نوفمبر 27، 2010

اختفاء الظل

Attracted-to-Light---moth-733029 أقف أمام جدر من الحجارة...

لا أعرف فائدة للحضور هنا ولا أذكر ما قرأت وما لم أقرأ, فقط أقف في صمت بلسان يعجز عن الدعاء وعقل داهش وعينين تبحثان في شوك الصبار وغلظة حجارة القبر عن شيء لا تعلمانه.

أعود في نفس الطريق فأقابلهم, تتحرك أفواههم بكلمات واحدة يكررونها منذ أكثر من عام...

- شد حيلك.. تعيش وتفتكر

ثم يتلفظون بكلمات لا معنى لها عن الصبر ويفرطون في ذكر النتيجة دون أدنى إشارة عن طريقة تحقيقها. ينعقد لساني أكثر فيأخذهم الحديث إلى مآثره. أنصت في لهفة لكنهم سرعان ما يترحمون عليه ثم ينتقلون إلى الحديث عن حالهم وحالي, وكأن الرحمة تعني أن نطرده من حديثنا وأن نستبدل اسمه الحي بلفظة واحدة ثقيلة مصمتة...

أهرع إلى بيتنا القروي الواسع, أعرف أنني سأرتاح هنا حيث لا يقطع أشعة الشمس أحد, لطالما أردت بيتاً تتوسده الشمس مثل هذا, تقول أمي إنني يمكنني أن أتزوج هنا إن أردت... أتجول بين الحجرات, أغمس يدي في الضوء الساري بين الحجرات في حيادية تامة, ثم أضع رأسي على وسادته.

أراه بجلبابه الأزرق جالساً عند الطبلية, يتسارع توارد الأفكار على رأسي, هل أخبره بأنهم جاؤوا ينعونه في حزن ظاهر بينما كانت أنوفهم تسحب من هواء الغرفة آخر ما تبقى من أنفاسه لي؟ وهل سيغضب حين يعلم أنني وزعت جميع ملابسه؟ وماذا سأقول لأهل القرية الذين دفنوه معي؟ هل سأخبرهم أنه حي أم سيخذلني ويختفي كما يحدث كل مرة؟

أنظر إليه, أشعر بلحم كتفي وهو ينبري تحت هم بثقل النعش يوم حملته. سرعان ما أوقن بأنه قد حان الوقت لملامحي الشمعية أن تذوب وللولد الصغير أن ينطلق, أتجاهل كل الأسئلة التي تشغلني, أتجاهل شعوري بالخزي, أبكي فقط ثم ألتقط أنفاسي بعد وقت طويل بسؤال واحد: "لماذا تتركني هنا؟"

يبتسم.. ثم يفتح غرفة فأرى جدي حسن وأخرى فأرى جدي عبد النعيم راقدين..

أبتسم حين يشير إلى غرفتي, أفتحها بهدوء وأغوص أنا أيضاً في بقعة من ضوء.

نوفمبر 06، 2010

السر

Egyptian_Rural - جدك في الستين لكنه بصحته ويركب أعلاها نخلة دون أن يبدو عليه مجهود.

تقول جدتي جملتها في فخر, تبتسم وتحرك حصوات في يدها تحكي عن تعلقه بها وعن زواجهما ثم ما تلبث أن تبكي بشكل هستيري..

- لماذا تضربني يا أحمد, أنت عفي, لكن ليس علي. أنا بنت ناس يا أحمد وسأحكي كل شيء لخلف أخي وهو سيأخذ حقي منك.

يشدني أبي من ذراعي بعد أن يطيب خاطر جدتي ويفرش لها المصطبة كي تنام. تغمض عينيها بينما الدموع لا تزال على خديها, تردد اسم جدي بشفتين مرتجفتين ونبرة متحسرة.

في الخارج لم يستطع الضوء الخافت للقمر أن يغير من ظلمة الممر الضيق, كما لم يكشف سوى عن بعض تفاصيل من وجه أبي ورؤوس النخل المهتزة على أطراف الحقل المجاور. أجلس إلى جواره على المصطبة, عين سيجارته تحمر في الظلام فتهرب الأسئلة من رأسي, ثم يضايقني صمتنا فأستجمع شجاعتي وأسأله عن جدي خلف وجدي أحمد وجدتي السر.

- مصارين البط تتعارك يا ولدي.

تقولها عمتي التي خرجت لتوها من الدار بينما تمد لي يدها بكوب من اللبن المغلي. ألتقط الكوب فتمصمص شفتيها وتردف بأن الواحد يمكن أن يقتل أقرب الناس إليه وهو غاضب. تجلس على الأرض مسندة ظهرها إلى الدار ثم تصمت.

أنظر إلى أبي وعمتي وقطة بيضاء نامت عند باب الدار فأراهم كلوحة ذات بعد واحد. تختلط الكثير من الأفكار في رأسي, أشعر برغبة في التدخين لكنني أخجل من أبي, أستنشق الهواء الذي تنفسه ربما يتوقف الألم في رأسي أو ربما أفهم. أتساءل لماذا يبدو الأمر عادياً وطبيعياً للجميع إلا أنا؟ ولماذا يستجيب الناس والأشياء في تثاقل وصمت هنا؟ أكره الانضمام إلى اللوحة الصامتة فأقول بصوت منخفض:

- هكذا ضاع ثلاثة بدلاً من اثنين.

أحس بغضب أبي من خلال التماع مقدمة سيجارته لفترة طويلة, يرد بلهجة حاسمة بان النساء لدينا لا يسجن ولا تأخذهن الحكومة, وأنه شهد مع الشهود, وأن جدي السيد شهد هو الآخر على ابنه وشهد سليمان وخليفة وحتى منصور العبيط.

تتحرك رؤوس النخل كأنما تؤكد على كلام أبي, يختلط الجريد بالجريد محدثاً صوتاً مميزاً, تشتد الرياح ثم سرعان ما تحمل معها صوتاً نعرفه جيداً.

على الفور أجري أنا وأبي وعمتي وجيران لنا, تخوض أرجلنا في المسقي وتمتلئ بالطين.. ننتزع جدتي السر من تعلقها بالنخلة, تحتضنها عمتي وتربت على ظهرها, تصرخ جدتي:

- انزل يا أحمد.. يا أحمد انزل.

تضع جارة لنا يدها على صدرها وهي تتمتم في حزن:

- استر على عبيدك يا رب.

كتبت هذه القصة في جلسة الارتجالة بمغامير. الأحداث حقيقية وكنت قد أشرت إليها في تدوينة "جدتي اسمها السر". الجملة الأخيرة في القصة مقتبسة من قصة “سماعين” للرائع خيري شلبي.

أكتوبر 14، 2010

قمرين!

mn

طبقاً لقوانين المدونة, فالحدوتة دي للبنات الحلوين, والولاد الوحشين ما يقروش ولو قروا ما يعلقوش :)

زمان, زمان, زمااان كانت النجوم زي النجوم دلوقتي, والشجر زي الشجر, لكن كان في السما قمرين مش قمر واحد. وكان لونهم دهبي زي لون الشمس.

في يوم من ذات الأيام قمر من القمرين تعب من الوقفة فوق والدوران حوالين الأرض, فنزل يسند شوية على شجرة تفاح تحت منه. أول ما ريح كده على الشجرة, كل الدنيا نورت قوي.

كل الناس بقت مبسوطة بالقمر اللي نزل على الأرض, الفلاحين بقوا بيزرعوا بالليل بعيد عن الحر في النهار, والحبيبة بقوا بيسهروا للفجر وهما بيتكلموا في الشوارع. الأطفال بطلوا يناموا بالليل, وكل الأرض فرحت قوي بالتغيير اللي عمله نزول القمر.

تلاتة بس كان نزول القمر بالنسبة لهم مصيبة. ودول كانوا تلات حرامية, مش بيعملوا حاجة غير أذية الناس. هما بيسرقوا بالليل في الضلمة, فلما القمر يبقى قريب قوي كده وينور كل الدنيا فده مؤكد شيء مؤذي ليهم.

اقترح أول حرامي إنهم يحاولوا يرفعوا القمر فوق تاني, راحوا عنده وفضلوا يزقوا فيه, يزقوا فيه, بس زي ما انتم عارفين القمر تقيل قوي.

التاني اقترح إنهم يغطوا القمر بالليل فالدنيا تضلم وبالتالي يعرفوا يسرقوا. جمعوا كل السجاد والملايات وكل القماش اللي قدروا عليه, بس القمر كان كبير قوي ونوره فضل ساطع وبيطلع من كل حتة.

الحرامية بقوا قلقانين قوي, يعملوا إيه يعملوا إيه, الأيام بتعدي وفلوسهم بتخلص وهما عاوزين ينهبوا حبة كمان. قال تانيهم "يظهر يا جماعة مافيش قدامنا غير إننا نشتغل" فضلوا كلهم يعيطوا بعد الجملة دي لحد ما تالتهم قال إنه عنده فكرة.

واقترح إنهم يكسروا القمر حتت فيعرفوا يخبوه من الناس. خدوا كل الشواكيش والأزاميل وكل حاجة ينفع يكسروا بيها وطلعوا فوق القمر لكن ما قدروش.

عدت الأيام والحرامية بيفكروا, وينفذوا خططهم لكن ما عرفوش يعملوا حاجة, لحد ما أولهم قال إن الحل الوحيد إنهم يطفوا القمر, واحد فيهم قعد ينفخ والتاني جاب خرطوم مية وفضل يرش على القمر, والتالت فضل يرش عليه تراب. الغريبة إن القمر اتطفى. وشوية وطلع منه صوت فرقعة جامدة واتفلق نصين, الشرطة جات تجري على مكان الصوت وقبضت على الحرامية اللي فضلوا سنين يسرقوا في أهل البلد.

من فوق كان فيه قمر شايف كل اللي بيحصل, اتغير لونه الدهبي واتحول للون الأبيض الشاحب من الحزن على أخوه, لكنه فضل منور, وفضل فوق فوق فووووق وأخد وعد على نفسه إنه عمره ما هاينزل تحت.

تمت

ليلة سعيييدة عليكم

:)

سبتمبر 26، 2010

My Mood

The_dance_by_klairy

Say, we can go where we want to
A place where they will never find
And we can act like we come from out of this world
Leave the real one far behind

……………

And say
We can dance, we can dance
Everything's out of control
We can dance, we can dance
We're doing it from pole to pole

سبتمبر 25، 2010

من التاريخ السري لعمرو السيد

سلسلة النحس - الحلقة الأولى

depression تششششششششششك..

كان هذا صوت البنطلون الذي ألبسه وهو ينقطع في مكان حرج ومحرج أمام باب شقتي الذي لا يريد أن ينفتح.

المكان: سلم العمارة
الزمان: الرابعة فجراً
الحدث: مصيبة

لنعد قبل هذا الحدث بساعات قليلة.

في محاولة مني لاستصلاح الحياة, قررت أن أتناول الطعام في أحد المطاعم الفاخرة, وأن أذهب للسينما, وأعود بعد أن أشرب الكثير من العصائر والمشروبات الباردة وبذا أكون قد عشت حياتي كأي أعزب يعيث دون هم. والحقيقة أنه لولا تديني لفكرت في اصطحاب “مزة” إلى البيت وفي شرب الكثير من الجعة (بتتقال كده في الأفلام الأجنبي, قال جعة قال ههههههه).

ومثل أي عميل بريء ذهبت إلى المطعم وانتظرتهم كي "يعبروا أهلي" لكن أحداً لم ينظر إلي. أوقفت أحدهم فأخبرني أنني المخطئ وأن علي أولا اختيار الأسماك التي سآكلها. في تململ واضح, ذهبت إلى القسم الخاص باختيار الأسماك, أنا عادة لا أحب اختيار أي شيء, حتى أنني لا أحب شراء الملابس لهذا السبب ومع حالة الاكتئاب التي أعيشها فليس من المعقول أن أختار.

أسحب قدمي بينما أقول في نفسي “من فضلك أخبرني بأنه لا يوجد طعام, أو أنني غير مرحب بي هنا, لكن لا تخبرني بأن علي أن أختار وأحتار, ليس لدي طاقة نفسي لذلك”..

:(

بشيء من القرف وبكثير من اللامبالاة قلت للبائع إنني أريد أن أتناول وجبة جيدة فقط وإنني لا أريد أن أرهق نفسي بالتفاصيل. فإذا به "يستندل" ويتركني لمعاناة الاختيار. حسناً أشرت إلى بعض الجمبري وسمكة كبيرة من البوري, جاء آخر وأخذ يسألني أسئلة كثيرة عن الطريقة التي أفضلها كي يعدوا لي هذه الأسماك:

حضرتك تحب الجمبري مشوي؟

طيب هي إيه الاختيارات التانية؟

اللي تحبه حضرتك يا فندم

أي حاجة..

طيب السمك سنجاري ولا مشوي ولا...

اللي تشوفه

لا اللي تحبه حضرتك يا فندم.

حضرتي عاوز ياكل مش عاوز يرد على أسئلة. أوففففف

بعد ساعة جاء الطعام, شوربة الجمبري كانت باردة, والجمبري لم يعجبني والسمكة البوري كانت بلا طعم.
حسناً لن أشتبك معهم, أنا لا أريد أن أعكر صفو ليلتي, لننطلق إلى السينما.

المقعد المجاور لي لم يكن مقعداً بالمعنى الكامل, لكنه كان صورة مصغرة من غرفة نوم مكشوفة, حيث الفتى لم يترك جزءاً في فتاته لم يلمسه, تشتت نظري بين الفلمين, ذلك المعروض على الشاشة, والآخر الذي يعرض بجانبي, ثم أخ, يده تلمسني أنا. يا وقعة أهلك المطينة..

