أبريل 21، 2007

الحكومة الأمريكية للتربية والتعليم !!



أثناء مشاهدة الفيلم كنت أضرب رأسي بيدي بين الحين والحين متعجبا من براعة الكاتب.. تلك البراعة التي لا تنبع من قدرته الفائقة على الكتابة, لكنها براعة توظيف التاريخ بكل حذافيره كي يخدم أغراض الدولة في العصر الحالي


شاهدت بالأمس فيلم "300", وأجدني لا أستطيع سوى أن أصفق للأمريكان فقد لعبوها بدهاء شديد.. الفيلم باختصار يحكي عن اسبرطة القديمة, حيث يبدأ بمقدمة تظهر القسوة التي يتم بها التعامل مع أطفال اسبرطة كي يصبحوا جنودا أقوياء شجعان. ثم ينتقل الفيلم إلى القصر الملكي فنجد ملك اسبرطة وزجته يقابلا رسولا من جيوش الفرس. يرفض الرسول الكلام مع زوجة الملك (في إشارة واضحة أن الفرس لا يحترمون المرأة بينما تعطيعا اسبرطة حقها كاملا) وعندما ينفرد مع الملك يطلب منه تسليم البلاد مقابل العفو والرضا الفارسي.. ينتهي المشهد برمي الرسول حيا في البئر المخصص للرسل قليلو الذوق


وطبقا للقوانين الاسبرطية فعلى الملك قبل خوض أي حرب الرجوع إلى الكهنة كي يختبر رغبة الآلهة.. ولأن الفرس "الوحشين" رشوا الكهنة فقد رفضت الآلهة خوض الحرب. باقي الفيلم يمثل استبسال 300 من جنود اسبرطة أمام جيوش الفرس العظيمة.. وكيف أنهم أرهقوا المارد الفارسي قبل أن يموتوا فداء للوطن.. (تصوروا إن 300 عملوا كده أمال لما يطلع جيش اسبرطة للحرب هيعمل إيه؟)


"فين المشكلة؟!" الموضوع كله لغاية دلوقتي بيتكلم عن الاسبرطيين أو الازبرطيين كما أحب أن أناديهم. المشكلة بالطبع أن الازبرطيين هم الأمريكان الذين تحتم عليهم خوض الحرب مع جيوش الشرق العظيمة.. وماتت منهم فئة قليلة بين العراق وأفغانستان. والفيلم يوجه رسالة صريحة لكل أمريكي إزبرطي صالح أن الحرب لم نخسر فيها سوى عدد قليل من أفضل جنودنا.. وأن أمريكا قادرة على سحق جنود الشرق الإرهابيين.. وأنه لا ينبغي أن نحزن على هؤلاء الجنود وأن الفرد الأمريكي الصالح لابد أن يقدم نفسه للقتال في معارك قد يعود منها بدرعه أو يعود محمولا عليه, فلا مكان للعاطفة أو الخوف في أمريكا الازبرطية. الفيلم يشير أيضا إلى أن أهل الشرق لديهم دين وعقيدة وأخلاق.. لكنه دين فاسد فالفرس في الفيلم يعبدون ملكهم وعقيدتهم الذبح من أجل رضاه وأخلاقهم الفوضى والحرب


يأتي الفيلم ضمن جهود الحكومة الأمريكية المتفانية لحشد الرأي العام الأمريكي مع الإدارة الأمريكية في حروبها خارج البلاد.. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد فأمريكا لا تربي الشعب الأمريكي فقط, لكنها تمول نشر الكتب التي تحمل الأفكار التي على مزاجها والتي تعتقد أنها سوف تساعد في الحد من تفريخ إرهابيين جدد في الدول التي تعتبرها مزارع للإرهاب مثل مصر


الفيلم من الناحية الفنية يعد طفرة في عالم السينما حيث سجلت جميع مشاهده في الاستديوهات وربما لا يشعر المشاهد بذلك على الإطلاق.. اللهم إلا إذا دقق النظر في الإضاءة على وجه الأبطال فيعلم أن مصدرها ليست الشمس وإنما العديد من الكشافات. قصة الفيلم لم تقدم أي حيلة فنية وإنما سارت في اتجاه واحد وكانت بسيطة للغاية.. استخدم المخرج بعض أجزاء لموسيقى تصويرية تشبه تلك الموسيقى التي يسمعها الجنود الأمريكان في العراق والتي أشار إليها قبل ذلك فيلم فهرنهايت9\11. ولتقريب الصورة لذهن المواطن الأمريكي بشكل أكبر نشاهد الملك والملكة يمارسان الجنس في الفيلم على الطريقة الأمريكية؟!


كرد فعل طبيعي لإيران.. خرج المسؤولون الإيرانيون ليعلنوا أن الفيلم شوه التاريخ واختلق الكثير وأن إيران سوف تنتج فيلما مضادا يحمل الحقيقة التاريخية.. وكأن أمريكا كانت تبحث عن الحقيقة التاريخية حين أنتجت الفيلم!!!

أبريل 09، 2007

خطأ



حين تنازل جرس الهاتف عن صمت دام لأيام, طرقت أذنيك رسالة حب, أغلقت المذياع, خفضت كثيراً صوت التلفاز, لمست قدماك الأرض , وامتدت يدك لتطوي الجرنان , وامتدت يدك تلامس عنق السماعة.

