فبراير 27، 2010

مصر الافتراضية والمشهد السياسي

كان سؤال الفلاح العجوز به الكثير من البلاهة لكنني لم أرد عليه ليس لأنه أبله ولكن لأن سؤاله أثار تفكيراً متواتراً في عقلي. استمر سؤاله يتردد داخلي: "هو فيه حد من الرؤسا جاي بكرة؟" رؤساء؟ وهل تعرف هذه البلد سوى رئيس واحد؟ جعلني سؤاله أتخيل أننا في الولايات المتحدة حيث يسير الرؤساء السابقون مع الناس في الشارع (أو على الأقل يظهرون بين الحين والآخر) ثم فكرت في أن هذا العجوز البسيط لابد وأنه ينظر إلى أمين الشرطة أو أي شخص لديه نفوذ ولو ضئيل على أنه رؤسا!!

في الميدان كان سبب سؤال الرجل واندهاشه واضحاً, فالكثير من العمال والمهندسين يعملون بجد من الصباح الباكر, فقاموا بإعادة رصف الطريق وإعادة طلاء الرصيف وتعليق اللافتات المرحبة بالزائرين والضيوف (وهم ضيف واحد بالمناسبة) غير أن ما أذهلني بحق هو ما رأيته في الحديقة التي تتوسط الميدان في مدينتي الصغيرة, حيث كان بالحديقة أربع نخلات تعاني من إعياء شديد فجاء ونش عملاق وانتزعها من جذورها بينما عمل آخر على زراعة أربع نخلات زينة مثل النخل الذي نراه على شواطئ هاواي في التلفزيون في نفس مكان النخلات السابقات. ثم قام أحدهم بفرش نجيل صناعي على نجيل الحديقة الأساسي في همة يحسد عليها.

كان من المنتظر أن يزور الرئيس مدينتنا في اليوم التالي ومن هنا فقد تم كنس ومسح كل الشوارع التي سيمر بها وتم تركيب مصاعد باهظة التكلفة له كي يصعد إلى الأدوار العلوية دون أن يتأثر ظهر سعادته باهتزاز المصعد. كما تم توزيع الأعلام والصور على المديرين والموظفين والعمال الحكوميين وتم إعطاء كل منهم اللي فيه النصيب ومنحه اليوم التالي أجازة مدفوعة الأجر كي يهلل ويزمر ويطبل للرئيس حين يأتي.

الرئيس كما ترون يعيش في عالم افتراضي, لابد وأنه يمشي في الشوارع التي يتم إخلائها من أجله ويتساءل عن سبب الشكوى من الزحام, ولابد أن دماغ سيادته يصيبه إعياء شديد من التفكير في سبب التذمر والشكوى ووجود معارضين مع أن الشعب يعيش في مدن نظيفة والشوارع مغسولة بالصابون والمصاعد غاية في الراحة... شعب نمروذ

أشد ما أضحكني هو تعليق أحد البسطاء حين صاح في اليوم التالي بينما كانت سيارة الرئيس تعبر الشارع في الاتجاه المعاكس. قال الرجل: "الريس ماشي في المخالف.. ارجع يا ريس دي فيها غرامة وحبس". كان الرجل يمزح بكل تأكيد فهو يعلم أن قواعد عالمنا لا تسير على عالم السيد الرئيس, الذي يعيش في دنيا منفصلة تماماً عنا.

الحقيقة أن المشهد السياسي المصري يختلف باختلاف الناظر إليه. فالبسطاء من أمثال الرجلين السابقين يرون أن كل شيء تمام, وأنه لا حاجة للتغيير وأن حسني مبارك أفضل من غيره وأن جمال لابد أن يرث لأنه شبع (هكذا يقولون وبهذا التعبير تحديداً)!!

المثقفون (أو من يعتبرون أنفسهم كذلك) المعارضون لا يكفون عن الهتاف بحياة البرادعي الذي جاء كي يخلصهم من النظام الجاثم على صدورهم. والحقيقة أن البرادعي لم يقدم حتى الآن فكراً واضحاً للكيفية التي سيدير بها البلاد وهذا لأنه لم يعلن حتى هذه اللحظة أنه سيترشح للانتخابات بل سيكون من السخف أن يتحدث عن هذا قبل موعد الانتخابات بأكثر من عام ونصف.

وحين أتأمل البرادعي أشعر أنه لا يعرفنا, فقد قضى أغلب حياته خارج مصر, هو لا يعرف مشكلاتنا, بل رجع فقط كي يساعد في عمل تغيير سياسي قد يكون هو على رأسه. ومن لا يعرف مشكلاتك التعليمية والصحية والاجتماعية سيأخذ وقتاً طويلاً كي يفهمها خاصة وإن كان من كبار القوم الذين يتحركون في حراسة مدججة. أضف إلى هذا علاقات البرادعي الغير متزنة مع إيران والولايات المتحدة والعراق حيث فشل الرجل في استرضاء أي منهم (وربما لم يكن رضاهم هدفا له من الأساس) وتأثير هذا على مصر إذا افترضنا جدلاً أنه سيصبح رئيساً لها.

المعارضون المثقفون يهتفون بلا سبب واضح, ويشجعون شخصاً لا برنامجاً وفكراً, ويأملون في التغيير ولو من أجل التغيير فقط. ومع كل الاحترام لهم ومع كل الاحترام للبرادعي إلا أن الوضع مازال غامضاً بشكل كبير ولم تتضح صورة البرادعي بعد كشخص يمكننا ترشيحه كرئيس للبلاد.

هناك أحزاب كثيرة في مصر لكن ليس لها صوت ولا أهمية نسبية, والأحزاب الأهم منهم تم تقليم أظافرهم, فالإخوان المسلمون في ظل قيادة محمد بديع يبدون أقل نشاطاً وأيمن نور أصبح مثل القط العجوز الذي حلت به مصائب الدهر كلها فانزوى في مقاله اليومي بالدستور.

وبينما يمكن للمثقف المعارض أن يفتح الحنفية في الحمام ليجدها تسكب أخباراً عن وصول البرادعي أو لقاءاته التلفزيونية فلا تصل هذه الأخبار بهذا الوضوح للبسطاء الذين يؤمنون في النظام الحالي ويعتبرون جمالاً خير خلف لخير سلف.

حسناً دعونا نعيد تركيب صورة المشهد السياسي المصري: رئيس يعيش في عالم افتراضي, ونجل يعد نفسه للعمل السياسي والرئاسة ومرشح فوق أكتاف قليلة لا يعرف من يحملونه ولا يعرفونه, وأحزاب مقلمة الأظافر. لكن الصورة ليست بهذه السوداوية والمطرب الشعبي الحكيم عرف المخرج من هذا كله واختار لنا الحل. استمعوا معي لهذه الأغنية الشعبية الفكاهية اللذيذة.

