على مقابلته في حياتهم اليومية.

سبتمبر 01، 2011

نجاة

images

لا ينبغي عليك أن تنسى أنك فعلتها ونجوت...

كان الملايين يسبحون والمكان لم يكن ليسع سوى واحد فقط... وأنت فعلتها واخترقت الغشاء الرقيق ثم شاهدتهم من خلفه وهم يموتون في السائل اللزج.

أنت ناجح بطبيعتك وإلا لما كنت هنا.. كل ما في الأمر أنك الآن بين ملايين من الناجحين, كل ما في الأمر أنك انتقلت إلى مستوى أصعب بعده قد تنتهي اللعبة!

أغسطس 03، 2011

فرح!

wedding-bride-cartoonكعادتها تصر أمي في مثل هذه المناسبات على أن تنظف كل ما في البيت بما في ذلك النجف والأرضيات والحوائط وبشكل يجعلني أفكر في أنها قد تضعني أنا وأختي في "طشت" و"تدعكنا" استعداداً لاستقبال الضيوف...

شعور بالضيق ينتابني كلما تكررت هذه الطقوس...

ألاحظ التوتر على وجه أختي الصغيرة التي تمر بهذه التجربة للمرة الأولى, تقول:

- طيب افرض شافني وما عجبتوش؟ ايه اللي هايحصل؟

أحاول جاهداً أن أبتسم. أجلس كالمعلم على الكرسي وأقول:

- ده أنا أضمنك برقبتي... أنا هاقوله يا أستاذ حاجتنا درجة أولى.. طيب تصدق بالله لسة مطلع أختها الأسبوع اللي فات والزبون مبسوط آخر انبساط.

تضحك, بينما موسيقى زفاف أختي الكبرى تدق في أذني...

ربما في شهور قليلة تتركني هي الأخرى إلى آخر يشتري لها "كروت الشحن" والشيكولاتة وتتصل به بينما هو في الخارج كي يحضر لها كريم بشرة من الصيدلية أو نسكافيه من عم عصمت آخر كالذي بالقرب من منزلنا, ربما خلال شهور قليلة ستضحك له حين يخفف من توترها بينما أظل أنا وحيداً ومنسياً.

أغسطس 01، 2011

وحدهم الموتى يفرحون

hope_by_zardo

عن الدعاء. لو أردت تحريك كوب ماء على طاولة فلن يمكنك أن تفعل هذا بالدعاء فقط, بل يجب عليك أن تدعو وتعمل فتحرك الكوب وتصلي لله وبهذا يساعدك الله على تحريكه. الجميل في الأمر أنك في النهاية لن تعرف هل تَحرك الكوب لأنك حركته أم لأن دعوتك مستجابة! بينما كنت أصلي, فكرت أنه من العبث أن ندعو الله عند كل كوب نواجهه في حياتنا, وأن نتوقع أن يتدخل فيغير مسار الأحداث لأجلنا, المعجزات لا تتحقق ونحن من يحرك الأكواب في النهاية, لذا ربما من الأجدر أن ندعوه بالرحمة والمغفرة فحسب!

عن الفقد. وحدهم الذين ماتوا يفرحون لأنهم لن يموتوا مرة أخرى أما أحباؤهم فيموتون حزنا عليهم كل يوم, ربما نفقد أشخاصاً بطرق كثيرة لكن الموتى وحدهم يتحولون إلى أجساد طاهرة ملائكية فلا نستطيع سوى أن نذكر محاسنهم ولا يمكننا أن نشوه صورهم فنتكيف مع ألم الفقد... وحدهم الموتى يفرحون.

عن الأمل. بالقلم الرصاص سوف أرسم صباحا جميلاً, وأضع باقة من الزهور في يدي وشعراً على رأسي وسأخفض من حجم كرشي كثيراً, سوف أرسم الكثير من الفراش وشمسا مبهجة, باللون الأحمر المتوهج سأرسم ابتسامة على وجه فتاة لا تعرفني.

يونيو 01، 2011

فوق قوس قزح

user24785_pic1108_1282529258

تبكين, فأخلع عنك حذائيك الملتصقين بالأرض, وأجلسك على ساقي...