- أنا آسف.

قالها بينما رأسه تواجه الفتاة, ورغبة قاتلة داخلي تدفعني إلى العمل لصالح قناة ميلودي لوقف قلة الأدب وتحدي الملل. في المقعد الذي يليني من الناحية الأخرى كان "الكابل" مهذب للغاية, فكان الولد رومانسي بشكل "ينقط" ولم يكن هذا وقتاً مناسباً أبداً لكل هذا.

الفيلم لم يكن يستحق المشاهدة, مرة أخرى الكثير من الوقت يضيع في محاولة مني للخروج من أزمتي لكن دون جدوى, سأعود إلى البيت.

أمام باب الشقة المفتاح لم يدر في القفل, جربت مرارا وتكرارا, ربما يحتاج القفل إلى تزييت. كانت الساعة الرابعة فجرا (لأنني خرجت من حفلة منتصف الليل), مشطت الشوارع بحثاً عن جراج أو بنزينة, كنت أوقظ العامل في الجراج فيغتاظ ثم يعود إلى نومه ولا يعطيني زيتاً ولا جازاً ولا بنزيناً, مشيت مسافة طويلة قبل أن أجد بنزينة. ثم عدت إلى المنزل.

أخذت أزيت المفتاح ثم أدخله, كررت هذا مئات المرات, لكن القفل ظل عنيداً. قررت أن أفتح الباب عنوة, بقدمي ركلت الباب, ثم بكتفي, صوت ارتطامي بالباب مرتفع بما يكفي لأن يسمعه الجيران, وهم لا يعرفونني لأنني ساكن جديد. سيتأكدون من أني حرامي, وسيأخذونني إلى قسم البوليس, الكثير من الأفكار تعتدي على عقلي.

لا يهم, لا يهم.. ركلة أخرى ثم.......

تششششششششششككككك

انقطع بنطلوني..

يا فضيحتي.

وقفت أمام الباب, بمفتاح صدئ لا يفتح, وبنطال مقطع, وعقل شارد, لماذا يحدث هذا كله لي؟ فكرت في أن أبيت ليلتي عند أحد أخوالي الذين يقطنون في نفس المدينة, لكن ماذا سيقولون حين يرونني ببنطلون مقطع أدخل بيتهم في الفجر, ماذا سيظنون.. يا فضيحتك يا عمرو يا سيد.

هنا فقط اسودت الدنيا بشكل قاتم, وقررت أن أفتح الباب, كان تصميمي كبيراً هذه المرة, فركلته بكل ما لدي من قوة حتى انفتح.

في غرفة نومي, تجردت من ملابسي, فقاعات شوربة الجمبري الباردة كانت تتصاعد بينما إحساس كبير بالاكتئاب يتملكني.

عاااااااااااااااااااااااااااااااااااا

سبتمبر 22، 2010

Love callin' out to the broken

 

Seems like you're fighting for your life, wh
But why? oh why? wh
Wide awake in the middle of your nightmare, wh
You saw it comin' but it hit you outta nowhere, wh
And there's always scars wh
When you fall that far wh

We lose our way, wh
We get back up again wh
It's never too late to get back up again, wh
One day you gon' shine again, wh
You may be knocked down, wh
But not out forever, wh
It's never too late to get back up again,wh

سبتمبر 21، 2010

رمضان

 

ضاع مني..

لذا فأنا أشاهد فيديو الصلاة الملحق بحسرة شديدة, وأدع بدعاء عمر طاهر: ”اللهم إني أسألك الجنة بلا عمل عملته، اللهم إن كنت عصيتك فقد تركت من معاصيك أبغضها إليك وهو الإشراك بك، وإن كنت قصرت عن بعض طاعتك فقد تمسكت بأحبها إليك شهادة أنك الواحد وأن رسلك جاءت بالحق عندك لا نفرق بين أحد من رسلك، اللهم لا تحرمني خير ما عندك بسبب شر ما عندي، اللهم لا تكلني إلي نفسي أو إلي الناس فأضيع”.

 

الدعاء من مقال لعمر طاهر بعنوان “بالنيابة عن المسلمين الجدد” نشر في الدستور .

سبتمبر 17، 2010

My mood

_Beloved__by_Xinaliia

من غربة المصب
إليك: يا حبيبتي الاميرة
الأغنية الأولى

مازلت أنت.....أنت
تأتلقين يا وسام الليل في ابتهال صمت
لكن أنا ،
أنا هنـــــــا:
بلا (( أنا ))
سألت أمس طفلة عن اسم شارع
فأجفلت..........ولم ترد
بلا هدى أسير في شوارع تمتد
وينتهي الطريق إذا بآخـر يطل
تقاطعُ ،
تقاطع
مدينتي طريقها بلا مصير
فأين أنت يا حبيبتي
لكي نسير
معا......،
فلا نعود،
لا نصل.

من قصيدة خمس أغنيات إلى حبيبتي
أمل دنقل

سبتمبر 13، 2010

عيد!

 

في ليلة العيد كانت مشاعر مختلفة تتدافع داخلي مثل ذرات غاز تدفع بقوة جدار بالون كبير. كنت أشعر بأن شيئاً ما ينفجر داخلي ويتفتت, لكنني لم أظهر هذا لأحد ولم تلحظه سوى أمي التي كانت لأيام ترى وجومي وتبكي قائلة بأنني سألحق بأبي الذي مات مكتئباً, ثم تذكر لي أحلامها التي ترى فيها أبي وقد بني لي بيتاً وزينه.

كانت سماعة الطبيب قد تركت إحساساً ثابتاً بالقشعريرة بينما كانت تتحسس صدري ثم ظهري. الكثير من التفاصيل تتنازعني, رقدت في السرير راغباً في الانتهاء, باحثاً عن يد أبي في البعيد, رأيته مع جدي وجده وجدتي السر وجدتي سيدة, كان مبتسماً بأسنان لامعة البياض وكان الهواء يحرك جلابيبهم وسط بخور كثيف. حين انتبهت, لاحظت أنني لم أسمع تكبيرات العيد ولم أصل صلاته للمرة الأولى في حياتي.

على الرغم من كآبة الليلة إلا أن ضوء الصباح كان مبهجاً. بدأ شعور بالفخر يغزوني بينما كنت أفكر, فقد أدركت أنني أنكسر لأن لي قلباً. كان النفس لايزال ثقيلاً, لكنني شعرت به أخف.

ربما نحن نولد من جديد.. هكذا قلت لنفسي

المواليد الجدد فقط هم من يشعرون بألم أثناء التقاط أنفاسهم, فتنطلق أفواههم باكية كأن ميلادهم لن يكون يوماً يحتفلون بذكراه كل عام. أمنت أختي على كلامي بينما لم تستطع أن تخفي فرحتها بأنها أخيراً وبعد طول انتظار ستعطيني حقنة في العضل, سحبت من أرجاء الغرفة أنفاساً ثقيلة واستبدلتها بضحك فكانت ضحكاتها مصدر سعادة لي.

سبتمبر 07، 2010

وصف مصر

fgfg بمجرد أن دلفت إلى التاكسي استدار لي السائق وقال بصوت مرتفع: "اوعى تكون فاكر إن البلد دي فيها حكومة.. الحكومة دي علينا مش لينا".. كان الرجل متوتراً بعض الشيء أشار إلى عسكري المرور وقال إن الضابط "بيقسم معاه في الأبيب". ثم لم يسكت سوى بعد أن حكى لي عما أعرفه جيداً من أحوال البلد.

والحقيقة إن ما يفعله عسكري المرور وضابطه هو ما يفعله أغلب الشعب المصري إلا من رحم ربي. فالكثير من أصحاب السلطة يأخذون باليمين ما يخفونه عن الشمال, وما أكثر من ينهبون أموال الحكومة من موظفين صغاراً كانوا أو كباراً إلى الدرجة التي يمكنني أن أقول فيها وبقلب مطمئن إن رئيس الدولة هو أشرف موظفيها على الإطلاق, فالرجل لم يختلس ولم يدلس, ولم يداري نفسه عنا كما نفعل, كل ما يفعله هو أنه يعمل على توريث البلاد لابنه, في النور, ودون وجود من يستطيع أن يوقف خططه. كثيراً ما سمعت من الناس عما يفعلونه هم أنفسهم بأموال البلاد. عن الإيصالات التي يتم تسويتها وعن الميزانية التي لا تنفق ولا تعود, وعن العشرة في المائة التي يتقاضاها الكبار نظير التضييق على المنتفعين.

أنا أرى أننا كشعب ينبغي أن نختشي على أنفسنا وألا نتحدث عما يحدث من إهدار لموارد بلادنا إن كنا كبارا وصغارا نقوم بهذا كل يوم. كما لا يمكننا لوم السيد الرئيس على توريثه مصر لابنه, فشعبنا يورث المهن لأبنائه بشكل مستمر (يعني هي جات على الريس؟). فالمستشار يرى أن المكان الطبيعي لأولاده هو المحكمة, وأساتذة الجامعة وزعوا اقطاعيات فيما بينهم وهم يورثونها كل يوم لأبنائهم. إننا كشعب يبدد نفسه أولا قد لا يكون لأغلبنا الحق في الاعتراض على التوريث.

وأنا أرى أن لجمال مبارك الحق الكامل في الحكم إن اختاره الشعب, لكنني بذلك لا أنضم إلى صف سعد الدين إبراهيم, بل على العكس, أنا أنضم إلى صف العقل, فنحن لا نختار المرشح بناء على قرابته أو بعده من الرئيس السابق ولكن بناء على برنامجه الانتخابي, وأنا على الرغم من تأييدي الكامل لبيان التغيير إلا أنني سأرشح جمال مبارك لو كان برنامجه الانتخابي أفضل من غيره!

وربما يكون من الأفضل أن نعترف أمام أنفسنا بوجود احتمالية كبيرة لأن يؤول الحكم في النهاية لجمال مبارك بغض النظر عن صلاحيته للحكم وبغض النظر عما سيقدمه في برنامجه الانتخابي. فالرئيس مبارك لديه قدرة غير عادية على تنفيذ ما بعقله دون أن يعترضه أحد, فلا تستطيع المظاهرات أن تهزه, ولا المقالات الصحفية ولا الامتعاض البادي في العيون. تأمل قدرة الرئيس على إيقاف الإخوان المسلمين عند حد معين لا يستطيعون معه الاعتراض أو التسليم, وقدرته على إيقاف نمو أي قضية حقوقية دون أن يؤلب نفوس المطالبين, وقدرته على إعطاء حوافز وزيادات افتراضية لموظفي الدولة يتصبرون بها ويدعون لسيادته بينما لا يجدون لها أثراً في الواقع الحقيقي, وبراعته في التعامل مع المسألة الفلسطينية بشكل لا يجعلنا طرفاً فيها ولا يخرجنا منها. لدى الرئيس براعة غير مسبوقة في إبقاء الأحوال كما هي دون حراك, وفي تغطية مياه البركة الراكدة بشكل لا يسمح للأحجار بالوصول إليها.

في البداية, عندما عاد جمال مبارك من عمله في بنك أوف أمريكا, أعلن الرئيس أن ابنه سيعمل في "البيزنس" وأنه لن يعمل في السياسة, ثم تم تعيينه رئيساً للجنة السياسات في الحزب الوطني, ثم تغيرت سياسة الحزب لدعم "الشباب" تحت شعار الحزب الوطني "فكر جديد", ولا يخفى على أحد أن الفكر الجديد كان فكر ابن الرئيس وأن الشباب هم في الأصل شاب واحد فقط.

لكن السيد جمال مبارك يخطئ لو تصور أن حكم مصر سيكون نزهة خلوية وأن الأمور ستمشي معه "حلاوة" كما هي مع والده. فالجقيقة أن من سيحكم مصر بعد الرئيس مبارك سوف "يشيل الطين", إذ أن السفينة التي كنا نخشى من غرقها غرقت واللي كان كان. فمع نجاح التجربة الروسية في التخلي عن قناة السويس بجعل ناقلة الغاز بالتيكا تبحر عبر القطب المتجمد إلى الصين, الأمر الذي أدى إلى توفير عشرة أيام في رحلة سفرها وتوفير الآلاف من الدولارات بشكل يدعو بقية الدول إلى أن تحذو حذو روسيا, ويعد المشكلات المتوالية التي نعيشها في القمح والكهرباء, وبعد الارتفاع المهول في أسعار السلع الأساسية, وبعد المشكلة الفادحة لمياه النيل, ومع خطر غرق الجزء الشمالي لمصر خلال السنين القادمة في مياه المتوسط, نستطيع أن نقول بقلب غير مطمئن هذه المرة, أن من سيمسك بزمام السلطة في هذا البلد لن يستطيع أن يحكمها لثلاثين عاماً أخرى, وأن مصر جابت آخر ما عندها, وأنها تحولت لعجوز هرمة لن تستطيع البقاء طويلاً.

إن الفضائح الثقافية المتوالية التي كان آخرها فضيحة سرقة لوحة "زهرة الخشخاش", والفضائح الزراعية التي يذل بها هذا الوطن من مبيدات مسرطنة وري بمياه الصرف وغيرها, والفضائح الصحية التي تبدأ بمخالفات العلاج على نفقة الدولة وتنتهي بجمع التبرعات لمستشفى قومي تموله الحكومة, يجعل جملة سائق التاكسي صحيحة مائة بالمائة.

