مارس 31، 2010

مارس 30، 2010

أهي ابتدت تندع :)

Rain يمكن الكتابة عن حياتي الشخصية بالعامية في المدونة واحدة من الأشياء اللي عمرها ما خطرت على بالي, لكن بما إني ساكن لوحدي, ومش معايا حد أقوله إني فرحان, وبما إن الفرد لازم يعبر عن مشاعيره, فأنا قلت أكتب النهاردة عن بعض الحاجات اللي مش عارف لها سبب, لكن عارف كويس قوي إنها فرحتني.

بعد التدوينة قبل الأخيرة (بعنوان "أنا أتغير, من فضلكم ساعدوني") حصلت حاجات غريبة قوي في حياتي, مش عارف إن كانت ذات صلة بالتغييرات اللي أنا عملتها بالفعل ولا لأ. أنا أخدت بعض القرارات بعد ما كتبت التدوينة دي وقلت لنفسي لازم أنفذها. منها إني لازم أقلع عن أي سلوك سيء قلت عليه في التدوينة, ومنها إني لقيت نفسي مركز على النتيجة مش على العملية, فقررت إني أركز أكتر على اللي باعمله دلوقتي مش اللي أنا عاوز أعمله, لأني بطبيعتي شخص غير واقعي وحالم بشكل يغيظ. المهم إني وأنا في القطر فتحت المصحف وكان ليا فترة كبيرة ما قريتش قرآن. من يوم ما بابا اتوفى وأنا مش بأقرا قرآن نهائي غير في الصلاة, أنا حلمت بواحد قبلها بليلة بيقولي المصحف اللي انت سبته يوم الدفن لسة موجود عندي أنا شايلهولك, ولما صحيت ركبت القطر وخدت معايا مصحفي, ومش عارف ليه اخترت سورة لقمان, وقررت أعمل بنصايح لقمان لابنه.

وأنا في القطر قلت لنفسي إني لازم أقرا القرآن بشكل تطبيقي ناقد, وبدأت بالفعل وكان ورايا شخص بيتكلم في التليفون طول الطريق وكان نفسي أقوم أضربه. بصيت من شباك القطر لقيت جبل وسحاب وحسيت إني مش عايش لأني مش بادي نفسي فرصة تتأمل برة مني, المهم إني قبل ما أوصل سوهاج بساعة تقريباً بصيت على الشخص اللي بيتكلم في التليفون واكتشفت إني أعرفه, هو مش صديق ولا زميل لكني أعرفه وهو يعرفني. سلم عليا وقعدت جنبه وقعد يحكي ويقول حاجات خارج سياق حديثنا. لقيته بيقولي من غير مناسبة إن الرزق منه ما هو مقدر وما هو مكتوب وإني أريح نفسي من الجري, وبعدين طلع لي مقال لإبراهيم عيسى مالهوش علاقة بالرزق خالص, المقال كان عن الحكم على الناس من خلال بعض أفعالهم, أو بعض صفات فيهم, سأل إبراهيم عيسى سؤال بريء, "لو جات لك أم عندها نص عيالها صم والنص عمي وعندها زهري وحامل تقولها تجهض الجنين؟” أنا قلت طبعا, راح قال “الجنين ده كان بيتهوفن". قال كمان إن روزفيلت كان سكير وبتاع نسوان وكلام كتير قوي بس كان رئيس جيد ولو بصيت على ماضيه عمرك ما كنت انتخبته رئيس. فأنا قلت لنفسي إن كلام إبراهيم لا يعتد بيه, لأن لو العملية كده يبقى مش فيه معايير للحكم على الأشخاص ولا لاتخاذ قرارات, بس قلت أنا مش هاحكم على نفسي غير باللي باعمله دلوقتي.

المهم بقى فيه حاجات كتير قوي حصلت بعد أما نزلت من القطر, جاني إحساس غريب بإني بقيت محظوظ, وإن كل حاجة سهلة, ومن ساعتها وأنا بتحصل في حياتي حاجات كتير مفرحة.

يعني أنا كنت مفلس خالص, لقيتهم في نادي الأدب صرفولي خمسة وعشرين جنيه بحالهم, وفلوس النادي دي بتفرحني قوي, لأنها جات من حاجة ممتعة, وباحس إني لازم أصرفها ف حاجة ممتعة, وده هو اللي حصل (حتى اسألوا أحمد الشمسي ههههههههه), المهم بقى إن فيه حاجات كتير قوي حصلت فرحتني منها إن هدير أختي طلعت الأولى, وأنا بقيت حاسس نفسي أيوها مش أخوها ففرحت جدا, ومنها إن فيه واحد اتصل بيا وقال لي انت ليك عندي وظيفة (مع إني مش عاوز أشتغل, لكن أنا باحب أروح المقابلات وباحب الناس تسأل عليا), ومنها إني كنت ناوي أجيب ساعة فلقيت شخص عزيز عليا قوي بيديني نفس الساعة اللي فكرت أشتريها. ربنا كمان رزقني بمبلغ كبير جدا ومن حيث لا أحتسب, بس المبلغ الكبير ده ما كانش له أثر فرحة الخمسة وعشرين جنيه, أنا اكتشفت إن الفلوس بتفرحنا على حسب الطريقة اللي جات بيها والحاجات اللي هانصرفها فيها, يعني لما يجيلك مبلغ كبير وتحوشه مش هاتبقى سعيد, وإن كنت هاتحس بأمان أكبر.

بس أنا فرحان قوي بالساعة وبنجاح هدير حبيبتي, وعندي إحساس بالتفاؤل كبير. مش عاوز أربط ده بالتغييرات اللي عملتها عشان ما يبانش من الكلام إني باقول على نفسي راجل بركة أو ولي أو درويش, لكن فعلا فيه حاجات كتير قوي اتيسرت وحاجات كتير جدا ربنا رزقني بيها في الكام يوم اللي فاتوا. أنا ليه باقول الكلام ده؟ عشان أقولكم على السر. أو اللي يمكن يكون سر. بيتهيألي إن فرحتي سرها حاجة واحدة. إني بادعي ربنا دايما وباقول يا رب فرحتي عليك.. انتم كمان ادعوا بالدعوة دي. أي حاجة مالكمش فيها يد, ولا تقدروا تعملوا فيها حاجة ما تفكروش فيها, سيبوها على الله, بس تكونوا عملتوا اللي عليكم الأول وبعدها ادعوا وقولوا يا رب فرحتنا عليك.. قولوها من قلبكم وسيبكم من الهم.. قولوها دلوقتي.. مش سامع يعني :)

:)

مارس 29، 2010

بالأمس حلمت بك

7506796 ما سأكتبه الآن لن يكون نقداً لمجموعة بهاء طاهر "بالأمس حلمت بك" وإنما هو انطباع خالص لا يعتد به ولا يعتمد عليه. المجموعة قديمة ويجب أن ترد إلى الفترة التي كتبت فيها وأن يتم الحكم عليها بناء على الوقت الذي ظهرت فيه, لكنها بكل تأكيد ممتعة ومناسبة لوقتنا الحالي فنحن هنا لا نتحدث عن أي كاتب وإنما عن بهاء طاهر.

أهتم بتجربة بهاء على وجه التحديد لأنه يعطيني أملاً. الرجل ظل يكتب حتى وصل إلى سن الستين قبل أن يفوز بالجوائز الكبرى وقبل أن يقتصر نشاطه على الكتابة الروائية والقصصية والتراجم. هو الآن في الخامسة والسبعين ومازال ينبض بعطاء متجدد.