الآن يمكنك أن تغمضي عينيك وتربطي الأحزمة كي تحلقي معي, فأنا وأنت سوف نبني بيتنا في مكان لا يحجب فيه السحاب الرمادي دعواتنا المليئة بالوجع ولا تقرأ فيه الطيور سرنا وصلاتنا...

شششش... لا تبكي يا فرحتي الصغيرة. البنات الحلوات لا يبكين وأنت أحلاهن.

ابتهجي, لأننا في مكان ما فوق قوس قزح سوف نبني بيتنا.

مايو 23، 2011

زبادي

love_wallpaper_111

تضحك كي لا أجزع أنا...

تضحك لكنني أعرف تلك الضحكة المتصاعدة من الفراغ, والابتسامة المختلطة بالوجع... تضع مخفوق الزبادي على فمها في محاولة جادة لأن تشربه, فأمسح الشنب الذي خلفه الزبادي على شفتها بقبلة وأبتلع معه غصة كانت قد خبئتها عند حلقها. أطوق جسدها بذراعي وأهمس في أذنها بأن كل شيء سيكون على ما يرام... أشرب أنا ما بقي من الزبادي وأخبرها بأننا سنقول للطبيب إنها تناولت طعامها, وسنغش مرارة الأيام بسعادتي بها وسعادتها بي...

أتعمد وأنا أشرب الزبادي أن أترك شنباً أبيض على شفتي وابتسامة ماكرة!

أبريل 30، 2011

الآن رضيت

QFx16877

لم أعد أجيد الاستماع لخطبة الجمعة, لكنني منذ ما يزيد من شهر استيقظت من أفكاري الداخلية وتخلصت لدقيقة من صراعاتي, لأجد الخطيب يردد حديثاً قدسياً أعرفه جيداً:

"يا ابن آدم لاتخافن من ذوي سلطان ما دام سلطاني باقيأ وسلطاني لا ينفد ابدأ, يا ابن آدم لا تخش من ضيق الرزق وخزائني ملأنة وخزائني لاتنفد ابدأ, يا ابن آدم لاتطلب غيري وأنا لك فإن طلبتني وجدتني وإن فُتني فُتك وفاتك الخير, يا ابن آدم خلقتك للعبادة فلا تلعب, وقسمت لك رزقك فلا تتعب, وإن رضيت بما قسمته لك ارحت قلبك وبدنك وإن لم ترض بما قسمته لك فوعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا تجري فيها جري الوحوش في البرية ثم لا يكون لك فيها الا ما قسمته لك وكنت عندي مزمومأ".

لحظتها أدركت أن رسالة ما أتتني, وأنه قد آن الأوان لأن أستريح... لذا لم أفعل أي شيء سوى أنني قلت "رضيت يا رب, الآن رضيت يا رب, الآن رضيت".

ثم بدأت أنظر لكل البدائل الأقل الموجودة في يدي, لأكتشف أن الحياة ليست بهذا السوء...

المال رزق, والصحة رزق والحب أيضاً رزق, وأنا آثرت الرضى...

أنا اليوم سعيد, ليس لأنني حققت حلماً أردته, وليس لأنني تجنبت خسارات كنت مهدداً بها, أنا اليوم سعيد, وسعيد فقط...

كثيراً ما سمعت هذا الحديث, وكثيراً ما سمعت الآخرين يقولون أشياء مثل "القناعة كنز لا يفني", لكن الاستماع يختلف عن الإيمان.

ربما تكون القناعة حلاً لمشاكلك أنت أيضاً, فالوالدان رزق, والأهل رزق, والفرحة رزق... ارض بنصيبك من الفرحة!

أبريل 10، 2011

الصلوات تبقى واحدة

s42011713734

أنا ترجمت رواية يا جدعاااان وصدرت عن دار العربي.. ممكن تقروا الخبر في اليوم السابع وتشوفوا اسمي وهو منور ومكتوب بالبنط العريض في المقالة.

اشتروا بقى الرواية وقولولي رأيكم في الترجمة.. بس أنا عارفه مقدماً هع هع هع.

