يوليو 31، 2009

زفاف



أدرت المفتاح، ودخلت شقتي التي أصبحت خالية.
منذ أن رحلتِ، أصبح الهواء سميكاً بعض الشيء، ثقيلاً كهمي وخسارتي، أو هكذا شعرت به، فلم أستطع أن أتنفس.
بينما كنت أتجول بلا هدف في الغرف، لاحظت زوج حذائي البني، وقد اتخذت فردتاه وضعية معينة. على الفور عرفت ما دار، وما كان، وما حدث. فأنا متأكد من أن هذا الولد الشقي قال لها بلا مقدمات إنه يحبها، وأنها قالت له بعد الكثير من الخجل إنها تعشقه. ربما تغزل في وجهها الذي غلفه التراب، وتغاضت هي عن تشققات بدت واضحة في كعبه.
نظرت إليهما، وأحسست أنهما محظوظان للغاية. جال بخاطري أنهما صُنعا في نفس اليوم معاً، وأنهما لا يفترقان إلا فيما ندر، بل وسيهلكان معاً، ومن يعلم فقد يتقدم بهما العمر فتفتح الثقوب فماً لكل منهما يقبل به الآخر. أغلقت باب الغرفة، وموسيقى الزفاف تعزف في رأسي، بينما كانت الفرحة تملأني، فأنا -على الأقل- أمتلك زوجاً سعيداً من الأحذية.

يوليو 29، 2009

حاجة غريبة والله

tv يوم الجمعة بعد صلاة الظهر, كنت أجلس إلى جوار أمي نأكل ونتلقى وجبة دسمة في تفسير القرآن من الشيخ الشعراوي. كانت هذه عادتنا وقد تعلمت أكثر ما تعلمت من هذا الرجل. موسيقى المقدمة والنهاية لبرنامجه مازالت ترن في أذني, ومازلت أشتاق إليه, إلى معلمي الأول. كانت أمي صارمة فيما يتعلق بالمذاكرة والواجبات, فلم تكن تسمح لنا بمشاهدة طويلة أمام التلفزيون. على الرغم من ذلك فهي لم تستطع أن تمنع نفسها أو تمنعنا من التحلق حول مصطفى محمود في مساء كل اثنين ومشاهدة العلم والإيمان. لم تستطع أن تمنعنا من مشاهدة حامد جوهر يوم الثلاثاء في عالم البحار. تعلمت من هذين الرجلين شيئاً أهم من المعلومات العلمية . تعلمت منهما أن للاطلاع والعلم حلاوة.

في الأجازات كان الوضع مختلفاً, فكنا نشاهد نطاقاً أوسع من البرامج مثل برنامج حياتي في عصر كل جمعة, كما كنا نشاهد نجوى إبراهيم في فكر ثواني واكسب دقايق.

حتى البرنامج الترفيهي الأول في التلفزيون كان يحث على التفكير, وكان المكسب فيه معنوياً.

حين كبرت قليلاً, صرت أتابع فاروق شوشة في أمسية ثقافية, على الرغم من عدم ثبات هذا البرنامج في خريطة البرامج لسبب ما لا أعلمه.

غابت كل البرامج الثقافية من التلفزيون الآن وحل محلها برامج للمسابقات. وصار الشعار والجملة الأساسية للتلفزيون المصري جملة مفيدة شيحة "أنا اقتنعت.. أنا لازم ألعب".

يبدو أن التلفزيون كله مقتنع بأنه والشعب لابد أن يلعبوا. العجيب في الأمر أن هذه البرامج التي تتضخم وتفرد سطوتها على خريطة برامج التلفزيون لا تحقق نسب المشاهدة الأكبر. بل تحققه برامج الـtalk show مثل البيت بيتك, وبرامج سياسية مثل اختراق لعمرو الليثي.

كنت أمشي في الشارع حين تذكرت -ولا أعلم سبباً لذلك- الملايين الذين وقفوا أمام شباك حجز التذاكر لرؤية ناصر 56.

في السينما أيضاً, تنجح الأعمال الجادة مثل تلك التي يقدمها أحمد حلمي, وتسقط مع الوقت الأعمال التي تحدث فرقعة وضجة في البداية.

بداخلي اعتقاد أن هذا الشعب يتوق إلى شيء جاد, شيء يحترم تفكيره وعقليته. وأرى أن محاولة التلفزيون المصري إلى تسفيه عقولنا وغرس التفاهة والانتهازية في جيل مازال يتشكل, هي كما تقول إحدى صديقاتي دائماً "حاجة غريبة والله".

