نوفمبر 06، 2009

ليتها تكون مسرحية متقنة

___died_by_DyingS0ul هناك بعض الأشياء التي قد تحدث فتكشفنا أمام أنفسنا, وتعري مشاعرنا وأفكارنا التي نتظاهر بأنها ليست موجودة إلى درجة تجعلنا نصدق أنها ليست موجودة بالفعل.

بالأمس حلمت أنني أنبش قبر أبي وأخرجه, ثم عدت به إلى بيتنا وجلسنا معاً, تناولنا العشاء الذي لم يأكل منه إلا أقل القليل, ملت عليه وقبلت يده ثم وضعت رأسي على كتفه الأيسر وبكيت, بينما ضحك هو من قلبه.

قمت من النوم محاولاً ألا أنخرط في البكاء, لكن شعوراً بالفضيحة كان يعتصر قلبي. منذ أن توفي أبي وأنا أكرر كلمات لا أشعر بها عن أننا مؤمنون وأن ذلك قضاء الله إلى غير هذه القوالب الجاهزة, بل كنت أضحك وأمزح مع أصدقائي الذين أتوا للعزاء. لكن هذا الحلم أتى ليفضحني أمامي, فعرفت أنني لم أصل بعد إلى الرضا بقضاء الله, وأنني فشلت في الكذب على نفسي.

كان هذا الحلم بمثابة اعتراض من عقلي الباطن على الواقع بإخراج أبي من قبره. عقلي الواعي يعترض أيضاً بين الحين والحين, فأرى أبي خارجاً من غرفته, أو أسمعه ينادي علي, أو أسمع صوت هاتفه المحمول يدق (الهاتف تحطم في الحادث). بل إنني أفكر أحياناً في أن كل ما حدث في بيتنا ويحدث ما هو إلا مسلسل كتلك المسلسلات التي نراها في التلفاز... أو أنه مسرحية متقنة سيظهر أبي بعد انتهاء فصولها كي يحيي الجمهور هو وبقية الممثلين من المعزين.

منذ أن عدت إلى المنزل وأنا أراه في كل خطوة أخطوها داخل البيت.. ولا ينتهي حديثي عنه مع أصدقائه الذين يأتون بين الحين والآخر للاطمئنان علينا. أقول للجميع أننا بخير, بل وأضحك, لكنني حين أذهب للنوم أكتشف أنه لم يعد هنا, وأنني لست بخير على الإطلاق. أحياناً أردد كلمات نزار وأنا أنظر إلى أرجاء بيتنا.

هنا ركنه.. تلك أشياؤه
تفتق عن ألف غصن صبي
جريدته.. تبغه.. متكاه
كأن أبي, بعد, لم يذهب..
وصحن الرماد.. وفنجانه
على حاله, بعد لم يشرب
ونظارتاه.. أيسلو الزجاج
عيوناً, أشف من المغرب؟
بقاياه, في الحجرات الفساح
بقايا النسور على الملعب..
أجول الزوايا عليه, فحيث
أمر.. أمر على معشب
أشد يديه.. أميل عليه
أصلي على صدره المتعب
أبي.. لم يزل بيننا, والحديث
حديث الكؤوس على المشرب

منذ أن توفي وأنا أشعر بأن كتابة الأدب وقراءته صارتا رفاهية بعيدة, وأمراً تافهاً لا يناسب فجيعتي في رحيله.

أنا كعادتي كثير السفر وكلما ركبت القطار شعرت بألم كبير, ورغبة في ثني الحديد بيدي لو أستطيع. أردد طول الطريق بالفصحى "قتل القطار أبي", وأنا للحق لا أدري هل قتله القطار أم قتلته أنا!

هناك 14 تعليقًا:

ponpona يقول...

يا عمرو ماتقساش علي نفسك قوي كده
لف وواجه الحاجه اللي تاعباك وماتفضالش حاطتها جواك كده وساكت .. ساعد نفسك ياعمرو

Heba Gamal Emara يقول...

توقفت يداى اكثر من مرة عند كتابه هذا التعليق

لا استطيع ان اتكلم فى مواضيع مثل هذه

كل ما تذكرته هو :

إن وفاة الأب من الهزات العنيفة في حياة الإنسان.. ولكنها ضرورية لمرحلة "الفطام" واستكمال الرحلة.. إنها تشبه آلام النمو اللعينة.. لا بد أن يمر الإنسان بها لكي يقوى عوده..

noon kiko يقول...

