أكتوبر 31، 2009

308936 لم أستمتع في حياتي برواية استمتاعي برواية "الخروج من التابوت" ولم أستمتع بقصة استمتاعي بـ"الرجل". قرأت له ما يزيد على أربعين كتاباً كان آخرهم "الشفاعة" وشاهدت كل حلقات برنامجه العلم والإيمان التي عرضت على سنوات طويلة (400 حلقة تقريباً تم عرضها في فترة تجاوزت العشر سنوات). شكلت وجهته في العلم والدين والحياة الأساس الفكري لدي. استفدت من شكه ومن إيمانه, من إخفاقاته ومن نجاحاته, فكيف لا أحزن حين يموت؟

أفكر أحياناً أن كل من أعرفهم وتعلقت بهم سيتركون الحياة ويغادرون لأجد نفسي في دنيا لا أعرف فيها أحداً, وأعيش في ماض حبسته مجموعة من الصور وشرائط الفيديو..

أسألكم جميعاً الدعاء لمصطفى محمود.

أكتوبر 30، 2009

جمال بخيت

1375291265_a5efd1fc45 استيقظت هذا الصباح وأنا أريد أن أقرأ وبشدة قصيدة “مش باقي مني” لجمال بخيت. لا أدري لماذا أعود لهذه القصيدة بين حين وآخر, على الرغم من أني أرى بها بعض نواحي الضعف الفني. ربما أكثر ما يميز هذه القصيدة هو الصدق الذي يملأ أسطرها, وربما أعود إليها كثيراً لهذا السبب. أحب بشكل استثنائي بعض الأسطر التي ميزتها بالأحمر.

مش باقى منى غير شوية ضى ف عينيا
أنا هاديهوملك
وامشى بصبرى ف الملكوت
يمكن ف نورهم تلمحى خطوة
تفرق معاكي
بين الحياة والموت

مش باقى منى غير شوية نبض ف عروقي
خُدى.. وعيشى..
وافتحى لى تابوت
أفرح بريحة ورد فرعوني
وربنا ف عوني
اذا دخلت الجنة ولاّ النار
هاشتاق إلى ضحكتك
وقعدتى ف الدار
والقهوة متحوجة
من طيبة العطار..
ف كل يوم الصبح
باشرب حليب قبطي
وف النهار والمسا
بامسك ستار الكعبة لو سبتي
واثبت اذا هربتي
اهديكى عمرى وحسى وجوارحي
اهديكى جرحي
هو اللى باقى ف دنيتى لما خلص فرحي
مش باقى مني
غير شوية لحم ف كتافي
بلاش يتبعتروا ف البحر
بلاش يتحرقوا ف قطر الصعيد
ف العيد
بلاش لكلب الصيد.. تناوليهم
خدى اللى باقى من الأمل فيهم
وابنى لى من عضمهم
فى كل حارة مقام
وزورينى مرة وحيدة
لو كل ألفين عام
ألم الجراح يتلم
مش باقى منى غير شوية دم
متلوثين بالهم
مُرين وفيهم سم
كانوا زمان شربات
والنكتة سكرهم
شربتهم الخفافيش
فى قلب أوكارهم
مش باقى منى غير شوية دم.. مااقدرشي
اسقيكى.. مواجعهم
وبرضه مااقدرشي
أرميكى..
وأبيعهم
يمكن ف مرة تعوزى تطلبينى شهيد
هاحتاج يوميها الدم
يمضى على شهادتي
مش باقى مني
غير شوية قوة ف إرادتي
على شوية شِعر من خطي
حاسبى عليهم وانتى بتخطي
وانتى ف صبح الدلال
بتعطرى شطى..
مش باقى مني
غير شوية ضى ف عينيا
انا مش عايزهم
لو كنت يوم هالمحك
وانتى بتوطي
فى معركة مافيهاش
ولاطيارات ولاجيش
وانتى ف طابور العيش
بتبوسى إيد الزمن
ينولك لقمة
من حقك المشروع
مش باقى منى.. غير
شهقة ف نفس مقطوع..
بافتح لها سكة
ما بين رئة.. وضلوع..
ما بين غبار.. ودموع..
وانا تحت حجر " المقطم "
ف الدويقة باموت
انا.. والعطش.. والجوع..
يئن تحتى التراب
وانا صوتى مش مسموع..
ياحلمنا الموجوع..
من المرور ممنوع..
مستنى لما يمر
موكب سلاطينك..
مش باقى مني
غير شوية رحمة من طينك..
على شوية صبر من دينك..
مش باقى منى غير حبة غُنا تايهين
ف الضلمة مش لاقيين
حس الفواعلية..
ولا صوت مراكبى عَفي
فوق المعدية..
ولا صوت بناتى العذاري
فى كل صبحية..
والغنوة.. امنية
" ياما نفسى اقابل حبيبى..
وانا ع الزراعية "..
صوتك وصوتهم غاب..
وانا تحت حجر المقطم.. باموت لوحديا..
الليلة راحت عيوني
تطل ع البستان..
وجناين الرمان..
رجعت لى توصف عناد الغل والدخان
وسحابة سودا تضلل
على الغُنا الغلبان..
رجعت لى توصف هبوب الموت
على الالوان..
رجعت لى توصف..
.. خيال الذل..
ف موائد الرحمن..
مش باقى منى غير شوية كُفر بشروقك
وانا..
منبع الايمان..
مش باقى منى..
غير شوية ضى..
وعينيا
مش قادرة تلمحنى..
فى وحدتى محنى..
خايف أموت م الخوف
والضعف يفضحنى..
السجن عشش ف قلبي
وماشى ف شوارعك..
نفس اللى باعنى وخدعني
بالرخيص بايعك..
هاشيل حمولى انا
ولا هاشيل حملك؟!
ماعدت املك شيء..
فيكى.. ولا فيا
ولا قيراط ولا بيت..
ولا نسمة صافية تلاغى النيل بحرية..
مش باقى مني
غير شوية حب جارحني
ولا باقى مني
غير شوية ضى ف عينيا

الرقص متوقف على القدرة!

benbella-nasser-4 خرج أحمد بن بيلا الذي قضى ما يقرب من ربع قرن في السجون والمعتقلات ليجمع الشتات في الجزائر. من حسن الحظ أن تطابقت وجهته مع رؤى ناصر, فقد كانا يشتركان في إيمان عميق بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. خرج أحمد بن بيلا الذي لم يكن يتكلم العربية متوجهاً للقاهرة لمقابلة ناصر, ورفض أي علامة من علامات الترحيب لأنه كان يعتبر نفسه مصرياً! جاء أحمد لمصر طالباً المساعدة, فجهزه ناصر بالسلاح, وتوسط لدى الجانب الهندي لجلب المزيد من الأسلحة, وتوسط لدى الجانب السعودي فحصل منه على الأموال وتفويض بإنفاقها كمساهمة لإعانة الجزائر على القيام بثورتها في طريقها نحو الحرية.

