مارس 29، 2020

من التاريخ السري لعمرو السيد


هذا هو رابع أيامي بلا حمى...

كانت الأعراض بسيطة في البداية... التهاب وجفاف في الحلق، وإرهاق، وصداع، وآلام بالجسم، ثم تطور الأمر إلى حمى وآلام بالرئتين وصعوبة في التنفس.

على مدار أسبوعين، كان المرض كنصل حاد مر على رقبتي فلم يأخذها، وإنما ترك لي خدشا سطحيا بسيطا أذكره به.

في البداية أنكرت ما لدي، كنت أقول لنفسي "هذه ليست كورونا، فأنا لم أخالط مريضا أو قادما من سفر"، ثم بدأت يوما بيوم ومع تقدم الأعراض أشك وأحتار وأقلق.

على الهاتف يخبرني الخط الساخن أن ألتزم المنزل لأسبوعين، وتخبرني مديرة الموارد البشرية ألا آتي إلى العمل، وأنني في إجازة مفتوحة... تخبرني موظفة الاستقبال بالمستشفى أنهم لن يتمكنوا من خدمتي. يقول لي الطبيب إن الاختبار غير متوفر لمن هم في حالتي، وإن كل شيء سيكون على ما يرام. خلال ساعات قررت زيارة عيادته، لابد وأنه يستطيع مساعدتي ولو بأدوية تعالج الأعراض، إلا أنه فزع وحولني إلى مستشفى عام لأخذ الاختبار فقط كي يطمئن على نفسه.

تمر الأيام ولا تأتيني نتيجة الاختبار، يقولون لي إنها لا تزال في المعمل، وفي كل لحظة أشعر بالنصل الحاد يمر على جلد رقبتي يقطعه قطعا خفيفا وبطيئا وأتساءل إن كان سيتمم مهمته بقطع العروق والأوتار.

الناس في كل مكان قلقون يترقبون نهايتهم رغم أنهم لم يصابوا بأي شيء، سيل من الأخبار عن ضحايا الفيروس... فيديوهات لمرضى شاحبين يتنفسون بصعوبة، ومقالات عن المصير الأسود الذي ينتظر من يقنصه المرض. أيقنت أنني هالك وأن الصباح التالي قد يأتي فلا يجدني. لم يكن ممكنا أن أخبر أي من أفراد أسرتي بما أصابني، سيأكلهم قلقهم علي وأنا هنا وحدي في بلد بعيد أغلق حدوده ومجاله الجوي. بدأت أهاتف أصدقائي واحدا تلو الآخر، نحكي عن أي شيء لربما أنسى أو أطمئن، لكن في كل مساء وعندما تحين لحظة النوم أصير وحيدا أصارع قلقي ومخاوفي بمفردي.

في المنام أتى أبي (رحمه الله) يساعدني في لملمة حقائبي وأصر أن يوصلني للمطار، قمت من نومي على خوف وضيق شديد في التنفس وحمى ورعشة متواصلة في كل جسمي، لم أشعر بالخوف من الأعراض والمرض بقدر ما خفت من فكرة السفر، فحقائبي ليست جاهزة...

كفيلم سينمائي رأيت حياتي كلها تعرض أمامي، راجعت كل وقائعها إلا أنني لم أستطع أن أحدد إن كنت شقيا أم سعيدا، وإن كان بكتابي ما يكفي للنجاة. فكرت في سيناريوهات مثيرة لحسابي ولم أصل إلى نتيجة من هذه الأفكار سوى أنني غير مستعد للرحيل... أحتاج إلى المزيد من الوقت "لعلي أعمل صالحا ترضاه".

قضيت بقية اليوم في محادثات هاتفية مع أصدقائي، أهرب مني ومن مخاوفي وأحاول طمأنة نفسي بهم. "انت ماعندكش حاجة"، "دي مجرد إنفلونزا عادية"، "انت بس بتحب توهم نفسك". حاولت جاهدا أن أؤمن بهذه العبارات دون جدوى وفي نهاية اليوم نمت وحيدا منهكا مثقل الأنفاس.

أيقظني أبي في منتصف الليل على عالم آخر... شمس مشرقة باردة وجو معتدل وجسد يشبه جسدي غير معتل ولا مريض، وبال خلا من القلق وحديقة تسر الناظرين. استيقظت وأنا مطمئن، فكرت في أن الموت قد يكون أفضل لي.