اذكر جيدا حينما حاولت ان استشف الالم فى صوتك وانا اعزيك فوجدتك تبادلنى المزاح..علمت حينها يقينا انك لست بخير..وانك تحاول ان تقنع نفسك اولا انك بخير..
هل ايقنت الان استاذى ان الافصاح عن حزنك شيئا قد يعزيك؟
حينما مات ابى وانا فى السابعة عشر من عمرى لم ابكيه..ولم احرك ساكنا حتى الصباح..وكنت اضحك من موقف موته..حيث كان فى ظروف خاصه..حتى فاض بى الكيل بعد ايام فرحت اصرخ بجنون واخبرهم انه لم يمت..وكانت وفاة ابى هى نسخه مكرره لحلم رايته قبلها بعام..كنت قد رايت فيه ابى يموت بنفس الطريقه التى مات بها(ازمه قلبيه)ورايت اين غسلوه رغم ان المكان الذى غسلوه فيه وقت حلمى لم يكن بنفس الشكل الذى اصبح عليه يوم وفاته الا اننى رايته كما غسل فيه
الان استاذى كل الاشياء تذكرنى به..نظارته وقبقابه الجلدى وشاله القديم..حتى جريدته بقيت على الفراش كما هى..لم يتغير شىء بالمكان سوايا..لكنننى رغم الم فراقه قد اعتدت على عدم وجوده..وصرت استعيض بطيفه بديلا عنه..ابكى له حينما يوجعنى البشر..اضحك حينما ياخذنى القطار بعيدا ويرن فى اذنى صوته القلق منبها بألا اثق فى احد..واشرد كثيرا فى صوته وهو يقرألى الجريده ويناقشنى فيما سمعته
اه يا استاذى كم اشتاق اليه
ولكننى اثق بانه صار الان فى مكان اجمل
مكان ادعو الله ان يلحقنى به قريبا

اصرخ يا صديقى كما تشاء
والجا الى جبل تحتوى صرخاتك جنباته
ابكى ان شئت
ثم تذكر انه لم يرحل
بل هو دائما يمر كالطيف حولنا
حدثه ان رغبت
وثق انه يسمعك
وثق يا صديقى انك يوما ما ستعتاد على الامر

أسما يقول...

اي كلام هاقوله اكيد مالوش معني... بس في حاجتين لازم انبهك ليهم، اولا مش ينفع ابدا تقول هل قتله القطار ام قتلته انا، اخرج من المنطقة دي فورا، انت قلت انه كلمك و قاللك انه راضي عنك، يبقي كل ما نفسك توزّك تروح هناك، رد عليها و قل لها باب راضي عني

الحاجة التانية بقي ما تحاولش و لا تتجاهل حزنك او وجعك و تداريه و لا حتي بالضحك، ادّي الزعل حقه عشان يروح و ما يتكلكعش جواك و يبتدي ياخد اشكال غريبة زي اقتله القطار ام انا دي... بس

ponpona يقول...

أبوك لم يقتل ... لم يقتله القطار ، ولم تقتله انت . أبوك انتقل الي رحمة الله لأن كل الأشياء تحدث بسبب فكان السبب "حادثة قطار" .. فقط كانت سبب ولانك لن تستطيع التوقف عن التفكير في الأمر فلا تتجاهله .. فقط فكر فيه بطريقه مختلفه ، أفرغ مخزون أفكارك ، كل مالديك تحدث به لنفسك وله .. هو يسمع ، لا تدع شيئا بالداخل ، الحديث لن يفعل جديدا ولن يغير وضع لكنه سيجعلك أهدأ .. أهدأ بكثير

لا تحمل روحك أكثر .. أبوك الآن بخير ، ليس هنا .. ركنه هنا وتلك أشياؤه.. لكنه مع هذا بخير
هو يراك الآن و يعرف .. صدقني يعرف
يعرف أنك مكسور ويعرف أنك تحاول الاستمرار
ويعرف أيضا أنك تدعو له وتصله هداياك الصغيره باستمرار ولا ينقطع عمل ابن آدم الا من ثلاث ..
وأنت الولد الصالح وبالتأكيد أنت تدعو له
ابتسم دائما فهو يراك الآن وكل وقت
وافعل ما يجعله فخورا بك واذا احترت استشره وسيرد عليك .. هذه أنا أعرفها جيدا

فتحدث كيفما تريد وسيصل اليه وسيخبر الآخرين ويقول:
انظروا .. هذا ابني و أنا أحبه

جارة القمر يقول...