والحكومة على قدر غيابها عن التصدي بإحكام لهذه المشكلات, فهي تلعب دوراً ساخراً لا يليق. فوزير الكهرباء يقترح إطفاء نصف أنوار الشوارع للتخفيف من أزمة الطاقة, ووزير البترول يعلن ازدياد الاحتياطي من الغاز والبترول ووصوله إلى معدلات قياسية بعد ما تردد عن احتياج مصر للغاز واحتمالية استيراده من إسرائيل بعد توريده لهم وبأضعاف الثمن, وهو تصريح يسخر من عقلية المواطن, ويسفهه.

المشكلة أننا في هذه الأيام التي ينبغي فيها أن نعمل لتلافي أخطار كارثية ستبيدنا خلال ثلاثين عاماً على الأكثر, ننشغل بإمضاء توقيعات لترشيح البرادعي وبحملات لحض جمال مبارك على ترشيح نفسه في مسرحية هزلية لا يمكن لشعب في العالم أن يمثلها بهذا الإتقان, ناهيك عن الانتباه إلى قضايا هامشية والتلذذ بمتابعة مسلسلات الفضائح بين أشخاص مثل وزير الثقافة فاروق حسني ووكيلها محسن شعلان!!

سبتمبر 06، 2010

الوجه المبهج للألم..

hopeful_but_in_pain_by_muted_pain هذه هي المرة الخامسة التي أحاول فيها الكتابة, لا أدري متى أصبحت مثل ساحر فقد قواه السحرية, فكلما لوح بعصاه وقال "جلا جلا" لم يحدث شيء, لا أعلم متى فقدت القدرة على الكتابة والدعاء والبكاء والتنفس والكلام, فتحولت إلى قطعة اسفنج تصلبت بعد أن شربت الكثير من الألم.

حكت لي أختي قبل عامين عن أم خالد المرأة الأمية التي كانت تصلي بجانبها والتي لم تقرأ أي شيء من القرآن في قيام ولم تسبح في ركوع أو سجود, هي فقط كانت تدعو الله أن يرزق خالد لأنه "غلبان وبيجري على اخواته" وأن يرزق ابنتها بابن الحلال الصالح, ثم كانت تبكي كلما دعت بأن تحج, ربما لعلمها بأن هذا أمر بعيد المنال, أو ربما لاشتياقها الشديد.

والحقيقة أنني اليوم أحسد أم خالد, وأتمنى لو أصبح مثلها فأقول لله كل ما يوجعني وأن أسأل دون أن يردني ذلك الشعور القاتم الذي تكون داخلي بأن الله لن يستمع لي ولن يستجيب.

في دعاء القنوت كان الشيخ يدعو بأن يشفي الله مرضى المسلمين وأن يرد دين المدينين ويفرج هم المكروبين. تبادر إلى ذهني أن هذا الدعاء الذي يردده كل شيوخنا تقريباً لو قيل في ساعة استجابة أو لو قاله رجل صالح وحيد لما تبقت لدينا أي مشكلات تقريباً, وأن الله لو يستجيب لما كان الحال كما الحال!

كنت في الماضي أصلي وأجهش بالبكاء كلما صفعتني الحياة, لكنني اكتشفت هذه الأيام أن البكاء قدرة لدى البشر, وأنه نعمة لا يرزقها الله للجميع, فذلك الشعور القاسي بداخلك لم تعد الدموع قادرة على التعبير عنه, لذا فأنت تضحك بصوت أعلى من ضحكتك المعتادة, وتشغل نفسك بأشياء تافهة وخروجات ليس لها هدف, كما أنك تهتم أكثر بمظهرك كي تعلن للجميع أنك سعيد.

قطعة اسفنج حجرية..

أعلم كل ما سيقوله البعض عن الدعاء وأحفظه, بل وأردده لنفسي كثيراً, أعلم كل شيء, لكن لكل منا جزء لاواعي لا يدرك مثل هذه الحكم العبقرية.

البكاء قدرة لدى هؤلاء الذين يعلمون أنهم حين يبكون سيجدون من يمسح دموعهم, ومن يفكر في حلول لهم, بل ويشارك في تنفيذ الحل. في دور الأيتام, لا يبكي الصغار عند الجوع أو العطش, بل يصمتون فهم يعلمون جيداً أن البكاء ليس وسيلة للتأثير على المشرفات اللاتي نسين واجبات عملهن, وأن الطعام لن يأتي بهذه الحيلة. هكذا أنا, أعلم أنني إن بكيت فلا شيء سيحدث سوى أنني سأتحول إلى كيان ضعيف مستكين تتلاعب به الأيام والسنون.

بين الكثير من علامات الاستفهام والكثير من المثيرات المؤلمة تصبح الكتابة معجزة لا يرجى تحققها, أمتنع أيضاً عن الكلام لأن ما أريد الحديث فيه لا يهم أحد ولا ينبغي أن يسمعه أحد, وما يتحدث به الآخرون لم يعد يهمني, ومع هذا الصمت يعبر الجسد عن تألمه بأشكال أخرى غير البكاء, وأنا جسدي يمتنع عن التنفس في أيام الألم, تعبير جيد يظهر المعنى ويقويه, تعبير جيد يستحق جسدي عليه مكافأة كبيرة.

أفكر أن… جلا جلا

لابد من وجود وجه إيجابي لكل ألم..

جلا جلا

لا يوجد موت, لا يرحل الراحلون عنا, هم يرحلون عن الناس من حولنا ليسكنوا داخلنا, فنتقمص أفعالهم, ونسترجع مواقف دارت معهم ويصبح كلامهم أكثر وضوحاً وأشد وقعاً. لا يرحل الراحلون الذين نحبهم..

جلا جلا

الألم صديق الحب..

لا تكتمل قصص الحب الجيدة سوى حين تنتهي نهاية مأساوية وموجعة بين طرفين لم يكن لهما قصد في التعرف على بعضهما, ولم يكن لهما يد في الانفصال. فيذوبان في عقل كل منهما, تذوب الشخصيات والأفعال وأخطاء الماضي ويتحول كل منهما إلى فكرة مرتبطة باسم يتردد على العقل, اسم يجلب معه البهجة الممزوجة بالألم.

جلا جلا..
أنت لم تكن مجنوناً, ولا عبيطاً ولا حالماً, ولم تعد أي شيء, ولم تعد تشعر بشيء, ربما يكون هذا أفضل كي تواجه حياة وحيدة طويلة قاسية.

جلا جلا..

لا بكاء, ولا دموع, ولا تنفس..

جلا جلا.. جلا جلا.. جلا جلا

أغسطس 04، 2010

على ما تفرج 2

karo-compos كررررررررر (صوت شيشة طويل ومنغم يخرج من فمك هذه المرة)

*****

الانتقال إلى الطخ طييط (تنفيذ الخطة) الخاص بمشروعك سيجعلك تواجه الكثير من الشخصيات التي قد تعوقك عن الوصول للنجاح. الآن أنت تشرب الشيشة مع السمسار على نفس المقهى وهي استراتيجية جيدة للوصول لهدفك (ولخسارة صحتك في نفس الوقت!) تسمى هذه الاستراتيجية في كتب الأعمال Mirror & Mimic وفيها ينبغي عليك أن تقوم بأفعال موازية لما يفعله الطرف الآخر حتى تقترب منه نفسيا وتستطيع أن تحصل على ما تريده.

لابد أن تشعر السمسار بأن مهنته شاقة ومتعبة, وأنه يستحق المال الذي يتقاضاه وأكثر مقابل كل هذا العناء, عندها فقط سينفتح قلبه لك, وصدقني ستجد في قلب السمسار الكثير من الهدايا, فبعدما ستحصل على العقار ستحتاج إلى الكثير من الخدمات التي يستطيع هو أن يوفرها لك في لمحة عين. صدقني ستحتاج إليه خاصة إن لم تكن من أبناء المنطقة.

*****

- اتفضل يا بيه, شفت سعادتك؟ أحلامك أوامر.. زي ما انت طلبت بالظبط.

- (تفكر أنها تختلف كثيرا عن طلبك) بكام دي في الشهر يا حاج سمير؟

- تلات آلاف ونص لكن عشان خاطرك انت أنا هافاصل مع صاحب البيت. ممكن توصل تلاتة.

*****

في أغلب الأحوال يكون السعر المتفق عليه مع صاحب الشقة ثلاثة آلاف. السمسار همزة وصل بين طرفين وهو يقبض من كليهما ولن يضحي بأحدهما من أجل الآخر, ثق تماما أنه تحدث مع صاحب المنزل وأخبره بأن الشقة "ما تسواش حتى ألفين لكن ربنا يسهل".

إذا استطعت أن تصل إلى صاحب البيت من وراء السمسار فافعل, ناقشه في السعر فقد تصل إلى سعر أقل بكثير, تذكر أن السمسار يأخذ نقودا عن كل جنيه تدفعه (منك ومن صاحب المنزل) وليس لديه مصلحة في أن يتم العقد بسعر أقل, بعدما تنهي العقد ادفع للرجل نقوده.

قبل أن تتم الصفقة مع صاحب العين تأكد من خلو العين من أي "خوازيق".

فحينما يقول صاحب العقار إن "الشقة بس محتاجة وش نضافة" هذا يعني أن تفتح الشباك وترى انعكاس الضوء على الحوائط الذي سيكشف لك إن كان بها الكثير من المطبات التي تحتاج إلى معجون أم أنها بالفعل تحتاج إلى "وش نضافة". إذا لم تتأكد من هذا فقد تتعرض إلى فترة طويلة من العمل مع النقاشين والمبيضين وستحتاج أنت إلى "وش نضافة" كل ربع ساعة تقريباً.

حينما تدخل إلى العقار تأكد من أن كل المفاتيح و"فيش" الكهرباء تعمل. إذا كان العقار قديما فاسأل صاحب الشقة إن كانت الكهرباء "لطش" أم "بمواسير". في حالة أنها لطش فاهرب بجلدك على الفور, ذلك أن أدنى "قفلة" كهربائية ستعرضك لتكسير الحوائط من أجل استبدال السلك المدفون بها ومن ثم دفع المزيد من المال في أعمال النقاشة والبياض.

في حالة أن التشطيبات لم تنته داخل العين فلا تمضي عقد الإيجار ولا تدفع أي مليم قبل انتهائها, فبمجرد إمضاء العقد ودفع النقود سيتراخى صاحب العقار في التشطيبات وأغلب الظن أنه سيسلمك العين دون اكتمال التشطيبات...

*****

- سعيد باشا, أخبارك؟

- ازيك يا أستاذ عبد الفتاح.. إيه أخبار التشطيب؟

- لا مؤاخذة يا سعيد بيه, أصل أمي في السويس تعبت واضطريت أنزل لها, وكان عندي حتة أرض ف مطروح طلع عليها العرب وخدوها واضطريت أسافر وكانت بهدلة.

- يااااه, وايه كمان؟

- أبداً ده غير ان حضرتك عارف إن الشقة كلفت عليا كتير وبصراحة أنا راجل عندي ربو ومش باقدر أقف مع العمال.

(صوت يشبه صوت الشيشة طويل وغير منغم على الإطلاق)

أغسطس 03، 2010

على ما تفرج (دليل إنشاء المشروعات الصغيرة لشباب المحروسة)

karo-compos هذه السلسلة من التدوينات هي محاولة مني للعودة للكتابة بشكل يومي أو شبه يومي, وأدعوا الله أن يجعل كلامي فيها خفيفاً عليكم :) 

لأنك فتك, فسوف تقرر أن تنشيء مشروعاً يكفل لك حياة كريمة وسوف تمر بكل مراحل التخطيط العلمي المتعارف عليها في كتب الأعمال, لكنك حين تنتقل لأرض الواقع سوف تحتاج إلى أشياء أخرى ليست موجودة بالكتب. و سوف يتحول التخطيط الذي وضعت إلى طخ طييييييط. حينها فقط ستشعر بأهمية هذه السطور.

حين تنتهي من خطتك النظرية سوف تلحس بلسانك كل شوارع المدينة بحثاً عن مكان تنشيء فيه حلمك المنشود. ولأنك ابن ناس وليس لك في البهدلة فسوف تقرر بعد أن تطوق أرضية الميادين التجارية بملابسك أن تستعين بسمسار. إليك هذه القاعدة في التعامل مع السماسرة:

قاعدة رقم 1......... لا تتعامل مع سماسرة.

*****

كرررررررررررررر (صوت شيشة طويل ومنغم)

عارف لو قدمت نص ساعة, ده أنا لسة ماضي عقدها, حاجة إيه سوبر لوكس يا بيه والله, معلش خيرها ف غيرها, على العموم اتصل بيا بكرة زي دلوقتي وربنا يسهل.

*****

ألم أقل إنك فتك؟ ها أنت تفقس الفولة وتستشعر أنه نصاب, وأنه من نصف ساعة كان يشرب حجر آخر من المعسل على نفس القهوة. سيشعرك السمسار أنه يمضي عقد شقة أو عمارة أو أرض كل نصف ساعة, وسيدخلك في مجموعة من الجلسات المعدة خصيصاً لتجهيزك للدفع.

*****

- آلو, ازيك يا حاج. أنا سعيد اللي جيت لحضرتك امبارح العصر عشان شقة وسط البلد

- مش واخد بالي والله

- (تقول في سرك: يا ضلالي!) يا حاج الشقة الخمس قوض وصالة اللي قلت لك عليها.

- لا مؤاخذة يا أستاذ انت عارف بقى الذاكرة. الواحد هايفتكر إيه ولا إيه. عموما طلبك عندي.

- صحيح يا حاج (تنتابك فرحة بلهاء عبيطة غبية)

- أومال, بس كلمني بكرة زي دلوقتي وربنا يسهلها.