هدأ خوفي واستلسمت لأمر الله، بدأت أفكر فيما سأتركه لأسرتي، وكيف سيتصرفون من بعدي، ومضمون وصيتي، أخذت أنظر للأشياء من حولي، كيف سينقلونها وإلى أين.  سددت الفواتير التي لم أدفعها، وأرجأت أي دفعات غير مستحقة. هاتفت بعض من خاصمني واعتذرت. صليت لله ودعوت... أنا الذي لم أرزق الدعاء من سنين، نطق قلبي أخيرا ودعا: "يا رب لم أكن أعرف أني ضعيف جدا هكذا... جزوع جدا هكذا. يا رب هذه حقائب رتبتها على عجل لكنها أفضل من لا شيء... إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي".

في شاشة الموبايل رأيت آدم، ابني الصغير، وهو يناديني بصوتين لم يتعلم بعد سواهما "دادا دادا"، شعرت بالندم على كل اللحظات التي قضيتها بعيدا عنه منهمكا في الدراسة أو العمل. لو أنني كنت أعرف أن عمري قصير هكذا لكنت قضيت وقتا أطول معه. من وراء صورته رأيت أسئلة كثيرة شوشت على رؤيتي له شيئا فشيئا "هل سيدخلني الله الجنة لأنني حصلت على امتياز في المالية؟ أم لأني نجحت في الاقتصاد؟ هل كان الأمر يستحق كل هذا العناء؟ وهل سيسامحني الله على تقصيري في طقوس عبادته؟ وهل سيثقل قلبي ونيتي موازيني؟ ألم يكن من الأولى أن أهب وقتي لمساعدة آخرين؟"، أبعد الأسئلة عن بالي جاهدا وأغني لصغيري كي ينام، نفسي أقصر من أن أغني لكنني أحاول قدر ما أستطيع.

أنام أنا أيضا ولمدة خمس ساعات... كانت هذه هي المرة الأولى التي أنام فيها خمس ساعات في ليلة واحدة منذ أن أصابني الفزع والمرض. في الصباح ومن خلف كمامة طبية، قررت أن أخرج لأرى الشمس، قدت سيارتي بهدوء في شوارع المدينة الخالية. فتحت نوافذ السيارة وأدخلت هواء طازجا إلى صدري، ثم عدت إلى المنزل.

على الهاتف قال لي صديقي إن "كل هذا سيمر"، ذكر في معرض حديثه آية من القرآن أحفظها لكنني سمعتها منه كأنني أسمعها لأول مرة "ولنبلونكم بشيء من الخوف". أدركت لحظتها حقيقة ابتلائي، وأنني لربما رسبت في الاختبار بسبب كل هذا الفزع الذي سيطر علي، تمنيت لو كنت أقوى جأشا، وأكثر صبرا.

بعد 14 يوما من الانعزال والمرض، رفع عن عنقي ذلك النصل الحاد تاركا لي جرحا غير غائر لربما أتذكر وأعتبر.

ملحوظة: حتى وقت كتابة هذه السطور لم أتلق نتيجة العينة ولا أعلم يقينا إن كنت قد أصبت بالمرض أم لا، إلا أنني متأكد من أن هذه الأيام كانت بمثابة محنة ومنحة.

يناير 14، 2013

وأنا كمان عاوز أتجوز!


هذه السلسلة من "البوصطاط" هدفها الأساسي الرد (ولو متأخر يعني) على كتاب عاوزة أتجوز للمدعوة غادة عب عال. حيث أنني إذ فجأتن شعرت بالحاجة الملحة للكشف عن الوجه الآخر للعملة والتعبير عن المعاناة التي نعانيها نحن معشر الذكور التلاتينيين الغلابة (نسبة للتلاتين يعني) لمجرد إننا "عاوزين نتجوز"

التلاتين هي السن اللي بتتحط فيه كشاب تلاتيني وعريس مستقبلي تحت المجهر، حيث إنك مؤكد مش هاتستنى أكتر من كده، وبالتالي فأنت أقرب واحد لاتخاذ القرار وبالتالي فالبنادق مصوبة عليك من كل ناحية وجميع طنطاتك بيراقبوك في الجاية والرايحة، التلاتين هي السن اللي هاتبقى فيه موضوع نقاش لا ينتهي بين ستات العيلة وجيران ستات العيلة ومعارف جيران ستات العيلة اللي هايشعروا بسعادة غامرة وهما بيقولولك إنك خسيت وتخنت، وده هايحصل في نفس المكان ونفس الوقت بس من طنطات مختلفين، وهي السن اللي هايتبادلوا فيه نقاش لطيف جدا عن قرعتك وهل سقوط الشعر أثر على منظرك ولا لأ، وهي السن اللي هايميل عليك بعضهم ويقولولك إنك كبرت قوي في الست شهور اللي فاتوا، وهايتبرع بعضهم بإنه يديك نصايح عن العمر اللي بيجري وإن الحياة مش كلها شغل، التلاتين هي السن اللي هايسألك الكل فيه سؤال تحس كده إنه أرقهم طول الليل وخلاهم مش عارفين يشتغلوا ولا ياكلوا ويشربوا:
-          "هو انت ما اتجوزتش لغاية دلوقتي ليه؟"
ولأن السؤال الوجودي السارتري ده بيؤرق الشباب من الجنسين فهتلاقي أصحابك كمان بيسألوك، والحقيقة ألذ حاجة إن اللي بيسأل هاتلاقيه دايما مبتسم ومتنح لقدام وبيمد إيده أثناء السؤال مع ضم التلات صوابع الأولانيين، يعني مش بس اتفقوا على السؤال، لا دول كمان بيسألوه بنفس الطريقة وبارتياح تام، كأنهم بيسألوك عن معاد ماتش المنتخب أو أقرب أتوبيس بيوصل لأول عباس!

