أبريل 30، 2009

فقد

y1p-GNbevUBsUd_HHoJb9Q-3QS9B3KouyWmIZNkifHa0sbPTfj10KLecjSZLzja9Rz-PeNLWdwbIM0

قبلني أبي..

سألني أين ذهب "الساندوتش" فأشرت إلى الدب المرسوم على مريلتي عند بطني. ضحك وحملني ثم خرج بي من المنزل. وضعني أمامه على الدراجة. وقاد بي, غنى وأخذت أردد معه:

كان فيه واد اسمه الشاطر..

غنى أبي الكثير من الأغاني ورددت خلفه, أحيانا كنت أنشغل باللعب بجرس الدراجة فيلتقط يدي ويقبلها بفمه الكبير, وأحيانا كنت أفرد يداي في الهواء وأغمض عيني فأحس كما لو كنت أطير. ضحكت كثيرا وضحك وحين وصلنا أنزلني. مشى معي في طرقة طويلة وأسلمني لسيدة دخلت بي إلى حيث وجدت وجوها كثيرة لأطفال في مثل عمري يلبسون مثل مريلتي. قال إنه سيعود ليأخذني وإنني يجب أن أبقى هادئا وألا أزعج المدرسين. حين انغلق الباب. جريت نحوه لكن الأستاذة أمسكت يدي وأجلستني. أدرت بصري في المكان فرأيت وجوها لا أعرفها, بكيت وأخذت أضرب الأرض بقدمي, ضربتني الأستاذة فبكيت أكثر ووضعت رأسي على الدرج وناديت أبي..

- أين ذهبت ولم تركتني هنا؟

حين رفعت رأسي, كانت الدموع لاتزال تتخلل لحيتي, وجدت يدا ممدوة نحوي:

- البقاء لله

أدرت بصري في السرادق رأيت وجوها لا أعرفها.. فبكيت أكثر

أبريل 28، 2009

أجمل ما قرأت هذا الشهر

The commuter – one who spends his life In riding to and from his wife; A man who shaves and takes a train And then rides back to shave again  (E. B. White)l

He who does not mind his belly, will hardly mind anything else. (Samuel Johnson, English author)

Nothing is easier than saying words. Nothing is harder than living them day after day.l (Arthur Gordon)l

The society which scorns excellence in plumbing because plumbing is a humble activity and tolerates shoddiness in philosophy because it is an exalted activity will have neither good plumbing nor good philosophy. Neither its pipes nor its theories will hold water.l(John Gardner)l

Courage is fear that has said its prayers.   (Karl Barth)l

When a brave man takes a stand, the spines of others are stiff-ended. (Billy Graham)

Your candle loses nothing when it lights another.l

Of all the things a leader should fear, complacency should head the list.l

(John Maxwell)

If you don't like the crop you are reaping, check the seeds you are sowing (John Maxwell)l

The noted psychoanalyst Erick From once remarked that it's important not to jump too hastily to the conclusion that you're mentally ill, when indeed it may be the society around you that is ill. (John Maxwell)l

مرسومة ليك طاقة انتظار..
وألف ليل ولا فيش نهار
الليل خلاص أصبح تابوت
ميت أنا من غير ما اموت

(علاء المغربي)

مشى فينا القطار؛ تتراكض الأيام من النافذة. قهقه طفلي الجالس خلفي فرحاً بركض الأشجار. التفت إليه ؛ فإذا هو أبي يملأ كرسيّهُ بالبكاء . (جبير المليحان)

أبريل 21، 2009

من أخبار الموت



كنت أعبر الطريق حين ظهر السائق المتهور فجأة, وبدأ من حولي يهرولون يمنة ويسرة.. كنت على بعد خطوات من الشركة التي أعمل بها. وقفت في منتصف الطريق نظرت في عيني قائد الأتوبيس الأرعن.. في عينيه مباشرة وابتسمت.
منذ متى لم أعد أخشى الموت.. لا أعلم ربما منذ قرأت مقولة ويليام شكسبير على لسان يوليوس قيصر.. حيث قال إن الشجعان لا يخافون الموت وأن الجبناء يموتون ألف مرة.