كاتب الرواية هو تونا كريمتشي, ولد زي القمر كده شبهي تمام, وبيكتب حلو (بس أنا باكتب أحسن منه طبعاً). يمكنكم شراء النسخ وأنا هاتبرع بالإهداء.

Smile

أبريل 05، 2011

والذي اغتالني: ليس ربًّا
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
أمل دنقل

مارس 29، 2011

عمر

shoe

لماذا ينبغي علي أن أشتري دائما حذاء بفردتين وأنا بساق واحدة؟!


ألقي بالفردة اليمنى في الصندوق الضخم المجاور للدولاب, فألاحظ أنه امتلأ, أقترب من الصندوق وأمد يدي فيه, أخرج منه فردة لحذاء بني كنت قد اشتريته قبل عامين ولم تتحمل فردته اليسرى سوى أشهر قليلة…

أفرغ الصندوق فتخرج معه الذكريات..

أضع كل فردة في موضعها على السرير طبقا لتاريخ شرائها الذي دونته على كل منها, تلمس يدي فردة حذاء رياضي أهداه لي طاهر قبل أن يتزوج, أتذكر وجهه المبتسم وهو يقول إنني مازلت شاباً وينبغي أن أمارس الرياضة, فردة يمنى من حذاء اشترته لي مريم قبل أن ترحل بشهر, فردة أخرى من حذاء زفافنا, فردات يمنى كثيرة هلكت يسراها من الذهاب إلى العمل…

تختلط مشاعري بين البهجة والحزن لكنني أشعر بصدمة غير منطقية حين أجد بيادة الجيش وقد استقرت بفردتيها على قاع الصندوق.

مارس 01، 2011

مسلسل

1207036428_1024x768_vanish
تفكر في أن تختفي.. أن توقف مسلسل الحياة الممل كما تغلق التلفاز بضغطة زر.. لذا تقوم بمحو حسابك على فيسبوك, وتلغي كل مدوناتك, وتغلق هاتفك و....تختفي, لكن وجودك يستمر على ألسنة وعقول الباحثين عنك, وفي ذاكرة كل من قابلت, تكتشف في النهاية أن هؤلاء جميعاً يمسكون الريموت بأيديهم ويضغطون زر التشغيل... رغم أنهم جميعا مثلك, يكرهون المسلسل.

فبراير 28، 2011

معذرة أخي ويليام

shake

كنت أهزأ من كل أبيات الحب التي يكتبها ويليام شكسبير, كانت السونتة 29 تحديداً تثير سخريتي وضحكي إلى حد بعيد وتجعلني أقف في وسط المنزل مردداً سطورها بصوت أوبرالي:

When, in disgrace with fortune and men's eyes
I all alone beweep my outcast state
And trouble deaf heaven with my bootless cries
And look upon myself and curse my fate

هكذا تبدأ القصيدة بالغم والهم والنكد لكن سرعان ما تأتي نقطة التحول, حيث يبدو الشاعر فرحاً فقط لأنه يتذكر محبوبته, هكذا ودون أي سبب منطقي ودون أن تزول أسباب اكتئابه وحزنه.

Yet in these thoughts myself almost despising
Haply I think on thee, and then my state
Like to the lark at break of day arising
From sullen earth, sings hymns at heaven's gate
For thy sweet love remember'd such wealth brings
That then I scorn to change my state with kings

أيام الدراسة كنت أجد هذه الأبيات مبالغاً فيها, وغير احترافية على الإطلاق, لكنني اليوم وبعد عشر سنوات تقريباً, أعتذر له..

عزيزي شكسبير.. أنت كنت على حق وكنت أنا مغفلاً كبيراً.

فبراير 05، 2011

My Mood



يَا أٌمَّتي يا ظَبْيَةً في الغَارِ تَسْأَلُني وَتُلحِفُ: "هَلْ سَأَنْجُو؟
 قُلْتُ: أَنْتِ سَأَلْتِني مِنْ أَلْفِ عَامٍ. إنَّ في هَذَا جَوَاباً عَنْ سُؤَالِكْ 

يَا أُمَّتِي أَدْرِي بأَنَّ المرْءِ قد يَخْشَى المهَالِكْ
لَكِنْ أُذَكِّرُكُمْ فَقَطْ فَتَذَكَّرُوا 
قَدْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ مِنْ قَبْلُ وَاْجْتَزْنَا بِهِ
 لا شَيْءَ مِنْ هَذَا يُخِيْفُ، وَلا مُفَاجَأَةٌ هُنَالِكْ
يَا أُمَّتِي اْرْتَبِكِي قَلِيلاً، إِنَّهُ أَمْرٌ طَبِيْعِيٌّ،
 وَقُومِي…إنه أَمْرٌ طَبِيْعِيٌّ كَذَلِكْ.