اتفق مع ايزولد اخرج من المنطقة دى بسرعة جدا والدك راضى عنك يا عمرو ما تخليش دماغك تخليك تروح بعيد خاصة ان المناطق دى لا يمكن الرجوع منها سليم ابدا ... ثانيا انا مش حاسة ان دا تناقض وانك مش راضى كل الرضا و طبيعى ان اى انسان فى مكانك مش هيكون راضى 100% لازم حبة عدم رضا لانك بتتعامل مع بشر مش ملايكة
الحاجات اللى بتشوفها دى ربنا بيصبرك بيها يا عمرو انك تشوف والدك و تقعد معاه زى زمان و يضحك هو من قلبه دى حاجه انت بتتمناها و دا طبيعى استمتع بحلمك و تذكره داخلك فهو جزء منك و محاولة نسيانك محاولة فاشلة لانك لن تستطيع النسيان لكنك تستطيع التعايش مع الموقف و الذكريات لا تقسو على نفسك و تشغلها بانك غير راضى فتدخلها عالم اخر لن تعود منه روحك التى عرفتها

ان كنت تريد الخروج اطلق العنان لذكرياتك و استمتع بها و تذكره لانه جزء من حياتك هكذا تشعر انه لم يمت و ظل جزء منه معك يذكرك انه راضى عنك دائما لو لم يكن راضى عنك لما زارك فى حلمك و لن تسمع صوته
اكتب عن ذكرياتك معه ثم اطوى الصفحات و اتركها فى مكتبك تعود اليها وقتما تشاء لتعيش لحظات مع والدك ... و اخرج الى العالم من جديد واكتب الادب الذى اصبحت تراه رفاهية الم يكن ابيك فخورا بك و انت تكتبه اجعله فخورا بك اكثر و استكمل رحتلك

تــسنيـم يقول...

مش عارفة اقول حاجة خالص... بس أنا واحدة عاشت ما تغفرش لمن يتعايشون مع رحيل الأحبة و كنت بفتكر ده خيانة .. و ربما السبب في أن الله لم يختبرني بشيء كهذا لأنه يعلم عن مدى جزعي و عدم قدرتي حينها على الصمود و ربما خسارتي لدنيايا و آخرتي إذا ما اُختربت بمثل هذا الاختبار..


و لأني ضيقة الأفق في مثل هذه المواقف .. يمكن لو كنت اتصلت بيك و هزرت إنت معايا كنوع من التعالي على الألم و مدارة الواقع ,, كنت هتصدم كعادتي و أسأل نفسي هو الرضا أو تقبل رحيل الأحبة أمر طبيعي بيحدث بالفطرة و أنا فعلا اللي كائن خرافي و الا الناس هما اللي مش طبيعين و أنا بس اللي طبيعية..


تعايش مع فقدك لوالدك و مع افتقادك ليه .. و طبيعي إننا منرضاش.. ربنا بجلالته عارف أد إيه ده ابتلاء صعب.. و إن صعب يصبر عليه الناس

يقولون أمــات أبوك..؟

ضلال .. أنا لا يمــوت أبي

:\

جمال عمارة يقول...

عمرو..

برضه المرة دي كمان كتبت كذا تعليق ومسحته.. :)

أنا المرة اللي فاتت عرضت عليك استشارة مجانية مقابل اتصال هاتفي ورفضت.. لا مش رفضت "طنشت".. المرة دي ها أعرض عليك عرض أكثر كرماً.. الاستشارة تحت أمرك بس انت اديني "رنة" أو "مست كول" وأنا ها أتصل بيك وأقولها لك :) ها.. أظن كده مالكش حجة..

أعانك الله يا ولدي..

Unknown يقول...

لا القطر مقتلهوش دة بس كان طريقة لانتقاله

والاكيد انك عيشته شوية حلوين اوى مبسوط فيهم بامتلاك ابن بار زيك

اعانك الله

عمرو يقول...