ولأنك شاب رقة وزوق فانت هاتكبت في نفسك ومش هاترد بألفاظ قبيحة، كل اللي هاتقوله "ربنا يسهل"، "ربنا يرزقنا"، و"الاختيار صعب قوي" إلى أن تصل إلى مرحلة تعلن فيها للجميع إنك مصاب بمرض عضوي يمنعك من الجواز يمكن يسكتوا!

ولأني مليت من الإجابة الأخيرة فقد قررت كتابة هذه السطور عشان أفهم البنات والستات إن اللي بيأخر الشاب التلاتيني هما البنات والستات نفسهم

  1. عميقة عميقة مفيش كلام (الجزء الأول)
طبقا للمحلل السياسي وخبير العلاقات النسائية عمرو السيد تسعين في المية من الجوازات في مصر جوازات عميقة...يعني ايه؟ يعني زي الدولة العميقة كده. انت تبقى عاوز تتجوز، فتدور وتدور لغاية ما تلاقي اللي عليها العين وتتشجع وتقول لنفسك الحكاية زي شكة الدبوس والفيلم ده، لكن دايما فيه ست في حياتك عندها أجنداتها وخططها. الست دي في أغلب الأحيان هاتبقى الحاجة (والدتك يعني) واللي هاتلاقيها بتفرك وتضايقك بهدف تنفيذ وجهة نظرها اللي لا يمكن تصارحك بيها.

-          "هو أنا يا ابني أتمنى غير سعادتك مع اللي يختارها قلبك؟" (بنبرة الحنية اللي انت عارفها بينما نور ملائكي بيشع من وشها)

ثم تتغير أمك تلقائيا أول ما تديها انت الأمان وتقول إنك عاوز تتجوز فلانة أو علانة، فتلاقي حواجبها بقت تمانية وتمانين وقورتها اترسم عليها المية وحداشر وضربت أخماس في أسداس والدنيا بقت جدول ضرب ع الآخر. أمك الحنينة اللي انت كنت فاكر انك عارفها هاتقول لك دايما إن القرار قرارك بس طبعا هي خايفة عليك، عشان هي عارفاك أكتر منك ("ده انت ابن بطني") وعارفة إنك متهور ("مطيور" يعني).

بعض الأشخاص اللي حظهم في الدنيا قليل (زيي كده) بتبقى جوازاتهم جوازات عميقة جدا، وده معناه إن قرار الجواز بيشترك فيه ستات كتير من تحالفات عائلية أوغير عائلية تتصارع مع بعضها للتأثير على عملية صناعة القرار الديمقراطي، ومنهم على سبيل المثال طنط فيفي جارتنا اللي أعتقد إنها موجودة في حياة كل شاب تلاتيني عاوز يتجوز.
لأن طنط فيفي بتحب لك الخير زي أحمد ابنها، فهاتلاقيها بتساعد مامتك في التأثير على دماغك، وده هايحصل من خلال إقناعك بعروسة خيالية "جمال ايه وأدب ايه..."

-          بس أنا عاوز واحدة تكون مثقفة
-          دي ما بتسيبش الكتب من إيدها، غير إنها دكتورة ومن عيلة... ادعي انت بس توافق عليك.