نعود إلى المجموعة والحديث الانطباعي.. أغلب قصص المجموعة ملفتة ومشوقة لكنها تنتهي بنهايات محبطة بعض الشيء, نهايات مفتوحة "على البحري" تدعوك للإحباط أكثر ما تدعوك للتفكير. قصة واحدة خرجت من هذا النسق هي قصة "فنجان قهوة" حيث وفاة الأب الذي يكتشف أبناؤه أنه كان يسرق كي يجعلهم يعيشون في رغد, وانكشاف العم الذي يسرق هو الآخر ويشرب البيرة, وحيث يكتشف القارئ أن لكل فرد في هذه الأسرة المتقارب أفرادها حياته الخاصة والسرية, فليلى تحب أحمد وسمير يحب منيرة وتنتهي القصة بجملة تجعل القارئ يعتقد أن الأم والعم كانت لهما علاقة سرية غير شرعية, لكن الجملة لن تعطيك هذا المعنى بسهولة ولن تسلم نفسها طوايعة, فهي على لسان طفل, غير أنها مكتوبة بحرفية عالية.

أفضل قصة في المجموعة من حيث السرد (من وجهة نظري) هي بالأمس حلمت بك, حيث الغريب الذي يحتار بين عالمين شرقي وغربي, فلا يجد مكانا له في الأول ولا تفهما وراحة واستقراراً في الثاني. تحيره فتاة تراه كل يوم في محطة الأتوبيس وتعتقد أنه يفعل أمراً ما يجعلها تحلم به كل يوم. تنتحر الفتاة في النهاية كي تتخلص منه, ثم تنتقل الكوابيس بعدها إليه, دون تصريح بأنه يرى الفتاة في كوابيسه. هما عالمان يدفعهما جهلهما ببعضهما الآخر إلى الموت.

المجموعة جيدة, ويراها البعض خارقة وفوق العادة, حاول أن تقرأها.

مارس 27، 2010

58

Behind_Blue_Eyes___project_I_by_Polinesia الهدف: آنسة في الثانية والعشرين من عمرها شقراء, زرقاء العينين, جميلة في المجمل, والأهم من هذا كله لديها غمازتان.

المهمة: علاقة عاطفية صافية مدتها تسع ساعات.

مستوى الصعوبة: 5

احتمالية النجاح: أربعون بالمائة.

****

أفضل طريقة للصيد أن تصبح أنت الفريسة..

هي فاتنة جدا وبالطبع تعلم أنها فاتنة, غير أنها تبدو مثقفة ومختلفة. الجري خلفها سيضيع الوقت بلا طائل كبير, لذا فقد دخلتُ إلى الكرسي المحجوز لي بين كرسيها والنافذة, وعلقت معطفي في هدوء وجلست. لم ألق عليها تحية الصباح, ولم أنظر نحوها. لابد وأنها اعتادت أن يعاملها الرجال باهتمام زائد, وأن تستمع إلى عبارات الإطراء من المؤدبين وإلى غزل صريح من غيرهم. أكثر ما يغيظ سيدة جميلة هو ألا تلتفت إلى جمالها, وهذا أكثر ما يجذبها إليك أيضاً.

على الفور أبدأ في تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة, المرحلة الأولى كانت عند شباك التذاكر حيث حجز لها صابر الموظف في شباك الحجز مقعد 58 وحجز لي المقعد المجاور بينما قام دون أن تلحظ بتصويرها وهو ينظر في شاشة هاتفه. , المقعد 57.. نفس المقعد الذي كنت أجلس عليه كل شهر خلال السنوات الثلاث الماضية, صابر يزودني بتذكرة مثل هذه مرة كل شهر في رحلاتي المتتالية بين القاهرة وأسوان مقابل خمسين جنيها فقط.

المرحلة الثانية في حطتي ستكون التجاهل الكبير, والمزيد من الصمت.

مرت ثلاث ساعات بطيئة متثاقلة, لم أفعل خلالها شيئا سوى النظر إلى السماء والسحب والجبل, سألت نفسي عما كان سيحدث لو أن الأرض أيضاً بها سحاب؟ هل كنت سأتمنى أن أصل إلى الجبال التي لابد ستتدلى من السماء؟ هل كنت سأضحك على عائشة وأعطيها قطعة سحابية بيضاء وأقول إن هذا غزل البنات؟ وهل طعم السحاب أحلى أم غزل البنات؟ وهل ستموت الطيور إذا ما كانت السماء جبلية؟ وهل سيختفي المطر؟

تبزغ في عقلي الكثير من الخيالات والأسئلة. هذا هو ما يفعله بك الصمت, وأنا صامت منذ ثلاث سنوات تقريباً, فبعدما فقدت عائشة فقدت الكثير من الأفعال, مثل الفعل يبكي, أو يضحك, أو يتحدث. لم يعد من الممكن بالنسبة لي أن أضع اسمي قبل أي من هذه الأفعال.

"حالة نفسية" هكذا يقول طبيبي. يردد لي دائما تلك العبارة المكونة من كلمتين بسيطتين والتي يمكن أن تنقذ أي طبيب بشري من مريض لحوح مثلي, لكن عبارته لم تسعفه حين سألته عن سبب عدم قدرتي على تذكر الأسماء.

في البداية نسيت اسماء زملائي في العمل, ثم اسم الخادمة التي تأتي مرة كل أسبوعين كي تنظف الخرابة التي أعيش بها, ثم اسم بواب العمارة, ثم اسم الطبيب نفسه. أصبح علي أن أكتب أسماء هؤلاء جميعا على بطاقات أرسم عليها رموزاً لمهنهم, ثم تساقطت أسماء أفراد عائلتي الذين لم أرهم منذ زمن بعيد وبقي في عقلي اسمان فقط, اسمان يتراقصان في مساحة عريضة من الذاكرة, اسمان فقط لم يخرجا عن نطاق تفكيري أبداً..اسمي واسمها.

مع انتهاء الساعات الثلاث أبدأ في الجزء الثاني من اللعبة, فرغم تساقط الكثير من الأفعال في السنوات الماضية تضخم فعل واحد في عقلي وسيطر على فصيه الأيسر والأيمن.... إنه الفعل: يلهو.

أنا ألهو منذ ثلاثة أعوام, وأكرر نفس اللعبة بمستويات مختلفة, واليوم احتمالية التنفيذ منخفضة وهنا تكمن اللذة. أفتح كراسة الرسم التي معي وأبدأ في تدقيق حواف صورة جارتي في القطار والتي رسمتها منذ ثلاثة أيام, لا تستطيع هي أن تمنع عينيها من النظر إلى ما أفعله, وحين ترى الصورة لا تمنع نفسها من السؤال.

أركز عيني في كراسة الرسم ثم أحولهما وهما نصف مغلقتين نحوها وحين أفتحهما ببطء أمثل الاندهاش والمفاجأة. أفتح دفتري وأجعلها تقرأ صفحة كتبت في منتصفها:

لا أتحدث, لكنني أستمع بشكل جيد.

غاية ما ترجوه الأنثى رجل يستمع لها مع أنها لن تتحدث كثيراً, يمكن للنساء أن يتحدثن كثيرا مع النساء لكنهن مع الرجال يلتزمن الصمت, كأن الحديث مهنة الذكور فقط, لكنها بالتأكيد ليست مهنتي.. أقلب في دفتري:

أهلاً

اسمي عمر

هل هذا يكفي؟

عليك أن تتعامل بجفاء أحياناً كي تشعرها أنها لا شيء, وتثبت أنك لا تلتفت لجمالها, هذا يشعرها بأنها صفر صغير يحتاج إلى التواجد بجانب واحد مكتمل كي يصبح له معنى. صفر صغيريحتاج إلى واحد مكتمل مثلي وبهذا يتحقق الهدف.