يوليو 28، 2009

لماذا لا ترتفع دموعنا لأعلى؟

heaven حين وضعت قدمي على سلم الطائرة, كانت دموعك لا تزال على وجهي. عيونك التي خبرت كل دروب الحزن عبرت فوهة الضوء وجاءت تتبعني..

حين جلست على الكرسي أدرت نظري في المكان.. لم يكن هناك أحد غيري.. قمت أتفحص ما حولي.. لم يكن في الطائرة سوى الدرجة التي كنت بها, لا مضيفات, لا مسافرين.. ولا حتى أحزمة.. بعد قليل صعد طفل بملابس بالية حين جلس تحركت الطائرة وكأنها كانت تنتظره.

أضاف صعود الطائرة إلى ضيق صدري.. شعرت بألم شديد في مكان الجرح.. الأيام الأخيرة لم تكن جيدة بأي حال.. مازلت أذكر وجهك المسكون بالقلق وأنت تتحدثين مع الطبيب.. وكيف اختاره الخجل حين أمسكْت يدك وقلت للطبيب أن يشق جسدي بمشرطه كما يشاء دون أن يطلع على الساكنين بين قلبي وأضلعي..  لا أعلم حقا لم تجزعين دائما, لم يحتلّك الهم بسهولة؟..  كنت دائما تسألين "لماذا لا ترتفع دموعنا لأعلى؟ لماذا لا تشكو همومَنا؟" وأنا كنت دائما بجوارك.. أهدهد روحك, وألفك بين أضلعي..

بينما كنت أفكر, كانت الطائرة تتوقف بين الحين والآخر.. يركب فيها من كل الأجناس: بيض وسود وصفر.. صغار وكبار.. أغنياء وفقراء.. وكانت حين ترتفع تثير بأضلعي نفس الألم وبعقلي كثيرا من الذكريات..

الآن وأنا أجلس في الحديقة، أتناول العنب وأقرأ أخباركم في جريدة الصباح.. مازلت أشعر بالشوق إليك.. المكان هنا جميل، الناس طيبون، والحي مليء بالحسناوات.. كلهن رهن إشارتي، لكنني لا أريد سواك..

بالأمس لم يوقظني لصلاة الفجر صوت الأذان، وإنما دموعك صعدت على وجهي، وصلني معها دعاؤك وصلاتك وترحمك.

يوليو 27، 2009

من كتاب الحواديت

fa54485b-bede-4692-89ac-49e25a61d5d0bookofknowledge[1]

هكذا وصفت لي أمي أوصافها وحكت كل حكاياتها من كتاب الحواديت. قالت إنها ستخرج من الكتاب في يوم من الأيام، وتطير مثل فراشة مضيئة، فتفتن بألوانها ونورها من يقترب. قالت إنها هي السعادة والألم, وإن محبها هالك, وواصلها مفقود. ثم أوصتني إن رأيتها أن أبتعد.

الآن تحققت النبوءة يا أمي. الآن أراها رأي العين...

ورغم أنها بارعة في التنكر, رغم أنها بدلت كل ثيابها الملكية بثياب الناس العاديين, وأخفت نصف وجهها تحت نظارة ثقيلة, وحملت حقيبة يد كبيرة لا تحملها الأميرات, إلا أنني عرفتها. هي الأميرة يا أمي, وكيف لي أن أنخدع.

قالت: فتنتك بنورها؟ قدرك إذاً أن تشقى وتسعد, أن تسعى ما بقي من الحياة وراءها. قدرك أن تنتظر. معذور أنت يا ولدي, كيف لمن يرى النور من وسط الظلام أن يبتعد؟

يوليو 26، 2009

غيرة

5bedfff255d7ade621c3782baae5d80b

عيناه على وجهكِ تشعرني بالغيرة… ابتسامتكِ في وجهه تقتلني. من يكون ذلك البدر الذي يطل عليكِ من شرفة حجرتك حتى يراكِ بينما أظل أنا هنا.