فبراير 26، 2010

تصميم

أنا ما اعتزلتش الكتابة ولا حاجة بس اليومين دول الإبداع راح في مسار آخر هو التصميم. في الصورة اللي فوق هاتلاقوا غلاف المجلة اللي باصممها أنا وأحمد ومصطفى كل سنة. الغلاف اللي فوق ده بقى تصميمي أنا (وش بلسان لأحمد). المجلة دي مجلة طبية لجمعية طلابية بتصدرها سنوياً. هابقى أكلمكم على حكاية التصميم معانا بالتفصيل :)

فبراير 24، 2010

سهر جماعي

كعادتها كانت كل ليلة تذهب إلى سريرها بعد أن تنتهي من شغل المطبخ, وكان سريرها يحتضنها بحنان واضح بين لحافه ومرتبته, في الليالي التي تكون فيها حزينة جداً هكذا كان المصباح الصغير يشعر بالقلق عليها فيسهر أمامها حتى تستيقظ, وتثبت بعض ناموسات مشاغبات في مكانهن مخافة أن تضايقنها, لكنها في هذه الليلة لم تستطع أن تنام, بل استمرت في نشيجها المرتفع حتى أن براد الشاي الذي لم يكن له سوى أذن واحدة سمعها بوضوح ومن مسافة بعيدة. حين عادت إلى المطبخ تحقق البوتاجاز بعيونه الأربع من الدموع على وجهها. لكن شيئاً حولها لم يكن لديه فم يخبرها به أنه يتألم لأجلها وأنه يحبها, كما أنها لم تكن تدرك أن هناك من يحب.

في المطبخ تصاعد صوت مضرب البيض فأصبح أعلى من صوت قلبها الذي كان يقوم بطحن كميات الحزن الهائلة الموجودة به. ساهمت كل الأدوات المنزلية بجهد وفير حين رأوا أنها انشغلت بإعداد كعكتها عن البكاء فأصبح كل شيء ميسراً, ثم نام الجميع وهم يشعرون بإجهاد تام.

في الصباح كانت ابتسامتها تعويضاً جيداً لكل الموجودات حولها عن مجهود البارحة, كانت تشرب الشاي وتأكل من كعكتها على صوت الموسيقى ثم إنها تحت تأثير الموسيقى الحالمة أحست بأنها لم تعد تشعر بالحزن ولا بالوحدة, فقامت ورقصت, ونثرت من بهجتها على الجميع, حتى ذلك المتلصص الذي كان ينظر إليها بحب من بلكونته, والذي كان يبدو عليه إجهاد كبير بعد أن سهر ليلة البارحة.

فبراير 23، 2010

لم أعرف أن الطواويس تطير

يعود بهاء طاهر إلى فن القصة القصيرة بعد أحد عشر عاماً من صدور آخر مجموعاته. والحقيقة أن عودة بهاء طاهر من خلال مجموعته القصصية " لم أعرف أن الطواويس تطير" تثير الكثير من الأفكار في رأس القارئ والناقد على حد سواء, وهنا سنحاول أن نعرض بعض الملاحظات والأفكار التي قد تعن لأي منهما.

من المؤكد أن بهاء كان يعلم أن أفضل قصتين في المجموعة هما "انت اسمك إيه؟" و"الجارة" فبدأ المجموعة بالأولى وأنهاها بالثانية, ووضع بينهما أربع قصص أخرى أقل منهما في الكثير من المناحي (من وجهة نظري). وحين نقول أن الأربع قصص أقل في المستوى فينبغي هنا أن نشير إلى أننا نتحدث عن بهاء طاهر وبالتالي فنحن لا نتحدث عن قصص ضعيفة المستوى ولكن عن قصص أقل إبهاراً من غيرها.

تتعامل أربع قصص في المجموعة مع فكرة التقدم في العمر التي لابد تمثل الكثير من القلق للكاتب نفسه. هذه القصص هي "انت اسمك إيه؟", و"لم أعرف أن الطواويس تطير", و"قطط لا تصلح", و"الجارة". في "لم أعرف أن الطواويس تطير" و"قطط لا تصلح" استخدم الكاتب المعادل الموضوعي للتعبير عما يدور بنفس الشخصية المحورية. بمعنى أنه استخدم الطواويس في القصة الأولى والقطط في القصة الثانية للتعبير عن الدور المتقلص الذي يلعبه كبير السن واستعداده للتهميش وقرب أجله إلى غير هذا. إنها متلازمة كبر السن التي يبدو أنها تسيطر على عقل ووجدان الكاتب. في القصة الأولى يطير طاووس إلى فرع شجرة مرتفع, والطواويس لا تطير بشكل جيد بطبيعتها, فهي أقرب للدجاج الرومي الذي يحب التواجد على ارتفاعات متوسطة يسهل عليه قفزها معتمدا على ريشه في تقليل وقع اصطدامه بالأرض. لكن الطاووس الذي يشرح للقارئ ما يدور بنفس الشخصية المحورية يستسلم بعد طيرانه ليد الإطفائي الذي ألقى عليه شبكة كي ينقذه من تهوره في هذه السن الكبيرة.

في قصة القطط نجد نفس السيناريو مع اختلاف المعادل الموضوعي ومع اختلاف في بعض التفاصيل الجانبية, فكبير السن هنا مثل القطط التي كانت سيدة موسرة تربيها بعد أن تجعلها عقيمة. تميل القصتان إلى استخدام عبارات مباشرة في بعض الأحيان تأتي على لسان الراوي البطل مما يجعلنا لا نستطيع أن نعدها عيباً في حد ذاتها.

الإبهار كله مركز في "انت اسمك إيه؟" حيث التركيز على كيفية رؤية الطفل الصغير للجد الذي تقدم به العمر. الحفيد الذي يهوى تقطيع أغلفة كتب الأدب الروسي يحاول استكشاف ما حوله من أشياء ويحاول التعرف على الشخصيات أيضاً. هو يكسر أي شيء في يده إذا ما قال له أحد الكبار "كخ" ويبتلع أي شيء يجده في طريقه من مساحيق أو صابون أو ورق. تتركز صورة الجد في عبارة تأتي على لسانه بعد أن أراد الحفيد منه أن يفسحه في سيارة وبعد أن سأله عن اسمه فرد بأنه جلال, والحفيد في الواقع لم يجد أي معنى للكلمة في قاموسه الصغير. يقول الجد: "لأنه في الحقيقة يتساءل: ما هذا الجد الذي لا يعرف سوى كلمة كخ وليست عنده عبية (عربية) للفسحة فضلاً عن أنه ليس له أي اسم مقنع".

قصة الجارة أيضاً قصة رائعة, ربما لأنها تشترك مع قصة "انت اسمك إيه؟" في الجانب الإنساني المرهف. تحكي القصة عن سيدة عجوز ترفض الذهاب للمستشفى أو دور المسنين بعد وفاة زوجها لأن الأخير أوصاها بأن تعيش ألف عام. هي تريد أن تعيش سعيدة فهي تعلم أن اليوم السعيد بألف عام كما أنها تعلم أنها لن ترى أياماً سعيدة في دور المسنين أو في المستشفيات لذا فهي تقرر أن تموت سعيدة على أن تعيش حزينة وهي تذكر زوجها حبيبها دائماً بالفرح بعد موته لا بالبكاء. حالة إنسانية يصعب على المجتمع فهمها لكن الكاتب أجاد رسمها. لن تملك نفسك وأنت تقرأ هذه القصة من أن تبكي على الرغم من أن بهاء وضعها في النهاية كي تكون طاقة أمل!!

بقي أن نتحدث عن قصتين أولاهما "سكان القصر" المغرقة في الاستغلاق والتي تدور في أجواء متوترة, حيث يتعمد الكاتب الإشارة إلى شخصية لم يرد ذكرها في موضع آخر بالقصة مما يجعل الأمور تختلط على القارئ في نهاية العمل.

القصة الأخرى هي "كلاب مستوردة" التي حقق فيها بهاء تميزاً على مستوى السرد. فسرد الحوار تم باستخدام بعد لغوي جديد (على الأقل بالنسبة لي). كي تدرك هذا اقرأ التالي:

......... تسخر منه؟

......... بل الواقع أنه هو الذي يسخر منها, ماذا يظنها بالظبط؟ عبيطة؟

......... العفو هو العبيط فعلا.