*****

يتقاضى السمسار إيجار شهر عن كل شقة قانون جديد يتم عقدها من خلاله هذا بالإضافة إلى مبلغ يتقاضاه من صاحب العين, ونسبة تتراوح بين 5 إلى 2,5% عن العقارات والأراضي المباعة والمشتراة من خلاله حسب القيمة, وبالتالي لابد أن يشعرك أن الموضوع معقد قبل أن تذهب معه في رحلة الأحلام التي سترى فيها أشكالاً وأنواعاً من الشقق التي لن تكون مناسبة لك على الأغلب.

- خمسين جنيه رسم معاينة يا بيه.

- خمسين جنيه! ليه؟ أنا ما أخدتش خدمة, انت لففتني البلد وورتني شقق أي كلام.

ادفع بهدوء, فأنت ابن ناس وينبغي أن تستمر هكذا.. لا داعي للشوشرة والفضائح.

*****

كرررررررررررررررر (صوت شيشة طويل ومنغم)

نستكمل غداً بمشيئة الله

يوليو 30، 2010

ظلم

Dance_by_waccoon

أتت من بعيد كعروس بحر تجرب ساقيها لأول مرة.. عروس بحر قلقة, تحاول أن تقنع نفسها بأنها قد خدعت الجميع بمظهرها وحقيبتها الرسمية الثقيلة.

ابتسمت لها.

عدلَت وضع نظارتها ونظرت في المدى ثم أدخلت خصلة شعر شقية خرجت من تحت حجابها, خصلة شعر شقية مثلها.

في البداية ظننت أنها ستصافحني, أو ربما ستتخلى عن توترها وتجري نحوي فأضمها, نضحك ثم نتخلص من حقيبتها الثقيلة بإلقاء أوراقها في الهواء, فكرت في أن هذا المشهد لن ينقصه سوى باقة ورد أحمر أعطيها لها فتضمها قبل أن تخبئني في فستانها الأزرق وتأخذني إلى حيث أتت.

ربما حين تقترب سوف أمد يدي نحوها, سأدور بيدها دورة كاملة حول جسدها فتدور معي قبل أن تتكئ بكامل ظهرها على ذراعي, ليتحول الطريق إلى مسرح كبير والعابرون إلى جوقة موسيقية.

تقترب كثيراً فأتمهل في مشيتي. تنظر في وجهي وتكتفي بابتسامة.

 

يوليو 11، 2010

وجه يشبهه

كان أبي يحاول أن يعلمني كيف أرسم حرف الألف, وضع يده على يدي لكنني أصررت أن أكتبه بيدي ووحدي. أمسكت القلم ثم رسمت خطاً طويلاً معوجاً لم يشبه الألف بأي حال. أخبرته بأنني سأفعلها وحدي. مسحت كل شيء بالممحاة ثم حاولت مرة أخرى.

لم أفلح.

بدأت أغضب مني وبدأت عصبيتي تزعجه, بالممحاة مسحت مرة أخرى ثم مرة ثالثة ومرة رابعة وعاشرة. توقفت فقط حينما تحولت الصفحة إلى بقعة رماد رصاصي وأصبح لها ثقب كبير في وسطها.

بملامح منزعجة نظرت إلى أبي فانتبهت إلى أنه لم يعد بجانبي, لهثت أبحث عنه في غرفته فإذا بي أرى شعري أبيضاً مثل شعره ودموعي تسيل على وجه يشبهه.

يوليو 05، 2010

إسود يا عسل

3asl Eswed شاهدت الأسبوع الماضي فيلم أحمد حلمي "عسل اسود" الذي جاء بمستوى من الجودة يليق بأحمد كفنان يختار أعماله بعناية. عندما خرجت من الفيلم كانت حالة من الضحك السوداوي المأساوي تغمرني. لكن لسبب ما توقف فمي عن الضحك وتوقفت أنا عن السير متأملاً الفيلم.

الحقيقة أنه يمكن للفرد أن يلخص فيلم حلمي في جملتين أو ثلاثة, فالقصة تدور حول شاب مصري عاش طيلة عمره بأمريكا وقرر العودة ليكتشف مصر ذات الوجهين. الوجه القاسي الفاسد والوجه الحاني المتمثل فيما بقي من ود ومعاملات اجتماعية دافئة بين المصريين. هذه هي القصة كلها وبقية التفاصيل –صدق أو لا تصدق- تفاصيل هامشية.

القصة بهذه الكيفية تسير بشكل طولي وتنتهي قبل أن تبدأ, ولا أعرف لماذا وضع خالد دياب (الذي ألف فيلم حلمي السابق أيضاً بالمناسبة) نفسه في هذا المأزق, لماذا يقرر أنه سيقول لنا ما نعرفه وبالطريقة التي نراه بها؟ لماذا يقرر أن يوضح لنا كل التناقضات التي يمكن لأي منا أن يعددها في جلسة مع صاحبه على المقهى؟

هناك بعض الهنات في الفيلم والتي كان من اللازم تداركها, على سبيل المثال يتم إيقاف السيارة الميكروباص التي يتواجد بها البطل فيشتبك مع عسكري مرور يقرر أنه سيسحب البطل إلى اللواء, من المفترض أن سيادة اللواء لن يكون في الشارع ومع هذا "عديها", اللواء لم يكن لواء مرور, لكنه كان لواء أمن مركزي, وهذا دعاني إلى التفكير في عدم منطقية الحدث. يقرر اللواء أن يجعل البطل يندم على دفاعه عن سائق الميكروباص فيتركه يعلن للمتظاهرين أنه مواطن أمريكي (اللواء كان يحاول فض مظاهرة أمام مجلس الشعب!) مما يؤدي إلى تجمهر المتظاهرين على حلمي وضربه بشكل غير متقن و"مفقوس" تماماً في مشهد أقل ما يقال عنه أنه مصطنع للغاية.

أسوأ ما بالفيلم هو الفصل التام بين مصرين مختلفتين, فالنصف الأول من الفيلم مخصص لمصر الفساد والفهلوة والنصف الثاني مخصص لمصر التي نحبها ونفتديها بالعزيز الأمجد!

النهاية جاءت غامضة ومفتوحة.. فلا نعلم هل يريد البطل أن يعود لمصر أم لا والقرار متروك في أغلب الظن للمشاهد وهذا من نقاط القوة في الفيلم.

كان قد تم تغيير اسم الفيلم  أكثر من مرة, وكان حلمي قد اقترح أن يطلق عليه “مصر هي أوضتي” بمعنى أنها المكان المريح الذي ستعود إليه مهما بت في الفنادق ذات السبع نجوم, ثم تم تسميته بعسل إسود في إشارة إلى بلادنا ذات الحال الأسود التي لا نستطيع أن نتخلى عنها أو نهجرها أو حتى نلومها.

لم يعد يمكننا التعليق على أداء حلمي كممثل فهو يثبت في كل مرة أنه مقتدر, لكنني هذه المرة ينبغي أن أشهد لإدوارد هذا الذي كنت أكرهه قبل دخول الفيلم فإذا بي أحبه بعد خروجي من السينما, إدوارد تخلى في تمثيله هذه المرة عن الاستظراف وبدا طبيعياً مما جعل تمثيله رائقاً.

خالد مرعي (المخرج) هو أيضاً من أخرج لحلمي فيلمه آسف على الإزعاج وهو مخرج فيلم تيمور وشفيقة وقد أجاد بشكل عام.

شاهدوا عسل إسود في السنيما تشجيعاً لهؤلاء.. الفيلم يستحق المشاهدة رغم كل ما فيه من عيوب, وخاصة لأنه يعرض بين مجموعة من الأفلام التي تدعو إلى الغثيان.

يونيو 22، 2010

وكمان هع

Image060 في حفل مهيب تم تكريم الأديب الكبييييييييييير عمرو محمود السيد لفوزه بالمركز الأول في مهرجان ساقية الصاوي السادس للقصة القصيرة عن قصته "57 ممر|58 شباك". وقد اهتمت وسائل الإعلام المقروءة والمرئية بهذا الحدث العظيم, حيث قامت قناة نايل تي في بالتسجيل مع الكاتب الكبير (شاهد الحلقة مترجمة للفرنسية يوم الجمعة القادم) وقامت القناة الفضائية المصرية بعمل لقاء معه تناول حياته الأدبية المدييييدة والأعمال الكثييييرة التي أمتع بها قراءه (الكتير قوي يعني) D:.

كما قامت العديد من الصحف بنشر الخبر في صفحاتها الأدبية مثل جريدة الأهرام وجريدة نهضة مصر. أما جريدة المال فقد اهتمت بأثر الجائزة الكبيرة على مقدار السيولة المالية في السوق المصري, حيث سيتسبب سحب المبلغ المالي الكبير الخاص بالجائزة إلى تأثر بنوك المنطقة والمناطق المجاورة وإلى ضخ كميات نقدية كبيرة للسوق مما سيؤدي إلى اهتزاز سوق الأوراق المالية وارتفاع معدلات التضخم هع هع هع..

حبة جد... أجرت ناني محمد من جريدة المال لقاء صحفيا مع الأديب الكبير (رجعنا للهزار هههههههه) حول الجائزة (يمكنك شراء العدد اليوم 22 يونيو) تناولت فيه انتقاده للساقية (نعمل ايه بقى.. غاوي مشاكل) وفرحته بالجائزة التي تعد تتويجا لمجهوداته الأدبية بعد عمر ناهز 36007_135859053091433_100000020163499_390472_2582053_nهع هع هع.

وقد ألقى عمرو كلمة في حفل التكريم قال فيها إن هذه القصة هي أقل حاجة عنده وإنه يكتب كل يوم أفضل منها بكثير لكنه خاف على هيئة التحكيم من كثير الانبهار وعلى نفسه من الحسد D:

أقوال مأثورة في حق الكاتب الكبير

- انطلق ولا تسمع سوى أنفاسك وحدك (عصام الصاوي كاتب وقاص وصحفي)

- كتابات عمرو تتميز بقلق وجودي (الأستاذ محمد عبد المطلب)

- كبير وكفاءة (أنا هع هع هع)

كفاية عليكم كده النهاردة

D:

يونيو 05، 2010

من التاريخ السري لعمرو السيد 8

reaching-for-star-big1

المشروع الأول

كان عمري ثماني سنوات تقريبا حين فكرت في إنشاء مشروعي الأول. وقتها كان مصروفي عشرة قروش وتمكنت بعد الكثير من العناء أن أدخر 16 جنيها اشتريت بها ثمانية أرانب صغيرة جدا. كان هذا المبلغ بالنسبة لي تحويشة العمر لذا أصابني الكثير من الكدر وأنا أرى أرانبي يموتون واحدا تلو الآخر وفي نفس الليلة. الحقيقة أنني لم أضع في تخيلي أن هذه الأرانب ستحتاج إلى رعاية بيطرية أو حتى برسيم, فانتهى الحال بأبي وأمي وهما يتناوبان رعاية مشروعي وقطف ثماره أيضاً, واكتفيت أنا باللعب مع الأرانب ونسيت هدفي الأساسي من المشروع: أن يكون لدي مليون أرنب وأنا في الجامعة..

في أحد السنوات جاء الصيف حارا للغاية فماتت جميع الأرانب.

المشروع الثاني:

كنت قد فهمت من مشروعي الأول أنه لا داعي ولا يجب المخاطرة بكل ما أملك مرة واحدة, لذا قررت بعد تخرجي أن أقيم دورات لتعليم الإنجليزية للشباب في أحد القاعات الحكومية الضخمة. كانت القاعة مكيفة وتسع 30 طالبا وأمام كل طالب جهاز كمبيوتر وسماعات تصل بين الأجهزة شبكة داخلية وكان هناك إذاعة داخلية أيضاً ومايكروفون بلا سلك (وايرلس) كنت أحبه كثيراً. قمت بإعداد المحتوى وإتمام تصميم البرمجيات اللازمة وعمل الدعاية وفي يوم الندوة التعريفية سالت سيول جعلت الجميع يلزمون بيوتهم وجعلتني أخسر ما أنفقته في الدعاية للندوة.. بالكاد استطعت إتمام أول دورة لكنها لم تتكرر لخطأ في تصميم البرنامج الإداري من حيث تعامله مع العميل.

المشروع الثالث:

رجعت إلى أن المخاطرة أمر لابد منه, فكيف تتوقع أن تربح إن لم تنفق وقررت أن أضحي بتحويشة العمر التي ادخرتها على مدار عامين كنت أذاكر وأعمل فيهما. اعتمدت في مشروعي هذا على عميل واحد قرر يوم الافتتاح أنه لن يتعامل معي. وتسبب هذا في خسارة شديدة لي..

عملت بعدها في شركة الشرق الأوسط, كنت أترجم كتب الإدارة والأعمال, تلك الكتب التي تتحدث عن نجاح عمالقة التجارة وعن المشاريع الصغيرة التي أصبحت شركات عملاقة.. كنت أشعر بالغيرة من هؤلاء العصاميين وبالحماس. أنا أيضاً أريد أن أمتلك طفلا صغيرا كهذا ينمو مع الزمن..

تركت الشركة وليس في عقلي أي شيء أنوي فعله. إلى أن قررت أن أقيم مشروعي الرابع وأن أخاطر بنصف تحويشة (لم أحوشها في الحقيقة).

الغريب أن سوء الحظ الذي لاقيته في مشاريعي السابقة يلاحقني في مشروعي الرابع, فقد أسفر العمل خلال الأيام الماضية عن وفاة ثلاثة من أقارب مصممة الجرافيك, ودخول ابن النقاش إلى المستشفى في حالة خطيرة, ووفاة أقارب الكثير من المترجمين.. ويعتذر هؤلاء جميعا عن العمل معي لأسباب انسانية قهرية.