قامت ثورة الجزائر مستلهمة خطواتها من ثورة يوليو, وأيدها المصريون في مظاهرات ضجت بها شوارع المحروسة. يقول الصحفي الجزائري ناصر الدين السعدي في مقال بعنوان "ناصر أكبر مجاهدي الثورة الجزائرية في عيون الاستعمار" أن هناك ثلاثة أسباب أساسية لقيام ثورة الجزائر من بينها: "وجود سند عربي قوي هو النظام الذي أفرزته ثورة 23 يوليو بمصر وتبنيه خطابا قوميا تحرريا مبنيا على المواجهة مع الاستعمار ووحدة الصف ودعم قوى النضال الوطني في كل مكان".
قامت الثورة ورفعت علم الجزائر الجديد الذي يرمز فيه الأبيض للسلام والأخضر للإسلام والنماء أما الأحمر فهو دماء مليون شهيد راحوا فداء الحرية.

في الأيام القليلة الماضية امتلأت المنتديات ومجموعات الرسائل الإليكترونية بصورة لعلم الجزائر تتوسطه راقصة مكتوب تحت رجليها: "ارقصي يا خضرا.. لأ مش قادرة". بالإضافة للكثير من الأفيشات التي تصور مباراة مصر والجزائر كحرب دامية, أو كما عبر أحدهم كفيلم "خادش للحياء". تتعالى الأصوات بسحق image003 الجماهير الجزائرية, والتآمر من أجل إقلاق اللاعبين بمجرد وصولهم لمصر حتى لا تكون لديهم فرصة للنوم وبالتالي يخسرون أمام المنتخب المصري. يتبادل المصريون رسائل إليكترونية وأخرى عبر المحمول تحذر من تواجد الأطفال والنساء والشيوخ في المدرجات, وتقول إن بلد المليون شهيد ستصبح بلد المليون شهيد والفريق الفقيد!! والحقيقة أننا أمام هذا كله نجد أنفسنا أمام سؤال واحد.. ما الذي حدث؟

الغريب أن هذه الروح العدائية نجدها لدى الجماهير الجزائرية أيضاً عندما نكون على أرضهم, والأغرب هو التفسير الذي نشرته صحيفة الجارديان بقلم برايان أوليفر. فقد حاولت الصحيفة أن تفسر وتؤرخ للعداء الكروي بين الدولتين بتلك المباراة التي حدثت بينهما في تصفيات كأس العالم (إيطاليا 90) والتي صعد فيها المصريون على حساب المنتخب الجزائري فجن جنون المشجعين الجزائريين وقذفوا المقصورة الرئيسية بالطين والطوب وهاجموا الحكم وأصابوا أحد أطباء المنتخب في عينه مما أفقده البصر جزئياً.

تقول الصحيفة أن أصل هذا العداء يعود إلى مشكلة سياسية كروية, بدأت مع امتناع مصر عن اللعب مع أحد الفرق الجزائرية التي كونها لاعبون جزائريون انفصلوا عن فرقهم في فرنسا, في محاولة لمساندة ثورة بلادهم!!

لا أعلم من أين جاء أيان هوكي -صاحب كتاب Feet of the Chameleon والذي نقل عنه برايان- بهذه المعلومة. لكن ألم تساند مصر الجزائر في ثورتها بجهود المخابرات, وبالسلاح, والمال, والرجال؟! ألم تختلط الدماء بالدماء والأصوات بالأصوات؟!

لا يبدو لي أن ما يحدث بين مصر والجزائر على المستويين الشعبي والرياضي من قبيل المصادفة, ولا أرى أن هذه المناوشات والحوادث الصغيرة تشعل النار بين شعبين مشيا معاً على طريق التخلص من المستعمر, وبذلا الكثير من أجل ما كانا يعتقدان أنه حرية.

مع هذا يبقى السؤال أمامنا كما هو بينما تستمتع شعوب العالم بالفرجة علينا وعلى ما وصلنا إليه من وحدة صف, ومن حرية.

العداء الدامي لدى المصريين هو نتاج طبيعي لثقافة الزحام التي نعيشها, ولتدني مستوى التفكير وعدم معرفة أبسط الحقائق التاريخية عن البلدين. فشعبنا لا يقرأ وينشغل أغلب أفراده بمحاولات إشباع حاجاتهم الفسيولوجية الأساسية. من الطبيعي جداً أن نصل لهذه الغوغائية ونحن بهذا الفقر, وهذا الجهل. من الطبيعي أن نصبح بهذه الغوغائية بعدما صارت أغنية العنب العنب أكثر شهرة وتكراراً من النشيد الوطني!!

أعتقد أن مصر أيضاً من حقها أن ترقص فرحاً بأبنائها.. هذا إن كانت قادرة!

أكتوبر 28، 2009

عزاء

Consolation_by_StacyLeeArt

"أبوك ما كانش ينفع يموت على سريره بعد الخير اللي عمله, ربك عايز يديله الشهادة..اصبر واحتسب"

هكذا قال لي الشيخ في قريتنا في اليوم الأول بعد الوفاة, فكتمت بكائي وصبرت.

ثلاثة أيام من الوقوف المتصل تمر ثقيلة متباطئة. أردد طول النهار جملة واحدة: "شكر الله سعيكم". ثم أصافح وأقبل وأحضن, يردون علي "عظم الله أجركم, سبحان من له الدوام".. وأرد "سبحان الدائم الباقي".

