الفبركة والبحث العلمي
الآن وبعد عشر سنوات تقريباً بدأت الرؤية تتضح..
بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية يجد الطالب نفسه أمام الكثير من الكليات والتخصصات. ويبدأ في التشتت إن كانت لديه خيارات كثيرة وهو لا يعلم أن العدس هو الكهرمان.
فالعلوم كلها تنقسم إلى قسمين أساسيين, الأول هو العلوم الطبيعية, والثاني هو العلوم الإنسانية. أما العلوم الطبيعية فتتراكب فيها المعرفة, ويعلو البناء. فما توصل إليه عالم يصبح بداية طريق البحث للعالم الذي يليه. أما في العلوم الإنسانية فالخطوط فيها متوازية والمباني صغيرة الحجم لا تزيد عن دورين أو ثلاثة. كما لو كان مقاولوها يخشون قرارات الإزالة !!!
الآن وبعد عشر سنوات من دراستي للتربية عرفت لماذا أكرهها ولماذا أقول لنفسي دائماً إنني لم أقبض على علم في هذا المجال. الحقيقة أنني أتعامل مع التربية على أنها علم طبيعي. هذه هي الخدعة التي خدعها لنا جون ديوي ببنائه المنهج شبه التجريبي في البحث التربوي. والمنهج شبه التجريبي لمن لا يعلم هو منهج بحثي يقوم على التعامل مع الظواهر الإنسانية كما لو كانت طبيعية, وإنطلاقاً من هذه المسلمة يتم إجراء التجارب على البشر بإدخال أحد العوامل إلى حيز تواجدهم وملاحظة تأثير هذا العامل على عامل آخر تابع. هذه العلمية يطلق عليها "بحوث العملية والناتج".
لكن خدعة جون ديوي هذه لم تستمر طويلاً وبدأت الأصوات تتعالى وتنادي بأن التربية علم إنساني ينبغي أن يعتمد في دراسته وبشكل أساسي على المنهج الكيفي.
أنا أكره التربية إذاً ليس لشيء إلا لأن مبانيها قميئة وأنا أريد أن أقف على ارتفاع كبير.
تخرج الآداب خارج دائرة المقارنة, فهي ليست علوماً وهي تعترف بهذا, ومن هنا فالبحث فيها أوضح وأكثر اتساقاً. أما ما يحدث في علم مثل التربية فهو ما يحدث حين يتوهم كلب بلدي عادي أنه كلب حراسة بوليسي, فيبدأ بالنباح والشمشمة بينما يفضحه شكله ولون جلده.
الآن فقط عرفت أن العدس هو الكهرمان, ومن لا يحب السبيط لا يجب عليه أن يقرب الكاليماري. ومن يحب أن يقف على ارتفاع عال كان عليه من البداية أن يختار أحد المباني الشاهقة.
لماذا أتحدث في أنواع العلوم والبحث التربوي وأذكر كل هذه الأنواع من الأطعمة؟ ربما لأنني اكتشفت أن البحث العلمي في بلادنا هو نوع من أنواع الطبيخ المقنن. أغلب الأبحاث التربوية تتعامل مع الظواهر الإنسانية بالمنهج شبه التجريبي الذي تحدثت عنه سابقاً فتبحث أثر س على ص عند الطلاب ع ويمكن لمن يقوم بالأبحاث الجديدة بعد هذا أن يغير س ويجعلها ش مثلاً فيصبح البحث جديداً, ويهتف الجميع معجبين بدال كبيرة يجرها الباحث خلفه في فخر.
ما يحدث في البحث التربوي المصري هو نوع من الفبركة المقننة والقليل جدا من الناس يدعون إلى التغيير ويرغبون في تجشم عناء المحاولة.. ومن هؤلاء أستاذي صلاح الخراشي. الرجل عالم بحق, وحين تكلم انطبعت كلماته على ما يدور بذهني. هو أحد القلائل الذين يرغبون في عمل بحوث جادة تخاطب مشكلات حقيقية بينما يحب الكثيرون أن يتمادوا في السهل الذي "يؤكل عيش". إحدى الزميلات قالت لي إن الأساتذة لديهم (في أحد الجامعات الإقليمية) يقولون إن هناك تطورات مهولة في البحث التربوي منها أن بحوث الأثر (مسمى ثان لبحوث العملية والناتج) لم تعد تذكر بهذا الاسم ولكن أصبحت بحوث الفاعلية!!! كما ترون فالتطور كبير والفرق شاسع بين أثر استخدام كذا وفاعلية استخدام كذا!!!