هذه الأيام, أصبحت أردد ضاحكا: "من يريد أن تثكله أمه فليعمل مع عمرو السيد هع هع هع".

عزيزي قارئ/قارئة المدونة أرجو عدم اتخاذ أي خطوات احترازية وعدم غلق صفحة المدونة, فلم يتم حتى الآن الإبلاغ عن حالات طارئة أو حوادث أو وفيات بين القراء أو ذويهم..

ادعولي.. شكراً

:(

مايو 28، 2010

هع هع هع

mobd2010_cert_AmroM

 

السلام عليكم..

طبعا أنا غايب بس والله مش بإيدي. عقلي اليومين دول ما فيهوش غير أرقام, بس عموما أنا محضر لكم مفاجأة كبيرة قوي قوي قوي.. وهارجع للتدوين خلال أسبوع على الأكثر. عشان عندي امتحانات لغاية يوم الخميس..ادعولي

بالنسبة للشهادة اللي فوق دي فأنا لسة مستلمها دلوقتي حالا من موقع تل عمرو خالد, مسابقة المبدعون 2010..  أنا فرحاااان قوي, وبافرح قوي كل ما بالاقي تقدير من أي حد.. هارجع وأرد على كل التعليقات

:)

مايو 13، 2010

شطة

022ed0701d6cf11a390a8e7e87114f17 أنظر إلى تجاعيد وجهها الغاضبة, وعينها المصوبة إلى البعيد.. تحرك أناملها بتوتر بينما أتأمل زجاجة الشطة الواقفة على حافة الطاولة, ألاحظ أن الزجاجة ستقع لكنني لا أمد يدي نحوها..

تهز زوجتي قدميها, وتجز على أسنانها فتهتز الزجاجة أكثر.. بينما أبتسم

أتأملها, أفكر في أن الحب شعلة أوليمبية.. لو لم يكن كذلك لما جريت نحوها طريق العمر بقلب تأكله المشاعر.. وما انتظرت طويلا حتى تمد قلبها إلي فيلتقط الدفء من قلبي, وما كان توترها وانفعالها وغضبها بردا وسلاما هكذا..

- أي خدمة تانية؟

يخرج صوت النادل تفصيلة غريبة في الحيز الذي يجمعني بها, يضع طبقي الكشري ويمشي..

تبدأ في الانتباه, تحرك معلقتها في الطبق فتهتز الطاولة. نمد يدينا في نفس اللحظة نحو الزجاجة قبل أن تقع, أتمسك أنا بحقي في وضع الشطة أولا في طبقي, وتصر هي على أنها أمسكت بالزجاجة أولاً..

تتحول الأنظار في المطعم إلى العجوزين الذين يصرخان ويتصرفان تصرفات طفولية.

أترك الزجاجة لها خشية أن يتدخل أحدهم بيننا, فتحس بالظفر للحظة. أنتظر حتى تقربها من الطبق ثم أدفع مؤخرة الزجاجة فتصب الكثير من الشطة في طبقها..

تنظر نحوي نظرة أعرفها, أضع يدي على طبقي محاولا منعها..

أخرج من المطعم واضعاً يدي على فمي بينما يرتج بطني من المياه الكثيرة التي شربتها, ننظر نحو وجهينا شديدي الاحمرار ونضحك..

مايو 09، 2010

هؤلاء يفسدون علينا ديننا (1)

veil أم لبيب تسأل الشيخ في قناة الناس والدموع تكاد تخرج من السماعة, تقول إنها كانت ترتدي النقاب وإن زوجها أمرها بخلعه فامتثلت, وهي تشعر بالذنب لأنها "مش كده".

الشيخ يبتسم ابتسامة العارفين الداخلين إلى الجنة حتفاً بغير حساب.. يبتسم ابتسامة تعني بأن لديه من العلم ما يفوق مقدار التبن الموجود على كوكب الأرض. ثم يخبرها بأن الله أنعم عليها وهي رفضت نعمته.. وأن عليها أن تعود إلى نقابها لأن العلماء أوجبوا النقاب إذا كانت المرأة جميلة مثلها (مغازلة صريحة لأم لبيب مع أنها لم تذكر شيئا عن جمالها) وإذا امتلأ المجتمع بالفساق (زينا كده)..

آآآآآآآآهاهاه آآآآآآآآآآآآآهاهاها... هاااااااااااااااه هههاااااااااااااااه

ينتهي البرنامج بتنهيدات من كورال كبير لأن الموسيقى حرام. وينتهي بي الحال وأنا "مفروس" وعلى وشك الانفجار.

الواقع أن النقاب أمر لا يقره العقل قبل الدين. من قال إن على الإنسان رجلا كان أم امرأة أن يغطي وجهه فلا يعرفه أحد. الوجه هو الهوية, وطريقة المجتمع في التعارف والتقارب, تخيل أن أختك المنتقبة تعرضت لحادث في الشارع وأنت تمشي ببلاهة بجوارها, تنظر إلى الملتفين حولها ولا تحرك ساكناً... تخيل أن يمر أهلك في الشارع فلا تعرفهم.. هل هذا منطقي؟

الوجه هو وسيلة الإنسان للتواصل فأقل من عشرين بالمائة فقط من تواصلنا يتم عن طريق الكلام ونسبة كبيرة تتم من خلال التعبيرات الوجهية. لكن من يتمسكون بالنقاب لا يرون أن المرأة ينبغي أن تتواصل من الأساس, فهي ليست إلا لهم. ومن هنا يمكننا أن نقول إن التمسك بالنقاب تمسك ذكوري في الأساس, فالرجل يريد ألا يطلع أحد على حريمه وأن يراهم هو وهو فقط.

لا توجد آية واحدة في القرآن تدعم النقاب. الآيات التي وردت في الحجاب ثلاثة. الأولى في سورة النور: "و لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ". وهنا لا يوجد أمر بارتداء الخمار, وإنما بجعله على الصدر. البدويات لا يمشين عاريات الرأس لأن رمال الصحراء تجبرهن على تغطية شعورهن خشية أن يستقر الرمل في فروات رؤوسهن مما يستدعي غسل الشعر بشكل مستمر, ويعني الكثير من المعاناة بالنسبة لهن إن كانت شعورهن طويلة. من رأى أهل الصحراء يعلم أن النساء هناك يلبسون فساتين مفتوحة الصدر, حتى أن المرأة لو قامت انكشف جانب كبير من نهديها, ونهدي المرأة أكثر ما يثير شهوة الجنس لدى الرجل, والأمر بتغطية النهدين منطقي ومعقول ومبرر. أما تغطية الوجه فلم يرد في هذه الآية.

الآية الثانية من سورة الأحزاب: " و إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ". هذه الآية يتم اتخاذها دليلاً على النقاب وأيضاً على ضرورة حبس المرأة عن الرجل وعدم الاختلاط بينهما. الآية نزلت في أمهات المؤمنين لكن هذه ليست القضية, فالمغالون يتجاهلون هدف الآية الأساسي. المتاع يعني أي شيء نستغله ونستخدمه, وهذا على الأغلب يكون في البيت, والمشكلة كانت أن بيت الرسول صلى الله عليه وسلم كان مقصدا للبار والفاجر, وللمسلم والكافر, وكان تردد الناس على بيت الرسول يؤذيه, فنزلت الآية كي تحد من اختراق هؤلاء لخصوصية بيوت الرسول. فالمرأة في بيتها تكون متخففة من ملابسها والتردد علىها بهذا الشكل لا يرضيها ولا يرضي زوجها, أما بيوتنا فهي ليست مقصداً دائما لهؤلاء وإن كانت كذلك وجب فيها ما بالآية. بقية الآية يوضح ذلك.. " مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ". الآية على ما فيها من أمر بحجب أمهات المؤمنين إلا أنها تحمل الكثير من الخصوصية وتعميمها يتعارض مع حديث صريح ورد عن الرسول (سأتحدث عنه) ومع ما ورد من أخبار الصحابيات أو ما ورد في ترتيب الصفوف أثناء صلاة الجماعة في المذاهب الأربعة.

الآية الثالثة من سورة النور " وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ." يبدو واضحاً على ما أعتقد أن الآية لم تتحدث عن نقاب أو حتى عن الحجاب بالمفهوم الحالي للكلمة ولم تحدد صفة وإنما حددت معنى. فالأصل أن المرأة التي ترجو النكاح لا تبين زينتها ولا تتبرج أما التي لا ترجو النكاح فيمكنها أن تخفف من ثيابها دون تبرج أيضاً وإن كان الأبدى ألا تتخفف منها.
ما ورد من الروايات عن أمهات المسلمين في الحجاب لم يبين له كيفية أيضاً وإن كن جميعا قلن إنهن كن يحتجبن عن الرجال (أي يتحدثن إليهم من وراء حجاب). رغبة أمهات المسلمين في الاحتجاب لا تعني أن يكون هذا تشريعا نلزم به بقية نساء الأرض. هذا شأن أمهات المسلمين طبقا لظروفهن وينبغي ألا يغرينا بتطبيقه على النساء كافة طالما لم يقره الرسول ويوجبه.

لا يوجد من الأحاديث ما يصف النقاب الذي يشيرون إليه, ولا ما يؤكد على ضرورة تغطية المرأة لوجهها, ولا أعلم كيف يمكن للمغالين في دين الله أن يتخلصوا من حديث صحيح عن الرسول: "يا أسماء إذا بلغت المرأة المحيض لا يظهر منها إلا هذا وهذا وأشار إلى الوجه والكفين"

كيف يمكن لهؤلاء أن يتجاهلوا كلام النبي الصريح ويحددوا لنا شرعة ومنهاجاً من عقولهم ووفق غيهم؟!

فكروا معي.. لماذا يصر بعضهم على أن اللون المناسب للنقاب هو الأسود؟ هل لأنهم استقوه من الشيعة مثلاً؟!

الشعور بالذنب الذي يورثه الدين لمن يريدون اتباع المغالين كفيل بهز الإسلام وهز صورته وإخراج أجيال تفعل ما لا تؤمن به, وتقوم بأفعال غير منطقية قهرية يرتدون عنها سريعاً, أو يتحولون ضدها, أو يلتزمون بها ويعمدون إلى الخروج على الدين بطريقة أخرى وفي مسائل أخرى من أجل الحصول على مقدار ضئيل من الحرية. ربما يجدر بكم أن تقرؤوا تدوينة أحمد الشمسي "عن الحشرات المتأسلمة الزاحفة" كي تروا بأعينكم أمثلة على ما أقول.

هؤلاء المتأسلمون يفسدون علينا ديننا بغيهم ومغالاتهم وتشددهم.

أبريل 25، 2010

لا تصالح

اليوم أهداني أحدهم طبقاً من الخوخ, وبابتسامة عريضة أخبرني أنه خوخ إسرائيلي.. نظرت إلى الخوخ الذي تنكر في شكل التفاح في اندهاش, قال إنه يزرع هنا في مصر لكن بذوره تأتي من إسرائيل… عمار يا مصر

الحقيقة أن الفضول أخذني للتجربة, لكنني شعرت وأنا أتذوق المسخ الإسرائيلي بمشاعر مختلطة… كلها سلبية, ليس فقط لأنني لا أصالح, وليس فقط لأن أسرتي الصغيرة تأثرت كثيراً من تبعات الحرب, وليس فقط لأنني أحب هذا البلد ويوجعني حاله, ليس من أجل هذه الأسباب فحسب, ولكن أيضاُ لأن الخوخ البلدي مذاقه أفضل بكثير من الإسرائيلي..

مروا بأعينكم معي على رائعة أمل دنقل.. لا تصالح

لا تصالح!.. أمل دنقل
(1)
لا تصالحْ!
ولو منحوك الذهبْ
أترى حين أفقأ عينيكَ
ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ،
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما..
وكأنكما
ما تزالان طفلين!
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ..
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟
إنها الحربُ!
قد تثقل القلبَ..
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ..
ولا تتوخَّ الهرب!

(2)
لا تصالح على الدم.. حتى بدم!
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟!
أعيناه عينا أخيك؟!
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك!

(3)
لا تصالح ..
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك "اليمامة"
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا-
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي..
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ-
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن.. صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها..
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)
ويشدُّوا العمامة..
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد؟!

(4)
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ..
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف

 

(5)
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام.."
عندما يملأ الحق قلبك:
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة..
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام
-كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس..
واروِ أسلافَكَ الراقدين..
إلى أن تردَّ عليك العظام!

(6)
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن "الجليلة"
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ -الآن- ما تستطيع:
قليلاً من الحق..
في هذه السنوات القليلة
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا..
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،
يوقد النار شاملةً،
يطلب الثأرَ،
يستولد الحقَّ،
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إن التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع..
إذا ما توالت عليها الفصول..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!

(7)
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..
كنت أغفر لو أنني متُّ..
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.
لم أكن غازيًا،
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
أو أحوم وراء التخوم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: "انتبه"!
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلاً
ولكنه في الغصون اختبأ!
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضعلين..
واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ!
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ

(8)
لا تصالحُ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:
النجوم.. لميقاتها
والطيور.. لأصواتها
والرمال.. لذراتها
والقتيل لطفلته الناظرة
كل شيء تحطم في لحظة عابرة:
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي - الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ
وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والذي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!

(9)
لا تصالحْ
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخْ
والرجال التي ملأتها الشروخْ
هؤلاء الذين يحبون طعم الثريدْ
وامتطاء العبيدْ
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم
وسيوفهم العربية قد نسيت  سنوات الشموخْ
لا تصالحْ
فليس سوى أن تريدْ
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيدْ
وسواك.. المسوخْ!