فبراير 04، 2011

من هنا تأتي بذور الفتنة



يمكن للجميع الآن أن ينزعجوا, أن يعدوا أصابع أيديهم وأرجلهم أكثر من مرة قبل أن يفتحوا التلفاز أو يقرؤوا الصحف. فالكل يردد ما يقوله الكل, ولا أحد يعلم مصدر المعلومة ولا أحد يمكنه تأكيد صحة الخبر, ولا عزاء لحرفية الإعلام ومهنيته.

في البدء كان الإعلام الحكومي هو أول الراسبين في الاختبار, مما دعا سي إن إن إلى المقارنة بين شاشات الإعلام الخاصة والإعلام الحكومي في أحد برامجها الحوارية, ساخرة مما يحدث في مصر وقائلة بأن النظام المصري يتبع سياسات بائدة للسيطرة على الرأي العام.

ثم رسبت بعض القنوات الخاصة وعلى رأسها المحور التي بدا جليا أنها تعمل لصالح النظام وأن همها الأكبر هو بقاء الرئيس لا أن تقدم صورة محايدة للواقع. الغريب أن المحور تخلت عن كل أنماط الحرفية ومقوماتها وأصبحت منبراً لترويج الإشاعات لا يجذب إليه سوى المنتفعين من بقاء النظام. فالمحور هي أساس الإشاعات التي يرددها الشعب عن تلقي المتظاهرين لرشاوى (وجبة من كنتاكي ومائة إلى مائة وخمسين جنيه) كل يوم من أجل البقاء في الميدان, وعلى بثها "افتكس" حسن يوسف فكرة أن المعتصمين بميدان التحرير ليسوا هم شباب 25 وأن شباب 25 رحلوا من الميدان بعد سماع كلمة الرئيس (لأنهم مؤدبين وبيشربوا اللبن), وعلى شاشتها ظهرت شيماء التي ادعت بأنها تلقت تدريباً من الموساد لقلب نظام الحكم وهو ادعاء مضحك شكك فيه بلال فضل وقال إنه يعرف الفتاة ويعرف أنها موالية للنظام. المحور كان منبراً لإطلاق الكثير من الاتهامات بلا أدلة حقيقية وبث فوضى تضيف إلى الفوضى التي تعيشها البلاد.

لا يريد النظام أي وسيلة لإعلام حقيقي محترف محايد, لهذا أوقف خدمة الإنترنت ومن قبلها أوقف بعض المواقع الاجتماعية, ثم اتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية سي إن إن بأنها تحض الشباب على الثورة ضد النظام, وهو اتهام أضحك مذيعة السي إن إن وأبكاني على وجه الخصوص.

كانت قناة الجزيرة هي المتلقي الأول لهجمات النظام, فخرج الخبر الذي يقول إن ويكيليكس أثبتت أن قطر تستخدم الجزيرة لدعم انقلاب الحكم في مصر. الجميل أن من يقرأ ويكيليكس الإنجليزية لن يجد ذكراً لهذا, ومن يدخل اليوم على الترجمة العربية لويكيليكس سيجد تكذيباً لهذا الخبر!

