المزيد من القوقزة العلمية
العقل مثل الإناء ينضح بما فيه. وعقلي هذه الأيام مشغول بالكثير من التفكير عن الإخفاقات السابقة. أرجو ألا يفهم هذا على أنه ميل اكتئابي لأنه ليس كذلك, وإنما هو محاولة لفهم الأسباب التي آلت بي إلى ما أنا فيه. سؤال واحد يشغل ذهني هذه الأيام:
ما الذي ينقصك كي تكون؟ ما الذي ينقصك كي تنجح نجاحاً باهراً.. كي ترتقي؟
فكرت للحظة ثم أدركت أن الإنسان عجينة من الموارد التي تختلط ببعضها. بعض هذه الموارد وراثي, والبعض الآخر مكتسب. بعضها مادي, والبعض الآخر نفسي معنوي. سأتناول اليوم بالتأمل أحد أهم الموارد التي تساعدنا على الوصول إلى النجاح, وهي القدرة العقلية العامة أو الذكاء.
لا أرى أن قدرتي العقلية العامة قليلة, فأنا دائماً ما أحرز ما يزيد على 120 درجة في اختبارات الذكاء بينما يحرز نصف البشر في العالم 100 درجة فقط. لكن هل يحتاج المرء إلى المزيد من الذكاء كي ينجح؟ هل لو كان لدى أينشتاين هذه الدرجة كان سيصبح أينشتاين (معدل ذكاء أينشتاين 180 درجة)؟ ولماذا لم يصبح واحد مثل كريستوفر لانجان رئيساً للولايات المتحدة (معدل ذكاء لانجان يقترب من المائتين)؟ لماذا ظل مغموراً إلى أن اكتشفته وسائل الإعلام؟ التفكير المبدئي يشير إلى دلائل مختلطة.
هناك ثلاثة أنواع من الذكاء طبقا لتقسيم سترنبيرج. الأول هو ما نطلق عليه القدرة العقلية العامة. وهو يقاس بالعديد من الاختبارات منها اختبار ستانفورد بينيه الأشهر في هذا الغرض. ويطلق على اختبار الذكاء من هذا النوع أيضاً اختبار القدرات الدراسية, لأنه مؤشر جيد على قدرة الفرد على التحصيل الدراسي, ولأن أسئلته تشبه إلى حد كبير مسائل الحساب.
النوع الثاني من الذكاء هو الذكاء العملي أو التطبيقي. ربما من الجائز لغرض هذه المقالة غير المتخصصة أن نطلق عليه الذكاء الاجتماعي. وهو قدرة الفرد على الحصول على ما يريد. قدرته على الوصول بالآخرين إلى النتيجة التي يريد. أما النوع الثالث فهو الذكاء الإبداعي, وهو قدرة الفرد على ابتداع شيء جديد لم يكن موجوداً من قبل.
الآن حلل نفسك معي. فكر ما الذي لديك من هذه الأنواع المختلفة من الذكاء. أنا لدي النوعين الأول والثالث بمقادير متفاوتة لكنها ترضيني. غير أنني اكتشفت اليوم أنني أفتقر كثيراً إلى النوع الثاني (التطبيقي). ربما تعاني أنت أيضاً من نفس المشكلة.
الكثير من المبدعين والعباقرة قتلوا بسبب عقولهم. قتلتهم اكتشافاتهم واختلافهم عن بقية البشر. لكن هذا لا يعزى فقط إلى الاختلاف بقدر ما يعزى أيضاً إلى عدم وجود قدر معقول من النوع الثاني من الذكاء لديهم. هناك أيضاً الكثير من الأذكياء يعيشون في العراء ولا يعرف بهم أحد. في كل مصلحة أو وزارة هناك من هم أزكى بمراحل من المدير أو الوزير, ومن هم أكثر كفاءة, لكن من ينجحون تكون لديهم خلطة معينة للوصول إلى النجاح, وتعتمد هذه الخلطة إلى حد بعيد على توافر النوع الثاني من الذكاء.