كنت تظن أنك إن لم تلق بنفسك في بئر السماعة, أنك إن لم تخرج أكوام الصمت النائم فيها, كنت تظن أن الصوت سيأتي فيقول أحبك, وتقول أحبك, لكن الصوت شبيه حبيبتك يعلم كيف يحولك لعبد.

حين تنازل صوت السماعة عن صمت دام , يخرج صوت يشبه صوته , تذكر أنك حين أردته , حين احتجته , حين شحذت لقاءه.... تذكر قلبك حين وقفت وحيداً تذكر آلامه , تتعجب أن يعتذر إليك , تتعجب أن يذكر إيلامك .

حين تفسر صوت السماعة لم تدهش حين علمت أن الصوت الصادر منها صوت خاطئ , إذ يعتذر الصوت على خطئه , ترفع قدميك على الكرسي وتكرر أنك من أخطأ إذ رد .

أبريل 08، 2007

مرارة روح




لكن السائق أنزلني.. كنت أعلم أنه كان يكذب حين قال أن المسافة بين الطريق الرئيسي والمدرسة "فركة كعب" لكني نزلت.. انتظرت قليلا علني أجد سيارة أخرى تقلني ثم أدركت بعد الكثير من الانتظار أنه ليس أمامي سوى أن أزرع قدمي في إسفلت الطريق الطويل العاري المؤدي لمدرسة نجع عبد الله.. تململت قليلا من مجرد التفكير في اجتياز هذه المسافة على قدمي.. ثم قلت لنفسي أن علي أن أترك حياة الدعة التي قضيتها في الجامعة وأن أستعد لحياتي الجديدة.

في الطريق لم تفارقني صورتها.. كانت لا تزال تبتسم .. تمد يدها كي تتناول كيس القمامة الذي أمسكه لكني أبعد يدي محاولا ألا ألمس جسدها الملوث بتلك المادة التي تشبه اللبن المتخثر.. تأخذني ملامحها.. ضفيرتاها الفأريتان اللتان لا تصلان إلى كتفيها.. وجهها الطويل الأحدب.. سمرتها.. القشف الذي تفشى في جسدها.. تتقدم نحوي فأمسك الكيس بأطراف أصابعي ثم أناوله لها وألاحظها وهي تضمه إلى صدرها في فرح..

حين تساءلت كيف يمكن لبشر أن يقتات من سلة قمامة؟ كيف يمكن لطفلة مثل هذه أن تأمن شارع المدينة في مثل هذا الوقت المتأخر؟ وضع الأستاذ عبد السميع يده على كتفي ثم قال: حلاوة روح.. الجميع هنا في غرفة المعلمين رغم الفقر البادي عليهم ورغم ما قد يبدو عليهم من ضحالة ثقافية تجدهم فلاسفة كل على طريقته.. صحيح أن أغلبهم يذكرك بذلك القالب السينمائي للقروي الساذج لكن ما يخفيه صدر كل منهم يبدو كفيلا بإقصائه عن ذلك القالب.

حين دق الجرس تسرب هم ثقيل إلى صدري.. أخذت أقنع نفسي أن تعليم لغة ثانية لمثل هذه الفئة السنية ليس جريمة.. وأنه لو كان كذلك فأنا مجبر.. قلت لنفسي أن من فرض هذه المادة لابد وأنه أعلم مني.. وأن هذا الهم الذي أشعر به إنما نبع من حيرتي وحزني حين فرض علي أن أعلم فئة سنية لم أعد للتعامل معها.. كان الاقتناع بمثل هذه الأسباب صعبا لذا وجدتني أميل إلى أن ما أشعر به هو ألم الولوج إلى الحياة الجديدة..

أحاول أن أنسى استعدادا لدخول الفصل.. أدفع الباب ثم أقول:
-Good morning .

الأطفال داخل الفصل لديهم هم أيضا ذلك الوجه الأرضي المتشقق بكل خصائصه.. أستعد للشرح.. أنطق ببعض كلمات ثم أتوقف حين ألاحظها بين الأطفال.. أقترب منها أكثر فيتبين لي أنها ليست من كنت أظن.. أسألها:
-what is your name?
تضع يدها على فهمها محاولة منع نفسها من الضحك.. أسألها بالعربية هذه المرة:
- اسمك إيه؟
ترد:
- سميرة.

بين الحصص كانت سميرة تجري في طرقة المدرسة تدفع أمامها عجلة من الكاوتش.. تتنقل بين الفصول وتجمع أكياس التغذية التي قد يتركها بعض الأطفال.. حين سألت عنها الأستاذ عبد السميع قال إنها لم تسكن المدينة قط.. ثم أشاد بذكائها وكيف أنها تجمع التغذية من الأطفال لتبيعها لهم مرة أخرى في الفسحة.

قبل أن أخترق الطريق الطويل العاري راجعا إلى منزلي فكرت في أن الجنيهات القليلة التي سوف أجنيها من العمل هنا لن تكفي المواصلات.. في أن هذا العمل لا يتناسب معي.. في أنني لست أفضل حالا من صاحبة الوجه الباسم خلف صندوق القمامة.. لكن سميرة قطعت علي تفكيري حين تخطتني بعجلتها مصدرة صوت سيارة.. نظرت خلفها كي تحييني فوقعت العجلة من يدها, وعلى عكس ما توقعت لم تعر سميرة العجلة أي اهتمام وإنما فردت يديها في الهواء وأصدرت أزيز طائرة.