ما حدث من اعتداء على صحفيي الجزيرة وإغلاق لمكتبهم واعتقال لبعضهم وتشويش على ترددهم هو حيلة أمنية بائدة تحاول تقييد الخبر وكبت حرية التعبير. بالأمس تم اختراق الموقع الخاص بالجزيرة وقام من اخترقه بتصوير فيديو يعرض صفحة الموقع مكتوباً عليها "معاً لإسقاط مصر"! انتشر الفيديو كالنار في الهشيم وصدقه المصريون, دون أن يسألوا أنفسهم إن كانت الجزيرة بهذه السذاجة؟ أم أن غباء سياسيا وإعلاميا أصاب بلادنا وأثار الفتنة والفوضى؟

اليوم نشرت صحيفة الدايلي تليجراف البريطانية أن المتظاهرين في مصر تلقوا مساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية, وكان للخبر أثر كبير على نفسية المصريين, فالجميع يقرأ ويصدق, والخبر هذه المرة من صحيفة بريطانية موثوقة. الحقيقة أن هناك الكثير من المنظمات الحقوقية والسياسية التي تدعو إلى احترام حقوق الإنسان والديمقراطية تلقت ملاييناً من الولايات المتحدة تحت أنظار الحكومة كمساعدات لها للقيام بمهامها وهو ما أزعج الرئيس ونجله, لكن ما تلفت الصحيفة النظر إليه بعيد عن هذا, فهي تشير إلى قيام أحد أفراد جماعة السادس من أبريل بالسفر إلى نيويورك أكثر من مرة لتلقي الدعم من الأمريكيين.

من يقرأ ويكيليكس يكتشف أن الأمر لم يكن كذلك, فالناشط المصري الذي أشارت إليه الدايلي تليجراف (المرجح أن يكون أحمد ماهر الذي تم القبض عليه بالفعل) ذهب إلى نيويورك أكثر من مرة لحضور قمة تحالف الحركات الشبابية Alliance of Youth Movements Summit, وهي قمة تعقدها الحكومة الأمريكية للناشطين في كل دول العالم وبشكل معلن من أجل الحديث عن طرق نشر دعائم الديمقراطية والحرية في بلادهم.

الثابت في ويكيليكس أن الناشط المصري تحدث مع موظفين أمريكيين رفيعي المستوى عن الوضع في مصر وعن نية أحزاب المعارضة قلب نظام الحكم وإقامة ديمقراطية برلمانية قبل الانتخابات القادمة لإيقاف سيناريو التوريث, وأنه قال إن أحزاب المعارضة لديها خطة غير مكتوبة وغير معلنة وأن الحركات الشبابية لها نفس الأحلام أيضاً.

(The activist) claimed that several opposition forces — including the Wafd, Nasserite, Karama and Tagammu parties, and the Muslim Brotherhood, Kifaya, and Revolutionary Socialist movements — have agreed to support an unwritten plan for a transition to a parliamentary democracy.

لكن كل ما قاله الناشط المصري قوبل في الإدارة الأمريكية بشيء أشبه بالسخرية, فقد رأى الأمريكيون أن هذه الأحلام بعيدة المنال وغير معقولة. حيث كان التعليق الأخير في التقرير المنشور بويكيليكس كما يلي:

(The activist) offered no roadmap of concrete steps toward April 6′s highly unrealistic goal of replacing the current regime with a parliamentary democracy prior to the 2011 presidential elections.

كما رأى الأمريكيون أن قيام أحزاب المعارضة بالثورة على نظام الحكم غير وارد:

Comment: We have no information to corroborate that these parties and movements have agreed to the unrealistic plan (The activist) has outlined.

لا أقول إن هؤلاء الشباب لم يتعاونوا مع أي جهات خارجية, لكنني أقول إن السواد الأعظم منهم لم يفعل, وإن الغالبية العظمي من الواقفين الآن في التحرير من الشرفاء الذين يحلمون بوطن أفضل. ما ذكرته ويكيليكس على أي حال لم يكن تهمة ولا خيانة للوطن وإن لم نشعر نحوه بارتياح تام.

من الواضح أن هناك أيد كثيرة تريد أن تلطخ سمعة شباب المعارضة البيضاء, الكثير من وسائل الإعلام تريد أن تحقق سبقاً على قفاهم, البعض منها يداهن النظام على حسابهم, والبعض الآخر يتعرض للتشويه والاختراق والضرب لمناصرتهم. أما المواطن البسيط فهو يصدق أغلب ما يقال, ويردده ومن هنا تأتي بذور الفتنة, فالأهالي ينظرون الآن إلى الشباب على أنهم مضحوك عليهم, وأنهم مصدر عدم الأمن الذي أصاب البلاد ومصدر وقف أعمالهم وسبل رزقهم.