لا يدهشني تقبلها لفظاظتي. تبتسم ثم تشير بإصبعها إلى الرسمة, فأقلب صفحات كراسة الرسم لتجد أمامها رسومات كثيرة لها وفي أماكن ووضعيات مختلفة, تقلب أوراق الكراسة في اندهاش شديد, أمسك القلم وأكتب..

أنا لا أعرفك لكنني حلمت بك.

مفاجأة كبيرة لها أن ترى رجلا غريبا يرسمها وباستمرار, مفاجأة رومانسية وقدرية للغاية. ستشعر هي الآن أن الله خلقكما كي تلتقيا, وستحس بقدسية اللحظات التي تقضيها إلى جانبك. الآن ينبغي عليك أن تصمت مرة أخرى, الصمت يضيف إلى غموضك وحكمتك ويقلل من أخطائك, والأهم من هذا يجعلها تتكلم.

تتركها تتحدث وتقترب منها شيئاً فشيئاً حتى تتلامس كتفيكما, أنت الآن في وضع حميمي جدا وصلت له في وقت قياسي, تحكي لك عن هواياتها, عن حبها للرسم, عن معرضها القادم في القاهرة, عن الحياة والقدر, عن الصدف والحدس والتخاطر, ثم تحكي عن حياتها الماضية بينما تكتفي أنت بفتح دفترك:

اممم

طبعاً

صحيح

نفس الشيء حدث معي.

تسألك باهتمام: هل أحببت؟

من أكثر ما يجذب سيدة لك هو أن تخبرها بأن لك قلبا حقيقيا أحب حباً صادقاً, ستشعر بالتعاطف مع حبيبتك, وبشعور جيد نحوك, ثم ستتمنى لو تلعب دور حبيبتك السابقة, وفي مرحلة متقدمة ستلقي بها من النافذة لتستقر هي, وهي فقط أمام عينيك, لكنك لا تستطيع أن تحكي.. ماذا ستقول؟ هل ستخبرها بأنك مازالت تحب عائشة؟ هل ستبكي؟ السحب وحدها تبكي لأنها خفيفة أما أنت فمثقل بالحجارة يا عزيزي.

يبدو أن الصمت كان إجابة كافية, تستطرد هي في الحديث فألحظ شفتيها, قطعتان من لحم ملتهب, أرفع عيني إلى عينيها فتعجبني صورتي المنعكسة عليهما, ويعجبني ذوباني في اللون الأزرق. أستمع إلى حكاية حبها السابقة, أتساءل هل توجد من تخلص وتفي؟ وهل تكون بهذا الجمال؟ يأخذنا الوقت نتحدث كأننا نعرف أحدنا الآخر منذ أعوام كثيرة, أكتب لها فتقرأ وتكتب هي الأخرى, هي بذلك تحاول الاقتراب, وبذا يكون الهدف قد تحقق. الآن ينبغي علي أن أمضي لأن تصديق اللعبة أمر خطير وقاتل. أقوم من فوري مع وصول القطار إلى المحطة, ألملم أشيائي وأخرج, ألقي نظرة أخيرة على عينيها الصادقتين, وأشعر للحظة أنني أنتمي إليها, لكنني أمسك حقيبتي وأجري مسرعا من القطار, تجري خلفي, أهرب منها ثم أخ, أرتطم بحقيبة على الرصيف وأقع, تنحني نحوي, تنظر نظرة تساؤل دون أن تتكلم, بينما أركز أنا في عينيها, أخرج دفتري على الفور بينما تسيل الدموع من عيني..

أحتاج إلى المساعدة

ثم أقول بصوت متعب

تزوجيني..

الإهداء, لجوناثان سافران فوير

مارس 23، 2010

أنا أتغير, من فضلكم ساعدوني..

help_me_by_LimpidD هذا ليس نداء إلى ذوي القلوب الرحيمة من قراء المدونة, لكنه نداء موجه للإنسان. نداء إلى علياء وديدي وزوجة جدا وإنسانة شوية وشوية, إلى منى سلامة وواندا وإنجي وإيزولد وتسنيم وأحمد الشمسي وتشي ومايكل وعادل ومحمد بحر وواحدة من الناس, إلى شريف ماهر وجارة القمر ومنمنمات نادرة وفاطمة وأحمد حشمت ومحمد عارف والأستاذ جمال عمارة, إلى هبة جمال عمارة وعطش الصبار والأستاذ محمد فتحي وأحمد شكل. إلى مصطفى السيد سمير ومحمد سلامة ومصطفى عادل, إلى آية وسبرانزا وتيما الأحمد.. إلى جميع زوار المدونة وقرائها الذين قرأوا لي يوما وأحسوا أن ما رأوه يستحق القراءة, إلى كل من أمتعهم مقال لي, أو حدوتة صغيرة أو قصة, إلى كل العابرين بلا هدف عبر محركات البحث وصادفوا الدخول إلى مدونتي. إليكم جميعاً...أنا في ورطة كبيرة, وأريدكم أن تساعدوني.

أنا اليوم أكشف أمامكم عورتي, أكشف جانباً مني لم أكن أستطيع الاعتراف به أمام نفسي لكنني سأفعل كأول خطوة في العلاج, أنا اليوم أمامكم أطلب منكم أن تقيلوا عثرتي.

المشكلة بدأت منذ أكثر من عشر سنوات, تجارب حقيقية محبطة, وفشل متكرر. لم يكن فشلاً في عيني لكنه كان فشلاً من وجهة نظر الآخرين. أولهم كان أبي الذي حاولت أن أثبت له مرارا أنني مختلف وأنني بحاجة إلى حياة مختلفة وغير عادية, وأن ما يراه الآخرون نجاحا لا يناسبني, فأنا كنت أبحث عن ذاتي, وهو كان يريد أن أكون ذاتاً أخرى يرسمها هو. أكثر ما كان يعذبني كل يوم هو نظرة الإحباط في عين أبي الذي مات دون أن أخبره بأنني أحبه, ودون أن أثبت له أنني لست فاشلا كما كان يظن. أكثر ما يؤلمني الآن أنه لن يرى ثمرة تربيته, وأنني إن نجحت في شيء فلن يقتسم هو معي ابتسامتي, أي عدل هذا الذي يجعله يقتسم معي أيامي الحزينة فقط!!!!!!!!!!!!!

عانيت طوال سنوات من نظرة الآخرين لي, من التصنيف المستمر الذي يظلمني وبشكل دائم, هذه المعاناة تجعلني أبذل مجهودا خرافيا ضائعاً, وفي كل الاتجاهات, فأنا أريد أن أثبت للجميع أنني أفضل منهم وأحسن منهم حتى في تخصصاتهم, أريد دائماً أن أقول إنني أعرف كل شيء, أريد دائماً أن أقول إنني مختلف وأن التصنيفات العادية تظلمني.

عشر سنوات تعرضت فيها لمضايقات يومية من نفوس مريضة في العمل, ومن تمييز طبقي في المجتمع, ومن نظرات الإحباط المصوبة إلي في عيون أبي وأمي وإخوتي.

إبراهيم (ص) وحده هو من دخل إلى النار فكانت عليه بردا وسلاما, وأنا لست نبيا ولا قديساً, لا تقل لي أنك ستلقى في النار كل يوم وستنجو منها, على الأقل سيتشوه جلدك الخارجي إن لم تحترق كلية, وأنا احترقت بما يكفي.