تبدو كلمات التعزية الروتينية بلا معنى. أترك المعزين و أقف خارج "دوار" العائلة, فأتذكر وجه أبي بين الكفن, وأراني وأنا أقبل جبهته الباردة, وأحتضن جثته وأبكي. ثم يدور المشهد داخل المسجد, فأرى المصلين الذين لم أدر بهم وقتها, وأستمع لصوتي وأنا أصلي بهم صلاة الجنازة وتختلط قراءتي الخفيضة بنشيج عال متصل. أحمل النعش معهم وأمشي على الجسر الترابي نحو المدافن. يمنعونني من النزول إلى القبر خوفاً علي من الصدمة, فأقف في سكون.

"اجمد.. انت دلوقتي مسئول عن أمك واخواتك".

"شد حيلك"

أكره تلك الجمل التي تشير إلى النتيجة ولا تذكر شيئاً عن الطريقة, لكنني أقرر بيني وبيني أنني أقوى من المصاب, وأنني سأضحك!

يمر اليوم كأي يوم ثم يأتيني أبي قبل النوم, أرى وجهه وقد هشمه القطار, وأسمع صوت جارتنا وهي تقول "أبوك ضربه القطر" ألهذا قلت أنك راض عني يا أبي؟ الآن فقط فهمت.

أغمض عيني, وأقرأ بعضاً من القرآن فأرى المسجد وصلاة الجنازة, وما يقرب من ألف نفس ينتظرونني على الطريق لمدة خمس ساعات هي المسافة بين قريتنا وبين القاهرة.

"ما حدش هايدفن أبويا غيري اللي مستعجل يروح".

تختلط الصور في ذهني فأرى أمي وهي تبكي بين كتفي, وأراني وأنا أمشي بين المنتظرين على الطريق, عيونهم معلقة بمشيتي: "هو ده ابنه.. لا حول ولا قوة إلا بالله"

أمسك القلم وأكتب في استمارة شهادة الوفاة:

اسم المتوفي: محمود السيد عبد النعيم.

سبب الوفاة: نزيف حاد بالمخ. نتيجة حادث قطار

اسم المبلغ: عمرو محمود السيد.

تبدو الكلمات أكثر سخرية من أي نص سمعته أو قرأته قبل هذا. لم يخطر ببالي من قبل أني سأدفن أبي أو سأحمل جثته أو سأكتب شهادة وفاته بيدي. ولم أعرف –سوى بعد أن رحل- أنني أعيش بروحين وأن لي صوتين, ولم أشعر -سوى بعد أن رحل- بأن ظهري قد تعرى وانكشف.

في كل مكان أذهب إليه تسبقني سيرته: "انت ابنه؟ أبوك خيره على الكل, ربنا يرحمه ويصبرك". أبي كان يسعى في خدمة الجميع وخيرهم, وقد حاول من عرف بوفاته أن يرد الجميل, فتم محضر الحادث حتى قبل تقرير الطبيب الشرعي, وتم إيقاف تسجيل الوفيات في مكتب صحة أول لمدة يومين حتى أذهب أنا وأبلغ كي لا يسقط قيده, وتمت باقي الأعمال الورقية دون أن أضع يدي فيها.

الغريب أنني لم أعد حزيناً عليه, بل على العكس أعتقد أنه الآن فقط استراح, وأشعر بالسعادة من أجله ويقتلني الشوق إليه. أستطيع أن أقول أن علاقة جديدة من نوع آخر بدأت بيني وبينه فأنا أعود إلى كل نصائحه, أتذكر كلماته كلها كأني أسمعها الآن وللمرة الأولى. صار فكرة في عقلي لا تفارقه, وصارت ذكرياتي معه مجموعة من الصور تتقلب أمامي بشكل مستمر.

الحياة أصبحت أكثر تعقيداً, وألماً, لكنني مع هذا مليء بالتفاؤل, والأمل..

أكتوبر 18، 2009

وهل أخبرتكم قبل هذا عن ابنة سويفت؟

لماذا نحب الأعمال الرومانسية؟ أعتقد أننا نحبها لأننا نرى فيها نجاحاً فشلنا في تحقيقه. إننا نرى حلماً أردناه يوماً في واقعنا ولم نحققه لسبب أو لآخر.

أفكر أحياناً في أن الحب ما هو إلا ضرب من ضروب الذل الإرادي وهدر الكرامة المقصود, يرتاده الفرد كي يودي باستقراره الانفعالي, فيربط أكثر أجزاء قلبه إيلاماً بوتر قوي يصله بمن يحب, فإذا ما غاب الطرف الآخر اشتد الوتر فقلق وتوتر, وإذا ما هجره وقرر الابتعاد, انتزع الوتر قلبه فأماته كمداً. هذا بالإضافة إلى أن الكثير من العلاقات العاطفية تتحول في أغلب الأحيان إلى نوع من العذاب المكرور المتصل يجعلنا لا نجد ملجأمن الواقع المؤلم إلا في الخيال.

مع كل هذا فأنا أحب كثيراً الكلمات التي تغنيها تايلر سويفت في أغنيتها الرائعة Love Story خاصة ذلك السطرالذي يقول ما ترجمته “إنها قصة حب فحسب يا حبيبي وما عليك سوى أن تقول نعم”. هل يمكن أن يتم حل جميع مشكلاتنا بهذه البساطة؟ جرب أن تقول نعم, لربما تحل :)

حسناً, هذه جرعة من الأمل الرومانسي المحلق لصوت أحبه وأعتقد أنكم ستحبونه أيضاً..

(ملحوظة: مش عارف ليه حاسس إني بقيت باكتب التدوينات كإنها مترجمة هههههه)

أكتوبر 17، 2009

عزازيل

The_aspects_of_Life_and_Death_by_meluseena واليوم, لماذا أخاف الموت؟ خليق بي أن أخاف من الحياة أكثر. فهي الأكثر إيلاماً! ولماذا تتفرق سحب الإيمان مني كل حين؟ إيماني مثل سحابات الصيف الرقيق, ولا ظل له. أنا لن أبني كنيسة أبداً, ولن تقوم فوقي كنيسة أبداً, لأنني لست صخرة مثل بطرس الرسول, ولأن إيماني مشوب بشكوك كثيرة.

يوسف زيدان. عزازيل..

أكتوبر 15، 2009

قهوة سادة... على المسرح

coffee شاهدت متأخراً جداً العرض المسرحي قهوة سادة والذي يعد نتاجاً لورشة الارتجال لأستوديو التمثيل بمركز الإبداع التابع لوزارة الثقافة المصرية..