فبراير 03، 2011

الأزمة



لندلف إلى صميم الموضوع...

نحن الآن أمام طريقين, الأول أن نلجأ إلى الشرعية والثاني أن نستكمل الثورة, فأي الطريقين نسلك ولماذا؟ في هذا السؤال تكمن الأزمة.

تعالوا نتخيل سيناريو الأحداث إذا ما توقفنا عن التظاهر.. بالطبع لن يترك النظام من أشعلوا الثورة ينعمون بالهدوء أو الاستقرار, بل سيتعقبهم, فالرئيس وعمر سليمان يفكران بنفس الطريقة تقريباً, وهما متقاربان جدا ومتحابان للغاية, نعلم جميعا ما سيحدث إذا تمت التهدئة, فالنظام لن يستطيع أن يقبض على هؤلاء الشباب بتهمة العمل الوطني بعدما أثنى عليهم, لذا فهو سيلطخ مآربهم وسيقول إنهم عملاء (وهذا ما يحدث الآن بالفعل) وإن جهات خارجية لن يفصح عنها تحركهم, وسيتم تصفيتهم واحداً تلو الآخر بتهم سياسية أو غير سياسية.

لا يمكننا أيضاً أن نطالب بإيقاف التظاهر, خوفا من وأد النظام للحلم, فبوقف التظاهر يكون الشعب المصري قد أخذ أكبر "قلم" على حد تعبير فهمي هويدي. لكن التفكير الواقعي يقول إن النظام لن يستطيع أن يحبس الجميع, لقد انهار حاجز الخوف, وميزة الثورة الحالية (وخطرها الأكبر في ذات الوقت) أنها ثورة بلا قيادة حقيقية, بمعنى أنها عفوية, وبالتالي فلا يوجد أشخاص بعينهم يستطيع أن ينتقم الرئيس منهم هذه المرة, سيبحث النظام ولن يجد أو ربما سيجد الكثيرين وسيحتار أيهم يمكن أن يصبح الضحية. لكن البقية الباقية من الشباب لن تسكت على التصفية وبهذا يكون النظام قد جلب على نفسه المزيد من الكوارث.

ماذا لو استمرت المظاهرات ولم يجد الرئيس أمامه بداً من الاستقالة؟ الاستمرار في الثورة هو الطريق الثاني الذي سيوجب علينا أن نرضى بأحد الاحتمالات التالية:

الاحتمال الأول: أن يقوم فتحي سرور بالتحكم في مقاليد الأمور وقيادة الحكومة المؤقتة, وهو ما لن يرضى به شباب الثورة لعلمهم بأن فتحي سرور أسوأ من الرئيس ذاته, وأنه من ترزية القوانين وضاربي القرارات في وقت نحتاج فيه إلى رجال يحكمهم ضميرهم قبل أي شيء.

الاحتمال الثاني: أن يقوم عمر سليمان بوصفه نائب الرئيس بتولي زمام السلطة, وعمر سليمان هو الساعد الأيمن للرئيس حيث يدين له بولاء منقطع النظير, عمر سليمان الذي تشهد له دول العالم بأنه من أكفأ رجال المخابرات في المنطقة تورط قبل ذلك في الكثير من جرائم التعذيب لصالح الولايات المتحدة طبقا لستيفن جراي. وبالتالي فلن يقبل به الواعون من شباب الثورة, لأنه سيكون أسوأ من النظام نفسه في تعقبهم ولأنه ببساطة من رجال الحرس القديم.

الاحتمال الثالث هو تشكيل مجلس حكماء أو حكومة ائتلاف وطني, وهو ما لن يرضى به الكثيرون, فلن يقبل أحد أن يتلقى أمراً من السيد البدوي أو رفعت السعيد أو نعمان جمعة, كما لن يرضى الكثيرون عن البرادعي أو أحمد زويل أو أي شخصية سياسية أو غير سياسية تحاول ركوب الموجة.