النفوس تمرض والشخصيات تصيبها شروخ تفتتها, وأنا في طريقي لأن أصبح شخصية مشوهة, فأنا أنقل كلاماً مبالغاً فيه عن أشخاص, وأشوه البعض, وأتحدث بكلام خارج عن السياق, وأحاول السيطرة على الحديث في الندوات, أحاول الظهور بشكل لا يليق, وأجلس دائما وأنا مستعد للاشتباك, أنتقد الآخرين فأذكر عيوبهم الموجودة في أيضاً, وأقول تراهات لا داعي منها. المشكلة عندي تفاقمت وأصبحت واضحة وانعكست على سلوكي, وجعلتني أخسر كل شيء.

أنا اليوم أقف وقفة حاسمة مع نفسي, فإما أن أتغير أو أنتهي, أنا سأتغير الآن, وسأحاول رأب صدعي. أنا اليوم أضع يدي على المشكلة والمشكلة هي الحل.

أطلت عليكم, لابد أنكم تريدون الآن أن تعرفوا كيف ستساعدوني, لكنني قبل أن أذكر هذا ينبغي أن أتحدث عن شيء لا أعرفه, أنا قرأته يوما حين كنت أترجم كتاباً, ودرسته في سنوات الدراسة بالكلية, وربما قرأت عنه على الإنترنت عندما أثار فضولي. حسناً, سأشير باختصار شديد إلى هرم ماسلو للحاجات الذي يبدأ بالحاجات الأساسية وينتهي بتحقيق الذات. قد لا تنقصني الحاجات الأولية لكنني حتى أصل إلى قمة الهرم ينبغي أن أشبع حاجات وسطى منها حاجتي الدائمة إلى القبول والتقدير من جانب الآخرين. في الأيام المقبلة بإذن الله سوف أتحدث بشكل أكبر عن الحاجات حتى تكتشفوا معي ما قد يكون شروخا في شخصياتكم.

أنا بحاجة للقبول والتقدير من الآخرين. يمكنني أن أفعل هذا بشكل ذاتي, وأنا أفعله, فأنا بدأت أكافئ نفسي كل يوم وأستعرض ما قمت به وأبتهج لأنني كنت مجتهدا بما يكفي, أنا أعددت لنفسي برنامجا علاجيا لسلوكي, وأقوم برصده مع كل قول أو فعل.. لكنني بحاجة أيضاً إلى التقدير من الآخرين. وهذا هو مطلبي منكم. هذا هو كل ما أحتاجه كي أعيش حياة طبيعية هادئة. أنتم تقرأون لي, البعض يقرأ دون أن يترك تعليقاً, والبعض يقرأ المدونة بشكل منتظم ويمر عليها دون أن يذكر اسمه أو هويته ودون أن يقول أي كلمة تشي بالاستحسان من عدمه. أنا بحاجة لتواجدكم معي, وإلى أن تقولوا رأيكم. أرجو ألا تفهموا كلامي هذا على أنني بحاجة إلى من يضرب على الطبل كل يوم, أنا فقط أطلب أن تراسلوني أو تتركوا لي تعليقا كلما أعجبتكم تدوينة, فأنا بحاجة لهذا.

ربما لن تدركوا حاجتي قبل أن أشرح لكم. في الشهور الماضية (11 و12 و1) كنت أدرس الماجستير في التربية في جامعة الإسكندرية, وعانيت الأمرين لأنني لم أكن أعرف حتى كيف أدخل إلى مكتبة الإسكندرية, ولم أكن أعرف أي شيء عن البلد التي انتقلت إليها, ولم أكن أعرف أي شيء عن نظام الكلية, وكان هناك من الطلاب من يفوقني في المستوى العلمي بكثير, كان كل ما حولي علامات استفهام, وكنت محطما جدا بعد وفاة أبي لكنني استطعت أن ألقي كل شيء خلف ظهري. تتبعت زميلة لي وهي تدخل إلى المكتبة فعرفت مدخلها وأسلوب التعامل بها (كما تعرفون أنا لا أحب أن أقول إنني لا أعرف) وواجهت نظرة بعض أعضاء هيئة التدريس الأولية لي بأنني غريب جاء من أقاصي الصعيد ولا يفهم أي شيء في البطيخ, وذاكرت بجد واجتهدت ويوم النتيجة أحرزت أفضل نتائج بين دفعتي على الإطلاق, الفصل الأول ليس به ترتيب, لكن البعض يقول إنني الأول على دفعتي, من الممكن للجميع أن يفرحوا بهذا الانتصار الجيد في هذه الظروف الصعبة, لكنني لم أفرح لأن زميلة لي حصلت على تقدير أعلى مني في مادة واحدة. أنا لا أحقد عليها, فأنا صريح مع نفسي أكثر من أي شيء, أنا فقط وضعت هدفاً أن أكون أفضل من الجميع وبتفوقها لم أصبح كذلك. هكذا تأكلني نار لست أنا من أشعلها, وأنا أريد أن أطفئها كي أعود روحا صافية.

هكذا تمر حياتي دون أن أعيشها ودون أن أفرح بها..

إليكم جميعاً, لا تمروا صامتين, قولوا أن ما قرأتموه كان سيئاً, أو كان جيداً, لكن لا تظلوا صامتين, ولا تعبروا هكذا. أنا في ورطة حقيقية مع نفسي, من فضلكم أقيلوا عثرتي..

غيبوبة

Broken_Heart_by_sndrالقلب عضلة لا إرادية... هذا ما قالته لنا مدرسة الأحياء ذات يوم, وقد أكد الطبيب هذه المعلومة منذ دقائق, حيث قال إنني مصاب بغيبوبة نتيجة جلطة في المخ, أسرف الرجل في تفاصيل لا داعي منها عن أن خلايا مخي ماتت كلها وبالتالي فأنا في عداد الموتى. .

أنظر إلى جسدي الممدد على السرير فأراه سيارة بلا قائد تجري على منحدر لا ينتهي, يقول الطبيب إن قلبي سيستمر في الحياة وإن تنفسي جيد, لكنني لن أفيق أبداً من غيبوبتي ولا يوجد مكان لي في المستشفى ,انه من اللازم إخلاء السرير لمريض آخر يحتاجه.

فليكن, على العموم أنا لا أحتاج سوى أن أذهب ولا أدري لماذا تبكي سعاد, هي لا تريد أن تذهب بي هكذا, تقول لهم إنها سلمتني بين أيديهم حيا وتريد أن تعود بي وأنا على قيد الحياة. ثم تبكي, فتصبح خطوط جهاز القلب أكثر صعوداً وهبوطاً بشكل جنوني, تلتفت على الفور, وتنظر إلى جسدي, ثم تنادي علي "يا عبد الرحيم"..

في الأيام الأخيرة كان بإمكاني أن أمسك يدها بأطراف يدي لكنني اليوم أقف بعيداً دون أن أقترب, تنادي علي, ثم تتوقف حين تفكر في أن دقات قلبي كانت استجابة كافية لها, تدرك هي الأخرى أن كلام مدرسة الأحياء كان صحيحاً, وأن قلبينا عضلتان لا إراديتان جداً.

مارس 22، 2010

ثلاثة أنواع للحزن وسعادة واحدة

Happiness_by_lidlshmidl هناك أنواع مختلفة من الحزن. فمنه ذلك النوع الخفيف الخافت, الذي تشعر به كألم بسيط عند الحنجرة. هذا أسميه الحزن الدافئ, أو الحزن الماكر. وهو دافئ لأنه صديق يصاحبك لفترة طويلة من الزمن ويمكنك أن تتقي بدفئه برد الشتاء, وهو ماكر لأنه يأخذ منك قطعة كل يوم فتتبدد دون أن تدري.

