الرزية.. منتج جديد تروج له شركات المحمول في دولة فساتونيا, وتقول إنه صباع سيجعلك تدخل على الإنترنت في أي وقت وأي مكان.
المواطن صابر عبد الصبور أبو صابر فساتوني محب للتقنيات الجديدة.. قرأ عن الرزية في الجريدة التي اشتراها كي يسلي صيامه, فذهب من فوره لشركة ابتسارات (هذا ليس اسمها الأصلي بالطبع, هو فقط يدلعها بهذا الاسم فابتسارات نسبة للمبتسرين أي الأطفال الجدد, وهذه الشركة هي أحدث الشركات وآخر العنقود وموطن الأمل).. كان شكل الرزية مضحكاً ومدهشاً في ذات الوقت, فهي صباع طويل يذكرك بتلك الإشارة غير المهذبة في الأفلام الأمريكية. نفض صابر عن نفسه تلك التداعيات و"استمتع" بالمنتج ليوم كامل.
في الصباح كانت الصدمة كبيرة عليه, فقد دفع 200 أهيف فساتوني كي يحصل على الرزية. الإعلان الذي في الجريدة يقول أنهم خفضوا سعرها اليوم لـ99 أهيف, مما يعني أنهم سكوه على قفاه في نصف المبلغ على الأقل.
- الحرامية أولاد (التييييت). لو بس أتلايم على واحد فيهم. أنا يسكوني على قفايا في ميت أهيف. آآآآآآآآآآه.
بدت بعض أعراض الغيظ على المواطن صابر, فقد احمر وجهه احمراراً يميل إلى السواد, وتشققت عيناه بشرايين منتفخة. مد يده يتناول علاج الضغط, ووضع الصباع في جهاز الكمبيوتر الخاص به. ثم كانت الصدمة الأكبر, فالصباع توقف عن العمل. بأصابع مرتعشة, مد صابر يده ووضعها على قلبه وأمسك بيده الأخرى سماعة الهاتف كي يتصل بخدمة العملاء:
- صباح الخير أهلا بيك في ابتسارات أحمد في خدمة حضرتك يا فندم..
- أهلا أحمد.. أنا 01515151511, ممكن أعرف الخدمة اتوقفت عني ليه؟
- حاضر.. لحظات وهابقى مع حضرتك يا فندم.
بعد ربع ساعة
- شكرا لانتظار حضرتك معانا.. حضرتك فعلا مشترك عندنا
- لا والله يا شيخ؟ ما كنتش أعرف. الخط اتوقف ليييييييييه؟ (بغيظ واضح)
- الخط اتوقف عشان حضرتك خلصت الباقة.
- نعم؟ ليه يعني؟ ده أنا كل اللي عملته إني دخلت على موقعين تلاتة, إزاي يعني خلصت؟
- حضرتك لو عايز تجدد الباقة تشحن بأربعين أهيف وهاتلاقي الخدمة اشتغلت تاني يا فندم.
- اللهم طولك يا روح.. يا ابني باقولك ما استعملتش الباقة أساساً. بأقولك إيه.. شوفلي حد كبير أكلمه.
- حضرتك لو عايز تتظلم, اتوجه لفرع الشركة واكتب شكوى.
- بأقولك هاتلي حد كبير يا شاطر.
- أنا آسف يا فندم هو ده السيستم عندنا.
- بس انت ما تعرفش بقى السيستم عندنا إيه.. قول وحوي.
- نعم.. إيه يا فندم؟
- قول وحوي.
- وحوي
- وحوي يا حبيبي
- كل سنة وحضرتك طيب. أي استفسار تاني يا أستاذ صابر. إحنا في خدمة حضرتك يا فندم.
(تشك) أغلق صابر الهاتف, وجرجر قدميه نحو السرير كي يتمدد عليه. كان لسانه قد تدلى وتهدلت شفاتيره, بينما أحس بكلاب تنبح في رأسه. تمدد لفترة ثم قرر أن يدفع وأمره لله.
بعد الشحن لم يستخدم صابر الصباع. كان فقط يدخل على المواقع المجانية, وحين يضطر إلى الدخول على المواقع الإخبارية كان يضغط على سر إيقاف التحميل بسرعة فتتوقف الصفحة عن الظهور ولا يبدو منها سوى عناوين الموضوعات.. على العموم هو لم يكن يرغب سوى في مطالعة عناوين الأخبار. المشكلة أنه بعد ساعتين من الشحن توقف الصباع مرة أخرى..
- صباح الخير أهلا بيك في ابتسارات.. أحمد في خدمة حضرتك يا فندم..
- أهلا أحمد.. أنا 01515151511, ممكن أعرف الخدمة اتوقفت عني ليه؟
- حاضر.. لحظات وهابقى مع حضرتك يا فندم.
بعد نصف ساعة
- شكرا لانتظار حضرتك معانا.. حضرتك فعلا مشترك عندنا
- لا والله يا شيخ؟ ما كنتش أعرف. الخط اتوقف ليييييييييه؟
- هو واضح قدامي يا فندم إن فيه مشكلة في العنوان.
- وبعدين.
- بس يا فندم
- قول وحوي
- نعم يا فندم
- بأقولك قول وحوي
- كل سنة وحضرتك طيب يا فندم
- قول وحوي
- وحوي يا فندم
- وحوي يا حبيبي..
- أي استفسار تاني يا أستاذ صابر. إحنا في خدمة حضرتك يا فندم.