My Angel of Pain

Angel_of_Pain_by_AmberCrystalElf

The days they merge, they're all the same
A tireless fog of endless pain
That drains away all our resolve
But in the end does nothing solve
And when there seems no end in sight
Don't give up, you'll win the fight
For though the pain you cannot share
Your life is touched by those who care
And as your strength is sapped away
The sun will greet another day
To find your pain at last has gone
An illness healed, a battle won
The joyfulness of being cured
And knowledge of how you've endured

The image and poem by Kim Dreyer

يوليو 23، 2009

فخور أنا بك

Betrayal_in_the_Land_of_Black_by_MoonLitTourniquet حين رأيتك, قبضت عضلات الخدين كي أفرد شفتي فأعطيك ولو نصف ابتسامة. وبذلت مجهوداً أكبر كي أمد يدي نحوك, ومددتها بالفعل, لكن ذراعي ظلت متصلبة رافضة أن يحدث بيننا ذلك العناق اللحظي الذي كان. تمد ذراعيك فيصطدما بالسور الشفاف الفاصل بيننا, وتتلاشى ابتسامتك السهلة. تتكلم, لكن كلامك ينزلق على السطح الأملس للسور. تتحرك شفتاك بلا صوت..

تتساءل عما حدث, وأجيبك أن لم يحدث شيء, لكنني اليوم وعلى غير العادة أشعر بالفخر. وأنا للحق أشعر بالفخر منذ ذلك اليوم الذي أتيت فيه سعيداً كسمكة عرفت لتوها كيف تتنفس خارج الماء, ووقفت بيننا. منبهر منذ ذلك الحين بمهارتك في دس منخاريك الواسعتين بيني وبينها, بقدرتك على سحب الهواء الذي يرقص مبتهجاً حولها, وسحب الابتسامات التي تلهو غير مكترثة في أرجاء المكان. فخور أنا بقدرتك على جمع السعادة من أركان الغرفة واختصارها في كهف فاغر على شفتيك. منبهر بقدرتك التي تجلت واضحة حين نزعت من رأسي اسماً كنت أدللها به. أتساءل كيف تمكنت؟ كيف عرفت؟ صدقني لم يتغير شيء. أنا فقط منبهر بك.. منبهر جداً بك يا صديقي.

يوليو 21، 2009

الله محبة

20070407rd_lighting01_450

أنا مسلم وأعتز بإسلامي جداً, لكنني أحب الكثير من الأشياء في الديانة المسيحية. أحب المسيحيين حين يقولون "الله محبة". وأحبها أكثر بالإنجليزية God is love, فالترجمة الأفضل من وجهة نظري هي "الله حب". ونحن نستخدم كلمة محبة لأن كلمة حب سيئة السمعة. هكذا تنظر ثقافتنا إلى الحب, فهي تراه "كلام فاضي" وبالتالي فالله ليس حباً, ولا ينبغي أن يكون كذلك. فليكن.. الله محبة. أحب هذه الجملة لأنني أشعر بالحب داخلي لله, وأرى أن علاقة العبد بربه هي في الأصل علاقة يسودها الحب, لا الترهيب والترغيب. اللهم إني أحبك فارض عني.

أحب جملة أخرى في المسيحية. كان إميل جاري يكتبها على كشاكيله, وكنت أنا أقرأ وأتأثر كثيراً. تقول هذه الجملة " تعالوا الي يا جميع المتعبين وثقيلي الاحمال وأنا أريحكم ". أحب أن أقول هذه الجملة -على الرغم من الاختلاف العقدي بين الإسلام والمسيحية حول ماهية الله- كلما شعرت بالضيق. سآتي إليك يا رب, فأرحني.

أنا لا أرى أي مشكلة في استمتاعي بهذه الكلمات ولا في انفتاحي على ثقافة أصدقائي من المسيحيين, وإن كان أغلاهم عندي قد هاجر للولايات المتحدة منذ عدة أشهر وأنا بالفعل أفتقده. اسمه مينا وهو شماس في الكنسية.. العجيب أنني كنت محاطاً بمسيحيين متدينين طول الوقت, فلم أر منهم سوى كل خلق وأدب. منهم بيتر الذي يدرس اللاهوت وقد حصل فيه على درجة تعادل الماجستير, ومنهم مايكل فايز وهو شماس أيضاً.

أكثر ما أحب حين أدخل الكنيسة هو أن أنظر للجداريات التي تحكي دون أن تتكلم. مازال صوت القس في أذني وهو يقول "اللهم بارك في مايكل وزوجته إيريني". كان فرحهما فرحاً وسعادة لي, وكانا مثل زهرتين وإن لم ينجبا بعد ذلك. فقصص الحب لابد لها من شيء ينغصها. المهم أنهما يحبان بعضهما ومازالا على العهد.