بهذه الطريقة يتم التعبير عن الحوار بين الشخصيتين الأساسيتين بشكل سردي رائق وجميل. وبهذا يحل بهاء مشكلة كثرة الحوار في القصة بتحويله إلى جمل قصصية أعتقد أن أحداً لم يسبقه إليها.

رغم ما أوضحناه من أوجه للقصور تظل المجموعة في مجملها جيدة, فنحن على أي حال نتحدث عن بهاء طاهر.

فبراير 22، 2010

تفاصيل هامشية شديدة الأهمية

أجلس وحيداً في الناحية الأخرى من الحديقة وفي زاوية تمكنني من أن أرى وجهها بوضوح. كبرت قليلاً لكنها ازدادت جمالاً. أتأمل فستانها الأحمر وشفتيها شديدتي الإحمرار وسط الحديقة الخضراء المعشوشبة. كانت تجلس كما يليق لها على أريكة بنية داكنة واضعة قدمها ناصعة البياض على قدم. ابتسمت ناحية المصور ثم مدت يدها متلهفة لأن ترى الصورة الفورية التي التقطها.

نظرت نحوي ثم رفعت عينيها لأعلى ومطت شفتيها. لابد وأنني ضايقتها.. أفكر قليلاً, ربما هي فقط تشعر بالملل وهي بتغيير ملامحها تبعث لي رسالة تطلب فيها أن أمازحها وأن أجري خلفها كما اعتدنا في السابق.

تمسك حقيبتها فجأة, هل ستغادر؟ أبتسم نحوها مطمئناً إلى أنها لن تهرب مني بسهولة هذه المرة. بينما كان كعبا حذائها يطرقان بقوة على الطرقة الحجرية التي تتوسط الحديقة وتمتد لبوابتها, كنت أنا عند المصور. لم يعترض كثيراً حين علم بمنصبي وطبع لي نسخة من صورتها دون مقابل. في البيت أخرجت الصورة وتطلعت لابتسامتها في فرح, ثم تغيرت ابتسامتي حين رأيت بعض تفاصيل لم ألحظها في البداية, فأنا لم ألحظ أنها كانت تمسك بذراع زوجها بهذه القوة, ولم ألحظ أن ابنها الذي تشبث بعنقها الأبيض قد كبر هكذا.

أسيوط.. كافيتيريا كوكب الشرق

فبراير 21، 2010

سفر

أنا قدامي تمانية وأربعين ساعة سفر من سوهاج لأسيوط ومن أسيوط لسوهاج ومن سوهاج لاسكندرية, وعليه هاحاول إني أكتب بكل ما عندي لو ربنا قدرني ولو ما قدرتش تعذروني

يوم سعيد عليكم جميعا

فبراير 20، 2010

لوك لوك


كان يا ما كان يا سعد يا إكرام وما يحلا الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام

في يوم من ذات الأيام سرقت عصابة الأربعين حرامي تاج الملك, ولأن التاج هو رمز الدولة ومصدر هيبتها, فقد استدعى الملك علي بابا بصفته أكتر واحد يعرف معلومات عن الأربعين حرامي. لما جم الحرس عشان ياخدوا علي مراته شبكت فيه وقالت له رجلي على رجلك. هي كانت عاوزة تشوف قصر الملك من جوة بينما هو كان قلقان جداً.

في القصر مراة علي بابا ما بطلتش لوك لوك, قعدت تتباهى بمواهب جوزها في القبض على الحرامية وتقول حاجات ما حصلتش من علي في الحواديت اللي فاتت لكن الملك كان بيسمع وهو مبسوط, وعلي كان يبص لها من تحت لتحت بس هي مش فاهمة هو يقصد إيه, المهم إنها ورطته وقالت إنه عنده قوى سحرية تخليه يعرف كل حاجة ويجيب كل الحرامية لو في سابع أرض. الملك أخيراً حس بالارتياح وأمر علي بابا بإنه يجيبله التاج, فلما قال كده علي ازبهل وقال له "يا معالي الباشا الملك, أنا مش هاقدر أقوم بالمهمة دي.. اعفيني" لكن الملك غضب وقاله "يا تجيب التاج قبل أربعين يوم من النهاردة, يا إما هاحكم عليك بالموت".

طلع علي وهو حزين جداً, وفضل يتخانق مع مراته اللي وقعته في المطب ده, لكنها قالت له ربنا هايحلها من عنده. وهما مروحين اشترى علي أربعين طبق عشان هو ماكانش شاطر في الحساب (بس انتم شاطرين مش كده؟) وقرر يكسر كل يوم واحد عشان يعرف فاضل أد إيه على وفاته.

في اليوم الأول فضل علي يدور بين الجبال ولما زهق وتعب روح البيت صلى ركعتين ودعا ربنا يفك عنه همه, وبعدين نده مراته عشان تجيبله الطبق الأولاني. الحرامية سمعوا بالكلام اللي دار بين علي بابا والملك وعرفوا إن علي بابا عنده قوى سحرية فحبوا يتأكدوا وبالتالي بعتوا واحد منهم يتسنط. وقف الحرامي تحت شباك علي بابا. فسمعه بيقول "آدي أول واحد (يقصد أول يوم أو أول طبق) وراح رامي الطبق من الشباك فاتكسر.

الحرامي طلع يجري وراح للعصابة قال لهم علي بابا فعلا ساحر, وبيته مليان غرايب لدرجة إنه عرف مكانه ورمى عليه الطبق. الحرامية ما صدقوش, فقرروا يبعتوا واحد تاني منهم في اليوم التاني عشان يتأكدوا.

في اليوم التاني حصل نفس الكلام وطلع الحرامي يجري واتفقوا الحرامية إنه هايبعتوا واحد كمان في اليوم اللي بعده وهكذا. في اليوم الأربعين جه الدور على رئيس العصابة اللي قرر إنه ياخد معاه بقية الحراميين وما يروحش لوحده. علي كانت حالته وحشة قوي لأن ده آخر يوم, فلما جه يرمي الطبق قال "وآدي طبق الموت يا كبييير" الطبق جه في راس رئيس العصابة وفتحاله, فكل الحرامية افتكروا ريسهم بيموت, وطلعوا يجروا على علي بابا يقولوله "السماح يا علي.. التاج أهو يا علي".

انتوا كمان سيبوها على الله

تصبحوا على خير

:)

الجنة الآن

الضعفاء والتعساء يحصلون على بعض التعاطف والإشفاق لكنهم أيضاً يثيرون الكثير من الاشمئزاز والنفور من جانب الآخرين. يقول كل من هاري وكريستين بيكويث أن الفرد ينبغي أن يكون قوياً وسعيداً ومستقلاً عن الآخرين بما يكفي لأن يحصل على المزيد من السعادة, والمال, والنجاح. وأن قدرة الفرد على الوصول إلى الرضا إنما تتوقف على قدرته على الاستغناء عن الاعتماد على الآخرين كمصدر للسعادة والاعتماد على ذاته بشكل شبه كلي.

الحياة ليست رحلة ترفيهية, وإلا لما قال الله إنه خلق الإنسان "في كبد", والظروف المحيطة ستكون دائماً محبطة ومهددة وداعية للاكتئاب الحاد والمزمن.