قد أبدو للبعض كلاسيكياً جداً ومتحجر التفكير حين أقول إن العرض لم يعجبني على الإطلاق وإنني لم أر فيه مسرحاً من الأساس. فالعرض لا يقوم على أي بناء مسرحي معروف بل هو يخرج خارج قوانين اللعبة, فيعتمد في الأساس على مجموعة من الاستكشات التي لم يضعها مؤلف وإنما ابتدعها الجميع, أو نقلها بعضهم. بعض هذه الاسكتشات كان مقتبساً من نكات تقال في الشارع المصري كل يوم, وبعضها كان به الكثير من الفن والجرأة.

لا يعتمد هذا العرض على فكرة أساسية وإنما هي مجموعة من الأفكار التي يشرب عليها الممثلون بين كل اسكتش وآخر "قهوة سادة" (بينما كنت أشرب أنا قهوة سادة على روح المسرح الذي أعرفه). فيتحدثون عن الغنى الفاحش لرجال الأعمال, وتأخر سن الزواج, والهجرة غير الشرعية, والفتاوى المجانية, والخلجنة, ومشكلة رغيف العيش, والمحاباة في الوسط الفني, وتفشي الجهل وأشياء أخرى. ولكل مشكلة من هذه المشكلات اسكتش أو أكثر, ويربط بين هذه الاسكتشات كلها وقفة واحدة أصبحت سخيفة في منتصف العرض يشرب فيها الممثلون القهوة على صوت تسجيل للزمن الذي مضى يعكس مدى الاختلاف بين ماضي هذا البلد وما آل إليه الحال في وقتنا الراهن. لكن هذا الرابط الشكلي لا يحول العرض من مجموعة اسكتشات متناثرة إلى عرض مسرحي (طبقا لمفهوم المسرح قبل تقديم هذا الشيء).

يعتمد العرض على الصراخ والعويل بالدرجة الأولى, ولا أعرف كيف لم يصب المشاهدون بالصداع, ولماذا لا يخفض الممثلون أصواتهم قليلاً. لا أنكر أنني ضحكت من خفة دم بعض هذه الاسكتشات لكن هذا ليس دليلاً على أن ما قدم ينتمي للفن. فنحن نضحك من تصريحات عادل إمام, فهل تعد تصريحات عادل إمام ضرباً من الفن؟!

لاحظت أن ثلث المرتجلين من الجنس الناعم, وكانت وظيفة نصفهن على الأقل إطلاق التنهيدات والآهات والصراخ والعويل.

المشكلة أن هذا العرض لم يلق أي هجوم تقريباً, واحتفت به الجماهير المصرية, وناقشه مثقفوها, ولم يحاول أحد الاعتراض على ما قدم إلا باستحياء شديد. أشد ما غاظني أنهم قدموه أيضاً في الأردن ونجح!!!

كيف ينجح عرض مثل هذا لا يوجد به غير ضحك على أشياء نعرفها جميعاً؟ كيف ينجح عرض فني تجريبي لا وجود فيه لموسيقى تصويرية جيدة, ولا حبكة, ولا تسلسل درامي, ولا أي شيء؟ كيف ينجح عرض جمع كل مشكلات مصر كي يبكي عليها دون تقديم حل أو تنوير أو مفارقة أو نظرة فنية؟

بقى أن أتكلم عن بعض الأوجه الجيدة في العمل. فالمرتجلون به استخدموا كافة وسائل الإضحاك من خلال الكلمة والحركة والموقف, كما أن اللعب بالإضاءة كان موفقاً في أغلب الاسكتشات.

أكتوبر 14، 2009

المهذبون يلقون حتفهم

منذ ما يقرب من أربعين عاماً, سافر الألماني هوفستيد إلى الكثير من بقاع العالم بهدف واحد. كان هذا الهدف هو إجراء الكثير من الاستقصاءات التي تبين الاختلافات الجذرية في السلوكيات والصفات بين الثقافات. وكانت نتيجة هذا السفر الدائب أن خرج الرجل بعدة نتائج أطلق عليها "أبعاد هوفستيد الثقافية".

ومن أهم الأشياء التي تعرض لها هوفستيد هو التعامل مع السلطة. أي كيف تتعامل الشعوب المختلفة مع أصحاب النفوذ بها؟ وقد صنع لهذا الغرض مقياساً سماه مؤشر حاجز السلطة (هكذا أحب أن أطلق عليه, بينما يفضل البعض أن يطلقوا عليه مقياس استعلاء السلطة). تبين للرجل أن هناك شعوب ترضى بالخنوع, وتحب أن تبتدع تقسيماً هرمياً سلطوياً دقيقاً ومحدداً. بينما تعتبر شعوباً أخرى السلطة أمراً مخزياً, بل ويلجأ أصحاب النفوذ في مثل هذه المجتمعات إلى عدم الحديث عنها أو التطرق إليها.

يشير الألماني هوفستيد إلى دراسة سابقة شملت عدة مصانع في فرنسا وألمانيا. حيث تبين أن الفرنسيين أكثر تمسكاً بوجود تسلسل هرمي يحكم الأمور عندهم, وأن 26% من العاملين في المصانع الفرنسية محل الدراسة كانوا يشغلون مناصب إدارية وكانت أجورهم باهظة, بينما كانت النسبة في ألمانيا 16% فقط وكانت الأجور أقل بكثير.

يعزو مالكوم جلادويل في كتابه Outliers الكثير من حوادث الطائرات إلى ارتفاع مؤشر حاجز السلطة في الثقافة التي أتى منها الطيار ومساعده مما يعوق التواصل بينهما. بل إنه يشير إلى أن الطائرة تكون أكثر أمناً حين يتولى القيادة مساعد الطيار وليس الطيار نفسه. ذلك أن المساعد (في البلدان ذات مؤشر حاجز السلطة المرتفع) يتحرج من أن يقول للطيار إنه أخطأ في كذا أو كذا, ويلمح بدلاً من أن يصرح, وتكون نتيجة ذلك في كثير من الأحيان تحطم الطائرة.

هذا يعني أن الثقافات التي أرضعت مواطنيها الخنوع, أو على الأقل الاحترام المطلق للسلطة لا يمكن لصناعة الطيران فيها أن تستقر. ضرب مالكوم الكثير من الأمثلة على زيادة حوادث الطائرات التي تنتمي لبلاد بعينها تقع في قمة مقياس حاجز السلطة ومنها كولومبيا وكوريا الجنوبية. الجميل في الأمر أن هذه المشكلة تم حلها بواسطة شركات الطيران من خلال تدريب مساعدي الطيارين على الاعتراض!