أحب مراسم الزواج المسيحية أيضاً. أنبهر وأنا أراها. خاصة في الأفلام الأجنبية ليس لدى أبناء الديانة المسيحية كلاماً محدداً في الزواج فكل حسب مذهبه, لكن هناك بنية وهيكل للكلام متفق عليه. أحاول مع كل فيلم أن أصغي بشدة لكل كلمة يقولها القس. وبالأمس وجدت نفسي أبحث بكل ما لدي بعد يوم عمل طويل على جمل أحبها في مراسم زواجهم أسمعها في الأفلام, مثل هذه الجمل:

Pastor: Do you, standing in the presence of God and these witnesses, solemnly pledge your faith to your wife. Do you promise to live with her according to God's ordinance in the holy estate of matrimony; do you promise to love her, comfort her, honor, and keep her, in sickness and in health, and forsaking all others, keep yourself only unto her, and through God's grace to promise to be to her a faithful and devoted husband as long as you both shall live? m

Groom: I do.m

Pastor: You, (Groom's Name) and (Bride's Name) have pledged your devotion to each other. It is not these words that have made your marriage real, but the God of love, who has welded your hearts together as one. He has said, "For this cause shall a man leave his father and mother and shall be joined unto his wife and the two shall become one flesh."m

Into this holy estate these two persons present now come to be joined. If any person can show just cause why they may not be joined together – let them speak now or forever hold their peace.m

أحب هذه الكلمات من أجل ذلك التعهد بالإخلاص الأبدي, وبالحماية والرعاية والحب. أحب صرامة القس حين يقول "من لديه سبب يمنعهما من الزواج فلينطق به الآن أو فليصمت إلى الأبد".

أحب كل ما قيل في القرآن عن السيدة مريم وعن سيدنا عيسى, اعشق السورة التي وردت باسمها, وهي أقرب سور القرآن إلى قلبي.

أحب الكثير من فكر المسيحيين ومن أخلاقهم, وقد يعتبرني البعض مغالياً, أو متطرفاً أو ملعوباً في عقلي. هي مشاعري تجاههم, وأنا أعتز بمشاعري.

يوليو 20، 2009

أن تعيش في القاهرة

Cairo_Has_No_Traffic_Lights_by_AndySerrano

هي في سن أمي.. تقف كل يوم بنظارتها وجلبابها الأسودين في وقار شديد, وتمد يدها بكيس مناديل, فيلقي لها المارة بالنقود ولا يأخذون الكيس في أغلب الأحيان. شعور واحد ينتابني حين أراها, العار. أشعر بالعار.. ربما هو عار على البشرية كلها وعلينا كمصريين, أن تقف سيدة محترمة بأكياس مناديل أياً كانت النوايا والأسباب. عار أن تقف هكذا سيدة في عمر أمي..

في برد الشتاء المميت, كانت سيدة في الأربعينات من عمرها, تبيع أكياس خبز في الطريق ومعها طفل صغير, تدخله تحت خمارها فيبكي, تخرجه من تحته فيرتعش برداً, وأنا كنت أراقب من بعيد ونصل رشيق يتسحب من تحت رقبتي ودماء بالحزن تسيل..

بالأمس كنت بالقرب من كوبري فيصل فرأيت فتاة لا يزيد عمرها عن 15 سنة وكانت ترضع طفلاً على الرصيف ومعها طفل آخر. كل يوم أصعد السلم المواجه لقاعة المؤتمرات بمدينة نصر فأرى شاباً مقطوع الرجلين يمد يده ولا يتكلم بشيء. الكثير من الألم الصامت في شوارع المدينة... الكثير من الضجر. آلام تكفي كي تبكيك لسنوات.

كنت أمشي أمام محطة القطار برمسيس, حين أتت فتاة من خلفي وجرت كي تنزل بسرعة إلى بوابة المترو, وأنا كنت أمشي بطريقتي العادية. فأنا عادة ما أمشي كضباط الجيش في عروضهم العسكرية فيتأرجح ذراعي من أسفل لأعلى بعنف. في هذه اللحظة كنت أنظر للشمسي, تجاوزني نصف جسدها, وفوجئت مرة واحدة أن يدي قد استقرت في جزء محرج جداً منها. نظرت إلي فقلت على الفور "أنا آسف, ما كنتش أقصد". رمقتني بشكل يقول "زبالة وملت البلد". شعرت بعدها بالأسى لأيام فأنا لا أريد أن أؤذي أحداً عن عمد ولا بغير قصد.

مع أحمد الشمسي ذهبت إلى مستشفى التأمين الصحي, فاستقبلتنا صرخة من أم تحمل طفلاً صغيراً نائماً أو ميتاً لا أعرف, أمسكت هاتفها المحمول بلهفة وقالت "تامر مات يا منار.. تامر مات" لم يكن ما تطلقه بكاء بل كان ما أطلق عليه نشيج.