هاتحلف طنط فيفي وتتقطع إنها لا تربطها أي صلة بالبنت من قريب أو من بعيد وإن أحمد ابنها "لولا شايف له شوفة كانت خطبتهاله على طول"، وطبعا لأنك ثابت على موقفك فانت هاترفض رغم كل الضغوط. ثم تفاجأ بتحالف غريب مكون من طنط فيفي ومامتك وأحمد أصبح له هدف موحد:
-          يا ابني شوفها هو انت هاتخسر حاجة (أحمد)
-          ما حدش بيتجوز غصب عنه (طنط فيفي)
-          جاتها نيلة اللي عاوزة خلف (دي طبعا الحاجّة)
-          يا ابني انزل شوفها
-          انزل شوفها
-          شوفها
-          شوفها
-          شوفها
وتتحول كلمة "شوفها" إلى كلمة قدرية تتردد في كل مكان، فتبقى زي بالظبط جملة "فتحية ندهتها النداهة" من حيث عمق تأثيرها على نفسك، وهاتتحول أنت إلى فار تم تسليط موجات كهرومغناطيسية عليه لشل حركته، فتترنح في الأوضة وتحس نفسك اتكرش وودانك هاتتفجر وعقلك هايبظ من جمجتك على سجاد الصالون فتخرج منك كلمة غصب عنك من أثر الذن والتعذيب:
-          هاشوفها
*****
عشان التشويق والإثارة هانكمل الجزء التاني قريب قوي. التدوينة دي مهداة لنور أحمد وخطيبها عشان بيستحملوا وبيقروا كتاباتي الكئيبة
لوحة الشاب التلاتيني بريشة الفنان الكبير ألبرتو شيرتينو
(طبعا اللوحة ما اسمهاش كده وأنا ما أعرفش ألبرتو أساسا)   :)

يناير 06، 2013

الفرحة الآن


أمشي كما يليق برجل وحيد في بلد غريب، أضغط بسبابتي على منتصف نظارتي الشمسية التي أرتديها كي أشعر بأنني غامض بعض الشيء، أو كي أشعر بأنني لست أنا. أصل إلى سوق المدينة المزدحم، أشتري بعض الحلوى لطفل صغير يبكي فتشكرني أمه بابتسامة خجلة، وأتبادل بعض النكات مع بائع الجرائد الذي ماتت زوجته منذ شهور وتركته واجما، ثم أسير مرة أخرى متمنيا لو أذوب في الزحام أو أختفي.

تطرق يد على كتفي، فأدور للخلف بسرعة. أرفع نظارتي الشمسية على جبهتي وأنظر إلى صاحبة المعطف الأبيض والعينين الزرقاوتين. أقول لها بشكل مباغت:

- متشكر جدا، لم يبق لدي المزيد من الدماء لأتبرع بها

تنظر نحوي بغيظ وامتعاض شديدين، ثم ترفع عينيها للسماء قبل أن تقول وهي تمط شفتيها وتشير إلى لافتة على جانب الطريق:

- هذه حملة للتبرع بالأعضاء بالمناسبة

تمر بذهني كل صور الجثث التي رأيتها في حياتي بعد تشريحها، وأرى ذلك الشق الطولي بها والخيط السميك الذي أقفلت به. لطالما أرعبتني فكرة التبرع بالأعضاء هذه.

تستطرد بطريقة آلية:

- هل تريد أن توقع معنا أم ماذا؟

أقول بتردد:

- ليس لدي أدنى مشكلة، عموما لن تحصلوا مني على شيء!

تتظاهر بأنها لم تسمع عبارتي الأخيرة، تشير بيدها إلى طاولة عليها بعض الاستمارات، تجلس وتبدأ في كتابة بياناتي كما هي مدونة في إثبات هويتي. أقرب الكرسي الذي أجلس عليه نحوها قليلا، ثم أستطرد:

- بحسبة عقلية بسيطة سأموت في ارتطام طائرة،، هل تعتقدين أنكم ستستفيدون من جسدي بعض الحادث؟ لابد وأنه سيصير مثل الكفتة!

- وما الذي يجعلك متأكدا هكذا؟

- ببساطة لقد مات جدي في حادث سير ومات أبي في حادث قطار، لابد وأنني سأموت في ارتطام طائرة، خاصة وأنا كثير السفر

- ما تقوله يذكرني بالنشوء والارتقاء

- تقصدين النشوء والارتطام

لا تعجبها مزحتي.

- لماذا أنت واجمة هكذا؟

- لا شأن لك.

- مشكلة عائلية؟

- هل يمكن أن تصمت قليلا؟

تقولها بشكل صارم، ثم تشير إلى بعض أسطر فارغة وتطلب مني أن أكتب الأعضاء التي أود التبرع بها.

- حسنا سأتبرع بكليتي لطفلين صغيرين رأيتهما في وحدة الغسيل الأسبوع الماضي، هل تتخيلين هذا؟ طفلان عمرهما أقل من السادسة ويغسلان؟ أعتقد أنني سأعطي قرنيتي لكريشنا، بائع السجائر الإندونيسي الأعمى الذي يتحسس طريقه كل يوم في وضح النهار، وسأعطي كبدي لجاك مديري الإنجليزي بشرط ألا يشرب المزيد من الخمر؟ أما قلبي فسأعطيه لسارة، الفتاة التي كانت تحبني، هل تعلمين أنها الشخص الوحيد الذي كان بإمكانه أن يشعرني بالسعادة؟ كانت دائما ما تقول...