تقول تالين ميدانر أن الفرد قد يفكر في أنه سيصبح سعيداً إذا ما تخرج من كذا أو تزوج من فلانة أو أنجب أطفالاً أو زوج أولاده, لكن هذه مراحل في حياة الفرد ومع بلوغ كل مرحلة قد تحصل على شيء من السعادة وقد لا تحصل عليه على الإطلاق, فماذا ننتظر؟! هل ننتظر تحقق سعادتنا التي يحددها الآخرون بالدرجات التي يمنحونها لنا أو بالرضا عنا أو بالاتفاق معنا في أحلامنا؟ هذه ليست فكرة مجدية.

تقول كتب التنمية البشرية أن 80 بالمائة من الأفكار التي ترد على العقل البشري أفكاراً سلبية وسوداوية ومدمرة. الإنسان تعيس بطبيعته إذاً. والمشكلة أن التعساء يستمرون في تعاستهم ويفوتون حياتهم وينتقلون بين مراحلها دون أن يعيشونها. توقفت كثيراً عند جملة في إنجيل متى تقول "إن من لم يعط فسوف يؤخذ منه أما من أعطي فسوف يزاد له". كان منطق هذه الجملة غريباً في البداية لكنني بعد تفكير وجدته صحيحاً جداً ومنطبقاً على حياتنا. تخيل أنك الطرف الأضعف في علاقة عمل, فما الذي يجعل الطرف الأقوى يستمر معك, ما الذي يجبره على الاحتفاظ بقواعد اللعبة ويحافظ على الأخلاق في التعامل معك, ما الذي يوقفه عن ظلمك إن لم تستطع أن ترفع الظلم عن نفسك؟ تخيل أنك تحب والطرف الآخر لا يعبء لك. هذا الآخر لن يشعر بك سوى حين تصبح قوياً بما يكفي لأن تحيا حياتك سعيداً بدونه, أما وأنت تندب حظك لأنه غادر أو في طريقه لأن يغادر أو لأنه لا يريدك أو لا يحبك كما تحبه فأنت تعطيه حق التنكيل بك, وسيعيش هو حياته هانئاً مستقراً بينما تلقي بنفسك في الجحيم.

ما وصلت إليه هو أن سعادة الفرد تنبع من ذاته القوية, التي تستطيع أن تنفصل عن الأشخاص والأشياء وأن تستغني قدر المستطاع عما يسعدها من خارجها وأن تنتج هي السعادة بطريقة ما.. لكن ما هي هذه الطريقة؟

صديقي الذي يكبرني في العمر بعشرة أعوام كان يعيش بمفرده في مكان موحش للغاية وكان يشعر بشيء من الكآبة شبه الدائمة وقرر أن يخرج من هذا الشعور بشراء أشياء صغيرة تسعده. في تلك الليلة ذهبت له ووجدت لديه مضرباً لصنع النسكافيه يعمل بالحجارة (ذلك النوع المستخدم في الريموت كنترول). كان مندهشاً بشكل المضرب وطريقة عمله لكنه لم يكن يستخدمه في صنع النسكافيه, بل كنا نصنعه بهذه الطريقة التقليدية التي تهلك الأيدي وتجعلنا نتمنى لو لم نفكر في شرب النسكافيه من الأساس.

الجميل أنني لاحظت على نفسي أنني أفعل هذا, فأنا أشعر بسعادة يستغربها كل من حولي حين أشتري كشكول محاضرات جديداً أو قلماً.. لاحظ ذلك زملائي وزميلاتي في الجامعة وقالوا عني إنني طفل. هم لا يعلمون أن هذه الأشياء الصغيرة من الممكن أن تصبح مصادر للسعادة المباشرة السريعة واللحظية, وأنا لم أكن أعلم أن الأشياء الصغيرة التي كان صديقي يشتريها ما هي إلا مسكنات لحظية تترك لديه شعوراً قوياً بالتعاسة بعد انتهاء أثرها, فسوف تتركه للواقع الذي لم يتغير والذي سيبدو أقسى بكثير.

لا تحصل على سعادتك بالميول الاستهلاكية ولا بإشباع حاجات مشبعة. البعض يميل لتناول الشيكولاتة التي تترك لديهم شعوراً لحظياً بالسعادة والبعض يدمنها, لكن هذه كلها مسكنات تعينك على التفكير في كيفية تصنيع سعادتك, مسكنات تستخدمها لفترة قصيرة جداً ريثما تفكر وتطبق تفكيرك. قد يميل البعض للأكل بشراهة أيضاً وهؤلاء يزيدون من مشاكلهم ويهربون من تعاستهم التي ستظل كامنة.

مرة أخرى لا تحصل على سعادتك معتمداً على أشخاص ولا أشياء. الآن أنت تتوقع مني أن أعطيك مجموعة من النصائح للوصول إلى السعادة والحقيقة أنه لا توجد نصائح للوصول لها, هناك فقط خطوات:

1. أقنع نفسك أن الحياة مؤلمة وقاسية بالضرورة, وأنك لن تستطيع الاستمرار والوصول إلى ما تريد وأنت تتوقع منها أن تكون حانية عليك, فهذا لن يحدث.

2. كن قاسياً على نفسك بما يكفي واتخذ كل القرارات الصحيحة المؤلمة التي أجلتها.

3. ابتهج, فأنت باتخاذ هذه القرارات لم تخسر شيئاً.. واعلم أن ما استغنيت عنه لم يكن ملكاً لك من الأساس.

4. يمكنك الآن تناول بعض المسكنات لكن لا تسرف فيها.

5. ابدأ في التخطيط من أجل الوصول إلى أهداف جديدة واقعية أقل من تلك التي استغنيت عنها.

6. قد يحدث أن تأتيك الدنيا إذا ما وليت وجهك, فإن جاءت فلا تفرح بسرعة, هذا المجيء ماكر جداً والأغلب أنه لن يعود بالخير. كل ما سيحدث أنه سيجدد لديك أحلاماً كنت تريدها لترجع بنفسك في نفس الدائرة. في هذه المرحلة ينبغي أن تكون حكيماً وقوياً بما يكفي لأن تأخذ من الدنيا ما تريد دون أن تغرر بك فتكسرك.

7. مع جني ثمار خطتك ستبدأ سعادة وليدة تحبو نحو قلبك.

8. الأهداف الجديدة كانت أقل مما كنت تحلم به في السابق لكنك الآن أقوى وقد حصلت على سعادة وطاقة نفسية يمكنك استثمارهما للوصول إلى أحلام وطموحات أعلى.

يمكنك أن تحصل على السعادة عن طريق إسعاد الآخرين, الخروج من حزنك لأحزانهم, الوصول إليهم وفعل شيء يسعدهم, بهذه الطريقة سترضى عن نفسك وستكون قوياً بما يكفي لأن تغادر الإحباط الموجود بداخلك. ستقول إن فاقد الشيء لا يعطيه وهذا صحيح, ستستطيع الوصول للآخرين بعد تطبيق الخطوة الخامسة وليس قبل هذا. إن قلت في هذه المرحلة أن فاقد الشيء لا يعطيه فدعني أبشرك بأن فاقد الشيء لن يحصل عليه وأنه سيستمر في تعاسته بينما يجني الآخرون المزيد من السعادة. قم الآن وابدأ, لكن تذكر, كن قوياً مع الآخرين, قاسياً على نفسك.