وهناك نوع آخر من الحزن هو الحزن القوي الصادم وهو يأتي مرة واحدة, ويبلغ ذروته في لاشيء ويتركك تعاني آثراً طويل المدى. يحدث هذا في صورة موت عزيز أو قريب لك أو في حالة وقوع مصيبة. وفي الوقت الذي ستتمنى فيه لو تفعل أي شيء فسوف تكتشف أنه ليس بيديك ما يمكن أن تفعله.

أما النوع الأخير فهو الحزن المغتصب, وأعني به ذلك النوع الذي يكرر الاعتداء عليك لمرات كثيرة في الليلة الواحدة وفي الساعة الواحدة.. هو عدو ملازم صريح. لن تستطيع أن تهرب منه, وكل ما عليك فعله هو أن تصبر. يقول المثل الإنجليزي If you can't escape from rape, just relax and enjoy, ربما لن يمكنك أن تستمتع وأنت تغتصب, لكن يمكنك بكل تأكيد أن تسترخي. أكبر خطأ ترتكبه هو أن تقاوم. صدقني ليس عليك سوى أن تصبر.

الشخصيات القوية فقط هي من تستطيع أن تتجنب آثار الحزن المتصل والفجائي, أما الشخصيات الضعيفة والواهنة فسيظهر حزنها في أشكال مختلفة تنعكس على السلوك.

بينما للحزن ثلاثة أنواع فللسعادة نوع واحد, السعادة كوب من الشاي تشربه كي تكمل العمل, ووجبة ساخنة تأكلها وأنت ترتعش من البرد, ويوم عادي كأي يوم تقرر أنت أنه لن يكون عادياً. السعادة ثمرة مانجو تلوث بها ما حول فمك وتلوث بها ملابسك وتأكلها في استمتاع واضح. السعادة شعور لحظي خاطف ينتهي بانتهاء مسببه.

مارس 20، 2010

يوتوبيا

12cd8ac1777a خمسة فصول سوف تتبادل الاعتداء على نفسيتك وتتركك في حالة إعياء.. لذا فأنا لا أوصي بقراءة يوتوبيا أحمد خالد توفيق لمن هم دون الثامنة عشرة وللحوامل ولمن يعانون من أمراض الضغط والسكر والمرارة والقلب ولمن يحبون هذا البلد حباً صادقاً.

في يوتوبيا يصور أحمد خالد توفيق المستقبل المصري الذي سيحدث في القريب العاجل, فيرى أن مدن الأكابر (مثل مارينا حاليا) سوف تصبح لهم وحدهم ولن يدخلها من عامة الشعب سوى الخدم الذين لن تكفي أجورهم سوى لإبقائهم على قيد الحياة. أما داخل سور المدينة, فسيكون كل ما تشتهيه تحت أمرك. كل شيء مباح إلا شيء واحد أن تتعدى على ملكية أحد سكان اليوتوبيا. داخل سور المدينة التي يحميها المارينز الأمريكان يعيش المصريون مع الإسرائيليين دون أدنى مشكلة ويصادقونهم ويتزوجون منهم, داخل السور تنشط تجارة المخدرات فيدمن الجميع عقار الفلوجستين, داخل السور يمارس الجميع الرذيلة دون رادع أو قانون.

خارج السور يموت الناس جوعاً, ويحرمون من كل شي إلا الجنس, فالجميع يبيعون أعراضهم في مقابل المال أو المخدرات. خارج السور لا يوجد دواء لأن تجارة الدواء لا تخدم من ليس لديه نقود. خارج السور يعيش المصريون في الخراء ويلعب الأطفال بإلقاء القاذورات على بعضهم البعض ويهرش الجميع في أعضائهم التناسلية بشكل مستمر ويأكلون شوربة جلود الدجاج أو شوربة عظام.

هل يكفي ما قلته كي تدرك المصيبة؟ تخيل أن تقرأ رواية تدور فصولها الخمسة في عالمين فاسدين!

الحقيقة أن أحمد خالد يعود بنا مرة أخرى إلى قضية الفن واللافن. هل هذه الصورة السوداء القاتمة درباً من الفن؟ بكلمات أخرى, هل لو أعطيتك ورقة سوداء لا يتضح من معالمها سوى السواد وقلت لك هذه لوحة فنية, هل سترى فناً؟ يوتوبيا ورقة سوداء قاتمة بها بعض الجوانب المضيئة, بعض التعبيرات الجميلة, نهاية فنية, لكن قلب الرواية وباقي أحداثها تبتعد عن الفنية وبشكل كبير.

تنقسم الرواية إلى ثلاثة فصول بعنوان واحد هو الصياد, وفصلين بعنوان الفريسة. والصياد هو أحد سكان يوتوبيا الذي هرب منها كي يكسر الملل هو وصديقته جرمينال, لقد قررا أن يصطادا واحداً من خارج السور. يقتلانه ويمرحا بتمزيق جسده ويعودان إلى يوتوبيا بشيء منه.

الفريسة هو شاب مثقف اسمه جابر. هو أكثر أهل مصر عقلا وأكثرهم حرصا على القراءة ومع هذا فالغل الذي لديه يجعله يفكر في أن يغتصب جرمينال حتى ينتصر لنفسه ولأهل مصر من أهل يوتوبيا المصرية أيضاً وهو يبرر هذا بأنه لا يحب القتل والدماء!!

جابر يعتني بأخته ولم يتركها تبيع عرضها من أجل المال, لكن أخته صفية في مشهد غريب جدا تجهز له جرمينال كي يغتصبها بأن تعطيها مزيج من دواء الكحة وأشياء أخرى!!

الصياد اليوتوبي يقرر أنه سيترك لجابر هدية فيغتصب أخته. ثم يساعده جابر في العودة إلى يوتوبيا فيقتله ويأخذ جزءا منه كي يعرضه على أصدقائه ويتباهى بمغامرته, ثم تنهار البلد بأكملها بثورة مثل تلك التي تراها في أفلام خالد يوسف. رواية مسلية في واقع الأمر وبها الكثير من الأحداث الطريفة كما ترون.

تظهر اللافنية في الرواية من جوانب كثيرة, فهي سوداوية بشكل مقرف, كما أنها تحتوي على جمل تقريرية مباشرة كأن يحكي جابر للصياد تاريخ مصر وكيف تطور الحال ليصبح متدهورا جدا هكذا بينما يهز القارئ رأسه ويقول "أنا مش حمار.. أنا فاهم إن الكلام موجه ليا أنا". ومما زاد الطينة بلة احتواء الرواية على أجزاء من تقارير مختلفة تبرر القضية التي يحملها النص.

لدي المزيد من الكلام عن يوتوبيا, الكثير من المزايا, والكثير من العيوب, لكنني بالفعل لا أريد أن أنتقد ما لا أعتبره عملاً فناً من الأساس.

مارس 18، 2010

جدتي اسمها السر

8e90874e37 جدتي اسمها السر..

هي ليست جدتي مباشرة لكن هكذا ننادي النساء الكبيرات في عائلتنا. كلهن جداتنا على الرغم من أن أكثرهن لسن من نفس البطن التي أنتمي إليها. والبطن هي البيت الأصلي, فأنا من أحفاد مراد بن الثليثي. والثليثي رجل يقال أنه جاء من بغداد بالعراق وأنجب الكثير من الأولاد منهم مراد جدي الأكبر. المهم أن أبي رحمه الله كان يقول لي دائما "جدتك السر فعلت.. جدتك السر سوت".. لذا فهي جدتي السر.