- هل يمكن أن أكدر مزاجك وأقطع استرسالك هذا؟ لا يمكنك أن تحدد أسماء في هذه الوثيقة. التبرع بالأعضاء يحتاج إلى تناسق الأنسجة وفصيلة الدم وأشياء أخرى.

- آه، فهمت.

- هل مازلت تريد أن توقع؟

- إن ابتسمتِ فحسب.

تمط شفتيها بابتسامة صفراء، ثم تمسك القلم وتسألني مرة أخرى عن الأعضاء التي أريد التبرع بها.

- سأتبرع بكل أعضائي، ربما حينها فقط أشعر بالفرحة، ربما تضحك أسناني في وجه آخر أكثر ابتساما مني، وربما يجد قلبي مساحة أوسع في صدر أوسع من صدري. أتعرفين؟ لطالما أخبرت الله أنني لا أريد شيئا سوى الفرحة، لكن لحكمة يعلمها فقد أعطاني كل شيء وحرمني مما أريد... كما ترين، الحياة بدون من تحبين...

تقطعني مرة أخرى وتسألني بجدية:

- حسنا سأكتب أنك تريد التبرع بكل أعضائك. هل أنت متأكد من هذا؟

- نعم، يمكنكم أن تأخذوها جميعا، لكنني لن أتبرع بمؤخرتي بالطبع خوفا من أن يساء استعمالها.

لا تمنع نفسها من الضحك، تقول:

- لكن هكذا ستكون مؤخرتك هي الجزء الوحيد الذي لم يفرح

- يمكنها أن تفرح الآن.

أقولها ثم أقوم وأرقص محولا ظهري إليها. تضع يدها على فمها وتضحك ضحكة أعلى. أشعر أنني حصلت على ما أريد، أوقع الوثيقة ثم أرتدي نظارتي الشمسية وأختفي في الزحام.

سبتمبر 22، 2012

حدثني عن النجاح لا عن الأنتخة!


يمكنك ببساطة أن تكتب كتابا ناجحا في التنمية البشرية، كل ما عليك فعله أن تخبر الناس عن ثلاثة أشياء (أو عن شيء واحد من الثلاثة): التوجه الإيجابي وقانون الجاذبية والمبادرة للقيام بما يريدون، مع إضافة بعض الحكايات عن أصدقائك الحقيقيين أو المتخيلين من أجل الإثارة وإثبات وجهة نظرك.ص

يمكنك ببساطة أن تبيع الحلم لليائسين والمحبطين وتأخذ أموالهم مقابل أن تقنعهم بقدرتهم على الطيران، لن يصدقوك في البداية، لذا ستشير أنت إلى الطائرات كبيرة الحجم التي تستطيع أن تفعلها على الرغم من ثقلها، وتقول جملا مثل"إفعلها الآن"، "فعلتها الطائرة، يمكنك أيضا أن تفعلها"، "إن كانت هذه الطائرات ثقيلة الحجم فعلتها، فماذا يمنعك أنت؟!" ثم ستغمض عينيك وأنت تشاهدهم يقعون من فوق الجبل!ص

يمكنك أيضا أن تجعلهم يسترخون وتطلب منهم أن يتخيلوا أنهم يطيرون وأنهم حققوا أحلامهم، بهذه الطريقة أنت ترتكب إثما أقل، فأنت تأخذ أموالهم مقابل ذلك الشعور اللطيف الذي سيشعرونه وهم على أسرتهم ويعتقدون أنهم سيجذبون الحلم بتفكيرهم.ص

إن أصابهم الإحباط وأردت أن تبيعهم المزيد من الكتب، فلابد أن تكتب لهم عن التوجه الإيجابي الذي سيجعلهم مبتسمين على الرغم من عدم تحقق ما يحلمون به وعلى الرغم من صفعات الحياة المتكررة وسيمنعهم من الانتباه إلى بكبورتات الفشل النتنة التي تفوح في أدمغتهم.ص