الواضح أن البلاد التي تربي مواطنيها وتهذبهم كي يخرجوا أبناء صالحين مطيعين هي أول من يتضرر حين يخطئ القائد ويضل فلا يصححه أحد. وحين يضل القائد تضيع البلد. دائماً ما أكرر في نفسي مثلاً يابانياً قرأته قبل سنتين: "تتعفن السمكة من رأسها".

وأنا أقول ريحة العفن دي جاية منين. :)

أكتوبر 13، 2009

تلات خرفان

ship

اكتشاف اليوم.. اسمه هشام الجخ, شاعر من قنا, يمزج في شعره بين الفصحى والعامية, ولا يكفي كي تنفعلوا معه أن تكتفوا بقراءة شعره, بل عليكم أيضاً أن تستمعوا إليه. على العموم هذه أحد أفضل قصائده, أتمنى أن تستمتعوا بها وبه.

__________________________________________________________

تلات خرفان
ودي حكاية وكان يا ما كان ..
تلات خرفان,
ومعزاية,
وشجراية,
وبير بترول,
وديب فجعان

تلات خرفان ما يتاكلوش في يوم واحد
ما يتهضموش

راح للخروف
اتخن خروف
قال “يا خروف ..
عيال اخوك متنعنعين.. متنغنغين
وانت هنا في اسوأ ظروف ؟!
يادي الكسوف !!”
راح الخروف
علشان خروف
ضرب الخروف
الديب حيسكت ؟
راح للخروف
تالت خروف
”شفت الخروف ؟!!
ضرب الخروف
احميك انا
وابات معاك في الدار هنا
واديني بس انت مكان”
راح الخروف
علشان خروف
إدّاه مكان

***

يوماً سنقراُ في الجريدةِ يا بلادي انّنا كنا خرافْ
سيجفُ هذا النفطُ فوقَ جلودِنا
ونودّعُ السبعَ السِمانَ ونلتقي ألفاً عِجَافْ
سيُدَوِّنَ التاريخُ اسماءَ الملوكِ العادلينَ
الصابرينَ.. الساكتينَ
الكاتمينَ الصوتَ بينَ شعوبِهم ..
مثلَ الزرافْ
سيحاكمُ التاريخُ حكامَ العروبةِ كلِّها
وسينزعُ الاظفارَ منهم في سبيلِ الاعترافْ
إني احبك يا بلادي مرغما
واقول شعرا يا بلادي مرغما
والشعر إن مسَّ السياسةَ يستحيلُ مصائبا
والشعر إن مسَّ الصعيديينَ مثلي
يستحيل كحدِّ سيفٍ لا يخافْ
انا لا اخافْ

***

من كام سنة
بِنْهِشّ بإدينا الفيران؟
ونقول ما ندَّخلش ف امور الجيران !!!
من كام سنة
راسمين رجولتنا ادب
ناقشين إدينا نقش حنة
وقلنا سنة
ورمينا من إيدنا سلاحنا
وقلنا هدنة
وبلدنا بِكْر بتُغتصب
يِعلاَ صوتها غصب عنها.. نِتْهِمْهَا بالشَغَب !!
يا بلاد ماليها الاَّ العجب
يا ( معرَّمين ) شعر وادب
هي الرجولة تتوزن وقت الغضب غير بالغضب ؟؟؟
هو اللي متَاخد غَصَب مش برضه يتاخد غصَب ؟؟
يا بلاد ماليها الا العجب
يا ( معرمين ) شعر وادب
الوزن هو اللي اختلف ولا الميزان اللي اتقلب ؟

من كام سنة بنسأل "بهية" مين قتل
واحنا اللي قاتلينه بإدينا !!
مدِّينا إيدنا للغريب وف بعض عضِّينا وعَادِينا
مين اللي ظالم في الحكاية .. ومين جبان ؟
مانلومش ع الديب اللي خان
احنا اللي خرفان بالوراثة
الصبر وارثينه وراثة
والطاعة وارثينها وراثة
والـــ ... وارثينه وراثة
وحاجات كتيرة مش وراثة
احنا واخدينها وراثة

انا كل ما اتذكر نحية العلم يسرح خيالي
كان صوتي لسه عيالي ..
بس عالي
كنت احسّ اني بهزّ المدرسة
كان العلم من فرحته يرقص على الساري اللي شايله
طب كنتوا ليه بتعلمونا نحفظ البرّ وجمايله
طب كنتوا ليه بتعلمونا نكره الظلم وعمايله
لمّـا انتو ناويين تسجنونا في ارضنا
كان ايه لزوم العلم .. وهمومه .. ورزايله
طب كنتو سبتونا بهايم كنا نِمْنَــا مرتاحين
ازاي ابيع ارضي وعارف ان جسمي اصله طين؟
طب كنتو علمتونا مثلا اننا من اصل تركي,
او اوروبي
ان جسمنا اصله حلاوة او مِلَبَّس
اشمعنى طين ؟
طب ولما الطين يروح .. ايه اللي فاضل ؟
ولمين نغني ونفدِي روح ؟ ولمين نناضل ؟
ولمين اعود واشتاق واحب واغير واكافح ؟؟
ولمين اغني واقول “بحبك يا بلد”
والحب طافح ؟؟

لاموا عليَّا الناس
عايزيني اقول اشعار في "محمد الدرة"
مش قايل !!!
ما انا لما قلت زمان يا بلادي يا ( رحبة )
قالوا ده واد سافل !!
واللي اتلَوِتْ مني واللي اتقَمَص مِنِّي
ونزلت عنيهم م الخجل في الارض
وبَهْدَلُوني وحَدَّفوني لبعض
وقالوا برضك عيب .. القاعة فيها بنات !!!!
طب يعني وفلسطين مش برضه فيها بنات ؟!
والله دي فلسطين نسوانها رجالة
هما اللي عمَّالة واحنا اللي قوَّالة
عندينا تِبْقَى الست وَلَدها طول الباب وتخاف يروح مشوار
وهناك حريم من غَضَب
شايفين عيالهم دهب
وعشان ما يلمع زيادة لازمن يدوق النار
وتقولوا اقول اشعار !!
مش قايل