(10)
لا تصالحْ
لا تصالحْ
لا تصالحْ

 

أبريل 24، 2010

anxiety%20PTSD

أبريل 23، 2010

نشيج

post-18-30117-TEARS تعود بإناء فيه ماء تضعه على النار, ثم تجري خلف دجاجة من دواجنها.. تنحني في ألم, ترتمي بنصف جسدها مادة يديها نحو الدجاجة, ويرتج بطنها بعنف فتضع يدها تحته.. تهرب الدجاجة منها فتجري سنية خلفها بسرعة أكبر, يرتج بطنها... تتألم...
تصيح الدجاجة في قلق وفزع...
تخرج دماء نافرة من العنق المذبوح فتلتهب ذاكرة سنية, ترتد الكثير من الذكريات المؤلمة وتقف كأشباح أمامها لكنها تزيحها جميعاً وتعود إلى الموقد ثم تضع دجاجتها في الماء المغلي بعد أن تفارقها الروح..
تقف عزة أخت زوجها واضعة يدها عند وسطها, تلوي حنكها وهي تقول "اللي يقول لها جوزها يا عورة" فترد أخته الكبرى وهي تضغط برجلها على يد طلمبة الماء قائلة: "يلعبوا بيها الكورة"..
تضحكان..
تنتف سنية ريش الدجاجة في ألم, بينما تستمع إلى غناء النساء في الخارج وصوت الدفوف. كانت أم علي تغني بحماس كعادتها... تغني كأنها تفعل هذا للمرة الأولى.. وكان صوت النسوة من خلفها عالياً فرحاً مجلجلاً..
تمسح سنية دموعها.. هي لا تحب سليم على أي حال لكنها تتألم لما يحدث ولا تعلم السبب, تتشاغل بما في يدها عن حزنها وعن ألم بطنها الذي أصابها من أثر الركض..
تضع الدجاجة في الماء المغلي مرة أخرى.. لم يتبق أمامها سوى بعض الريش الناعم الداكن القصير, تنتفه بأطراف أظافرها فتتذكر كيف اندفعت النسوة نحوها في ذلك اليوم, وكيف عملن في همة لإزالة شعر جسدها بالحلاوة, وكيف كان صوت أم علي متحمساً بالخارج كالعادة, و كان صوت النسوة مجلجلاً وهن يغنين في فرح نفس الأغاني, بينما ظلت هي صامتة, لم يكن بإمكانها أن تصيح أو ترفض.. أو حتى أن تتألم مع نزع الشعر بالحلاوة.
تستمر في نتف الريش القصير الداكن..
ترى النسوة ينتفن الشعر الزائد من جسدها...
أم علي تغني بالخارج..
الجميع يضحكون في سعادة وهي صامتة..
تُخرج الدجاجة أحشاءها...
تدمع عينا سنية..
تمسح دموعها ثم ما تلبث أن تلاحظ منظراً مبهجاً. كانت الأوزة قد خرجت من عشتها بصحبة صغارها الذين خرجوا من البيض البارحة, وقفت الأوزة عند الماء الملوث بالدماء والمتجمع على الأرض, مالت برأسها إلى الأسفل كي تتفحص الماء بعينها اليمنى, ثم تذوقته بمنقارها قبل أن يقلدها الصغار. تبتسم سنية..
كم تتمنى طفلاً صغيراً, ليس لأن سليم يضربها كلما سقط حملها فقد نفذ تهديده وسيأتي لها غداً بضرة على أي حال, ليس لأن الجميع يعيرونها ويقولون إنها كالأرض البوار وإنما لأن شيئاً ما بصدرها يرغب في احتضان مولود صغير تتلهى به عن كل شيء حولها.. طفل صغير يتشبث بملابسها ويجري خلفها.
"خلصي يا عروسة.. عشان نحنيكي"
تلقي  عزة جملتها في سخرية وتتردد ضحكتها في أرجاء المكان.. تلم سنية رجليها المكشوفتين, وتنهض عابسة فتلكزها عزة بسخرية.. على الفور يبدأ شجار لم يكن في حسبانها, تتقلبان في الماء وعلى دماء الدجاجة, تجري الأوزة في فزع وتهرب بصغارها, تنتفض الدجاجات أيضاً ويتوقف الغناء وضرب الدفوف, تجري النسوة في محاولة لإنهاء المشاجرة...
تدرك سنية أن صحتها لم تعد تحتمل, تتلقى الكثير من الضربات في بطنها وصدرها, وتخرج خصلات من شعرها في يد أخت زوجها قبل أن تمد يدها إلى الحجر الملقى على مدى ذراعها, وتضربها به فوق رأسها بوهن واضح.. تتألم عزة لكنها تقوم ممسكة بجبهتها دون أن تصاب بالكثير من الأذى.تقوم سنية من فورها, وتجري..
تجري.. ليس لأنها تخاف من بطش سليم الذي لابد سيضربها إن وقعت في يده, ليس لأنها ارتكبت جرماً بضرب عزة, كانت تجري فقط دونما تفكير في السبب.. قررت أنها لن تذهب هذه المرة إلى بيت أبيها فهو سيعيدها إلى سليم على أي حال, جال بخاطرها أن تترك القرية بأكملها... تستمر في الركض.. تزرع قدميها في الأرض السمراء النائمة على مد البصر, ويرتج بطنها في ألم.. تتوقف من فرط التعب وتستند على جذع نخلة عند جانب الحقل. يرتفع صدرها ويهبط..
تمر لحظات وهي واقفة وحدها تتأمل الحقول الخالية أمامها إلا من بعض حشائش قصيرة, لثلاثة أعوام كانت تنزل مع سليم لتنزع عن الأرض حشائشها, ثم تعدها كعروس لموسم الزراعة وكانت الأرض تأتي دائماً بالحصاد.. تنظر إلى السماء, تتمنى لو كانت كالتراب يزرع فيأتي بالحصاد ولا يتأخر..
تبكي, لو أنها رزقت بطفل لأصبحت سعيدة... لو أن حملها لا يسقط لما ضربها سليم ولما تزوج عليها وما استطاعت النسوة أن يعيرنها.. يتحول بكاؤها إلى نشيج, تشعر بدوار يتسرب لرأسها, تتعلق بجزع النخلة المهتز, مع الريح المندفع يسقط البلح ويرتعش شعرها.. بينما يتسرب خيط رفيع من الدماء بين قدميها..

أبريل 22، 2010

My mood

reunion__forehead_by_myducksayshowdy

تبعد ولا بانساك

ترجع لي باستناك

فارد إيديا تعالى

الدنيا ما تستاهلش

:)

اسمع الأغنية من هنا

أبريل 20، 2010

مبارك شعب مصر

But_dust____by_christians

كيف تسكت عن شعبك وهو يرقد في التراب؟

وعدك أن تخرج يا رحيم برّه مثل الضياء

ها أنا في الثغر واقفٌ رافعٌ قلبي لك

بالإيمان قلبي مبصرٌ, شعبي ملكاً لك

يا إله الحب والسلطان فلتغر على اسمك

لا يكن في وسط شعبك مذبحاً  لغيرك

من ترنيمة مسيحية

أبريل 19، 2010

دعينا نتمشى قليلاً.. إلى الأبد

41Ho78CsrBL
أهلاً بكم.. أقدم اليوم ترجمتي المتواضعة لقصة كورت فونيجت "دعينا نتمشى قليلاً.. إلى الأبد" أو Long Walk To Forever. القصة من مجموعته "مرحباً في بيت القرود" والتي تتصدر قائمة أمازون لأفضل كتب القصة على مر التاريخ, وأكثرها مبيعاً. كانت أول طباعة لهذه المجموعة في العام 1968, وقد نشرها كورت فونيجت في الصحف قصة قصة, لاعتقاده أن هذه القصص لا تكون مجموعة! يعتبر كورت واحداً من أكثر كتاب القصة القصيرة الأمريكيين تأثيراً في الساحة الأدبية في القرن العشرين.
أترككم الآن مع النص.. يمكنكم أن تنزلوه أيضاً بصيغة Pdf من خلال هذا الرابط. قراءة ممتعة.
دعينا نتمشى قليلاً.. إلى الأبد