كما ترى فبعض هذه الكتب تحدثك عن المضي قدما وبغباء وبلاهة نحو  حلمك والبعض الآخر يحدثك عن الأنتخة ويعطيك شعورا جيد ومخدرا ستدمنه مع الوقت، بينما القليل جدا منها سيحدثك عن النجاح الحقيقي.  بالنسبة لي فقد أضاعت هذه الكتب جانبا ليس بالقليل من عمري ومواردي. الآن وقد صرت خبيرا بها فأنا أعلم أن سلاسل كاملة منها قد تحمل نصيحة جيدة بالفعل يمكن تلخيصها في جمل قليلة وأنت بقراءتك لها تقتل وقتك فقط! كن صادقا مع نفسك، أنت لن تصبح أينشتاين مجالك بمجرد قراءتك لكتاب، ولن تنجح في ركوب دراجة لو قضيت عمرك كله تقرأ عن سيرة حياة من نجحوا في فعل هذا. لا يوجد دليل يوصلك لحلمك لكن هناك بعض النصائح التي قد تفيد، إليك بعضها:ص

في كتابه The Eight to Be Great يقول ريتشارد جون أن النجاح الباهر سيأتي فقط إن فعلت ثمانية أشياء: ص

أولا: أن تبحث عن شيء تحب ان تفعله، شيء تحبه للغاية وتريد أن تهبه حياتك وتكرس نفسك من أجله، لأنك لن تنجح في مجال لا تحبه، حتى إن حدث هذا فسيكون النجاح محدودا وستكون فرص حدوثه أقل بكثير. يقول سايمون سينك في كتابه "Start with Why" أنه في عهد الأخوان رايت كان هناك الكثير مثلهم يحاولون الطيران وكان بعضهم ممول من الحكومة وكانوا أفضل تعليما وأكثر ذكاء، لكن الأخوان رايت فعلاها لأنهما أحبا ما يقومان به، لأنهما لم يكونا موظفين يعملان للحكومة يهتمان لراتبيهما أكثر من تحقق الحلم. إذا أردت أن تطير فعليك أن تحب الطيران كي تتحمل ألم الاصطدام بالأرض والسقوط المتكرر، إن حيرة البحث عن شيء تحبه أشبه بحيرة من يريد ان يختار زوجة يقضي معها ما تبقى من عمره، وعادة ما أتوقف أنا هنا.ص

ثانيا: عليك أن تعمل بجد من أجل تحقيق ما تحبه وما تريد الوصول إليه، ولأنك تحب ما تقوم به فسوف يكون العمل بالنسبة لك مثل قضاء الأجازة في جزر الهونولولو مع حبيبتك الفاتنة وبالتالي سيدفعك هذا لاستثمار المزيد من الوقت في العمل.ص

ثالثا: ركز على شيء واحد ولا تحاول أن تقوم بكل شيء فأنت لن تبرع في كل شيء.ص

رابعا: ادفع نفسك للمزيد من العمل. فعند لحظة معينة ستصل إلى حد الاكتفاء من محبوبتك لكن هذا لا ينبغي أن يجعلك تتخلى عنها، عليك أن تستمر حتى وإن بدأ العمل يضايقك أو يوترك أو يثير لديك بعض الملل. طبقا لريتشارد جون، يحقق العظماء النجاح لأن لديهم آليات نفسية تجعلهم ينهضون بعد سقطاتهم ولأنهم يستطيعون أن يثابروا لفترات أطول.ص

خامسا: ولد المزيد من الأفكار التي تجعل عملك إبداعيا وسلسا ومختلفا عما يفعله الآخرون. ص

سادسا: استخدم هذه الأفكار في تحسين آدائك. ص

سابعا: لن تحقق نجاحا حقيقيا إن كنت تريد المزيد من الثراء، وإنما ستحققه إن أردت أن تضيف قيمة للمجتمع من حولك، لأنك ببساطة ستحتاج إلى تأييد من حولك وهذا لن يحدث إلا لو كانت لديك معتقدات تتفق مع معتقداتهم. إنهم لن يؤيدوك أنت وإنما سيؤيدون أفكارك التي تروق لهم. يحكي سايمون سينك عن هذا ويقول إنك عادة ما تبيع للناس شيئا وهم عادة يفكرون في السبب الذي يجعلهم يشترونه، قبل أن تصنع الشيء، فكر في السبب.ص

ثامنا: المزيد من المثابرة! صص

في كتابه Outliers يقول مالكوم جلادويل إن الطريق إلى النجاح هو التواجد في المكان والزمان الذي يمكنك فيهما أن تحصل على الفرصة. لأن الحياة لعبة سلم وثعبان كبيرة فإن وقفت في المكان الذي به الكثير من السلالم ستصل، وسيحدث العكس إن كان حظك عثرا وقابلت الكثير من الثعابين. أنت لا تحتاج إلى أن ذكاء حاد كي تصبح الأفضل وإنما تحتاج فقط إلى ذكاء متوسط وفرصة وعمل ومثابرة.ص