هما تلات كلمات
نعم .. اكيد .. طبعا ..
وطول ما فيه جُبَنَا .. فرعون بيتفَرْعَن
والشعر اصله جبان
اللي يقوله جبان
واللي يعيده جبان
قولنا بلاش نكتب والحرب اولى بْنا
قالوا حرام والنبي خلُّولْنا اولادنا
خايفين على ولادهم م الجنة ونعيمها
شوفتوش خيابة و همّ
الاسم رجالة والاسم عندنا دم
دي ام موسى ( المرة )
خافت على ولدها .. رمته في قلب اليم
واحنا ( بنتسولق )
واحنا (بنتعولم)..
وبنتشوي قرارات
تطلع قراراتنا صورة جماعية على صفحة الجُرنان
يا ما اشجع الفرسان
وتقولوا اقول اشعار .. مش قايل

همست في وِدْني ( بَحِبَّك ) ..
كان جسمها مفرود والخمرة عامياني
وبياض إديها كان بيزعق لما تعدل شعرها
الواد بيعرج م الرصاصة اللي في رِجْلُه
شدِّت حزام الروب
وبانت زي شيء معرفش شعري يوصفه..
كانوا العساكر قربوا
والواد متبت ع الحجارة اللي ف إديه
مدّت إديها وقَّفِت كل الساعات
صوت الكاسيت نبَّهني اني ف شقتي
كانوا العساكر قربوا
بيقربوا بيقربوا
والواد متَبِّت ع الحجارة اللي ف إديه
وَقَعِت قزازة البيرة من إيدي على طرف السرير
الواد صرخ في مخبأه
فاتلفتت قلقانة خايفة لاتجرح
جريت على الصوت العساكر
وابتدى صوت الرصاص يملا الجبل
دوَّرت عندي في الدولاب على حاجة تنفع لجل تِتْحَزَّم لي بيها
ما التقيت غير شال اخويا اللي اتقتل تحت الجبل
كان برضه يعرج لما يمشي من الرصاصة اللي في رجله
وكان متبت ع الحجارة اللي ف اديه
مين اللي خانك يا وطن؟
قلعت حَلَقْها لما عَوَّرني ف رقبتي
وحطته جنب السرير
نامت على الارض العساكر لجل تسمع دَبِّة الواد اللي لسة مستخبي
اتكسف صخر الجبل من وقفته
هيَّج رماله ع العساكر
سامحيني يا وحدك
مقدرش اعيش هارب
انعس في حضنك كيف
والرملة في الصحرا واقفة وبتحارب

أكتوبر 11، 2009

سلف

cigarette_by_InnerdepravityART أعرني روحك لدقيقة واحدة كي أستريح, أو خذ روحي. خذها ولف بها سيجارتك كي تعطيها الفرصة.. حولها لدخان أبيض يتسامى في الهواء. وانفثها باستمتاع تام ودون أي شعور بالذنب. فقط خذها وحولها لدخان يرقص رقصة أخيرة قبل أن يلقي نظرة على الوجود ويختفي.

أعرني روحك يا صديقي كي أضحك.. أو خذ روحي وأرني كيف ستفعلها..

أعرني روحك..

أكتوبر 06، 2009

My Mood

dfds

يا مشرط الجراح أمانة علـــــــــــيك.
وانت ف حشايا تبص من حواليــك.
فيه نقطة سوده في قلبي بدأت تبان.
شيلها كمان .. و الفضل يرجع إليك ..

جاهين

أكتوبر 04، 2009

أحزان السيدة مصر

Abuse_of_sid_by_Guirnou قرأت هذا الأسبوع مقالاً بعنوان أحزان السيدة لورانس لعلاء الأسواني في بص وطل, يتحدث فيه عن لورانس الفرنسية التي قررت أن تغادر مصر إلى اليونان هرباً من تحرش المصريين بها. تقول السيدة إنها تتعرض للمضايقات والتحرشات باللفظ والفعل كل يوم تقريباً, وأن تجربة ركوبها للمترو في أحد الأيام كانت تجربة عصيبة لن تكررها ثانية. انهمك علاء الأسواني في نهاية المقال سارداً الأسباب التي جعلت المصريين الذين يُعرف عنهم التدين وحسن الخلق يشذون عن طبيعتهم إلى هذه الدرجة. ذكر الرجل من الأسباب البطالة وصعوبة الزواج وتغير نظرتنا للمرأة وانتشار الأفلام الإباحية.

كم هو طيب علاء الأسواني هذا!! فالأسباب التي ذكرها لا تتجاوز مجموعة الأسباب التي يمكن أن يذكرها طالب مجتهد في موضوع الإنشاء بامتحانات الثانوية العامة. هل هذه هي فقط الأسباب التي دعت المصريين إلى التحرش؟

إن كل هذه الأسباب التي ذكرها الأسواني لا تدعو فرداً واحداً إلى الإقبال على مثل هذا الفعل, فما بالك ونحن نتكلم عن شعب؟!

أنا أرى أن الموضوع يتخطى كل الأسباب التي اعتدت على سماعها في البرامج الحوارية وما قرأته في الجرائد والمجلات والمواقع. بل إن التذرع بصعوبة الزواج والبطالة وغيرها من الأسباب من شأنه أن يهون من فداحة وقبح الفعل. المشكلة كما أراها أن حلقة مفرغة من السادية يدور فيها هذا الشعب. يتعذب المصري على أيدي من هم في السلطة, فيجد في نفسه الرغبة في التنفيث عن نفسه. إن إساءة استخدام السلطة التي تمارسها الكثير من الجهات على المواطن تجعله مدفوعاً بشكل أو بآخر إلى قهر من هم أضعف منه.. لا أقصد هنا بالطبع أن النساء أضعف من الرجال, وإنما يراهن الرجال هكذا في ثقافة مجتمعنا.

من المؤكد أن الأفلام الإباحية وانتشارها المستشري يلعب دوراً في انتشار التحرش بالشوارع المصرية, لكن هذه الأفلام نفسها يراها الشباب في ليبيا والسعودية وغيرها من الدول, فلماذا نتحرش نحن فقط بأنفسنا؟ هي قلة الأدب إذاً, قلة التعليم, قلة الإرشاد إلى حسن التصرف. التدين في مصر تدين شكلي, والأخلاق العامة في انحدار, والنظام التعليمي لا يهتم بالتربية بقدر ما يهتم بحشر مادة علمية في ذهن الطالب.