كبرا كجارين على حدود أحد المدن وبالقرب من الحقول والغابات والبساتين, وتحت عيون  أجراس جميلة اعتلت برجاً لمدرسة للمكفوفين. هم الآن في العشرين من عمرهما ولم يريا بعضهما الآخر منذ عام تقريباً. كان دفء مريح لطيف يسود علاقتهما, لكن لم يكن بينهما كلام المحبين.
كان اسمه نيوت.. وكان اسمها كاثرين. مع بداية الظهيرة, طرق نيوت على الباب الأمامي لبيت كاثرين. جاءت إلى الباب وهي تحمل مجلة براقة كثيرة الورق كانت تقرأ فيها. كانت المجلة موجهة بالكامل للعرائس. قالت وهي مندهشة لرؤيته:
-    "نيوت!"
قال:
-    "هل يمكن أن نتمشى قليلاً ؟
كان نيوت شخصاً خجولاً حتى مع كاثرين. كان يخفي حيرته بأن يتحدث دون أن يمرر الكلام على مشاعره وكأن ما يهمه بالفعل لا علاقة له بما يتحدث به.. يتحدث كما لو كان وسيطًاً سرياً, وسيط سري يتوقف كثيراً بين مآرب جميلة وقصية وخبيثة بينما يبلّغ رسالته. كانت هذه طريقة نيوت في الحديث على الدوام, حتى في الأمور التي كانت تهمه بشدة.
تساءلت كاثرين:
-    نتمشى؟!
أجاب نيوت:
-    نحرك أرجلنا.. بين الأشجار, فوق الجسور..
-     لم يكن لدي أدنى فكرة أنك هنا في المدينة.
-    لقد أتيت للتو.
-    يبدو لي أنك لا تزال في الجيش.
-    بقي لي سبع أشهر أخرى في خدمتي.
كان نيوت عريفاً في سلاح المشاة.. بدا زيه مجعداً, وحذاؤه أغبراً. كان من الواضح أنه يحتاج لحلاقة ذقنه.. مد يده لالتقاط المجلة.
-    دعينا نرى هذه المجلة الجميلة.
أعطتها له:
-    إنني سأتزوج يا نيوت.
-    أنا أعرف.. دعينا نتمشى قليلاً.
-    أنا مشغولة بشدة يا نيوت. الزفاف بعد أسبوع واحد.
-    إذا ذهبنا للتمشية فإن هذا سيجعلك مشرقة.. عروس مشرقة.
قلّب أوراق المجلة:
-    عروس مشرقة مثل هذه, وهذه, وهذه. (قالها بينما يشير إلى العرائس).
تورد خدي كاثرين وهي تفكر في العرائس المشرقات.
-    سيكون هذا هدية لهنري ستيوارت تشيسنز إذا ما أخذتك للتمشية. سأعطيه عروس متوردة الخدين.
قالت:
-    أنت تعرف اسمه؟
قال:
-    راسلتني أمي. هل هو من بيتسبرج؟
-    نعم. حين ستراه ستحبه.
-    ربما.
-    هل.. هل ستستطيع أن تأتي للزفاف يا نيوت؟
-    أشك في هذا.
-    إجازتك ليست طويلة بما يكفي؟
-    إجازة؟ أنا لست في إجازة.
كان نيوت يتفحص إعلاناً من صفحتين لمشغولات فضية..
قالت:
-    ماذا؟
-    أنا الآن ما يطلقون عليه متهرب من أداء الواجب.
-    لا تقل ذلك يا نيوت!
-    هذه هي الحقيقة بكل تأكيد.. (قالها بينما كان ينظر في المجلة..)
-    لم يا نيوت؟
-    كان علي أن أختار نقش الفضة المناسب لك.
بدأ يقرأ أسماء النقوش الفضية من المجلة.
-    أمبارل؟ هيثر؟ ليجيند؟ رامبلر روز؟
رفع بصره إليها وابتسم:
-    أخطط لأن أهديك أنت وزوجك ملعقة.
-    نيوت.. نيوت, أخبرني..
-    أريد أن أتمشى معك.
عصرت يديها في ألم..
-    نيوت.. أنت تكذب علي بشأن هروبك من الجيش.
قلّد نيوت صوت سارينة الشرطة بصوت خفيض, ورفع حاجبيه.
قالت:
-    أين.. من أين هربت؟
-    من معسكر فورت براج.
-    نورث كارولينا؟
-    هذا صحيح. بالقرب من فايتفيل.. حيث تعلمت سكارليت أوهارا.
-    كيف جئت إلى هنا؟
رفع إبهامه, وأشار به كما لو كان يشير إلى سيارة كي تقف على الطريق السريع:
-    سافرتُ هكذا ليومين.
-    هل تعرف أمك؟
-    لم آت لرؤية أمي.
-    من جئت لتراه إذاً؟
-    أنتِ.
-    لماذا أنا؟
-    لأنني أحبك. هل يمكننا أن نتمشى الآن؟ نحرك أرجلنا بين الأشجار وفوق الجسور.."
بدءا في المشي في غابة أرضها بنية بلون الأرواق المتساقطة. كانت كاثرين غاضبة ومنزعجة وكانت على وشك البكاء. قالت:
-    نيوت, هذا جنون مطلق.
-    كيف هذا؟
-    هذا توقيت جنوني لتخبرني فيه بأنك تحبني. لم تتكلم بهذه الطريقة من قبل.
توقفت عن المشي.
-    دعينا نستمر في التمشية.
-    لا, لن نتقدم خطوة أكثر بعد هذا. لم يكن يتوجب علي أن آت معك على الإطلاق"
-    لكنك فعلتِ.
-    كي أخرجك من المنزل. إذا ما خرج أحدهم وسمعك وأنت تتكلم معي بهذه الطريقة قبل أسبوع من زفافي.."
-    ماذا سيظن؟
-    سيظن أنك مجنون.
-    لماذا؟
أخذت كاثرين نفساً عميقاً, ثم قالت:
-    دعني أخبرك أنني ممتنة جداً لهذا الفعل المجنون الذي تجشمته. لا أستطيع أن أصدق أنك هربت بالفعل, لكن ربما تكون كذلك. لا أستطيع أن أصدق أنك تحبني بالفعل, لكن ربما أنت تحبني.. لكن.."
-    أنا أحبك.
-    حسناً أنا ممتنة لذلك, وأنا مغرمة بك كصديق يا نيوت, مغرمة جداً, لكن التوقيت غير مناسب على الإطلاق
خطت مبتعدة عنه:
-    إنك حتى لم تقبلني مطلقاً
أخفت وجهها وراء يديها..
-    لا أعني أنك ينبغي أن تفعل هذا الآن. أنا أعني فقط أن ما تقوله لم يكن متوقعاً. ليس لدي أدنى فكرة عن الطريقة التي ينبغي أن أرد بها عليك.
-    دعينا نتمشى قليلاً, نقضي وقتاً لطيفاً معاً.
شرعا في المشي مرة أخرى:
-    ماذا توقعت أن يكون رد فعلي؟
-    كيف لي أن أعرف ما أتوقعه وأنا لم أفعل شيئاً  كهذا من قبل؟
-    هل كنت تظن أنني سألقي بنفسي بين ذراعيك؟
-    ربما.
-    آسفة لأنني خيبت أملك.
-    لم يخب أملي. لم أكن أعتمد على أن هذا سيحدث. ما يحدث الآن لطيف جداً. لنتمشى فقط.
توقفت كاثرين مرة أخرى.
-    هل تعرف ما الذي سيحدث بعد هذه التمشية؟
-    لا.
-    سنتصافح.. سنتصافح وننصرف كأصدقاء. هذا ما سيحدث.
أومأ نيوت.
-    حسناً.. تذكريني من وقت لآخر. تذكري كم أحببتك.
انفجرت كاثرين في البكاء رغماً عنها. أعطته ظهرها ونظرت إلى صفوف الأشجار اللامتناهية. قال:
-    ما الذي يعنيه هذا؟
-    غضب! (قالتها وهي تقبض على يديها.)  ليس لك حق في..
-    كان علي أن أتأكد إذا ما كنت تحبينني أم لا.
-    لو كنت أحبك كنت أخبرتك من قبل..
-    هل كنت ستفعلين؟
-    نعم.
قالتها وهي تتحول لتواجهه, بينما كان وجهها أحمر للغاية.
-    كنت ستعرف.
-    كيف؟
-    كنت سترى الحب. النساء لسن ماهرات في إخفائه.
نظر نيوت عن كثب إلى وجه كاثرين. أرعبها أن ما قالته كان صحيحاً, فالمرأة لا تستطيع أن تخفي حبها... في هذه اللحظة كان نيوت يرى حباً صادقاً في وجهها... وقد فعل ما كان عليه أن يفعله...
قبّلها.
عندما أفلت ذراعيه عنها, قالت:
-    لم يكن علي أن أسايرك. أنت شخص سيء يا نيوت.
-    أنا؟
-    لم يكن عليك أن تفعل هذا.
-    ألم تعجبك؟
-    ما الذي تتوقعه.. عاطفة ملتهبة فياضة؟
-    أقول لكِ على الدوام إنني لا أتوقع ما سيحدث.
-    ما سيحدث أننا سنقول وداعاً.
عبس قليلاً ثم قال:
-    حسناً.
-    لست آسفة على أنني قبلتك. كان هذا حلواً. كان ينبغي علينا أن نقبل بعضنا من قبل, لقد كنا قريبين جداً من بعضنا. سأتذكرك دائماً يا نيوت.. حظ سعيد.
-    حظ سعيد لك أيضاً..
ثم قال:
-    ثلاثون يوماً.
-    ماذا؟
-    ثلاثون يوماً في السجن. هذا ما تكلفه لي هذه القبلة.
-    أنا.. أنا آسفة لكنني لم أطلب منك أن تهرب.
-    أنا أعرف.
-    وأنت لا تستحق مكافأة بطل على هذه الفعلة الحمقاء على أي حال.
-    لابد أنه من اللطيف أن يصبح المرء بطلاً.. هل هنري ستيوارت تشيسنز بطل؟
-    ربما سيصبح إذا ما حانت الفرصة.
لاحظت أنهما بدءا يمشيان مرة أخرى, وبدءا ينسيان الوداع اللذان كانا مقدمان عليه.
-    هل تحبينه بالفعل؟
-    بالتأكيد أحبه! لم أكن لأتزوجه لو أنني لا أحبه!
-    ما الذي يجذبك إليه؟
-    بهذه الصراحة! هل تعرف كم أنت مزعج؟ هناك الكثير والكثير من الصفات الحسنة في هنري! نعم وهناك الكثير من الأشياء السيئة أيضاً. لكن هذا ليس شأنك. أنا أحب هنري, وليس علي أن أناقش مميزاته معك!"
-    آسف.
-    حقاً!
قبلها نيوت مرة أخرى. قبلها لأنها كانت تريده أن يقبلها..
أصبحا الآن في بستان كبير.
-    كيف ابتعدنا كثيراً جداً هكذا يا نيوت؟
-    لقد حركنا أرجلنا بين الأشجار وفوق الجسور.
-    الخطوات الوئيدة أقصتنا كثيراً.
رنت الأجراس في برج مدرسة المكفوفين المجاورة... قال نيوت:
-    مدرسة للمكفوفين.
قالت:
-    مدرسة للمكفوفين.
ثم هزت رأسها..
-    ينبغي علي أن أعود.
-    قولي وداعاً.
-    يتم تقبيلي في كل مرة أودعك فيها على ما يبدو.
جلس نيوت على عشب قصير تحت شجرة تفاح.
-    اجلسي.
-    لا.
-    لن ألمسك.
-    لا أصدقك.
جلست تحت شجرة أخرى وأغلقت عينيها.
-    أتحلمين بهنري ستيوارت تشيسنز؟
-    ماذا؟
-    تحلمين بزوجك المستقبلي الرائع..
-    حسناً سأفعل.
أغلقت عينيها بشدة وقلبت صوراً لزوجها القادم..
تثاءب نيوت. كان النحل يطن بين الشجر وقد نامت كاثرين على الأغلب. عندما فتحت عينيها وجدت أنه قد نام بالفعل. بدأ يغط بصوت خفيض. تركته كاثرين ينام لساعة, وبينما كان نائماً شعرت بأنه تعشقه من كل قلبها.
اتجهت ظلال أشجار التفاح نحو الشرق. دق الجرس ثانية وغنى طائر في السماء. من مكان بعيد, جاء صوت محرك سيارة يحاول القيام ثم يفشل, يحاول ويفشل.
مشت كاثرين من تحت شجرتها وجثت على ركبتيها إلى جانب نيوت. قالت:
-    نيوت؟!
-    امم
-    تأخر الوقت.
-    أهلا يا كاثرين.
-    أهلا يا نيوت.
-    أنا أحبك.
-    أنا أعرف.
-    فات الوقت.
-    فات الوقت.
وقف وتمطى بينما قال:
-    كانت تمشية لطيفة للغاية.
-    أعتقد هذا أيضاً.
-    هل يفترق الرفاق هنا؟
-    أين ستذهب؟
-    سأسافر متطفلا وسأسلم نفسي.
-    حظ سعيد.
-    حظ سعيد لك أنتِ أيضاً.. هل تتزوجينني يا كاثرين؟
-    لا
ابتسم وحملق في يدها للحظة ثم مشى بعيداً وبسرعة. شاهدته كاثرين وهو يتضاءل على المدى البعيد للظلال والشجر. كانت تعلم أنه إن توقف ونظر نحوها, إذا ما نادى عليها, فلن يكون لديها خيار.
وقد توقف نيوت بالفعل, ونظر نحوها. ثم نادى عليها..
-    كاثرين..
جرت نحوه ولفت ذراعيها حوله ولم تستطع أن تتحدث.
تأليف: كورت فونيجت             ترجمة: عمرو محمود السيد

أبريل 18، 2010

الاختلافات المتشابهة بين البشر

Visual_Analogy_by_Lillithia هناك دائماً خبرات مسبقة تمكننا من فهم الآخرين. فالإنسان يفهم العالم من خلال عمل بعض التعميمات. على سبيل المثال يرى الطفل الصغير الذي لم يتجاوز سنته الأولى كل شيء له شعر على أنه حيوان واحد, ومن الممكن أن يخاف من الأرنب والقط والفأر ومن فراء أي حيوان فقط لأنه مر بتجربة غير سارة سببها كلب.

ثم حين يكبر قليلاً يبدأ في عمل تصنيفات فرعية, فيرى كل الكلاب على أنها كلاب ينبغي أن يخاف منها, ويقترب قليلاً من الأشياء التي تبدو مختلفة مثل القطط والأرانب.

"البنات.. البنات.. صراصير البلاعات, اضربوهم يا ولاد بالجزم والشرابات"..

هذه الأغنية التي يمكن عكس كلماتها فتقولها البنات تنكيلا بالأولاد تبين كيف يحدث التمييز بين الجنسين منذ نعومة الأظفار.. هذا أحد الأمثلة لتعلم التعميمات, لا لإطلاقها فقط. فمنذ مرحلة مبكرة يتعامل كل جنس مع الآخر على أنه جاء من الفضاء, وبالتالي فهو يحتاج إلى تصنيفه, إلى عمل بعض التعميمات التي تشمله, أو تشمل بعض من المنتمين له.

في البداية يميل كل طرف إلى الانطلاق من تعميم واحد وهو أن الجنس الآخر مختلف تماما عن الجنس الذي يتبعه, ثم يجد أن هذا التعميم عام جداً فيميل إلى عمل تعميمات فرعية, لكن حين يقابله موقف صادم فإنه يرتد إلى مرحلة سابقة, أو ما يطلق عليه فرويد النكوص.. يرتد إلى مرحلة الخوف من الفراء, فيرى القطط والأرانب والفئران على أنها كلاب وكلاب فقط.. حين يحدث هذا يتصل إي تي بالفضاء, فتأتي فتاة لتقول جملة مثل "الرجالة (المخلوقات الفضائية التي لا تتبع جنس البشر) خونة, أندال, خنيق, عيال, لا يعتمد عليهم" أو أي شيء من هذا القبيل. أو تجد رجلاً يقول إن النساء "ما بيفكروش, ما بيحسوش, خاينين".. إلى غير هذا.

هناك اختلافات لاشك كبيرة بين النساء والرجال, لكن هناك أرضية واحدة تجمعهم, صفة مهمة جدا يتناسونها, وهي أنهم بشر..

والبشر ميزهم الله بالاختلاف عن سائر خلقه, وباختلافات شاسعة بينهم في الفكر والدين والشكل والتكوين النفسي, فلا يمكن أن ترى شخصين يشبهان بعضهما تماماً, وبالتالي فإطلاق التعميمات على أهميته له أثر سلبي كبير, وهو أن ترى جميع الأفراد على أنهم فرد واحد وهنا تحدث المشكلة فلا تستطيع التعامل مع العالم, لأن الرسائل التي ستحاول توصيلها ستذهب لعناوين أخرى, ولأفراد ليس لهم علاقة بالتعميمات الموجودة في عقلك.

الإنسان كائن متعدد الأبعاد.. دع القراءة الآن وفكر, هل يعتبرك البعض نذلاً؟ هل يراك البعض قليل القيمة؟ هل ينظرالبعض إليك على أنك عبقري؟ كريم؟ صادق؟ هل يراك أحدهم كذاباً؟ أنت لست أياً من هؤلاء ولا تنطبق صفة عليك انطباقاً تاماً من وجهة النظر الكلية, لأن ما يراه البعض صواباً يراه البعض خطأ, ولأنك تتصرف في المواقف المتشابهة تصرفات مختلفة لأنك من داخلك تتغير, فأنت لست عاملاً ثابتاً, أنت أكثر متغيرات التجربة رفضاً للضبط وأولها في عدم القابلية للثبات... وهذا ما يميزك.. ما يميز البشر.

لا يمكن للشخص أحياناً أن يفهم نفسه, فكيف يمكنه أن يفهم الآخرين؟ وكيف يمكنه أن يخرج تعميمات يطبقها على كل البشر؟ أو على طائفة كبيرة منهم؟

يمكن ذلك من خلال توجيه الذهن إلى البحث عن الاختلافات بين الأشخاص لا عن التشابهات بينهم. لا تبحث عن التعميمات في البداية, ابحث عن الاختلافات, هل هي كثيرة؟ هل تجعلك تفرق بين الأشخاص؟ أم أن وجود الفراء في الأرانب والفئران والقطط يجعلهم كلاباً.. كلاباً فقط؟

أبريل 17، 2010

نزل كوابيس الفتى الطائر.. دلوقتي :)

بعد النجاح الساحق اللي حققته المجموعة, وبعد التوزيع الرهيب اللي وزعته, نقدم لكم كوايس الفتى الطائر في نسختها الإلكترونية… كوابيس الفتى الطائر نزلت في كل المكتبات وحققت أعلى المبيعات, كوابيس الفتى الطائر.. مجموعات عربي….. :)

book
كمان احنا عملنا مجموعة على فيس بوك للكوابيس يا ريت تبقوا تشتركوا فيها.. للاشتراك اضغط هنا

أبريل 15، 2010

لا أمشي على الأسود

Holy_by_Blinck

يرتجف..