الكثيرون تأتيهم الفرصة لكنهم لا يعملون، ربما لأنهم يتحدثون كثيرا، يقول ديريك سيفرز إن الأشخاص الذين يتحدثون عن أهدافهم لا يجدون في أنفسهم الرغبة للعمل ولتحقيق هذه الأهداف ببساطة لأنهم حين يتحدثون يحصلون على نوع من الاستحسان الاجتماعي شبيه بذلك الذي يحصلون عليه إن نجحوا وإن كان بنسبة أقل، ولأن هذا الإحساس يتملكهم مع الوقت فسيتحولون إلى آلات حديث عن أحلامهم دون الوصول لشيء. لا تتحدث عن أهدافك ولا تذكرها للآخرين. دعهم يرونها حين تتحقق فحسب.ص

التفكير في الموت أيضا قد يفيد، فهو سيجعلك ترى أهمية الوقت وتجتهد كي تحقق ما تريد قبل أن تموت. فكر فيما تريد أن تفعله قبل أن تموت. تقول كاندي تشانج أن للموت قوة تجعلك تحيا الحياة كما ينبغي. ص

لا أستطيع مقاومة النزعة إلى تذكيرك بأنك تستطيع أن تفعل ما تريد، لقد رفد ستيف جوبز من عمله لأنه كان يفتقر إلى الإبداع ورسب أينشتاين في الرياضيات وكان طفلا بطيء الفهم وكان بيل جيتس مراهقا تافها قبل أن تشتري مدرسته ليكسايد حاسوبا وقبل أن يجد حلما يكرس حياته له. صدقني يمكنك أن تفعلها.ص

النجاح هو الفكرة والفرصة والعمل والمثابرة. ربما يجدر بي أن أكتب أنا أيضا كتابا في التنمية البشرية.ص

سبتمبر 20، 2012

غضب



لا أدري منذ متى بدأت أتذكر أشخاصا بعينهم وأسبهم بكل ما قيل على ظهر هذا الكوكب من شتائم. لا أدري متى تجمع بداخلي كل هذا الغضب وتراكم حتى أصبح كافيا لتدمير المجرة بكاملها إن خرج. ما أعلمه أنني في صباح كل يوم، تتفاعل داخلي كل الجمل التي لم أقلها والعبارات التي لم أدافع بها عن نفسي، وتغمرني أسئلة عدة: لماذا أصر دائما على أن أكون ابن الناس الوحيد في حياتي؟ لماذا لا يمكنني إخراج الموتى من أجداثهم ومحاسبتهم على كل ما اقترفوه في حقي؟ ولماذا لا أترك العنان لنصل حاد يودي بكل الحمقى الأحياء إلى حتفهم؟ وما الذي يجبرني على الصبر على كل هذا الغضب؟

ملعونة الأخلاق التي تفعل بنا كل هذا!

يوليو 19، 2012

My mood

وإكمن كله أذاك قررت تعشق ملاك! يا اللي عشقت الملاك حتى الملاك صدّك!

يوليو 17، 2012

من التاريخ السري لعمرو السيد

struggle_benyei

عندما صعدت الطائرة من مطار القاهرة، أصبحت المنازل والعمارات تحتنا كمكعبات الميكانو التي تراكم عليها التراب، ثم ابتلعنا السحاب ورأيت أبي وهو يعبر الصالة ويقول جملته التي طالما كرهتها لكنني لم أبد له هذا: "وقد تسبق العرجاء". سمعت صوت والد فتاتي الأولى وهو يقول "ربنا يرزقك بواحدة أحسن من بنتي" وخيل لي أن الطائرة تعود بي إلى ماضيّ الذي حاولت كثيرا الفرار منه.

أبي الراقد في الفراش بعد النتيجة لأنني خذلته ولم أدخل كلية الطب، يرمقني بعين واهنة ويصر على أن ألتحق بكلية التربية، بينما أصر أنا على آداب لغة عربية، أتنازل أمام حزنه وأجعلها آداب لغة إنجليزية ثم بعد أسبوع أنزل على رغبته. لم أر نفسي يوما طبيبا ولا مهندسا ، وإن كنت أعرف تماما أنني أستطيع أن أنجح في أي من المجالين (على الأقل أزعم هذا). بينما كانت التربية بالنسبة لي كابوسا كبيرا فأنا لا أجد فيها علما ولم أقبض فيها على ما يفيد.