لكن إليك البشارة, فهذا النوع الثاني مكتسب. أي أنه ليس وراثياً. هذا ما قرأته اليوم في دراسة لعالمة في علم الاجتماع اسمها أنيت لارو. قامت أنيت بدراسة 12 دراسة حالة بين أطفال من أسر من مختلف الخلفيات الثقافية والمادية. ووجدت أن هناك نوعان من أساليب التربية هما المسئولان إلى حد كبير عن تنمية هذه المعرفة لدى الفرد. فالأسر الفقيرة يميل الطفل فيها إلى الخنوع وعدم الحديث في ظل وجود سلطة. أما الأسر الغنية فهي تميل إلى تشجيع أطفالها على التعبير عن أنفسهم, واقتناص ما يريدون.
النتائج التي توصلت إليها لارو لم تكن مدهشة لي, بل إنها لا تحتاج إلى دراسة. كنت قد عملت في مدرسة في قرية فقيرة لمدة يوم واحد بعدها تركت العمل. كان هذا أول يوم عمل لي. وعندما دخلت الفصل لم أر الجلبة المعتادة في فصولنا, وكان اندهاشي كبيراً. بعدها عملت في مدرسة خاصة. وفي المقابلة الشخصية قبل التعيين قال لي الموجه المقيم:
Amr.. our students are very naughty, how are you going to deal with them?h
Well, I prefer to call them hyper-active students...h -
وعندما دخلت إلى الفصل أدركت هذا الاختلاف بالفعل. فالأطفال في المدارس الخاصة لا يتركون المدرس يشرح الدرس دون تفاعل. بل يتوقفون عند كل نقطة ويشككون فيها, ويختبرون مدرسهم على الدوام. هم يعتبرون أن من حقهم أن يسألوا, وأن عمل المدرس أن يجيب. بينما يربى أولاد الفقراء على أن المدرس سلطة فوقية, إن أغضبتها فسوف نكسر رقبتك. (انت تكسر واحنا نجبس يا أستاذ)
هذان النمطان من التربية يؤديان إلى نوعين من الأشخاص الأول يعرف كيف يقنع الآخرين بنفسه, والثاني لا حاجة لنا بالحديث عنه.
كنت أتجول في الفضاء الأثيري حين اهتديت إلى موقع كتاب American Prometheus الذي يتحدث عن قصة حياة روبرت أوبنهايمر مخترع القنبلة النووية التي ألقيت في الحرب العالمية الثانية على اليابان. قاد الرجل مشروع إنتاج قنبلة غيرت مسار الحرب, وحولت مسار التاريخ البشري كله. لكن هل كان أوبنهايمر ذكياً؟ ما يقوله أصدقاؤه أنه كان لا يستطيع أن يدير كشك لبيع الهامبورجر.. فكيف سُمح له بقيادة مجموعة من المهندسين والعلماء؟ وكيف استطاع أن يصل بهم إلى مثل هذا النجاح (هو نجاح من وجهة النظر الأمريكية على الأقل)؟
كيف كانت سيرة أوبنهايمر الذاتية قبل أن يتولى هذا المنصب؟ كان طالباً مجداً حاول أن يقتل أستاذه بالسم, واستطاع بدهائه أن ينهي الموضوع كله بأن أحيل إلى الطبيب النفسي كي يتلقى جلسات للتخفيف عن أعصاب سيادته!! كما أنه كان صديقا لعدد كبير من الشيوعيين وهذا كفيل بألا يتولى هذا المنصب. كان عمره 32 سنة بما يعني أنه صغير للغاية على أن يدير مجموعة من العلماء كلهم أكبر منه سنا وعلما ومقاما وخبرة… لكن أوبنهايمر كان لديه شيء آخر ميزه… الكثير من الذكاء التطبيقي.
يقول الكاتبان كاي بيرد ومارتين شيروين أن أوبنهايمر عرف من أين تؤكل الكتف. أي أنه تعرف إلى الشخص المسئول عن تعيين قائد للمشروع ويدعى جروفز (لا أتذكر منصبه الآن), وأنه قال له الكلام الذي كان جروفز يريد أن يسمعه. ثم حين تولى منصبه دأب أوبنهايمر على العمل حتى نجح.
الكثير من الدراسات أشارت إلى أن المستوى المتوسط من القدرة العقلية العامة يستطيع أن يصل بصاحبه إلى مراتب راقية, وأن الزيادة في معدل الذكاء تفقد أثرها تدريجياً بعد هذا المتوسط, فلا فرق كبير في الأداء الواقعي الفعلي بين من يتمتع بذكاء قدره 180 ومن يتمتع بذكاء قدره 200 درجة.