Cowards die many times before their deaths
The valiant never taste of death but once
Of all the wonders that I yet have heard
It seems to me most strange that men should fear
Seeing that death, a necessary end
Will come when it will come


هذه أول مرة أكتب عن شيء ليس لي به دراية كافية لكن إن لم تكن تعلم شيئاً عن الموت, إن لم تتفكر فيه من قبل, إن لم تستشعره, تعال أحدثك أنا عن أخباره..

كثيرا ما شارفت على أعتاب الموت أثناء النوم. الدراسات تقول إن المصابين بالغيبوبة والمشرفين على الموت يرون نفقاً مظلما في نهايته نور ينجذبون إليه. رأيت هذا في منامي بأشكال مختلفة. وانجذبت إليه. يقول د. مصطفى محمود "لو أكملت السير في النفق فربما تموت في الواقع, لكننا ليس لدينا أدلة كافية على هذا, فلم يكمل أحد النفق وعاد مرة أخرى كي يخبرنا!!!"

خروج الروح ليس مؤلما جداً. على الأقل لن يكون مؤلماً جدا لجميع الأشخاص. فالروح حين تخرج تشعر بها كوخذة في كل خلية بجسمك, تشعر أن مغناطيس كبير يجذب ذرة حديدية في كل منها. تسألني كيف عرفت هذا؟ عرفته من كوابيسي.

قد يكون كل ما قلته مجرد هراء، قد تقول إنني فقدت عقلي. فالموت أمر غيبي لا يعلمه إلا من مر به. وأنا لا أكتب هنا كي أخترق حرمة هذا الغيب, وإنما أنا أكتب عن الشعور بالموت, الإحساس به, انتظاره وترقبه.

أشد ما أعجبني في رواية واحة الغروب ترقب البطل للموت وترحيبه بفكرته. هذا يعطي للبشر حرية كبيرة وشجاعة لا توصف. أذكر دائماً قول خالد بن الوليد: "لم يبق شبر في جسدي إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير"! كان خالد يتحسر لأنه أراد أن يواجه الموت قوياً فيموت شهيداً. هذا الترقب أورثه القوة طيلة حياته.

منذ عدة أسابيع شاهدت فيلم ويل سميث الرائع 7 Pounds,

؟ What's the emergency -
There has been a suicide -
Whose the victim -
I am -

هكذا بدأ الفيلم الذي جسد الموت في صورة قنديل البحر. كيف لم أفكر في وجه الشبه من قبل؟ لابد أن الموت مثل قنديل البحر أبيض, هادئ, ورزين, وقوي. لابد أنه نقي وطاهر وشفاف.

لم يخش الرسول (ص) من الموت, لكنه حزن على فراق ابنه فقال: "إن القلب ليدمع وإن العين لتحزن على فراقك يا إبراهيم".
الموت ليس مخيفاً إذا. الموت لا يخيف من يقبلون عليه. إنه يخيف من يتشبثون بالحياة. كما أنه أقل إيلاماً من الفقد.

أبريل 20، 2009

رجل أعرفه



تحكي لي أمي أنه كان بطلا.


تقول إنه كان جندياً في الدفاع الجوي, وإنه أسقط 13 طائرة إسرائيلية وهو عدد كبير يستحق عليه نجمة سيناء تشريفاً له. تحكي أيضاً أن وحدته استشهدت بالكامل, وأنهم وجدوه ملقاً في الرمال الساخنة وبين يديه بقايا صديق له من بورسعيد. آثر ألا يتركه لحيوانات الصحراء تأكله.. فمشى به مسافة طويلة وأعيته الشمس وأعياه الصيام فوقع مغشيا عليه. حين استيقظ وجد نفسه في عربة نقل الموتى. بين رؤوس وأكتاف لأناس يعرفهم ويحبهم.