تقدم لي مضيفة شقراء الشعر منديلا مبللا كي لا تصاب بشرتي بالجفاف، أمسح به جبهتي وما بدا من ذراعي وأعطيه لأخرى، ثم أغرس جسدي في الكرسي مرة ثانية. أتذكر تلك الأيام التي كنت أرسم فيها جداول زمنية لليوم وللأسبوع وكيف كنت ألوم نفسي كثيرا إن ضاع الوقت. منذ أن بلغت العشرين عاما وأنا خائف من بلوغ سن الثلاثين دون تحقيق نجاح يرضيني، ويعوض أبي عن حزنه.

كانت الكتابة بالنسبة لي متنفسا لحالة من الصراع تغتالني كل يوم، حالة من القلق الوجودي كما يفضل أستاذي محمد عبد المطلب أن يسميها لكنني خلال السنوات الثلاثة الأولى من الكتابة كنت أكتب قصة كل أسبوع ليسمعها رئيس نادي الأدب (وقتها) فيمصمص شفتيه ولا ينبس نحوي بكلمة، كنت أعود إلى المنزل ونار تحترق بداخلي فأكتب قصة أخرى وهكذا. كانت رحلة الكتابة بالنسبة لي إبحارا بلا أمل في الوصول إلى أي شط.

على الرغم من كراهيتي الشديدة للتربية فقد استمريت في دراستي العليا لما يزيد على الثلاث سنوات درست فيها ما لا يقل عن 23 مقرر وبحثت خلالها عن جامعة أسجل فيها الماجستير لكنني لم أوفق في ذلك لا في محافظتي ولا في أقصى جنوب البلاد ولا أقصى شماله.

تركت التدريس على الرغم من أنني اجتهدت كثيرا فيه، كان الجميع يرونني مجنونا وكان الحزن ينسكب كل يوم من عيني أبي فيلهبني ويجعلني أقسو على نفسي أكثر وأكثر. أحببت الترجمة فعملت بها حتى تمكنت منها وقمت بإنشاء شركة لم أوفق فيها بأي شكل وجاء طوفان الثورة ليخسفها ويجعلني أخسر عاما كاملا من عمل مضن.

ربما لن أنسى ذلك الأسبوع الذي ضاع فيه كل شيء، حيث رفضني والدها، ربما لأنني لم أكن ناجحا بما يكفي،أو ربما لأنه خاف على ابنته الناجحة من الارتباط بفاشل مثلي، المهم أنه رفض. وأنا ألملم أوراقي وكتبي من مكتبي تمهيدا لإخلاء المكان وإغلاق الشركة كانت الدموع تنزل مني رغما عني على كل شيء، وكنت أكلم أباها في صمتي وأقول إنه على حق، ساعتها دق جرس الهاتف، كان مشرفي المرتقب يخبرني بأن الجامعة قررت إيقاف التسجيل بها لعام آخر.

من بين كل هذه الأحداث المأساوية ظهرت فتاة ملائكية داوت قلبي ولم تكترث لفشلي ولم يرفضني أبوها، بدأت أعمل بكل ما لدي لتعويض الخسارة المادية التي تسببت فيها الثورة، استلزم هذا عام كامل استطعت خلاله تسجيل الماجستير والانتهاء من الجانب النظري فيه، نجحت في نهاية العام في الحصول على بعثة للولايات المتحدة وانتهيت خلال الفترة نفسها من طباعة وتشر مجموعتي القصصية الثانية وروايتي المترجمة الثانية، ثم قررت التنازل عن البعثة لصالح حياة أفضل في الدوحة وعمل جيد في شركة من أكبر عشر شركات هندسية في العالم.

هبطت الطائرة، وتركتني كي أهرب من نفسي كل يوم بين الأبراج العالية والمباني الشاهقة والجنسيات المختلفة والشوارع التي لا تعرفني. صار لدي أغلب ما حلمت به بين ليلة وضحاها، وظيفة جيدة وراتب كبير وتأمين صحي ساري المفعول في أكثر من 20 دولة وإقامة في بناية فخمة، ومجموعة قصصية أعجب بها الكثيرون وتكتب عنها الصحف، ورسالة ماجستير اكتمل نصفها ورواية مترجمة على وشك الصدور وكتاب آخر مترجم. كنت قد انفصلت عن فتاتي الملائكية قبلها بأيام قليلة وكان الحزن يملأني لكن حين دقت الساعة الثانية عشر صباح يوم الأول من يوليو لعام 2012 شعرت بأنني مجهد للغاية وأنني كنت أجري لعشر سنوات. أتممت في هذه الليلة ثلاثين عاما وخفتت قليلا تلك النار المتقدة بداخلي، كان من الممكن أن تختفي تماما لو أن أبي على قيد الحياة، لو أن والد فتاتي الأولى على قيد الحياة، يا ليت الموتى يشعرون بالأحياء...