أبريل 25، 2008

صباح الخير يا بخيت



في صباح اليوم التالي كان كل شيء عاديا جدا.. أتأكد من ربطة عنقي وأناقة مظهري, أهبط السلم في تمام السابعة, أسلم على عم يوسف فيجري أمامي.. يفتح باب السيارة, يمسح زجاجها ويطلق شريط الدعاء مدفوع الأجر.

كانت الحركة في الـ"كافي شوب" المجاور قد توقفت تماما بينما تصاعد منه دخان وخليط روائح تشي بما كان يحدث بالأمس.. عابرو الطريق في هذا الوقت أحد صنفين إما نشيط جدا أو مخمور جدا. أقود بحرص وحين أصل بسيارتي إلى الشارع الرئيسي أخرج يدي وأقول بابتهاج كبير "صباح الخير يا بخيت"..

أوقف سيارتي منتظرا الرد مصحوبا بدعاء نقي. أتعجب كثيرا حين لا يأتيني رد.. لست سنوات هي مدة إقامتي بالحي لم يحدث أن غاب عن دكانه. حتى في الأعياد والعطلات الرسمية.. أخرج رأسي كي أتأكد.. وباندهاش كبير أستأنف السير.

لسبب ما لا أعرفه لم يكن عقلي قادرا على استيعاب المسألة.. كنت أتصور أن يغيب كل شيء.. وكل الناس لكن لم أكن أتصور أبدا أن تغيب ابتسامته.

في طريقي إلى العمل تذكرت يوم الخميس الماضي حين نفدت سجائري وخرجت من "الكافي شوب" كي أشتري منه علبة.. كان يقف خلف الفاترينة بجلبابه الأبيض الناصع لكنه على غير عادته تماما كان واجما. انتظرت أن يبتسم لي تلك الابتسامة التي أستمد منها طاقة اليوم في أول الصباح لكنه لم يفعل.. ولم ينصحني كما يفعل كل خميس بالابتعاد عن التدخين والسهر..

حين سألته.. قال إنه في حيرة يفكر في طعام العشاء وبأي شيء سيعود للعيال .. ابتسمت وربت على كتفه ثم قلت باستخفاف.. "كل هذا المحل وتحتار؟".. ودام صمت باهت بيننا إلى أن غير بخيت الموضوع وسألني عن أحوالي.. فحكيت له عن مشاكل العمل والحال الذي تغير والناس الذين ذهبت ذممهم.. وكان هو كعادته يسمع ويخفف عني ولا يتركني حتى أبتسم.

بعد عودتي من العمل كان الدكان ما يزال مغلقا. قالت أختي الصغرى إنه ربما قد قرر أن يستجم لفترة.. ورأى أخي أنه سافر كي يحصل إيراد الأرض في البلد, بينما خمن أبي أنه قد مرض و قالت أمي إنه سيأتي وإنه إذا غاب غدا فقد غاب الغد..

في الصباح أتأكد من أناقة بذلتي, أهبط السلم في تمام السابعة.. أسلم على عم يوسف فلا يرد.. أفتح باب سيارتي وأمسح زجاجها ثم أعود إليه فيخبرني حزن وجهه بالخبر.

في الجنازة أسمع كلمات عن صاحب الدكان المتجبر الذي جعله يعمل طيلة اليوم.. عن زائدته التي لم تحتمل.. وعن الموت الذي أختاره أثناء العمل لأنه لم يجد أجر الطبيب.. وكانت كل كلمة تهرب بقطعة من ملابسي.

أمام القبر صاح أحدهم بكلمات يحفظها "سيسألانك من ربك؟.. ما دينك؟ من نبيك؟" لكن صوت بكاء خفيض منها وهي تحمل طفليه كان يصم أذني فلا أكاد أسمع.. حين رفع كل من حولي أيديهم بالدعاء.. لم أستطع أن أفعل مثلهم.. كانت يداي عند عورتي وغصة مؤلمة تسد حلقي..

بعد صلاة الفجر غسلت الدموع وجهي لكنها لم تمح الخزي داخلي.. أخرج من المسجد فأجده أو أجد شخصا يشبهه يقف خلف الباترينة بجلباب أبيض وابتسامة دافئة. ألوح بيدي وأقول بخليط من الابتهاج والحيرة والألم "صباح الخير.. صباح الخير يا بخيت"