اسمها في حد ذاته يجعلني أنتبه وأندهش. كانت كما روى لي الكبار في أسرتي سيدة شديدة حازمة حتى على زوجها. في أحد المشاجرات الزوجية التي تحدث بشكل دوري في كل البيوت, كان رد فعل السر مبالغ فيه, فقد ردت على ارتفاع صوت زوجها بأن أمسكت ساطوراً وشجت به رأسه. اجتمع الجيران على صرخته.. وجدوه ممداً على الأرض غارقاً في دمه. قالوا إن السر قتلته, وحين جاءت "الحكومة" وقف أخوها محمد وقال إنه من قتل زوج أخته. لم يكن في بلدتنا نساء يدخلن السجن أو يعدمن لذنب اقترفنه إن لم يكن له علاقة بالشرف. كان الزوج أو الأخ أو الأب يعترف أنه من اقترف الجريمة ويدخل السجن مكانها, فلا يسمح أبناء قريتنا أن "تتبهدل" امرأة طالما هم أحياء على وجه الأرض.

الغريب أن الزوج الذي شجت رأسه بقي على قيد الحياة. خياطة بسيطة وجنحة في حق محمد دخل على إثرها السجن لمدة ستة أشهر. لم يتنازل الزوج الذي كانوا يدعونه "أبو احمد" (اقرأها بالعامية) عن حقه, لكنه كان يعامل امرأته معاملة حسنة!!

عرفت السر خطأها.. وأحست بحب زوجها, وانكوى قلبها على أخيها, الذي ليس له ذنب في أي شيء. أحست بخزيان فظيع. وانتقل هذا الخزيان لأبنائها وأحفادها واستمر معهم حتى هذه الأيام. يكفي أن تلقى واحداً منهم اليوم في قريتنا وتذكره بهذه الحادثة حتى يحمر وجهه خجلاً.

كان "أبو احمد" مزارعاً له أرض واسعة, وله نخل كثير يطلع عليه ويأتي بالبلح, وكان مشهوراً بقدرته الكبيرة على الصعود على أطول النخل وأملسه. كان الرجل مرتبطاً جداً بالنخل حتى أنه حين قتل في حادثة ثأر قتل برصاصة بندقية وهو فوق النخلة.

ليس الموت بمستغرب, لكن الغريب كان موقف السر, التي بكت زوجها بكاء شديداً حتى أنها كانت تجلس تحت نخله في كل ليلة مقمرة بها رياح, كان يهيأ لها مع اهتزاز النخل وانعكاسات ضوء القمر بأن زوجها "راكب النخلة" فكانت تنادي عليه "انزل يا ابو احمد.. انزل يا ابو احمد".. ويهرع إليها أهل القرية خوفاً عليها من الجنون.

استدعى عقلي هذه الحكاية بعدما قرأت التعليقات على الاقتباس الذي تم نشره بالأمس من رواية يوتوبيا. الواقع مليء بقصص لرجال كانوا فرسانا بحق. رجال كانوا معاطف لأميرات لا يلحظهن أحد.. وأنا أرى أنه في كل سيدة أميرة, وقد لا تلحظ هي نفسها ذلك.

على الرغم من أننا ننتسب في عائلتنا إلى الرجل اسميا إلا أن التقسيم يكون بالبطن, أي بالأم, وعلى الرغم من أن نساء بلدتنا كن أقسى من أقسى رجال اليوم لكنهن كن يعاملن معاملة جيدة, وعلى الرغم من موت السر وموت بعض أبنائها, فقد تناقلت الأجيال لدينا هذه الحكاية, ومازال نخل أبو أحمد يهتز مع الريح في الليالي المقمرة ومازال الأطفال في قريتنا ينادون صاحب النخل قائلين "انزل يا ابو احمد" بنفس نبرة صوت السر.

مارس 17، 2010

معطف

على الأقل هناك صفية أختي..

هناك شيء واحد ظل نظيفاً أو نجحت في أن أجعله كذلك.. رأيت ذات مرة في فيلم غربي في تلفزيون القهوة فارساً نبيلاً يمشي مع امرأة فيرى بركة وحل.. عندها نزع معطفه وألقاه على الأرض لتمشي عليه فلا يتسخ حذاؤها.

مع صفية لم ألعب دور الفارس. لعبت دور المعطف ذاته.

أحمد خالد توفيق- يوتيوبيا

مارس 16، 2010

بروستاتا

61122ac04098996f12ded9d4346272f9 الخميس 11-10

النساء مخلوقات بحرية.. هذا ما اكتشفته اليوم وأنا أراقب ريم من خلف الجريدة. كانت تجري خارجة من مياه البحر وتجري خلفها صديقاتها.. كانت تجري خارجة من مياه البحر ويجري خلفها أصدقاؤها وصديقاتها من موظفي الشركة, وكان جسدها بينهم يلمع مثل سمكة فضية خرجت لتوها من الماء. سمكة فضية تجري بملابس البحر المكشوفة الضيقة.

توقفت لالتقاط أنفاسها ووضعت يديها على ركبتيها في مشهد ذكرني بتلك الفيديو كليبات المثيرة التي نراها هذه الأيام, لكن هذا الفيديو كليب كان مختلفاً جداً فهو فيديو كليب من لحم ودم, فيديو كليب لامع ويقطر ماء وبسمات صافية.

****

أغلق مذكراتي, وأنتبه إلى أن أحدهم لابد قد لاحظ الابتسامة التي وصلت ما بين أذني بينما كنت أقرأ. لابد وأن الفضول قد أخذه إلى التفكير بأن يعيش معي داخل مذكراتي العزيزة. أضم الدفتر إلى صدري ثم أعيده إلى مكانه في حقيبة العمل الخاصة بي.

أرجع برأسي إلى الخلف. الكتاب الأخير الذي كنت أقرأه كان يقول إن العالم كله يمكن أن يصبح مسخراً من أجلك فقط إذا أسندت رأسك إلى الخلف وحلمت بما تريد, وتصورت أنك تملكه.

حسناً فلتجري يا ريم, ولتجري خلفك صديقاتك فقط. اسمحي لي أن أمحو كل هؤلاء الرجال, سوف نعيد رسم الصورة ولكن بقليل من التصرف, فأنا لن أرتدي تلك الملابس الرسمية وأستلقي على الأريكة بينما أقرأ الجريدة, أنت لن ترضي بهذا, سوف تأتين إلي وتأخذين بيدي, فأتخلص من ملابسي الثقيلة وأجري معك, وستجري خلفنا صديقاتك, لن يضار أحد إذا ما ازدادت عضلاتي في الحجم قليلاً, أو حتى كثيراً جداً. سيرتج جسدك اللامع البض بينما تجرين معي ليطغى على الموسيقى الصاخبة التي ستعزف لدقيقة أو دقيقتين, ثم يصبح المشهد بعدها مثالياً جداً, ويمكن للمغني أن يبدأ الغناء.

"ممكن إذا سمحت؟"

نصائح الكتاب تعمل!! إنها تعمل! فها هي ريم بلحمها ودمها تقف أمامي وتطلب مني أن أفسح لها مكاناً كي تجلس بجانبي. هذه هي الخطوة الأولى, وستأتي بالتأكيد خطوة ثانية وثالثة, وسيأتي يوم أخبرها فيه بأن الماء ذلك المركب من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأكسجين يصبح مثيراً جداً ومختلفاً جداً عما قرأته في كتب الكيمياء إذا ما لامس جسدها, سأخبرها بغمزة ماكرة أنني أريد أيضاً أن أتغير مثل الماء وستضحك.