في مرحلة ما ستصبح مسئولاً عن آخرين (زوجتك-أولادك إلخ) تنبه إلى أنك لن يمكنك السيطرة على الناضجين منهم, فمحاولاتك لفعل هذا ستجعلهم يعتبرونك حزباً يضاد سعادتهم وسيثورون عليك وسيصبحون مصدراً للألم لن تتحمله. لا تحاول السيطرة على قراراتهم التي قد تكون مدمرة من وجهة نظرك, أوضح لهم الطريق واجعلهم يقضون وقتاً طويلاً في تأمل ما يريدون لكن لا تعترض. اجعلهم يتحملون مسئولية أنفسهم, وكن معهم خطوة بخطوة, تابعهم وحذرهم من عواقب ما يفعلون وإذا ما دمروا حياتهم فلا تحزن عليهم, أنت جنبت نفسك الكثير من الخسائر النفسية وأوضحت لهم أنهم على خطأ بالدليل العملي, وهم تعلموا بالطريقة الصعبة, وحان الوقت كي تساعدهم للنهوض من جديد.

بقي أن أتكلم عن سبب تسمية هذه المقالة بهذا العنوان. الحقيقة أن ما دعاني إلى كتابة هذه السطور هو تفكير لحظي عن حال اللادينيين والمتطرفين الدينيين. فكلا الفريقين -على الأقل من وجهة نظري- كان يعيش حياة يملأها القلق والخوف والحزن, وكلاهما يحث عن سعادة لم يجدها في واقعه, فحاول الأول إيجادها بالانغماس في الملذات وهو يقول إنه لن ينتظر الآخرة لدخول الجنة فهو يريدها الآن, وحاول الآخر أن يفجر نفسه في عملية انتحارية أو يموت بأي شكل من أجل هدف كان يبدو له سامياً كي يدخل الجنة الآن.. يبدو لي أن كلا الفريقين على خطأ.. فالأول سيدور في دائرة مغلقة, فكلما أشبع حاجاته أصبح الإشباع أقل إمتاعاً وأصبح هو أكثر رغبة في تخقيق متعة تكافئ أو تزيد على المتعة الأولى التي شعر بها, أما الثاني فسوف ينتبه في القبر إلى أن الهدف الذي ضحى بنفسه من أجله لم يكن سامياً. كلاهما على خطأ إذ يمكن تحقيق بعض من الجنة على الأرض. وأنت, ما الذي تفعله الآن؟ لماذا استمريت في القراءة؟ ألم أقل لك أن عليك أن تنهض وتبدأ في العمل :)

فبراير 18، 2010

عصفور


خرج من منزله فإذا صباح مظلم مثل مساء الليلة الماضية, وسماء ملبدة بغيوم داكنة محملة بهَمٍ يفوق الهم الذي بداخله, تأمل ما حوله قليلاً ثم أحس بشيء من التحسن فالكون كله بدا متعاطفاً معه. أخذ يقفز بين الأحجار متجنباً تلويث قدميه بمياه الصرف التي ملأت الشارع. فكر في أنه يتخلص مع قفزاته من همه, ينثر كل مشاعره السلبية فوق سطح مياه الصرف, ويقفز بشكل أخف شيئاً فشيئاً. فكر في أنه يستطيع الآن أن يخرج من قلبه ابتسامة هادئة, وأخرجها بالفعل.. تركها على شفتيه كعصفورة صغيرة تتحسس العالم خارج العش بقدميها في حرص, وتفتح جناحيها لأول مرة كي تطير. كان يعلم أنها لن تقف هناك كثيراً وأنها سرعان ما ستهوي على الأرض في ألم, لذا قرر في نفسه أنه سيعاود التجربة كل يوم حتى يطير.

فبراير 16، 2010

الحدوتة دي للبنات الوحشين, البنات الحلوين يقروا بس ما يضحكوش ;)

كان يا ما كان, وما يحلا الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام..

كان فيه نقطة مية صغيرة قوي في بحر كبير كبير مليان أسرار. كانت النقطة دي شقية جداً وصغيرة في السن خالص. كانت كل يوم تشوف النقط الكبيرة وهما راجعين وش الصبح لابسين مايوهات وبيضحكوا مع بعض وتقول لجوزها.. (إيه؟ مستغربين؟ أيوة جوزها, ما هي نقط المية مش عندهم مشكلة في السن زي عندنا, ولا حتى بتفرق بين فقير أو غني أو أبيض أو اسود..أي حد بيتجوز أي حد يحبه يعني) المهم بقى هي كانت كل يوم تقول لجوزها "إحنا ليه عايشين تحت قوي كده, وف مكان زحمة جداً, ومش بنقضي ليه أي وقت فوق زي النقط التانية؟ أنا هاطلع أقعد فوق أنا كمان" دايماً جوزها كان يوعدها بإنه هاياخدها في يوم لفوق لكن عمره ما وفى بوعده. نقطتنا كانت شقية جداً, وعلى الرغم من إنه قال لها ما تروحش لوحدها إلا إنها ما سمعتش كلام جوزو.

ف يوم اتسحبت بالراحة وخدت مايوه من واحدة جارتها.. لبسته وفضلت تزق في بقية نقط المية اللي في البحر لغاية ما وصلت فوق, كانت منبهرة بمنظر السما والشمس, فردت نفسها على وش المية وقعدت تغني, بس الشمس كانت حامية جداً جداً. شوية ولقت جسمها كله بيوجعها وبيتفتت ويتحول لبخار. فضلت تقول "أي أي" وتطلع لفوق لفوق.

في السحاب قابلت بخار نقطة مية عجوزة, قالت لها حكايتها فردت النقطة العجوزة وقالت لها "يا عبيطة المفروض تطلعي فوق المية بالليل عشان تلعبي تحت نور القمر اللي بيشد المية لفوق ويخلي الموج يعلا ويعلا فيبقى اللعب جميل.. مش تطلعي بالنهار" فهمت النقطة غلطها, وقعدت تبكي بس كان خلاص فات الأوان, هي كده مش هاتشوف جوزو تاني, لأنها ممكن ببساطة تتحول تاني لمية تنزل مع المطر وتشربها شجرة وتتحبس جواها, أو تدور بيها الدنيا وتنزل في نهر بيزقي غيط برسيم وياكلها حمار ولا أي حيوان تاني ومش لازم نكمل بقية اللي هايحصل عشان القرف ههههههه.

المهم بقى هي قعدت تفكر وتعيط, أصلها كانت بتحب جوزو قوي ودلوقتي خلاص مش هاتعرف تشوفه تاني. وإذ فجأتن وهي بتعيط تلاقي جوزو داخل السحابة وعمال بيدور عليها, قالت له: "انت مجنون؟ إيه اللي جابك ورايا؟ ممكن دلوقتي احنا الاتنين نزقي غيط برسيم وياكلنا الحمار و......" قبل ما تكمل كان جوزها اتأسف لأنه مش نفذ وعوده, فسكتت هي لحظة واتأسفت لأنها مش سمعت الكلام, هو سامحها وهي سامحته, وإذ فجأتن مطرت السحابة فوق محيط واسع مليان بالأسرار.