السلام عليكم
طبعا أنا ما كنتش مكتئب اليومين اللي فاتوا دول, بل على العكس أنا بس كنت مسافر
المهم نرجع للموضوع الأساسي. أنا كنت هاغلق باب التعليقات على التدوينة دي لأني باكتبها لمجرد الفضفضة, بس فعلا تعليقاتكم أفادتني جدا

أستاذ جمال
أنا مش مطنش والله, بس حابب أسمع الكلام ده وجها لوجه مش على التليفون
:)

أنسانة-شوية وشوية يقول...

ياه يا عمرو

عارفة انه صعب جداً ، انا النهاردة كنت في جنازة والد صديقتى وانا داخلة عليها المسجد للصلاة لقيتها بتترمى في حضنى وتقول لي مات مات خلاص لا تتخيل اد ايه الجملة هزتنى وكأن سكين دخل قلبي وعلشان كده حاسة بك جداً

ربنا يصبر كل من فقدوا آبائهم ويجعل مثواهم الجنة ويبدلهم داراً خيراً من دارهم واهلاً خيراً من اهلهم

كلماتك تصعب علي النفس

nor يقول...

اممممممممممممممممممممممممممممممم!!
ياحج عمرو بطل تشخيص دور الطبيب النفسي لأنك اثبت فشلك بجدارة

موضوع أحلام اليقظة والمنام دي لا هي يأس أو جزع بل هي تعبير خالص شفاف بالحنين مقبول ومنطقي وكما يمكن تسميته رجع نفسي مثل رجع الصوت يحدث عند الجميع ممن فقدوا احبابا لهم الموضوع بسيط ميخصكش دون غيرك
حزنك مقبول يمكنك أن تعلن ذلك على الملأ دون خجل ودون أن تبرره بتأنيب الضمير

بعدين انت ولا القطار حيلة ابليسية معهوده مرجعها إحساس خفي بالتقصير نحو المحبوب مختلطا بمشاعر الفقد....
مبدئيا : كلنا نقصر نحو من نهتم بهم وبالطبع نحو انفسنا
" للأسف دي عادة مهببة في كل البشر" والخروج منها بسيط افتكر صوت والدك في التلفون وهو سعيد وبيقولك انه راضي عنك" ابتسم بقى

ثانيا :أتذكر دائما قول أثر فيا جدا عن الآذان قاله والد أحمد الشمسي الآذان نداء الغافلين....
سيدي كلنا غافلووووون ربما اتى هذا النداء لك لتنتبه "كم من أثر طيب وكم من نسبة تغير لنظرتك للأشياء

رحم الله أباك وغفرله....إجعل من أخبارك الطيبة هدايا تصل له في قبره يسعد بها
دمت رقيقا نقيا

ponpona يقول...

ازيك

:))

غير معرف يقول...

مش عندي حاجة أكتر من المكتوب ...
قلبي معاك وحاسة بيك لأني في الحكاية أو زي ما قولت في هذه المسرحية المتقنة.
أنا بعمل كل حاجة عارفة إن بابا كان بيحبها وبيروحها وبود ناس كان بيودهم وبوهبله سورة الملك كل يوم الصبح بناء علي طلبه وهو حي :
" عاوزك تقريلي سورة الملك وتوهبيها ليا كل يوم الصبح وتدعيلي بالرحمة وأنا عايش وأنا ميت ..."
* إنت عارف يا عمرو أنا كتبت إقتباستك بتاعه " نزارقباني "إللي بيقول فيها :حملتك في صحو عيني ...حتي تهبأ للناس أني أبي ..." ووضعتها أمامي ووكتبتها علي كشكول يومياتي لتثبيتها في نفسي ، وفعلاٍ .كلما جلست مع أعمامي أو أبناء أعمامي وخالاتي وكل من كانوا يعرفون أبي قالوا : محمود أدامنا أهو!!!؟صحيح إللي خلف مامتش ؛ وإياك إياك من عذاب الضمير .
وإنت عامل إيه ؟!.
لاحظت حاجة يا عمرو معظم زوار مدونتك أيتام...شوف بأه كلنا بنتفك عندك يعني ليك ثواب كبير عند ربنا أد إيه !.
صحيح يا عمرو وحشتني حكاياتك يا دوكتل عمرو.حدوتة واحدة .بليزدو.
ديدي