دخل المستشفى لكنه لم يخرج من المرض من وقتها.

بعد الحرب أقيمت له محاكمة عسكرية لاشتباه في تسببه في وقوع طائرة مصرية. لكن القاضي نظر إليه وقال "انت بطل يا ابني" وأصدر حكماً بالعفو عنه.


أذكر يده الباطشة. كنت أتوجع حين يداعبني من قوة يده, بينما لا تدل نحافة جسده على هذه القوة. أحيانا كنت أخافه حين يضحك. ولا أذكر أنه بكى سوى مرة واحدة.


ذات يوم عاصف, قرر الطلوع على سطح شقتنا كي يثبت غرفة من الخشب كنا نستعملها كعشة. خافت عليه أمي, فنطق بجملته الأولى عن الحرب.. قال:


- احنا كانت النار فوقينا وتحتينا.


ثم طلع إلى السطوح وكانت الرياح عاتية.. حركت الغرفة مسافة خمسة أمتار.. أنا متأكد أن عشرة رجال لن يستطيعوا أن يحركوها هذه المسافة. أمسك بالطوب وربطها بحبال في أجزاء بارزة من قوائم العمارة.


منذ عشرة أعوام رأيته يمشي على قدمية ذاهباً إلى العمل. تأملته. وصعب عليه تجاهل البلد له كثيراً. إذ لا يعرف أحد ما قدمه لهذا البلد. يمشي بينما هم يركبون السيارات الفارهة. يضحكون بينما أصدقاؤه ينزفون دماً كل يوم في عقله ووجدانه.


منذ عامين قرأت قصة لخيري شلبي. اسمها "سماعين". كان سماعين فتوة الحتة الذي يهابه الجميع. ولما مات في أوج قوته, استعجب الناس, ولم تصدق أمه فكانت تنادي عليه بعد وفاته كي توقظه في نفس الموعد الذي اعتادت أن توقظه فيه.


كان الرجل الذي أحدثكم عنه قوياً, ولو أنه مات قوياً لانتبه الناس.


هذا الرجل هو أبي.


يرقد الآن في فراش المرض, ولا يزوره أحد.


اللهم أمتني صالحاً وأمتني قوياً.

أبريل 11، 2009

سوداء عباءتك، لكن شعرك أبيض

Dad__by_crissroden في المساء, أتدثر بعباءتك التي أرخيت على كتفي عندما كنا واقفين على رصيف المحطة. يقتلني ألم أسفل ظهري. منذ أن نزلت السلم معي حاملاً حقائبي وألم الظهر يقتلني. البرد هنا قارس, أرتعش وأشم رائحتك في العباءة.

أتعرف أنت قاس حقاً. حجزت تذكرة سفري, وأوصلتني, وتجمد وجهك طول الطريق دون ابتسام ودون ألم, وحين أتى القطار ضممتني.

كم كنت قاسياً حين تشقق وجهك وابتسم, وحين استدارت شفتاك وقبلتا جبهتي؟ ولماذا قبل أن يتحرك القطار أعطيت ظهرك, ومشيت؟ كنت في الماضي تمشي وألهث خلفك, لماذا تمشي الآن بهذا البطء؟ ومتى انحنى ظهرك وتهدل كتفاك؟

سوداء عباءتك يا أبي لكن شعرك أبيض وحزنك أبيض.

أبريل 10، 2009

شاي والا


كان عم رمضان طويلاً, أسمر, ووسيماً إلى حد ما.