سألني الكثير من الناس "كيف تتحمل الحياة في القاهرة؟" أود لو أجيبهم بأني لا أتحملها. أن تعيش هنا في القاهرة فهذا يعني أن تتألم في كل خطوة.. من رؤية المعلقين في مواسير المترو, من رؤية الشحاذين وأطفال الشوارع, من سلوك البشر. أن تعيش في القاهرة فهذا يعني شعوراً بالتضاؤل لا ينتهي وشعوراً بالعار يلتصق بك ما مكثت بها.

كنت أشاهد التلفاز في مرة لم أكررها بعدها, فرأيت عمرو الليثي في برنامجه واحد من الناس يلتقي برجل من بولاق. يكشف عمرو الليثي عن 3000 أسرة تعيش في الشارع داخل بولاق منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً. حين سأل الرجل "بيتك كام قوضة؟" قال له "أنا عندي قوضة قاعد فيها أنا ومراتي وعيالي وأمي والحمار". الرجل حوذي (يعني عربجي) وحماره هو قوت يومه.. سأله عمرو الليثي "طيب ما تربط الحمار برة؟" رد الرجل "يتسرق يا بيه وهو أهم حاجة عندنا". حين قلبت المحطة من الوجع وجدت على القناة الأولى الكويتية برنامجاً مثيراً للاهتمام. كان البرنامج يسأل الناس في الشارع عن إمكانية الاستغناء عن الخادمة في البيوت الكويتية. الغريب أن جميع الأشقاء أعربوا عن الألم الشديد الذي يواجهونه في فترة الإجازة التي تأخذها الخادمة. وقالوا إن الحياة بدونها ما تصير.

عجبي

يوليو 19، 2009

ضفدع آخر

fgdf عيناها المفتوحتان باتساع فنجان القهوة في يده تطرفان قليلاً وفي أوقات معينة ومحددة ودقيقة.. عيناه ابتسامتان لطفل كبير وفمه ضحكة موازية لضحكتها. أطيل النظر إليهما فتتقلب الذكريات في رأسي, أحول نفسي وأنظر باتجاه النيل, أغلق عيني كي لا تقفز منهما الصور. وأسد حلقي بغصة كي يظل السر المؤلم حبيساً بين أضلعي. أتنفس بتنهيدة تخرج رغماً عني, فأعكر هدوء المكان وألوث بالحزن كلمات حب سعيدة تجول في أرجائه.

أرفع زجاجة المياه الغازية السوداء إلى فمي وأتجرع منها, فتنزل باردة في جوفي ثم ما تلبث أن تلتهب. تردد النادل كثيراً قبل أن يأتيني, فليس من عادة الناس أن يأتوا إلى هنا وحدهم.. أحمق هو ذلك النادل, لكنني أشد حمقاً منه.

أصب ما تبقى من الزجاجة في فمي. فقاعات الغاز في بطني عرفت السر وتريد الآن أن تخرج. أسد فمي بيدي. أربط على حلقي بغصة أكبر. تزداد فقاعات الغاز عناداً, وتخرج محدثة صوتاً متقطعاً كنقيق يخدش هدوء المكان, ويوقف همس المحبين.

يتحول الجميع نحوي وعلى وجوههم علامات سؤال وفهم. الآن انفضح سري, أقفز من مكاني وعلى وجهي الكثير من الألم والانزعاج والحرج.. أهرب مسرعاً, فتداهمني عيونهم وقد عرفوا أنني ضفدع آخر لم تقبله الأميرة.

يوليو 18، 2009

إنفلونزا المشايخ

mosque_by_abdullahcoskun

الشيخ في أحد أكبر مساجد القاهرة أراد أن يخطب في الناس كي ينهاهم عن الزنا, فجاءت كلماته كالتالي:

الزنا يا اخوانا, حفظنا الله وإياكم أصبح منتشر أكثر من المصافحة باليد. كل واحد يخلي باله من مراته, كل واحد يخلي باله من بناته, من اخواته, ومش عايز أقول من امه. خلي بالك من امك. (هنا تحديداً انفجرت في الضحك, رغم أن الكلام ينطوي على سبة لأمهات جميع المصلين, لكن شر البلية ما يضحك) كان الناس فيما مضى لا يقربون الزنا إلا أهل الطبقات الدنيا من المجتمع, لكن دلوقتي أديكوا شايفين وسامعين (هذه الجملة ينقصها مصمصة بالشفتين). كان فيما مضى صعب أن ترى عنق امرأة.. دلوقتي سهل جداً أن ترى رقبة أي واحدة بعد الإيشارب الجديد اللي بيربطوه للخلف (عارف كل حاجة الشيخ ده), تبقى الواحدة ماشية وجزء من شعرها مكشوف ورقبتها باينة وتلبس لبس ضيق وقصير ولما توطي في الميكروباص ضهرها يبان.. أصبحت المؤدبة يا اخوانا هي اللي تشد الهدوم على ضهرها وهي نازلة في المواصلات عشان ضهرها ما يبانش. أصبح من السهل أن ترى ضهر امرأة أو بطن امرأة أو صدر امرأة (مش عارف ليه افتكرت البياعين اللي في العتبة مع رتم الجملة الأخيرة). والكلام ده كله حرام.. والله العظيم حرام, والمصحف الشريف حرام (لاحظوا معي أن هذا شرك أصغر لأن "من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" (ص))

جالي واحد وقالي يا مولانا أنا هاهجر زوجتي سنتين عشان تتلم. سنتين يا مفتري. ده ربنا بيقول "ولا تزروها كالمعلقة" زميلها بيعاكسها في الشغل.. تفتح التليفزيون تلاقي شاب بيقبل فتاة.. تفتح البلكونة تلاقي الجيران متهنيين. دي عايزة راجل.. عايزة راجل (دي بقى جملة تهلك من الضحك رغم إنها فيها إشارة إلى إن المرأة منحرفة بطبيعتها.) يهنيها وتعاشره (وكأن العلاقة بين الراجل والمرأة علاقة متعة جنسية فقط.. كنت مستني يقول "تتكلم معاه") وانت تقولي سنتين. واحدة زي دي نعملها فتوى لوحدها في حرمانية الزنا من حليته!!

يا اخوانا اتقوا الله في نفسكم.. اتقوا الله أديكوا شايفين انفلونزا الطيور وبعدها انفلونزا الخنازير, ما بقاش غير انفلونزا المشايخ. (لم أستطع أن أكتم ضحكتي هنا أيضاً)

هكذا هو الخطاب الديني في بلادنا إذاً. أغلب المشايخ يلجئون إلى كلام فصيح لا يفهمه العامة أو كلام مبتذل يدنو بعظم ومكانة الشيخ وخطبته. عندي مشكلة منذ أكثر من عشر سنوات, وهي أني بدأت أدرك أن ليس كل ما يقوله الشيخ مسلماً به وصحيحاً, وأن دماغي لا ينبغي أن تسلم إلا لمن يفهم. وهؤلاء الذين يفهمون يروجون في أغلب الأحيان لتيارات تأخذني بعيداً عما أراه قلب العقيدة. يبدو أنني سألجأ في النهاية إلى قراءة النصوص المقدسة وحدي وأحضر خطب الجمعة حتى لا يكتبني الله عنده من الجالسين في بيوتهم.

ما لا يعرفه هذا الشيخ هو أن انفلونزا المشايخ متفشية جداً وتحتاج إلى علاج سريع.

يوليو 15، 2009

كيف ستعلمين؟

FSAS

المكان هنا به الكثير من الصخب. أصوات لأحذية تمشي على أرضية مصقولة, موسيقى ناعمة تتهادى من بعيد, همس بين المقاعد والمناضد, كلها أصوات أعلى من دقات قلبي, فكيف ستعلمين أني أحب؟

يحتاج قلبي إلى مكبر صوت كي تعلو دقاته فوق صوت النادل:

- تشربوا إيه؟

- اتنين فراولة.

تنظرين إلي بعين متسائلة, مندهشة.. نعم أنا لا أحب الفراولة, لكنني أحب. ولعصير الفراولة لون أحمر لاذع كلون عيد الحب, سأستمتع كثيراً وأنا أراه يتخلل شفتيك, وسأحس بذلك الألم الممتع بينما تمتصين عصير الحب من قلبي غير واعية.

يوليو 11، 2009

الشمس تزور أبي أولاً



أبي يحب الشمس, وهي تحبه كثيراً حتى أنها طبعت على وجهه قبلات حمراء داكنة. بشوق الحبيب إلى الحبيبة تأتيه كل يوم فلا تدخل بيتنا إلا إذا زارت غرفته أولاً. في إجازتي السابقة فتحت النوافذ بعد صلاة الفجر فتداعى النور كفتاة صغيرة تشمر عن رجليها في بحر سماوي. ثم شيئاً فشيء, ظهرت الشمس يافعة قوية. بدأت كعادتها بغرفة حبيبها, لكنها لم تجده وإنما وجدت ما تبقى من أبي بعد أن سرقت ملامحه السنون والمرض.