الخلاصة أن الباحثين المصريين في المجال التربوي لا يختلفون كثيراً عن طلبة المدارس في يوم الامتحان. فكلا الفريقين يفبرك, وكلا الفريقين يغش إلا من رحم ربي.
هناك 14 تعليقًا:
السلام عليكم أخى عمرو فى البداية أتمنى من الله أن تكون بخير وصحة وأمان مش عارف ليه كده حاسس إنك فى حالة توهان فكرى مصحوب بحزن دفين تبذل قصارى جهدك كى لا تخرجه ( وده واضح من كتاباتك مؤخرا ) على فكرة أنا إن شاء الله راجع مصر قريب ويارب أشوفك فى البلد من الواضح إن تجربتى هنا إنتهت لكن حاسس إنى ضيعت كتير من وقتى فيها أتمنى رجوعك بمقالاتك المبهجة
اتغاظ انا و لا اموت نفسي و لا اشد في شعري و لا اعمل ايه بس يا ربي؟ اوففففففففففف... ايه يا عم اللي انت بتقوله ده، انا مش فاهم اي حاجة :(
مين الناس اللي انت بتتكلم عنهم دول؟
طيب حبة جد، حبة نونو بس، آه، مش عايزين طمع... الله يكون في عونك يا عمرو يا ولدي، تصدق لو التربية بالمنظر اللي بتقول عليه ده يبقي لازمن تتلغي من مصر لحد ما ييجي حد بيفهم و يغير العبط اللي بيحصل ده... بس النص اللي مليان من الكوباية بيقول ان سيادتك فاهم و ان عندك جديد، و الاتنين مع بعض اكيد هيطلعوا حاجة تستاهل و تحترم، خليك انت ورا خراشي اللي بتقول عليه ده و اتعلم منه، و عبقر و مخمخ كدة و اطلع لنا بقي بالجديييييد، الا قل لي صحيح، هو الاستاذ بتاعك اموووور زي مدرس التاريخ بتاعي? ( بربوشة- الترجمة: وش بنت عاملة بريئة و بتبربش بعينها و بتضحك ضحكة خبيييييثة في نفس الوقت، فـ بربوشة اسهل، للاختصار يعني... هع هع هع)
D:
مش عارف ليه مبسوط و لي نفس الوك لوك يا عموووور... بس اقول ايه اقول ايه... اممممم، احكيلك حدوتة؟
D:
اعمل ايه بقي، ما انت بطلت تحكي حواديت...
:(
أهلا يا بحر يا حبيبي
ترجع بالسلامة إن شاء الله هاشوفك وأطمن عليك
:)
أهلا يا إيزولد
على فكرة بقى أستاذي أحلى من أستاذك, ده حتى اسمه الخراشي عشان لما حد بيشوفه بيقول إيه الجمال ده يا خراشي
:)
عندك، و لا حركة... هع هع هع ، ظبطتك بترد علي تعليقات... يا جماعة، حد عايز حاجة من عمرو، انا هاتحفظ عليه شوية كمان
D:
أنا أرد أو ما أردش بمزاجي يا ماما (وش بلسان)
(وش احمر من الكبسة)، كدة يا عمرو؟ مش لاعبة، بس خلاص
...
:(
:)
ياااااااااااااااااااااااااااااااااه
وانا اللى كنت عايزة ادخل كليه تربيه قسم انجلش والله جات لى فى التنسيق بس انا حسيت انى مش هارتاح معاها ... :):):)
خلينا فى التجارة احسن :)
هبة
احمدي ربنا اللي نجاكي منها
:)
عمرو.. ازيك :)
أنا بقى كانوا قال ايه عايزيني أدخل تربية انجليزي.. قلتلهم ده لا ممكن أبداً..
ومين يدرس الأدب الانجليزي الممتع على أصوله..
بلا دش بلا وجع دماغ في التربية :)
سيبك انت يا عمرو.. ما فيش أحسن من دراسة الأدب الانجليزي بتعمــــــق :)
يعني لو رجع بيا الزمن.. هختار آداب انجليزي تاني.. آي والله :):)
طاب مساؤك سيدي D:
عمرو..
وحشتني والله..
إن شاء الله دايماً تكون بخير..
وتفضل مدونتك منورة..
أهلا أستاذ جمال
هو غريب إن حضرتك تعلق على التدوينة الأقدم والأغرب إنك ما تقولش حاجة بخصوص المضمون.. حضرتك بخير؟
إرسال تعليق