التَفَتُ إلى نظرة رمقتني بها, وانتبهت إلى أنني كنت أبتسم ببلاهة كعادتي ولم أفسح لها. أقوم فتجلس بجوار النافذة, ثم أعود وأسند رأسي إلى الخلف. أدعك جبهتي مثل من وجد مصباح علاء الدين. أبدأ في رسم صور أخرى جديدة لذراعي وهي تطوق ذراعها, ولنا ونحن نرقص على موسيقى هادئة. يغمرني شعور غير عادي بالسعادة, ورغبة في تقبيل زجاج نافذة الأتوبيس, وتقبيل جميع موظفي الشركة, وتقبيل المدير الذي أكرهه كثيراً لكنه كان صاحب فكرة الرحلة, تلك الرحلة التي اكتشفت فيها أن ريم مخلوقة بحرية.

أفكر في أن طريق العودة من الشركة ليس طويلاً جداً, وأنني لابد أن أنتهز الوقت, يمكنني أن أغرق في الصور العقلية لمدة طويلة في المنزل, فلأستمع الآن إلى أنفاسها وأستمتع بالجلوس إلى جوارها. يقول صديقي إن ما أشعر به من استمتاع حين تجلس إلى جواري سيدة جميلة هو بفعل تغير هرموني فحسب, وأنني لا يد لي في هذا ولا حيلة. حسناً فلتقومي بعملك أيتها الهرمونات الجبارة.. ولأستمتع أنا بالجلوس إلى جوار ريم.

تخرج من حقيبتها علبة سجائر. لم أكن أعرف أنها تدخن. تشعل سيجارة فيتغير لحن أنفاسها ويصبح ملوثاً جداً. يرن جرس هاتفها, تخبر أمها أنها في الطريق, وأن "روح أمه" لم يحضر الأشياء المتفق عليها, وأنها ستعلق له رمانة. تغلق الهاتف وتجري مكالمة أخرى, تتحدث مع أحدهم, تقول إن المبيعات لم تكن على المستوى المقبول هذا الشهر, تحدثه بلغة حادة وبشكل حازم جداً بينما أبدأ أنا في التضاؤل على الكرسي المجاور لها.

مكالمة ثالثة ورابعة..

صور أخرى جديدة بدأت تتشكل في عقلي لهرموناتي وهي تقف بلا عمل بين كريات دمي الحمراء. رأيت بعض الهرمونات وهي تضع أيديها تحت خدودها وبعضها وهي تستدير عائدة إلى الغدة التي أفرزتها. لا أعلم لماذا بدا صوت صديقي أكثر وضوحاً وهو يحذرني من أن هذه الهرمونات الممتعة قد تتسبب في احتقان البروستاتا فيما بعد. اللعنة على نصائح الكتب وعلى المدير وعلى نافذة الأتوبيس.

في ضيق شديد أخرج دفتر المذكرات وأعدل وضع نظارتي على وجهي ثم أكتب.

****

الأحد 22- 10

ربما تكون النساء مخلوقات بحرية, أو تلفزيونية, لكنني اكتشفت اليوم أنهن يتغيرن كثيراً على اليابسة.

مارس 13، 2010

حجرتان وصالة

ibraheemaslaan "نوع من القصص لا تكاد تبدأ قراءته حتى تكتشف في الكاتب والكتابة والحياة اليومية درجات من الدهشة ربما لم تلتفت إليها أبدًا"

قرأت هذه الجملة العبقرية على الغلاف الخلفي لكتاب إبراهيم أصلان الجديد بعنوانه الغريب "حجرتان وصالة.. متتالية منزلية". ولأننا جميعا نريد أن نكتشف في الحياة اليومية درجات من الدهشة لم نلتفت إليها فلم أتردد في شراء الكتاب.

لابراهيم أصلان عشر كتب تقريباً أشهرها يوسف والرداء ومالك الحزين وخلوة الغلبان, وهو يعتبر نفسه كاتب قصة قصيرة على الرغم من أن أغلب أعماله روايات. أما الكتاب الذي أتحدث عنه اليوم فهو لا ينتمي إلى أي من النوعين السابقين, بل هو خليط منهما كوّن تكويناً جديداً وفناً عابراً للنوعين سالفي الذكر.

ربما لن تلتفت كثيراً إلى عبارة "متتالية منزلية" المكتوبة على الغلاف وستكون مثلي ممن يفضلون قراءة المجموعات القصصية من الخلف إلى الأمام, أو تكون ممن ينتقون القصص بقراءة العناوين الأكثر جذباً في الفهرس, وفي الحالتين ستفاجأ بأن عليك إعادة القراءة, فهي كما قال الرجل متتالية, وليست مجموعة قصصية, بمعنى أنه في هذا الحيز الضيق (أقصد الحجرتين والصالة) نفسه ستدور كل القصص وبين نفس الشخصيات تقريباً وفي تسلسل تاريخي يروي لنا تفاصيل حياة خليل الموظف المتقاعد بهيئة البريد.

وبالتالي فطريقة بناء العمل وهيكلته جديدة في حد ذاتها, فمن خلال 28 قصة مرتبطة ببعضها يرسم لنا أصلان مشاهد من الحياة اليومية التي نقوم بربطها حتى نصل إلى المعاني المسكوت عنها.

يضيّق أصلان على نفسه في الكتابة ويجعل قواعد لعبة الإبداع أصعب. فيعمد إلى التخلي عن المحسنات البديعية بجميع أنواعها واللجوء إلى لغة بيضاء أقرب إلى العامية دون ابتذال وأقرب إلى الفصحى دون تفلسف. وهو بهذا يستبعد استخدام الجمل معقدة الصياغة أو المركزة التي يكون لها جمالها أحياناً. ولا يتناول أي قضية بعينها, فهو يرى أن الكتابة ينبغي أن تكون عن الإنسان وتأثره بالقضية لا عن أي شيء آخر, كما أن أصلان يركز على الحياة اليومية, وهو بهذا يستبعد البحث عن لقطات مختلفة أو مغايرة. هذه اللقطات تكون مصدراً لجذب اهتمام القارئ في الكثير من الأحيان. يترك أصلان كل هذا ويركز على استخراج غير العادي من العاديات. وهو قرار شجاع قد يجانبه الصواب, فالوصول إلى القارئ ينبغي أن يكون بجميع السبل وبكل الطرق.

النهاية التي وصل إليها أصلان في كتابته هي كتابة العادي مع التجديد على مستوى البناء, فالحديث في المتتالية كان عن دورة الحياة والموت, عن زوجة خليل التي تموت بعد أن أخبرتهم أن التليفون يرن بينما كان هذا في التلفاز وليس في الحقيقة, وعن خليل الذي يتصرف بعد موتها كما لو كانت على قيد الحياة, عن بائع الفول وعن البواب الذي لا يستيقظ طيلة النهار, عن غطاء زجاجة المياه وعن الكتكوت البني الذي تذكره خليل حين رأى فرخة بنية في الشارع فتوقف كي يسأل صاحبة الفرخة إن كانت الفرخة هي في الأصل الكتكوت البني الذي كان لدى خليل في الطفولة, وعن الأسئلة التي في عقل خليل طيلة حياته ولم يستطع أن يسألها.. عن العاديات التي نعلمها جميعاً.