الإهداء لإيزولد (بس ده مش معناه إنها من البنات الوحشين هههههه).. وعدت ووفيت :)

فبراير 12، 2010

عودة


قطع أسلاك الكهرباء بداخله متحملاً ألماً شديداً بينما سال العرق على كشافه الذي انطفاً. في الظلام بذل مجهوداً مضاعفاً وتحمل ألماً أكبر كي يخرج ساقه من بين التراب والإسفلت. اضطر إلى أن يترك قطعة منه للإسفلت قبل أن يقفز في ألم فوق السطح البارد للشارع المظلم محاولاً ألا يتعثر. تهامست الأشجار على جانبي الشارع بكلام عن حب عمود الإضاءة الوحيد لسيارة حمراء أنيقة كانت تجلس تحت نوره كل ليلة فيحرسها ويتسامران إلى الفجر قبل أن تغفو ساعة في سكينة ثم تستيقظ ذاهبة مع صاحبها إلى العمل. تعلم الأشجار كل شيء حتى تلك الكلمات الحادة التي تبادلاها في تلك الليلة وافترقا بعدها. غلبت شجرة في الناحية الأخرى من الشارع أنه قرر أن يترك المكان بعدما أحس بوحشة الحياة دون رفيقته, وقالت شجرة أخرى إنه بقطعه الأسلاك قد انتحر, فما فائدة عمود النور إذا لم يضيء؟ لكنهم سكنوا جميعاً في ذهول حين رأوه بكشافه غير المضيء وأسلاكه المقطعة يقفز عائداً في سعادة بالغة بينما كانت سيارة حمراء مبتسمة تمشي خلفه وتضيء له الطريق.

فبراير 11، 2010

زيارة

لماذا لم تزرني بالأمس يا عبد الرحيم؟ هل هنت عليك ؟ أم أنك "زعلان" مني؟ أنا أعلم أنك كنت تأتي بانتظام وأنني لم أفعلها منذ أن غبت. عشرون عاماً لم أزرك فيها. حقك على عيني يا عبده. أنت تعلم أنني معذورة, فماذا كان علي أن أفعل؟ هل كنت سآتي إلى هنا كي أبكي أمامك وأقول إنني أضعف من الهم "البارك" على قلبي؟ هل كنت سأشكو لك حالي؟ أنا أردت أن أتركك في سلام. لو كنت ترغب في تحمل همنا ما ذهبت فجأة دون حتى أن تودعنا.

شفت؟ كدت أنسى ما جئت لأجله. أنا لم آت إلى هنا كي أعاتبك بل جئت كي أخبرك بأن أولادك بخير. أولادنا بخير يا عبد الرحيم, تزوج عمر وأنجب محمداً, وسليماً, وعبد الرحيم صغيراً مثلك تماماً, ولا تخش شيئاً فقد حذرت أمه من أن تضربه أو تسبه. سآمضغ قلبها بأسناني إن فعلت ابنة الرفضي.

أما عصام فقد أصبح محاسباً وسافر وراء لقمة العيش. الغربة مرة يا عبده , اسألني أنا, وحدي أعرف مرارة الوحدة والغربة. قلت له أن يمكث معي وهو الذي أصر. أدعوا له بعد كل صلاة لكن قلبي يأكلني عليه ويشق علي فراقه. ادع له أنت أيضاً حتى يجد ابنة الحلال الصالحة ويستريح باله.

من كان يصدق يا عبده أن سارة, تلك "المفعوصة" التي تركتها قطعة من اللحم على كتفي أصبحت عروسة وتزوجت. كنت سأصيح في وجه عريسها حين أمسك يدها في الكوشة, لكنني تذكرت أيامنا وتذكرت كم كنت شقياً معي.. يحميهما الله من العين. كنت سأرفض زواجهما من الأساس لأنه يريد أن تسافر معه, وأنا أريد ابنتي بجواري لكنك أنت من قلت إن مكان الزوجة حيث يكون زوجها. ألم تقل هذا يا عبده؟ فاكر؟ هكذا قلت لأبي وجئت بي لهذه البلاد البعيدة ثم تركتني. وها أنت تغيب عني وتنسى زيارتي.

القصد. كما قلت لك فأنا لم آت لأعاتبك أنا فقط جئت كي أخبرك بأن أولادك بخير وأنني فعلت مثلما أردت, وأوصلتهم إلى بر السلامة. أما أنا فلا تقلق علي. زينب كما كنت تقول دائماً بألف رجل, صحيح أنني أصبحت وحيدة لكنني لا أشعر بالوحدة فعمر يزورني مرة كل أسبوع ويأتي بأولاده كي يجلسوا معي. "مشغولياته" كثيرة يا حبة عيني لكنه يأتي. أنت فقط من تغيب ولا أدري هل أنت زعلان مني أم أنني هنت عليك؟.. وهل ستتركني وحدي يا عبده؟ أنت من قلت إن مكان الزوجة حيث يكون زوجها فلماذا يخالف قولك فعلك ولماذا لا تأتي وتأخذ بيدي إليك؟

أولادك بخير, وأنا أيضاً. أنا فقط أشعر بالحزن لأنك غبت عني بالأمس. عمر مشغول ويأتي.. فما بالك أنت؟... ما الذي يشغلك عني؟ أم أنك شفت شوفة أخرى يا عبد الرحيم؟ ألم تفعلها في السابق بعينيك الزائغتين؟ أنا "زعلانة" منك ولن أنتظرك الليلة, وسيكون حسابك عسيراً معي..

فبراير 10، 2010

من التاريخ السري لعمرو السيد (7)



لا لا لا يا بيتنا ليه وجعت ليه

كنت بخير سليم وزين إيه جرالك إيه

ليه يا بيتنا وجعت ليه.. ما ادري

ليه يا بيتنا جرالك إيه.. ما ادري

باسمنت مبني ولا بسمن وحبة طحينة

لا لا لا يا بيتنا ليه وجعت ليه..

كنت أدندن بهذه الأغنية التي ألفناها أيام المراهقة باستبدال كلماتنا محل كلمات أغنية محمد منير الشهيرة (التي لا تسعفني بها الذاكرة الآن) بينما كنت في طريقي لمقابلة بحر.

وبحر (لمن لا يعلم) كان أحد الأعضاء البارزين في شلتنا أيام المراهقة والتي كانت تدعى "شلح واجري في الظلام" (لا تستغرب كان هذا هو اسمها وهو اسم مبني على فلسفة قد أتحدث عنها فيما بعد). هذه الأغنية ألفناها كي نسخر منه حين وقع بيت لهم يملكونه بالرغم من تعاطفنا الكامل معه وقتها.

في الطريق كنت هادئ البال أو أحاول أن أكون هكذا. أنا لم أقابل بحر منذ أكثر من عامين ولابد أنه قد تغير. أحاول تخيل ملامحه ثم تأتي سيارة من الخلف فتصدم الموتوسيكل ويطير قائده في الهواء ثم يرتطم بشكل قاس وبسرعة شديدة في حد الرصيف.

تجمهر الناس بسرعة وعلا صوتي بينهم محذراً بألا يحاول أحد تحريكه, كانت ساق الرجل قد تهشمت ولا يبدو أنه بخير على الإطلاق, خفت أن نحركه فتكون لديه إصابة أخرى في عموده الفقري ونكون بهذا قد ارتكبنا في حقه خطأ جسيماً يقعده ما بقي من حياته. على الفور اتصلت بالإسعاف لكنني وجدت السماعة مرفوعة.. نعم كانت سماعة الإسعاف مرفوعة. اتصلت بأحد أصدقائي الأطباء وكنت أعلم أنه في دوامه بالمستشفى لكنه قال إنهم لا علاقة لهم بالإسعاف وإنه ليس في يده ما يقدمه. أغلقت الهاتف ثم اتصلت ببحر الذي كان في طريقه إلي وسألته إن كان خرج بسيارته فيحضر الإسعاف للرجل, لكنه أجاب بالنفي "كان لازم يعني تتمشى النهاردة؟!!"