يتشبث بملابسه الثقيلة بينما ينتفض جسده كله, وتردد شفتاه بصوت خافت "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد"..

أوقع التقرير, وأنظر له في حيرة. تنظر ريم نحوي بابتسامة خافتة..

لم أدر هل تبتسم تعاطفاً معي كطبيب نفسي مبتدئ يواجه حالة ليست بالهينة, أم أن ابتسامتها كانت سخرية:

- أربع حالات في أقل من شهر.

ترد في عدم اكتراث:

- البلد مليانة مجانين..

 

اسم المريض: مجهول.

جهة التحويل: المستشفى العام

تشخيص الطبيب المختص: شيزوفرينيا (أوضاع تخشبية, وهلاوس)

 

الشوارع هنا هادئة, والجميع لا يعرفون الجميع.. في الأحياء الشعبية يمكنك أن تصل بسهولة أكبر لكنك هنا لن تجد من يرشدك فالكل منشغلون بشئونهم..

أوقف أحدهم, يتأمل البطاقة, ينظر إلى الصورة, ثم يلوي شفتيه ويمشي دون أن ينبس بكلمة. أوقف آخر.. نفس الشيء.

مفتاح عليه بعض الصدأ ونصف بطاقة ورقية باهتة.. هذا كل ما وجدته في جيب س4, مما يعني أنه مصاب بالمرض منذ فترة طويلة, وأنه ربما مر بكل شوارع القاهرة قبل أن تصدمه تلك السيارة فينقل للمستشفى العام.

يقول صانع المفاتيح إن هذا مفتاح لقفل شقة, بينما لا تخبرني البطاقة الباهتة بأي شيء سوى كلمات غير واضحة في خانة العنوان أظنها "مصر الجديدة", واسمه الأخير.. "محب".

الأشياء التي سلمتها لنا المستشفى العام لا يوجد بها ما يدل على هويته, غير دفتر صغير أوراقه مقطعة مصفرة, لم يبق منه سوى الصفحات الفارغة وقطعة ورق وحيدة :

يا كنيسة الرب.. قلبي قربانة بيد فتاتي, تبعثرها كل يوم فأبيت ليلتي بلا قلب..

تضحك ريم ساخرة وتقول إنني مجنون. تخبرني بأن الطبيب النفسي مريض بالضرورة, وأن س4 سيلقى مصير من سبقوه وأنني سأحل محله في المستشفى. أنظر نحوها في ضيق, الرجل مثقف, ربما وصل إلى شيء لم نصل إليه, الثلاثة السابقون كانوا مثقفين أيضاً, هذا ما يبدو من كلامهم المفكك, وغير المفهوم, ربما لو وصلت إلى بيته عرفت السبب, ربما قابلت أسرته فأخبرونا, أو ربما وصلنا إلى ما يصيب هؤلاء بنفس الأعراض ونفس المرض.

تقف, تخبرني بإنني سأحتاج إلى تجريب المفتاح في جميع أقفال مصر الجديدة حتى أجد شقة س4 وأن الأمر لا يستحق كل هذا العناء.

أنظر نحوها في اندهاش... ثم أتساءل بلا صوت: ما الذي يستحق العناء إذاً؟

في طريق العودة أشعر بأنني متعب ومحبط, تتردد في عقلي أصوات البوابين وأصحاب المحال والعابرين في الطريق وضحكات السخرية التي تنطلق بين الحين والآخر من فم ريم.

أمشي على حافة الرصيف, أفكر في عدد الأقفال الموجودة في مصر الجديدة, لابد وأن عمري سينتهي قبل أن أنتهي من تجريبها, أطأ بقدمي الحجارة البيضاء وأتخطى السوداء, أتخلص من التفكير في الأقفال بعد الحجارة, ترى أي حجارة الرصيف أكثر, البيضاء أم السوداء؟ أتخلص من التفكير في الحجارة بلمس الأعمدة والسيارات, تقترب ريم من أذني وتصرخ

- مجنووووون

أتوقف عن المشي وعن العد وعن التفكير, أشعر بالغيظ يخرج دماً ساخناً من طبلة أذني, أخرج إصبعي الأوسط لها في منتصف الطريق.

تضحك

- كوبروبراكسيا.

أنظر نحوها في غيظ.. أمسح يدي من تراب السيارات والأعمدة الذي علق بهما, فتصرخ:

- وسواس قهري.

أسبها.. وأسب الطبيعة التي تؤمن بها..

تصيح:

- كوبرولاليا

تضحك..

أبكي.

****

"انت الباشا.. انت الباشا.. انت الباشا"

لم يحاول س4 أن ينتحر كما فعل الباقون, يكتفي فقط بالسجود أو الجلوس أمام عمود الإنارة في حديقة المستشفى وترديد ترنيمته البسيطة. أو بالوقوف بشكل متخشب على هيئة صليب في العنبر. يحرك رأسه بين الحين والحين كالدراويش, ويخلط بين القرآن وكلمات غريبة لا أفهمها. ينادي دائما باسم واحد, ربما تكون فتاته التي توزع قلبه قرباناً لربها..

على الرغم من كل شيء, أشعر أحيانا بالحقد عليه فهلاوسه البصرية تجعله يرى الألوان كلها لونين, الألوان كلها بيضاء لديه ما عدا الأسود, لابد أن أسوده قليل, لابد أنه أقرب إلى الحقيقة. أما أنا فحائر بين ألوان كثيرة.

تعبر ريم الشارع وقد تغير وجهها..

- صباح الخير يا دكتورة..

ترد في ضيق:

- صباح الخير.

أضحك..

- اكتئاب صباحي

- الاكتئاب لأمثالك

يمكن للمرأة أن ترسم ألف وجه خشبي لأسباب غريبة لا يدركها الرجل, لم تكن مشاعر ريم هي شاغلي الأكبر, فأنا كنت منشغل بعد حجارة الرصيف البيضاء, ثم ملامسة السيارات والأعمدة وعد درجات السلم..

- 189

هل كان يسكن هنا؟ فوق السطوح؟

ربما يفسر هذا جملة "انت الباشا" التي يرددها طول النهار.

تطلب مني المفتاح.. ماذا لو كان أحد بالداخل؟ وما الذي يجعلها متأكدة جداً من أنه كان يسكن هنا؟

- مافيش غيره بالاسم الأخير ده في السجلات.. أشرف توفيق محب.. هنا مخ (تشير إلى رأسها).

أدق على الباب في ريبة, ثم أدير المفتاح, أندهش حين ينفتح الباب لأجد شقة مكونة من غرفتين, شقة عادية جداً, ليس بها أي شيء غريب, لا رسومات على الحوائط, ولا أي شيء من الذي أراه في أفلام الرعب.

ندخل في تردد, لا يوجد الكثير من الأثاث, فقط مكتب وسرير والكثير من الكتب, المئات منها مكومة بجانب مكتبة صغيرة لم تسع سوى القليل. أوراق مقطعة لقطع صغيرة وملقاة في كل مكان, تنحني ريم لتلتقط بعض الورق, تنظر نحوي وهي تحس بالظفر, فأدرك أنها أوراق من دفتره.

أغسل يدي كثيراً رغم أن ريم هي من نظفت المكتب, تجلس إلى جانبي, نجمّع قطع الورق.. لا نصل إلى أي شيء, الكثير من القطع الممزقة أمامنا والاحتمالات لا متناهية, يمر الوقت بنا, ربما ساعات قبل أن تقوم من مكانها, أقوم معها.. تقلب الكتب, تتعجب من أنه كان يقرأ في كل شيء, وأخبرها بأن تخميني كان صحيحاً حين قلت إنه مثقف.

يخرج فأر من بين الكتب فتصاب ريم بالرعب, تنتفض ثم تختبئ في صدري.. أحتضنها بيدي, ننسى ما كنا نبحث عنه, نتحول في لحظة واحدة إلى رجل وامرأة لا يهمهما البحث عن الحقيقة كثيراً, تحتضنني بيديها فأقبل رأسها.. نقف طويلاً هكذا, أستمتع أنا بجسدها اللين..

اقتربي أكثر يا ريم, اقتربي فلن تعاقبك الطبيعة على ما أودعته فيك, اقتربي لربما نصل إلى ما نريد, التصقي بي أكثر كي أريك الانفجار... الانفجار العظيم.

تدفعني بيدها فجأة, ثم تخرج هاربة دون أن تتكلم..

- مجنونة

أضحك..

أقضي الليل بين الأوراق الممزقة, والفئران التي تخرج بين الحين والآخر متعجبة من تواجدي, أتمكن أخيراً من تجميع صفحة واحدة..

بط بلدي..

أوز..

النساء جميعهن طيور منزلية إذا ما قورن بسمية, هذا ما أحسه حين أراها. ربما لم أشعر بالارتياح قليلاً في بادئ الأمر لأنها لم تكن تشبه تلك الفتاة التي رسمتها في ذهني, لكنني سرعان ما رسمت بعيني إحدااثيات خضراء حول خديها المثلثتين وغمازتها التي تحتل منتصف ذقنها.. سرعان ما أصبحت سمية مفهومي عن النساء وعن الجمال. وسرعان ما أصبحت ذنبي الذي أخجل أمام الله منه.

لقاؤنا حرام يا سمية, حديثنا حرام, وأنت لا تريدين الزواج, تقولين إن الحب لا يعني بالضرورة الزواج, وأنا أريد أن أبقى معك. يقول أبو ذر إن الحب ينبغي أن يكون لله ورسوله, فهل أشركت أنا بحبك؟ هل غضب الله مني لأنني أعشقك؟

"لا ريب أن هذا العشق من أعظم الشرك ... فإن العبودية هي كمال الحب والخضوع" وأنا "ذكرتك والرماح نواهل مني"..

أو ربما أنا لا أنساك كي أذكرك يا سمية, ترى من أحب أكثر, أنا أم عنترة؟

 

توقظني ريم..

ألحظ تغيرات كثيرة عليها, فقد عقصت شعرها ولبست رداء واسعاً لم أرها به من قبل. كانت عيونها تلمع كأنها تمنع دموعاً من الانهمار رغما عنها..

أخبرها بما وصلت له, تقرأ ثم تنهض لتجمع ورقة أخرى.. ينقضي النهار قبل أن يتمكن أي منا من تجميع أي شيء, نخرج إلى السطوح, نقف عند السور نراقب السيارات المارقة. الدموع مازالت تقف عند حافة رمشها السفلي, تنظر نحوي:

- أنا آسفة..امبارح كنت خايفة من..

أضحك

- ده مش خوف دي فوبيا..

تستنكر:

- ده أنا؟

أصيح:

- بارانويا..

- من المؤكد انك فاكرني رخيصة دلوقتي..

أهتف:

- ضلالات

- اسكت

أضحك..

تبكي.

أحضنها على الفور, تدخل روحها داخلي, ونذوب كجسد لإنسان واحد بلا نوع.. تخبرني بأنها خائفة, وأنهم هددوها صباح الأمس, وإنها لن تترك البلد فقط لأنها مختلفة, تقول إنها تنتمي إلى هنا, وإنها لن تغادر. أحتضنها بصمت, ننام على البلاط دون أن نكترث لأي شيء, تبدو النجوم كثيرة جدا في الأفق, أشير إلى السماء, أتساءل دون أن أنطق هل يغضب الله مني لأنني بجوارك يا ريم؟ أتمنى لو كنت تؤمنين به فتجيبينني. نحملق في الأفق في صمت, لابد وأن أكثر هذه النجوم انفجرت وبقي ضوءها لطعا مضيئة في السماء, أسألها عن سبب كل هذه الحيرة؟ فتجيب بأنها أيضاً لديها الكثير من الأسئلة وليس لديها إجابات.. نتكلم كثيراً حتى تنام..في الصباح أستيقظ لأجدها وقد ذهبت.

أعود إلى المكتب, أجمع ما تبقى من ورق:

أيتها العذراء المجيدة، لقد اختارتك المشورة الأزلية لتكوني أمّ الكلمة الأزلي المتجسد. أنتِ حافظة النِعم الإلهية والمحامية عن الخطأة. ألتجئ إليك أنا عبدك غير المستحق ، تكرّمي وكوني هاديتي ومشورتي في وادي الدموع هذا. يا عذراء "هذه الآن عظم من عظامى ولحم من لحمى، هذه تدعى امرأة لأنها من إمرء أخذت" لأنها أخذت من ضلع مني, يا عذراء أحبها, والرب رب المحبة, فهل أرتكب بمحبتي خطيئة لأنها مسلمة؟ يا قلب مريم ، مصدر الحب الحقيقي ، املأ قلبي الأناني بالمحبة الإلهية التي بدونها لن أعرف السلام. صلي من أجلي يا عذراء كي أستطيع أن أعيش كل لحظة للحب , للمسيح, وأبعديني عن الخطيئة, أبعديني عن سمية.

ألتقط الهاتف, يأتيني صوت ريم, أهرول على السلم, تدور برأسي ترنيمات س4, ودعواته, وأسئلة كثيرة عن سمية, تصم أذني صرخات ريم وهي تخبرني بأنهم شوهوا وجهها, أجري في الشارع, أرفع رأسي إلى السماء, يا الله, أيها الآب الرب الروح القدس, تباركت يا رب في السماء وفي الأرض, لماذا تتركنا في هذه الحيرة, أتخلص من أفكاري بعد الحجارة البيضاء, أعبر الطريق, أنظر للسماء, أردد "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد".. صوت سيارة.. ونور ساطع يأتي من بعيد..