كل صباح, أستند على الحائط خلف الكنبة التي أمام البوفيه وأشير بيدي إشارة يفهمها. لم يعترض الرجل يوماً ولم يتأخر. كان يفهم على الفور ويأتي لي بكوب شاي وابتسامة. صحيح أنه لم يكن يجيد صنع الشاي كما أفضله, لكنه كان بارعاً في الابتسام. أذكر كيف جرى خلفي ذات مرة طريقاً طويلاً كي يعطيني أوراقاً نسيتها في المدرسة. كان فتياً رغم سنه, لحق بالسيارة وأعطاني الأوراق. حين كنت أجلس بين الحصص كنت أتفحصه. ثيابه تدل على أنه ابن عز. فالجلباب الصوفي الطويل والحذاء اللامع والشال العريض وكل شيء فيه كان يشي بأنه ليس فقيراً. بعد سنوات, وبعد أن قدم لي ما يزيد على ألف كوب من الشاي علمت أنه هو الذي تبرع بالأرض التي أنشئت عليها المدرسة. علمت بعد سنين أنني ضيف على من يصنع لي الشاي.

في عملي الجديد, يقدم لي الشاي رجل كبير السن, بطيء الحركة, شعره أبيض رمادي كسحاب يوم ممطر. اسمه عم عاصم. خجلت في أول يوم أن أطلب منه كوباً من الشاي. أتاني وأشار لي بيده تلك الإشارة التي كنت أشيرها لعم رمضان. ابتسمت..
- "أيوة, يا عم عاصم. بس أنا خايف أتعبك".

للشاي لغة إذاً.


في عيني عم عاصم أب وجد ودروب وسفر وحياة. في عينيه أيضاً بؤس وحزن وشقاء. في يومي الثاني بالعمل جاء مبكراً وفي يده فوطة نظيفة, أزال ما على مكتبي ومسحه وتمنى لي صباحاً جميلاً. مؤكد أنه سيكون جميلاً ذلك اليوم الذي يبدأ بوجهك يا عم عاصم. أشار بيده تلك الإشارة, فأجبت أن "نعم".


علمت من زملائي بالعمل أن عم عاصم كان يعمل مدرساً للرياضيات ثم ناظراً لأحد المدارس, وأنه أعير للملكة العربية السعودية وعاد منها منذ عشر سنوات ليسافر إلى إسبانيا. لا أعرف بالضبط ما الذي كان يفعله هناك لكنه سافر. حين قلت له ما عرفت, قال إن هذا صحيح. سألته لم يعمل عاملاً, إن كان يمكنه أن يعمل في وظيفة أفضل. أعطاني ظهره وقال أن هذا أمر شخصي يود حفظه لنفسه.
في كل نادي أو كافيتيريا, أدقق النظر في من يقدمون الشاي.. أعلم أن خلف كلماتهم القليلة حكايات وحكايات.


شاهدت منذ عدة أسابيع المليونير المتشرد أو Slumdog Millionaire, الفيلم الحائز على أوسكار (كل حاجة). يحكي الفيلم عن ساليم الذي يعمل عامل شاي أو "شاي وَالا" (بتفخيم اللام). بطل الفيلم شاب جاهل لا يعرف كيف يقرأ أو يكتب, لكنه مع ذلك يفوز بجائزة النسخة الهندية من برنامج من سيربح المليون. يفوز البطل- وهو الذي لا يجيد القراءة ولا الكتابة- بمليوني دولار فشل في الحصول عليها المثقفون وأساتذة العلم. وحين يُحَقَق معه ظناً من مقدم البرنامج أنه يغش, يبدأ البطل في سرد حياته فنعلم كيف أجاب عن الأسئلة. لست هنا بصدد نقد الفيلم الذي لا أراه مبهراً وإن كنت أقر بأنه فيلم جيد الصنع. لكن الإنسان طاقة, وأريد أن أعبر عن غيظي من أحد المشاهد. ففي الفيلم نجد أخا البطل (وهو بلطجي درجة أولى) يصلي صلاة المسلمين لله كي يغفر له ذنوبه, ثم يخرج كي يروع الآمنين. صورة تكررت في الكثير من الأفلام الأمريكية والبريطانية على السواء. ولا أعلم كيف ينال الأوسكار فيلم أساء فهم شعوب بأكملها.

تعلمت خلال الفترة الماضية أن لكل شخص حكاية. كنت أعرف ذلك لكنني لم أكن قد رأيته.