كنت أنا بجواره أقلب جسده بين الحين والحين. أمسك كفه الذي يشبه كفي كثيراً, أخلل أصابعه بأصابعي, أنظر إليه لكنه كان يشيح بنظره إلى الجهة الأخرى. في هذا اليوم, ظل صامتاً حتى حملت حقائبي. هو يعلم أن صمته أقسى علي من أي شيء, وأنا ورثت عنه هذه القسوة. كم تمنيت لو غرس سنه في قلبي وقطع مرارة السنين التي قستني. كم تمنيت لو أمرني بالمكوث, فينتهي كل شيء وتنتهي حيرتي. لماذا لا تأمرني يا أبي, ألم أكن ابناً مطيعاً في كل ما أمرت؟

 

- أنا عاوز أتجوز دي, ومش عايز غيرها.
- سيدنا إبراهيم قال لابنه "إني أرى في المنام أني أذبحك".
- ادبح

 

نور الشمس يدفع ستائر القطار بوهن. الشمس في القاهرة مختلفة عن شمسنا في الصعيد, وشمس الصعيد كلها تختلف عن شمس بيتنا, ففي بيتنا تعرف الشمس مسارها بين الغرف مسترشدة بدعوات أمي وصلاتها المتواصلة من الفجر إلى الضحى. تتخلى الشمس عندنا عن عليائها وتنزل كي تنقي الأرز مع أمي, أو كي تبهجها في أيام الشتاء وهي تأكل البرتقال في البلكونة.

في المرة السابقة انتفض جسد أمي وأنا أحتضنها بعد عودتي من السفر. كانت كعصفور صغير ينفض عن جسده حزناً جثم عليه في ليل طويل. أو من أدراني ربما عذبها لقائي فانتفضت مثل من يعذبون بالكهرباء. أعلم أنني سأراها من خلف ستائر القطار حين يعبر أمام منزلنا منتظرة مترقبة, كطفلة صغيرة تنتظر العيد وتتمنى لو يأتي ولا يغادر مرة أخرى. أعلم أن حبلاً سرياً خفياً مازال يربطني بها, وأنني سأتألم كثيراً حين تراني وسأتألم أكثر حين أقطع هذا الحبل وأحمل حقائبي مغادراً. ستضع هي رأسها على يدها وتدعو أن يؤلف الله بيني وبين أبي كي تستريح. وسيتردد دعاؤها في أذني وتنقلب دموعها ناراً أفر منها بسرعة القطار, ثم لا أجد مهرباً في الغربة فأعود بنفس السرعة.

أضع ستارة نافذة القطار فوق رأسي وأنظر إلى المدى بينما أجفف دموعا سالت رغماً عني. تتحرك قدمي بعصبية لا أتحكم فيها. يقطع تفكيري الكمساري وهو ينظر إلى التذكرة ثم رنين جرس الهاتف, ورسالة أقرأ كلماتها:

في الأيام دي كان المفروض أحضر لعيد ميلادك. أنا مش مسامحاك.

لماذا علي أن أحمل كل هذا الألم, هي تعلم أن هذه الكلمات لن تعيد ما فات, فلماذا ترسلها إلي؟ يتقدم القطار ويعود بي عشر سنوات إلى الخلف, أراها وهي تبتسم وأراني وأنا أضحك, أقرأ كلمات عن حب سيدوم إلى الأبد, كتبتها بيدي في صفحة من مرتفعات وذارنج, صفحة بللها دمع هيثكليف بينما كانت حبيبته كاثرين تفارق الحياة..


لكنك أنتِ بكل ما تمتلكين من قسوة فعلتيها.

 

نعم أنا فعلتها وبكل ما لدي من قسوة. أغوص في الكرسي وأتمنى لو أتحول لتراب. أدب بقدمي على الأرض. متى يصل القطار فأتخلص من هذا الاحتجاز وهذا الحصار وكل هذا الألم؟ أضع رأسي تحت ستارة النافذة مرة أخرى, وأمسح دموعي. أضرب برأسي على الزجاج, هي تعلم كيف تؤلمني وأنا أتمنى لو أعرف كيف أريحها. أتمنى لو أشطر نفسي وأعطيها نصفاً مني لكنني ملك لأبي, ذلك العجوز الصامت الذي يرفض أن ينظر في وجهي.