من العادي أن ينسب الجميع هذه الظاهرة للملابس التي تلبسها الفتيات. وأنا أرى أن الفرد المهذب لن يتحرش بامرأة مهما كان ما تلبسه. لكن هذا لا يعني أن تتحرر المرأة تماماً فتخرج شبه عارية. بل إن الفتاة التي تخرج هكذا هي أحد أسباب التحرش بفتاة أخرى مهذبة. فالمتحرش شخص ضعيف الشخصية يريد أن ينفث عن القهر الذي بداخله, وهو لن يغامر بالتحرش بامرأة يراها مكشوفة الوجه والجسد, فهي القادرة على تحدي تيار المحافظة في المجتمع ستكون قادرة بكل تأكيد على رفع صوتها والتسبب له في فضيحة. لذا فهو ينتقي من بين الفتيات من يشعر أنها لن تتكلم وتكون هذه في الأغلب فتاة محجبة أو منقبة.

كنت قد قرأت عن بعض الدراسات التي تقول إن أغلب المتحرشين هم من المراهقين في المدارس أو من الرجال فوق سن الأربعين (أغلبهم متزوجون) مما يعني أن الموضوع غير متعلق بالبطالة ولا تأخر سن الزواج بشكل أساسي.

التحرش الجنسي هو عرض لمجموعة متداخلة من الأمراض الأخلاقية تعاني منها هذه الأمة, وهو مثل أكوام القمامة التي تملأ شوارع العاصمة.

أكتوبر 02، 2009

خدمة وحوي

DGDSG

الرزية.. منتج جديد تروج له شركات المحمول في دولة فساتونيا, وتقول إنه صباع سيجعلك تدخل على الإنترنت في أي وقت وأي مكان.

المواطن صابر عبد الصبور أبو صابر فساتوني محب للتقنيات الجديدة.. قرأ عن الرزية في الجريدة التي اشتراها كي يسلي صيامه, فذهب من فوره لشركة ابتسارات (هذا ليس اسمها الأصلي بالطبع, هو فقط يدلعها بهذا الاسم فابتسارات نسبة للمبتسرين أي الأطفال الجدد, وهذه الشركة هي أحدث الشركات وآخر العنقود وموطن الأمل).. كان شكل الرزية مضحكاً ومدهشاً في ذات الوقت, فهي صباع طويل يذكرك بتلك الإشارة غير المهذبة في الأفلام الأمريكية. نفض صابر عن نفسه تلك التداعيات و"استمتع" بالمنتج ليوم كامل.

في الصباح كانت الصدمة كبيرة عليه, فقد دفع 200 أهيف فساتوني كي يحصل على الرزية. الإعلان الذي في الجريدة يقول أنهم خفضوا سعرها اليوم لـ99 أهيف, مما يعني أنهم سكوه على قفاه في نصف المبلغ على الأقل.

- الحرامية أولاد (التييييت). لو بس أتلايم على واحد فيهم. أنا يسكوني على قفايا في ميت أهيف. آآآآآآآآآآه.

بدت بعض أعراض الغيظ على المواطن صابر, فقد احمر وجهه احمراراً يميل إلى السواد, وتشققت عيناه بشرايين منتفخة. مد يده يتناول علاج الضغط, ووضع الصباع في جهاز الكمبيوتر الخاص به. ثم كانت الصدمة الأكبر, فالصباع توقف عن العمل. بأصابع مرتعشة, مد صابر يده ووضعها على قلبه وأمسك بيده الأخرى سماعة الهاتف كي يتصل بخدمة العملاء:

- صباح الخير أهلا بيك في ابتسارات أحمد في خدمة حضرتك يا فندم..

- أهلا أحمد.. أنا 01515151511, ممكن أعرف الخدمة اتوقفت عني ليه؟

- حاضر.. لحظات وهابقى مع حضرتك يا فندم.

بعد ربع ساعة

- شكرا لانتظار حضرتك معانا.. حضرتك فعلا مشترك عندنا

- لا والله يا شيخ؟ ما كنتش أعرف. الخط اتوقف ليييييييييه؟ (بغيظ واضح)

- الخط اتوقف عشان حضرتك خلصت الباقة.

- نعم؟ ليه يعني؟ ده أنا كل اللي عملته إني دخلت على موقعين تلاتة, إزاي يعني خلصت؟

- حضرتك لو عايز تجدد الباقة تشحن بأربعين أهيف وهاتلاقي الخدمة اشتغلت تاني يا فندم.

- اللهم طولك يا روح.. يا ابني باقولك ما استعملتش الباقة أساساً. بأقولك إيه.. شوفلي حد كبير أكلمه.

- حضرتك لو عايز تتظلم, اتوجه لفرع الشركة واكتب شكوى.

- بأقولك هاتلي حد كبير يا شاطر.

- أنا آسف يا فندم هو ده السيستم عندنا.

- بس انت ما تعرفش بقى السيستم عندنا إيه.. قول وحوي.

- نعم.. إيه يا فندم؟

- قول وحوي.

- وحوي

- وحوي يا حبيبي

- كل سنة وحضرتك طيب. أي استفسار تاني يا أستاذ صابر. إحنا في خدمة حضرتك يا فندم.

(تشك) أغلق صابر الهاتف, وجرجر قدميه نحو السرير كي يتمدد عليه. كان لسانه قد تدلى وتهدلت شفاتيره, بينما أحس بكلاب تنبح في رأسه. تمدد لفترة ثم قرر أن يدفع وأمره لله.

بعد الشحن لم يستخدم صابر الصباع. كان فقط يدخل على المواقع المجانية, وحين يضطر إلى الدخول على المواقع الإخبارية كان يضغط على سر إيقاف التحميل بسرعة فتتوقف الصفحة عن الظهور ولا يبدو منها سوى عناوين الموضوعات.. على العموم هو لم يكن يرغب سوى في مطالعة عناوين الأخبار. المشكلة أنه بعد ساعتين من الشحن توقف الصباع مرة أخرى..

- صباح الخير أهلا بيك في ابتسارات.. أحمد في خدمة حضرتك يا فندم..