الجميل في الأمر أن المتجمهرين اختفوا مرة واحدة من حولي وبقيت أنا والمصاب وعلى رأسي علامة استفهام أكبر من رِجله المهشمة. كان الدم قد لطخ الإسفلت وأنا بالفعل خائف على الرجل, حسناً سأبلغ النجدة. كان هذا قراري الذي كنت أعلم أنه سيفسد ليلتي. فبهذا القرار يحتمل أن يتم لقائي ببحر داخل قسم الشرطة الذي قد يوجهون لي اتهام فيه بارتكاب الحادث رغم عدم امتلاكي لسيارة من الأساس. لكنني هذه المرة فوجئت بأمر مختلف كل الاختلاف, فسماعة النجدة كانت ماذا؟ نعم كانت مرفوعة أيضاً!!

قررت أن أعبر الطريق بسرعة وأتحدث في أي هاتف أرضي لأقرب شخص إلى نقطة الإسعاف الموجودة على بعد ثلاثة كيلومترات تقريباً, وحين عبرت الشارع فوجئت بعربة إسعاف فارغة تمر ربما صدفة, أو ربما رأى أحد الجيران المصاب من فوق وكان يعرف طريقة لا أعرفها للاتصال بهم.

شاورت لهم وعلى الفور قام المسعفون برفع الرجل من على الأرض بشكل لا يبدو احترافياً على الإطلاق, حسناً ربما قد أصبح قعيداً على أيدي رجال متخصصين ولابد أن الشلل الذي ربما أصابه سيكون مختلفاً عن الشلل الذي كان ليصيبه لو رفعناه نحن إلى سيارة تاكسي ثم إلى المستشفى!!

بعد قليل من التفكير قررت أن أعود إلى هدوئي السابق, الحادث مر, وأنا الآن في الطريق لرؤية بحر الذي لم أره منذ عامين. بحر من أسوان أساساً, لكن أهله استوطنوا سوهاج. نعود إلى الدندنة الأسوانلية.

لا لا لا يا بيتنا ليه وجعت ليه..

التقينا لقاء فيه الكثير من الحب والود, وتعليقات حول تغيرات شكلية طرأت علينا ثم مشي وئيد وحديث متصل قطعه صوت سيدة عجوز تبكي بكاء مرتفعاً للغاية. كانت السيدة ضعيفة الجسد, في رداء أسود, وكانت تغطي أغلب وجهها بحجابها, انقبض قلبي للتو, لكن أحدهم أخبرني بأنها تبكي بهذه الحرقة كل يوم وفي نفس المكان, وأن هذه هي وسيلتها لجذب الزبون.

فشلت محاولاتي بعد هذا في العودة للصفاء السابق, وحين عدت إلى المنزل كان صوت بكاء السيدة العجوز يزعق في أذني, وصوت صراخ المصاب وهو يقول "رجلي.. رجلي" يختلط بحديث عن السعودية والعمل والحياة واغتراب في الخارج واغتراب في الداخل وسواد ملابس العجوز الذي ذكرني بملابس أمي. وبدا من بين كل هذا الخليط المموه أمر واحد واضح وبقوة, ففي بقعة موازية للبقعة التي وقفت فيها بجانب المصاب, مات أبي منذ أربعة أشهر ولم أكن بجانبه.

نتيجة

أنا نجحت.. أي والله نجحت... وجبت تقدير كمان.. ياللا بقى اعملولي حفلة :)

متأسف جداً على انقطاعي عن الكتابة خلال الأيام اللي فاتت, أصلي باعمل حاجات كتير في نفس الوقت مخلياني مش بافكر, وبالتالي مش باكتب.. لذلك أنا هحاول أفكر النهاردة :)

فبراير 05، 2010

شعب يبيع البرتقال

cdocumentsandsettingsadministrator_007 "بسم الله.. بسم الرابضين على خط النار, بسم العاملين في المصانع, بسم الكادحين في المزارع, باسمكم يا شباب جمهورية مصر العربية نفتتح إذاعتنا المدرسية"

بهذه الجملة التي تبدو لي اليوم غاية في الابتذال كنت أفتتح الإذاعة المدرسية كل صباح, كنت أشعر بزهو فظيع وأنا أقولها, كما كنت أشعر بافتخار شديد وأنا أنظر للعلم أثناء التحية على الرغم من أن تحية العلم كانت تثير بذهني الكثير من الأسئلة. فأنا كنت دائماً ما أسأل نفسي عن سبب قولنا لجمل التحية أمام العلم, تلك القماشة متعددة الألوان التي تقف على صاري طويل. مع هذا فأنا كنت دائماً فخور بمصر, وكنت أشعر بالكثير من الحزن لأن نصف عمري فاتني.

كانت الأغنية الشهيرة تقول "فاتك نص عمرك ياللي ما شفت مصر" وأنا كنت أحزن لأنني لم أكن أعتبر مدينتنا جزءاً من مصر على الرغم مما تقوله كتب الدراسات الاجتماعية, فأنا كنت أعترف بخبرتي الشخصية فقط, حيث الكبار يعودون من مصر ويذهبون إلى مصر التي عرفت عندما كبرت أنها القاهرة.

كانت مصر بالنسبة لي في المرحلة الابتدائية مفهوماً صعب الفهم لكنني كنت أحب المطلق منها, وكنت أراها تلك البلاد البعيدة التي ننتمي لها بشكل ما ونود لو نضحي بأنفسنا من أجلها, تلك البلاد العظيمة المهيبة التي تستحق أن نستيقظ كل صباح ونقف من أجلها قرابة نصف ساعة في الطابور كي نحييها.

في المدرسة كانت سميرة (كتبت عنها في قصة مرارة روح) تجمع البرتقال الذي يلقي به بعض التلاميذ. كان البرتقال يوزع كجزء من الوجبة المدرسية, وكانت سميرة تبيع ما تجمعه على باب المدرسة لتلاميذ آخرين في نهاية اليوم الدراسي حتى يتسنى أن يكون لديها مصروف مثل باقي الأولاد والبنات. كانت تبيع الثمرة بعشرة قروش وهو ثمن غال جداً في هذا الوقت إذا علمتم بأن زجاجة المياه الغازية كانت بعشرة قروش ثم ارتفعت بعدها إلى خمسة عشر قرشاً. كانت سميرة فتاة شقية للغاية, وكانت ذكية أيضاً لكنها لم تكن تذاكر ولم تكن تقوم بالواجبات المدرسية مما جعلها عرضة للعقاب البدني المختلف الأنواع كل يوم. المدرسون عندنا كانوا يؤمنون بأن ضربها هو الحل الوحيد لتقويمها, وبالتالي فقد ذاقت الفتاة كل أنواع التنكيل والذل.

تعودت سميرة أن تبيع البرتقال, وحين وصلنا إلى المرحلة الإعدادية باعت جسدها..

لابد أنها باعته من أجل عشرة جنيهات تشتري بهم حلويات وشيكولاتة. ماتت سميرة في هذا الحادث المشين, حيث قتلها أخوها الذي ظهر على الساحة فقط كي يثأر للشرف, لكنه لم يكن يوماً يتبعها إلى المدرسة أو يذاكر لها أو يعتني بها بأي شكل من الأشكال. لم تمت سميرة لأنها كانت عاهرة, بل ماتت لأنها ولدت في سياق متخلف لم يعرف كيف يتعامل معها بطريقة جيدة.