لماذا لا تنظر في وجهي يا أبي؟ لطالما بحثت عن رضاك لكنك لا ترضى. أحتاج عمراً فوق عمري كي أفهمك. أتعلم؟ أنت مثل حبيبتك, تبدأ هادئة في أول اليوم, ثم تثور في منتصفه دون مبرر فتفلق أدمغة العباد بنارها وتميتهم عطشاً, ثم ما تلبث أن تداري وجهها خلف الجبل كطفل صغير كان يلهو ويعبث فلما حطم الأشياء تدارى كأنه لم يفعل أي شيء.

لكن غروبك مختلف عن غروبها. فهذا الذي يتقلب على فراشك لا يشبهك, ولا تعرفه الشمس حين تزورنا. أتذكر ذلك اليوم الذي صممت أن تذهب فيه معي لمكتب التجنيد, حين وقفت في الصف وقلت لي أن أجلس وأستريح, أتذكر كيف اندهش الناس وأخبروك أن علي أن أعتمد على نفسي, أرى ذلك كما لو أنه يحدث اليوم, أتذكر كم كان وجهك مشرقاً, فالجيش عندك هو الحرب والحرب تعني الموت أو حياة ميتة, أسترجع فرحتك وأنت تمسك شهادة الإعفاء المؤقتة:

القرار: معف مؤقت من الخدمة العسكرية والوطنية كونه الابن الوحيد لأبيه الحي.

الابن الوحيد.. كم تمنيت لو كان لي أخاً يحمل معي جزءاً من همي ويقتسم معي قسوتي. أتمنى لو كان لي أخاً كلما رفضت أن توصلني إلى المحطة فلا أجد نفسي بحقائب كثيرة ويدان فقط. لماذا تخلفني وحيداً يا أبي أم أن هذا شكل آخر من أشكال قسوتك؟

أدفع حساب التاكسي, وأنزل حقائبي, ثم أقف أمام الباب والشمس تميل إلى الغروب. أعرف أن فتح هذا الباب سيجلب الكثير من الألم وأن غلقه سيجلب ألماً أكبر. يتكتل الهم على صدري وتعلن رئتاي العصيان, فيصبح نفسي ثقيلاً مختنقاً. أدير المفتاح, وقد بدأ الظلام يخفي معالم المكان. أدفع الباب فأجد الشمس تغمر بيتنا كأنه الصباح وتهب نحوي نسمات من ضحك, أدخل فأرى أبي مبتسماً بوجه مشرق وصحة جيدة يتناول الإفطار مع أمي وشخص آخر يشبهني.

يوليو 08، 2009

ثلاث حقائب ثقيلة وذراعان فقط

Deprivation_by_zaroen02

لمحتهما بعين طفل صغير يختلس النظر بشغف إلى باترينة الحلوى وجيوبه خاوية. وضع يده على يدها في ظلام العرض, مالت عليه وقالت شيئاً فضحك. مال عليها وقال شيئاً فتورد وجهها خجلاً.

الآن عرفت مذاق لعاب المحرومين.. الآن فقط فهمت لماذا أشعر بالغربة كلما قال قلبي إنني أنتمي إليها. لماذا أشعر بشعور اللاجئين حين أكلمها, لماذا أقف أمامها فأجدني بثلاث حقائب ثقيلة وذراعان فقط, وبطاقة لا تحمل اسمي ولا صورتي. الآن فهمت. لكنني متأكد من أن شيئاً لن يتغير. ففي المرة القادمة حين ألقاها سأنفخ في قلبي فيخرج فقاعات حمراء تطير وتنزل على وجهها, وسأشتري لها وردة تقول "أحبك" وستخطف هي الشيكولاتة من يدي بسعادة طفولية بالغة وتقضمها.

هي تحب الشيكولاتة.. وأنا أحبها.

يوليو 01، 2009

The Storm

كلما أردت أن أشعر بالحماس، وأن بالدنيا المزيد من العوالم التي لم أتطرق إليها والتي ستمتعني بلا شك أستمع لياني. أحب The Storm على وجه الخصوص. استمعوا لياني وادعوا لمن عرفني عليه.

مناسبة سعيدة

Happy_Birthday_by_ainukiw

النهاردة عيد ميلاد فارس القصة، حبيب المدونين.. الكاتب والأديب الكبير والمحبوب عمرو محمود السيد (تصفيق حار)
هاهاهاها
ياللا بقى قولولي كل سنة وأنا طيب