أعود الآن بذهني إلى أيام المدرسة.. يبدو أنني كنت من الفئة الثانية التي لا تسأل ولا تستفسر كثيراً. الخبر السار كما قلت من قبل أن النوع الأول من الذكاء قدرة أما الثاني فهو معرفة, والمعرفة تكتسب. ارجع بذهنك أنت أيضاً هل لديك هذا النوع من المعرفة؟
هناك 5 تعليقات:
من البداية كده واضح انه الموضوع شيق جداً - كالعادة.. عارفة والله :)..
بس بصراحة الواحد عينه مزغللة,, ان شاء الله أكمله بكره..
بس كويس والله يا عمرو.. أنا قلت فين البوستايات بتاعتك :):).. قمت انت كاتب عن اللي بيدور في دماغك زي ما قلت..أيون كده :)
يالا .. تصبحوا على السرير :) P:
علياء
ولا يهمك.. روحي استريحي ومستني زيارتك بكرة
:)
لأنه طيب ... طيب جدا
يبتسم لشبيهه في المرآه ويتمني له يوما سعيدا كيومه
لأني أيضا أفعل هذا
ولأني أخبره أنه رائع فيشعر هو بخجل كبير ، رغم أنه فعلا يستحق
ولأنه يفرح لأشياء بسيطه و يفرح هكذا ... تماما كما لأطفال
وحين يفرح يقول أنه متبهجج وأنه زي الفل
لأني سعيده جدا أن أصدقائي الطيبين زادوا واحدا
ولأن أشياء كثيره ... كثيره فعلا تجعلني
أدين للعالم من حولي بأشياء أكثر
فشكرا لكل أصدقائي الطيبين
وشكرا لكل لمن أدين لهم
وشكرا لك عمرو السيد/ صديقي الطيب ... ألف شكر
:)
عمرو
أنا كنت جايه أقولك الكلمتين دول وامشي
لاقيت في بوست جديد ، انا جايه بكره باذن الله أقرأ واحط كومنت
بنبونة
وضعي الأدبي اهتز خلاص. مش عارف أرد على كلامك الحلو ده.. لساني فعلا انعقد. ربنا يخليكي أنا هانام الليلة دي وأنا سعيد
:)
تصدق بايه؟قول لا اله الا الله..والله الموضوع ده ف بالى ليه حوالى عشر ايام..اتسائل كل ليله هل الخطأف نسبة ذكائى ام الخطأفى ماذا؟
اوشكت ان اصاب بالجنون
وقد اهتزت الاشياء من حولى..
تسائلت كثيرا ما الذى ينقصنى للوصول الى هدفى..كل شىىىىىء متاح للوصول ولكننى لست على درايه فى فن ادارة الدفه..
منذ اول يوم عمل لى ف تلك المدرسه الخاصه
عرفت ان الحياه ستختلف وقد حدث
كل نظرتى للامور تغيرت
فالاشياء هناك تبدو على غير حقيقتها
هناك انت جئت لتعلم وكما تقول مديرتى..جايين بفلوس التلاميذ..كل شىء هناك يدور حول مصباح المال وكل مايلمع هناك ليس ذهبا_تقدر تقول دهب صينى_توقفت بعد ايام من عملى هناك لاسأل نفسى عما اريده..فوجدت اننى ماعدت اعرف ماذا اريد..لم اكن يوما افكر بكونى معلمه ولو كانت مادة التعليم التى سأقوم بتدريسها هى الرسم..فالرسم طيلة الوقت هو هوايتى وليس اكثر..ولكن ماذا فعلت لاكون ما اريده..الكلمات هربت من عقلى تباعا فلم اعد اصلح لكونى كاتبه..والحياه تبدلت لتكون ليس كما اريد..بينما كل شىء يدعونى لان اكون ما اريد..ولكننى ماعدت اريد شيئا
قانعة تماما بما لدى وقد لا يكون قناعة بقدر ماهو سلبيه..او ذكاء تطبيقى معدوم..واستسلام ورضوخ لمجريات الامور..
ان سالتنى عن اى الذكاء اتمتع ساخبرك
باننى غبيه جدا
لاننى ازلت كل البيانات من عقلى دون الاحتفاظ بنسخة منها
فاصبح عقلى خاويا
فلم اعد املك اى ذكاء كان
:(
إرسال تعليق