كانت صدمة موت سميرة -زميلة الدراسة رغم كل شيء- ثقيلة علي, ومن خلال هذه الخبرة بدت الدنيا أكثر اختلافاً بالنسبة لي, وبدت تحية العلم أقل بهاء بكثير. في سنوات المرحلة الإعدادية تفتحت عيناي على أنني كنت أقف على أرض مصر وأنا أحيي العلم وأنها لا تشبه صورتها التي رسمتها في خيالي من بعيد أو قريب. فبدأ في هذه المرحلة صراع مازال موجوداً يدور حول مصر التي أكرهها ولا أملك سوى أن أحبها.

هناك الكثير من الحوادث في حياتي عن أصدقاء ابتلعتهم مصر بظروفها وواقعها غير المثالي, فماتوا أو أرسلوا إلى المعتقلات السياسية فقط لأنهم مختلفين. وأنا أكتب كل هذا الكلام بعدما شاهدت تقريراً في موقع صحيفة لوس أنجلوس تايمز عن انتحار غير معروف السبب لشاب متزوج حديثاً, "لن يرى ابنه الذي مازال ببطن زوجته, ولن يحصد المحصول في الصيف ولن يمشي مع أخيه على ضفة الترعة كما اعتاد دائماً" على حد تعبير المراسلة.

تزايد معدلات الانتحار في بلادنا, ووصول الروح إلى الحلقوم عند الأحياء منا, أعاد إلي ذلك الخوف الوجودي, فأنا أخاف أن أموت دون أن أرى مصر. تلك التي لا تبتلع السيول فيها القرى, ولا تشتعل قطاراتها بالركاب, ولا يأكلها الفساد. مصر التي لا تبتلع أشخاصاً مثل سميرة أو مثل هذا الذي لن يرى ابنه الذي تحمله زوجته. أخاف أن يفوتني نصف عمري ولا أراها. أخاف علينا جميعاً لأننا ببساطة شعب يبيع أغلب أفراده البرتقال.

فبراير 04، 2010

مطر

Cover_me_by_HahaaCakes تعبس.. ولها القلب والأمطار والمظلة!!

فبراير 03، 2010

حوار

Love_____by_TynkaBillisek تنتظرها.. ويصبح اليوم جميلاً إذا بدأ باسمها, تلك الكلمة المفردة التي تختصر تاريخاً من فرحتك, لكن علي أن أنصحك بأن تتوقف, وأن تتأمل كيف صرت, وكيف صار اسمك ذنباً يستوجب منها أن تستغفر الله إذا ما دار بخلدها.. علي أن أصب عليك من الماء المغلي ما يجعلك تغتسل جيداً, لربما إن اغتسلت جيداً تخلصت مني.. أو ربما تتضح أمامك الرؤية وتدرك أنك تثير شفقتي بانتظارك.. فلا تنتظرها.

****

أفشل في التلهي بانهمار الماء الساخن على جسدي فأخرج من الحمام قطعة حمراء من اللحم الملتهب. أقف في منتصف الصالة, وأقرر أنني لن أذهب إلى الموعد, فالحديث معهم سيتطرق لا محالة إلى أبنائهم وزوجاتهم, وسيتوقف أصدقائي كالعادة عند سؤال يشغلهم كثيراً رغم إجابتي عليه مراراً, وسأحس أنا بالكثير من الحرج, ثم ستتداعى الذكريات من رأسي وتدلف كقطع من الثلج بين ياقة القميص ورقبتي متسللة على طول عمودي الفقري نحو مؤخرتي ومحدثة قشعريرة باردة..

أخطو خطوة نحو الغرفة كي أبدل ملابسي ثم أتراجع, أنا لن أمشي في الطريق بلا خطة ثابتة أو هدف, فكل ما في الشارع يذكرني بها, وأنا لن أترك نفسي للبحث عنها مرة أخرى بين يافطات المحلات وعناوين الأخبار في الصحف الملقاة على جانبي الطريق: صيدلية د. هدى لصاحبتها ومديرتها, فندق هدى خدمة متميزة أسعار ممتازة, الفنانة هدى تستأنف تصوير فيلمها الجديد. كل ما في الشارع يذكرني بها وأنا لن أمشي فيه بدونها.. بدون هدى.

****

أنت الآن تبذل مجهوداً جيداً في الابتعاد عنها, وأنا سأخبرك بما يشجعك ويجعلك تستمر. فبينما كنت أنت مشغولاً بتأمل المسافات بين أصابعك وكيف خلقها الله كي تكون مناسبة تماماً كي تضع أصابعها, كانت هي تتأملني أنا, وأنا فظ كأغلب الرجال, نذل كمعظم الرجال. ولو أنها تأملت أصابعها لثانية واحدة ما ابتعدت فدعك منها واقترب مني ولا تنتظرها.

****

ها قد بدأت الذكريات تدلف بين ياقة قميصي ورقبتي وينبغي علي أن أتوقف. أجلس على كرسي المكتب في غرفتي بينما أشعر بألم في ظهري وألم أشد داخلي, أتناول حبات المسكن ثم أعد إلى عشرة بصوت مرتفع كي أنسى. أضع كفي على وجهي بينما يغتالني شعور مؤلم بأنني أحمق. يقول الطبيب إن هذا مسكن قوي, فلماذا لا يسكن كل الألم إذاً؟

يقطع تفكيري صوت خاطف يصدر من الكمبيوتر بجانبي:

BUZZ!!!

Yasmeen says: أهلاً.. فينك مختفي من زمان, كنت عاوزة منك خدمة.. ممكن تيجي معايا مشوار.. أصلي عاوزة أشتري هدية لبابا وانت عارف إني ماليش في الحاجات الرجالي دي.

أنا أعرف هذه المقدمة جيداً, وأعرف ما الذي ستفضي إليه, فبعد هدية أبيها سنشتري هدايا لكل الذكور في عائلتها وستستمتع هي كثيراً بالحوار معي بينما سأمشي أنا أبحث عن هدى بين الكلام المكتوب على أكياس الهدايا, وسألبسها الفساتين التي تعجبني من الفتارين في الشوارع, أعرف ما سيحدث لذا اتخذت قراراً مؤلماً وسريعاً:

Kareem is now offline

أكتب حروف اسمها فأحس أنه أوحشني كثيراً, أضغط على زر البحث فتخرج النتائج التي أحفظها جيداً, دون أخبار عنها:

هدى سليمان عضو مسجل غير متواجد

مشاهدة الملف الشخصي لهدى سليمان.

هدى سليمان عبد القادر 52 سنة قالت إنها..

أنكرت هدى السيد سليمان علاقتها بالحادث و..

****

أتعرف؟ أنت بالفعل مثير للشفقة. هي لن تحبك وأنت بكل هذا الضعف, فاقترب مني حتى تنطبق كلماتها عليك, ويصير كل ما قالته مبرراً. صدقني هي لن تحبك هكذا.. أنا أحذرك من نفسك فكن مثلي ولا تنتظر.

****

يؤلمني ظهري أكثر ويختلط ألمه بخيبة الأمل التي أشعر بها كلما بحثت عنها, فأدخل إلى السرير. تطن الأفكار برأسي كنحل مشاغب فأتناول المصحف ثم أقرأ, وأقرأ ربما أطمئن. أتوقف عند "أو أجد على النار هدى" فأضحك ثم أدعوا لها بالسلامة وأقول من قلبي أن "بعد الشر عليها". أوقن بعد قليل من التفكير أنني أحبها وأقرر مبتسماً أن غداً سيصبح جميلاً إذا ما بدأ باسمها.