- آه فيه استفسار تاني.. هو انتم مش شركة محمول برضه؟
- تمام يا فندم
- يعني عندكم محاميل كتير.. طيب مش كنتم اتصلتوا بيا بدل ما تقطعوا الخدمة عني وأنا دافع فلوس.
- أنا آسف يا فندم هو ده السيستم عندنا.
- بس انتم ما تعرفوش السيستم بتاعي.. وحوي وحوي وحوي
(تشك)..
النت بالقطارة, كان هذا شعار صابر للمرحلة التالية. نت المواقع المجانية فقط. نت بلا تصفح ولا فيديو ولا داونلود.
"فليكن" هكذا قالت زوجة صابر وهي تدلك له صدره بعد الذبحة التي أصابته. قال الطبيب إن عليه أن يأخذ الأمور ببساطة وأن يتركهم ينهبوا أهله دون أن يعكر دمه. وكان رد صابر بكلمة واحدة ترتبط بالشهر الكريم. حيث بدا واضحاً أنه يستخدم هذه الكلمة بدلاً من كلمات أخرى بذيئة يستخدمها في غير الشهر المبارك. عندما أفاق صابر من المرض أدخل الصباع في الكمبيوتر وقرر أن يستمتع بماله ولو للحظات. ثم فوجأ بماذا؟ تخمينك صحيح.. انقطاع الخدمة.
- صباح الخير أهلا بيك في ابتسارات..
- صباع الزفت.. صباع الرزية والهباب. أظن ما هاتقولي ان اسمك أحمد.. أهلا يا خويا.. تشرفنا يا خفيف.
- سامح مع حضرتك يا فندم.
- لا يا شيخ.. اطلع من دول يا أحمد... اطلع من دول.. العصافير اللي دقيتهالي طارت.
- لا مؤاخذة يا فندم؟
- وحوي يا أحمد.. وحوي وحوي وحوي وحوي وحوي يا أحمد.
- كل سنة وانت طيب يا فندم. أتشرف باسم حضرتك.
- يعني مش عارفني يا سي أحمد؟ أنا 01515151511
- أهلا أستاذ صابر.. تحت أمرك يا فندم.
- تحت أمري؟ ده أنا اللي خدام السيادة. الخدمة.. الهباب.. الرزية اتقطعت ليه؟
- حضرتك خلصت الكريديت بتاعك, والباقة وكل حاجة.
- ده امتى ده؟ أنا كنت في المستشفى.
- يا فندم أصل أي موقع بتدخل عليه بياخد ميجابيتس كتير.. كتير قوي
- انت فاكرني إيه يا عم أحمد.. ده أنا كنت على النت قبل ما بابا انت يقول لماما انت تييييييييييت تييييييييت. ده أنا كنت باستخدم النت أيام ما كان بكروت يا تتتتتتتتتتيييييييييييت.
(تشك) رعشة كبيرة تنتشر في جسد صابر, مع ارتفاع ملحوظ في درجة الحرارة واسوداد في الوجه, واهتزاز كبير في الصدر.
نظر صابر في المرآة, وقد أحس بأنه على وشك الموت. سيكون الرجل الأول الذي يقتل عن بعد. سيكون الضحية الأولى لخدمة العملاء وشركة ابتسارات والرزية.
كان أول عهد صابر بخدمة العملاء مع شركة أم نبيل التي كادت تقتله لولا أنه حافظ على صحته ورمى شريحتهم واستخدم بدلاً منها شريحة فؤادفون. صحيح أن الخدمة في فؤادفون ليست جيدة, لكنهم يعرفون كيف يتعاملون مع البشر.
تررررررررررررن ترررررررررررن
- أيوة
- صباح الخير سوسو نبيل من شركة فؤادفون مع حضرتك يا فاندم. (هكذا قالتها بدلع زائد)
- أنا دفعت الفاتورة على فكرة.
- لا يا فندم أنا مش باتصل عشان كده. أنا بس عايزة أعرف رأي حضرتك في الخدمة. أصل حضرتك عميل فؤادفون المميز.
- الخدمة حلوة قوي يا سوسو.. يعني المكالمات ما بتتقطعش, والشبكة مش مشغولة خالص, وسامعة الصوت ده: تششششششششششششششش تششششششششششششش. ما بقاش بيطلع خلاص.
(كه كه كه تضحك ضحكة ذات مفعول أقوى من مفعول فتاة إعلانات ميلودي.. تلك الفتاة التي ينبغي أن يأخذوها في إعلانات الجيلي)
- يعني كله كويس؟
- قوليلي يا سوسو.. انتي تحديتي الملل قبل كده؟
- نعم؟
- لا أبداً.. ممكن أطلب طلب.
- اتفضل يا فندم إحنا..
- عارف عارف في خدمتي وكده يعني. بصي أنا هاقول حاجة وانتي تردي على طول. ماشي؟
- تمام
- وحوي
(كه كه كه تضحك ضحكة ميلودية أخرى)
- وحوي يا... (كه كه كه ) يا حبيييييبي
(تشك)
----------------------------------------------------------------------------------
شوية جد:
يتم التضييق علينا في بلادنا في الاتصالات وفي خدمة الدخول على الإنترنت من قبل شركات تستغلنا وتمتص دمانا ولا تعطينا خدمة جيدة. هذا بالطبع لأنهم دفعوا للحكومة مبالغ طائلة استحقوا بها ميزة استعباد الشعب, ولهؤلاء جميعاً أقول كلمة واحدة. أعتقد أنكم تعرفونها الآن.