أكثر ما لفت انتباهي اليوم وأنا أحضر ندوة إبراهيم أصلان التي تمت على هامش معرض الكتاب بالإسكندرية جملة قالها وتهمني على المستوى الشخصي.. قال: "لا تكتب عن الوجع واكتب بالوجع". هو يتحدث عن حيادية الكاتب في رسم شخصياته, والحقيقة أن ما يقوله إبراهيم في الندوات به الكثير من المثالية التي قد لا تنطبق على كتابته, فشخصية خليل هذه قريبة جدا منه (إبراهيم أصلان كان يعمل في البريد هو الآخر وهو الآن لا يعمل بشكل يومي لأسباب صحية كما أنه عاش حياته في امبابة وهي المكان الذي تقع فيه أحداث حجرتان وصالة).

والحقيقة أن المتتالية ستنتهي دون أن تنفذ وعدها المكتوب على الغلاف فهي لن تصيبك بدرجات الدهشة التي وعدت بها!

مارس 12، 2010

1. رسالة لها

A_scenery_of_loss____by_neonay نعم تركت شقتنا يا هدى, يقول الطبيب إن قلبي لم يعد يحتمل صعود السلم. في الحقيقة, لم يعد قلبي يحتمل الكثير من الأشياء, أبسطها حين يتحدث جيراننا عنك ويتلون علي من أخبارك ثم يمصمصون شفاههم ويطردونك من عقولهم بالترحم عليك.وكأن الرحمة تعني أن نبدل الحديث وأن ننسى. أمي كانت تقول إن الرجل يتعلم الخوف حين يحب, فيصبح أكثر حرصاً في قيادته, وأكثر تردداً في قراراته, وأكثر تعلقاً بالحياة, لكنها لم تخبرني بأنه يتعلم الحزن أيضاً.

أتعلمين؟ المباني هنا تشبهني تماماً.. العمارة التي سكنت فيها عجوز حزينة مثلي, تقف وهي مذهولة من تبدل الزمن وتغير الحال بينما تتمنى لو تنهار وينتهي كل شيء. أنا أيضاً أريد أن أنهار يا هدى. لكن لا, أنا لست مثلها تماماً, فأنا مازلت أشعر بالسعادة حين أسمع أصداء ضحكتك. دعك من كل ما قلت, ودعك أيضاً مما قالته أمي. هي لم تكن على صواب, فالرجل لا يتعلم الخوف حين يحب, بل يتعلمه حين يسكن في عمارة يحرسها كلب بلدي متوحش غبي.

أتضحكين يا هدى؟ أنت تعلمين أني أخاف من الكلاب.. حسناً اضحكي, ربما يدرك الآخرون أنك لم تموتي بعد, فيتوقفون عن إخراجك من عقولهم بهذه الرحمات الباردة.

كافيتيريا لوراش 7/10/2010

 

جزء من قصتي القادمة والتي بعنوان “آخر أخبار الكلب”,

مارس 10، 2010

رضا

صدقوني, هي إنسانة طيبة ولم تكن تعلم أن البلاط هو الآخر يحبها, فكانت تمشي عليه بكعبها العالي دون أن تكترث وكانت تتركه يتألم لفترة طويلة, قبل أن تمر بقدميها الناعمتين عليه مرة أخرى وهي متجهة إلى المطبخ فتصالحه. وأنا كثيراً ما تحدثت مع البلاط كي يعترض.

مارس 02، 2010

صورة وتعليق 1

ألم أقل لكم أن السماء تلون البحر وهي بلا ألوان حقيقية؟!
اللوحة بعنوان Liquid Love.. أي الحب السايب :)

مارس 01، 2010

سماء بلا ألوان حقيقية


حسناً, سأكتب..

المشكلة أن لدي لكثير من الأشياء التي لا أريد أن أكتب عنها. لكن, ربما سأكتب عن الأفكار القصصية التي راودت عقلي, فأنا كنت أنوي أن أكتب عن رجل مشى على الماء وخلف جثته الطينية خلفه على الشاطيء واصطحبته حورية إإلى حيث تلتقي السماء والبحر, كما كنت أفكر في الكتابة عن شخص ثوري تحول في نهاية المطاف إلى صورة مبتسمة وخبر قصير في الصفحة قبل الأخيرة من الجريدة, أردت أيضاً أن أكتب عن مطلقة وحيدة في حي شعبي.

دعنا من هذا.. ربما سأكتب الليلة شيئاً مبهجاً, سأكتب حدوتة الحمار والثور ولكن بتغيير جذري للأحداث فيها, أو ربما سأكتب عن السعادة التي أشعر بها كلما سمعت شانيا تغني I'M GONNA GETCHA BABY, أو ربما سأكتب عن الفرحة غير المبررة التي شعرت بها حين مرت من جانبي دراجة نارية بسرعة غير عادية, أو ربما سأكتب عن الإسكندرية تلك المدينة التي لا أراها سوى من وراء زجاج المواصلات. أو ربما سأكتب عن سعادتي اللحظية بشراء كشكولين من عم صالح.

ربما سأكتب عن سمكة البوري التي أصلحت علاقتي مع السمك!!

لا, سأكتب اليوم عن االحب, وسأعطي نصائح لمن سيدخلون في علاقات جديدة, وسأقول في هذا أفضل مما يقوله أسامة منير في نجوم إف إم.. أو ربما ينبغي أن أكون أنا آخر من يتحدث في هذا الموضوع.

حسناً, سأكتب عني وعن رغبتي الدائمة في التواجد في دائرة الضوء, وعن الغرور الذي يعتريني, وعن اعتزازي بنقسي وثقتي بها إلى حد التعالي أحياناً, سأقول إنني مللت نفسي, وإنني لا أريد أن أكون أنا.

ربما من الأفضل أن أكتب عن الشعور غير الجيد الذي أشعر به كلما عرفت أن بالعالم أناس لم يأكلوا قلوبهم صبراً, ولم يعيدوا تدوير مشاعرهم لصناعة الأمل.

ربما سأكتب عن التصميم وعن الفكرة قبل أن تنتقل للحاسب وكيف تتطور حتى تخرج على الورق, أو سأكتب عن الألوان, فأنا اليوم اكتشفت أن الأزرق لون غير أرضي, وأن الأبيض ليس لون السحاب, فالسماء ليس لها لون في الحقيقة والبحر يأخذ لونه منها وهي بلا لون, والسحب ليست بيضاء وإلا لكان الماء كذلك. وبهذا تكون السماء كلها بلا لون!!

ربما ينبغي أن أكتب عن الكتابة نفسها, عن الوقت الذي أستهلكه كي أكتب قصة أو أحكي حدوتة وعن الفرحة حين أقرأ التعليقات.

أو ربما سأكتب عن الرواية التي مازالت تعبث بعقلي, وعن خيبة أملي كلما تذكرت أن أبي مات قبل أن يقرأها وقبل أن أهديها له. هي روايته, وآخر هدية كنت أريد أن أفرحه بها.

ربما سأكتب عن أبي, عن ذلك الوجع الذي لا أستطيع تحديد مكانه بالضبط, هو بين رقبتي وصدري في نقطة داخلية لا أستطيع أن أصفها, لكنه يأتي حين أتذكر أبي وأنا أتذكره كثيراً.

ربما سأكتب عن القلق عن الخوف من المستقبل وعن الأقدام المرتعشة التي تتقدم بخطى غير ثابتة. أو ربما سأكتب عن الشمس التي رأيتها في منامي تسيل على شقتنا القديمة. أو سأكتب عن الشعور بالفزع, حين تقع الشمس خلفك ويكون عليك أن تجري حاملاً أختيك وسط الحمم.

أو ربما سأكتب غداً