مع عدم قبول الاحتمالات الثلاثة لا يكون أمام مصر سوى الفوضى... ومع عدم وجود قيادة للثورة وعدم وجود قوة عسكرية لها وعدم اجتماع أفرادها بأي شكل نظامي على قرار واحد فلابد من الرجوع للدستور. والدستور يعطي للرئيس الصلاحيات للتعديل دون غيره, من ثم فنحن ندور لنجد أنفسنا أمام أنفسنا, ونخلع الرئيس لنجدنا في حاجة إليه.

هذه هي الأزمة إذاً, إن مطالب المتظاهرين مشروعة لكن لا يوجد سيناريو واحد مكتمل, فالاستمرار في التظاهر يوردنا مهالك الفوضى والتوقف عنه يعطي الفرصة للنظام لالتقاط الأنفاس ومن ثم إهدار المكاسب التي حققها الشباب. لهذا ربما ينبغي علينا أن نكون أذكى من النظام نفسه وألا نستخدم نفس السلاح الذي بات يعرفه ويتوقعه, فأغلب الظن أن الرئيس الآن يجلس في شرفته يفكر في الكيفية التي سيفرق بها اعتصام التحرير ومظاهرات الجمعة المقبلة, إن كنا نريد الفوز فلابد أن ننوع في طرقنا ولابد لنا من أن نلعب اللعبة بطريقة النظام نفسها..

هناك الكثير من المقترحات التي يمكن أن تصل بالمتظاهرين لمطالبهم, مثل كتابة بيان بالمطالب وخطة زمنية لتنفيذها, وجمع توقيعات على البيان من الملايين كي يكتسب البيان القوة. التظاهر في مناطق مختلفة بدلا من تواجد المتظاهرين في مكان واحد يتم الاعتداء عليهم فيه, تكوين جماعات ضغط من المحامين الشباب وإقامة حزب للمعارضة البيضاء داخل البلاد لأن المعركة ليست مع الرئيس وحده ولكن مع الحزب الوطني بأكمله بل ومع أحزاب المعارضة التقليدية والإخوان. تغيير المطالب نفسها, فلا ينبغي أن تتضمن إقالة الرئيس كأول مطلب بل ينبغي أن تتوجه إلى الإصلاحات, مثل إلغاء قانون الطوارئ والسماح بإطلاق الحريات وتعديل الدستور بشكل يضمن تداول السلطة, يمكن بعد هذا للغاضبين أن يطالبوا بمحاكمة الرئيس والحكومات السابقة. لكن ينبغي أن نتوجه في البداية كشباب إلى الإصلاح وليس للانتقام.

الاستمرار في مظاهرة الشكل الواحد يهدد بتخلي الأهالي عن الشباب خاصة مع الأزمات التموينية المتوقعة وقصر ذات يد الكثيرين. فالمواطنون البسطاء يعتقدون الآن أن سبب توقف أعمالهم هو التظاهر وأن مبارك هو مرادف للاستقرار. الاستمرار في تظاهر التحرير كشكل أوحد لرفض النظام يعني خسارات اقتصادية مستمرة وخسارات مستمرة في الأرواح بين شباب طاهر بل وفقد التعاطف من أصحاب رأس المال ومن الشارع, سينسى هؤلاء أن الحكومة السابقة هي سبب توقف أعمالهم وسيصبح إقناعهم بالحقيقة دربا من خيال.

هذه البلاد غير مستعدة للديمقراطية كما ترون, فمع حديث الرئيس الأخير ونيته عدم الترشح لفترة جديدة سالت دموع ربات البيوت, وهي دموع حقيقية للأسف, وسمح لهن بالبكاء على الفضائيات والتلفزيون الحكومي, فبات الرئيس مثل زوج طلبت منه زوجته الطلاق لسوء معاملته فلما لمح بموافقته بكت. وفهم بكائها على أنه رغبة في الاستمرار معه.

الأزمة إذا كما ترون تتمثل في نظام صارم عنيد, وشعب عاطفي جاهل, ومتظاهرين يتملكهم الغضب وحب مصر لكن ليس لديهم خطط للغد ولا رؤية واضحة! طريق الخروج من الأزمة لا ينبغي أن يكون الثورة وحدها ولا السير تحت ظل الشرعية وحدها, بل ينبغي أن يشتمل على مقومات من الاثنين.