- أهلا أحمد.. أنا 01515151511, ممكن أعرف الخدمة اتوقفت عني ليه؟

- حاضر.. لحظات وهابقى مع حضرتك يا فندم.

بعد نصف ساعة

- شكرا لانتظار حضرتك معانا.. حضرتك فعلا مشترك عندنا

- لا والله يا شيخ؟ ما كنتش أعرف. الخط اتوقف ليييييييييه؟

- هو واضح قدامي يا فندم إن فيه مشكلة في العنوان.

- وبعدين.

- بس يا فندم

- قول وحوي

- نعم يا فندم

- بأقولك قول وحوي

- كل سنة وحضرتك طيب يا فندم

- قول وحوي

- وحوي يا فندم

- وحوي يا حبيبي..

- أي استفسار تاني يا أستاذ صابر. إحنا في خدمة حضرتك يا فندم.

- آه فيه استفسار تاني.. هو انتم مش شركة محمول برضه؟

- تمام يا فندم

- يعني عندكم محاميل كتير.. طيب مش كنتم اتصلتوا بيا بدل ما تقطعوا الخدمة عني وأنا دافع فلوس.

- أنا آسف يا فندم هو ده السيستم عندنا.

- بس انتم ما تعرفوش السيستم بتاعي.. وحوي وحوي وحوي

(تشك)..

النت بالقطارة, كان هذا شعار صابر للمرحلة التالية. نت المواقع المجانية فقط. نت بلا تصفح ولا فيديو ولا داونلود.

"فليكن" هكذا قالت زوجة صابر وهي تدلك له صدره بعد الذبحة التي أصابته. قال الطبيب إن عليه أن يأخذ الأمور ببساطة وأن يتركهم ينهبوا أهله دون أن يعكر دمه. وكان رد صابر بكلمة واحدة ترتبط بالشهر الكريم. حيث بدا واضحاً أنه يستخدم هذه الكلمة بدلاً من كلمات أخرى بذيئة يستخدمها في غير الشهر المبارك. عندما أفاق صابر من المرض أدخل الصباع في الكمبيوتر وقرر أن يستمتع بماله ولو للحظات. ثم فوجأ بماذا؟ تخمينك صحيح.. انقطاع الخدمة.

- صباح الخير أهلا بيك في ابتسارات..

- صباع الزفت.. صباع الرزية والهباب. أظن ما هاتقولي ان اسمك أحمد.. أهلا يا خويا.. تشرفنا يا خفيف.

- سامح مع حضرتك يا فندم.

- لا يا شيخ.. اطلع من دول يا أحمد... اطلع من دول.. العصافير اللي دقيتهالي طارت.

- لا مؤاخذة يا فندم؟

- وحوي يا أحمد.. وحوي وحوي وحوي وحوي وحوي يا أحمد.

- كل سنة وانت طيب يا فندم. أتشرف باسم حضرتك.

- يعني مش عارفني يا سي أحمد؟ أنا 01515151511

- أهلا أستاذ صابر.. تحت أمرك يا فندم.

- تحت أمري؟ ده أنا اللي خدام السيادة. الخدمة.. الهباب.. الرزية اتقطعت ليه؟

- حضرتك خلصت الكريديت بتاعك, والباقة وكل حاجة.

- ده امتى ده؟ أنا كنت في المستشفى.

- يا فندم أصل أي موقع بتدخل عليه بياخد ميجابيتس كتير.. كتير قوي

- انت فاكرني إيه يا عم أحمد.. ده أنا كنت على النت قبل ما بابا انت يقول لماما انت تييييييييييت تييييييييت. ده أنا كنت باستخدم النت أيام ما كان بكروت يا تتتتتتتتتتيييييييييييت.

(تشك) رعشة كبيرة تنتشر في جسد صابر, مع ارتفاع ملحوظ في درجة الحرارة واسوداد في الوجه, واهتزاز كبير في الصدر.

نظر صابر في المرآة, وقد أحس بأنه على وشك الموت. سيكون الرجل الأول الذي يقتل عن بعد. سيكون الضحية الأولى لخدمة العملاء وشركة ابتسارات والرزية.

كان أول عهد صابر بخدمة العملاء مع شركة أم نبيل التي كادت تقتله لولا أنه حافظ على صحته ورمى شريحتهم واستخدم بدلاً منها شريحة فؤادفون. صحيح أن الخدمة في فؤادفون ليست جيدة, لكنهم يعرفون كيف يتعاملون مع البشر.

تررررررررررررن ترررررررررررن

- أيوة

- صباح الخير سوسو نبيل من شركة فؤادفون مع حضرتك يا فاندم. (هكذا قالتها بدلع زائد)

- أنا دفعت الفاتورة على فكرة.

- لا يا فندم أنا مش باتصل عشان كده. أنا بس عايزة أعرف رأي حضرتك في الخدمة. أصل حضرتك عميل فؤادفون المميز.

- الخدمة حلوة قوي يا سوسو.. يعني المكالمات ما بتتقطعش, والشبكة مش مشغولة خالص, وسامعة الصوت ده: تششششششششششششششش تششششششششششششش. ما بقاش بيطلع خلاص.

(كه كه كه تضحك ضحكة ذات مفعول أقوى من مفعول فتاة إعلانات ميلودي.. تلك الفتاة التي ينبغي أن يأخذوها في إعلانات الجيلي)

- يعني كله كويس؟

- قوليلي يا سوسو.. انتي تحديتي الملل قبل كده؟

- نعم؟

- لا أبداً.. ممكن أطلب طلب.

- اتفضل يا فندم إحنا..

- عارف عارف في خدمتي وكده يعني. بصي أنا هاقول حاجة وانتي تردي على طول. ماشي؟

- تمام

- وحوي

(كه كه كه تضحك ضحكة ميلودية أخرى)

- وحوي يا... (كه كه كه ) يا حبيييييبي

(تشك)

----------------------------------------------------------------------------------

شوية جد:

يتم التضييق علينا في بلادنا في الاتصالات وفي خدمة الدخول على الإنترنت من قبل شركات تستغلنا وتمتص دمانا ولا تعطينا خدمة جيدة. هذا بالطبع لأنهم دفعوا للحكومة مبالغ طائلة استحقوا بها ميزة استعباد الشعب, ولهؤلاء جميعاً أقول كلمة واحدة. أعتقد أنكم تعرفونها الآن.