حتى الحيوانات لم تعد تعرفني
كان منظر أعواد القطن البنية الجافة الواقفة في الحقل يقبض الروح, لكن جدي كان مبتسماً مستبشراً بحلول وقت الحصاد. لم ألحظ وقتها مدى التشابه بينه وبين عود القطن الجاف. فكلاهما كان أسمر ورشيقاً وكلاهما كانت له عمامة بيضاء فوق رأسه. في هذه الأيام كنت أحب الذهاب إلى قريتنا كثيراً, ربما لأن جدي كان يعطيني علبة طوفي كاملة من الدكان الذي يملكه كلما ذهبت, أو لأن جدتي كانت تخرج لي بين أسبوع وآخر ورقة بخمسين جنيه كانت تساوي الكثير في هذا الوقت (منذ عشرين عاماً تقريباً) وتقول "اشتري بيها كاكوليا" تنطقها هكذا "كاكوليا", أو ربما لأنني كنت ألعب مع جدي وأجري بين الشوارع والحقول وأركب الحمار والجمل. المهم أنني كنت أحب الذهاب إلى قريتنا ولا تهمني الأسباب.
في ذلك اليوم ضحك جدي معي كثيراً, وحين دخلنا البيت توجه نحو جدتي ولاطفها ثم سألها عن الصلاة فلم تجب. وجم وجهه على الفور ثم أشهدني عليها. قال إنها تتكاسل عن الصلاة وإنه بريء منها يوم الدين.
لا أذكر الآن الكثير من التفاصيل لكنني أذكر وجهه المبتسم وضحكه معي الذي استمر حتى مغرب الشمس حين قرر أبي أن يعود بي إلى المدينة.
أنا ابن المدينة, ولكنتي مختلفة عن لكنتهم. كان هذا يشغلني كثيراً. فأنا أتحدث مثل أمي لكنهم يتحدثون بشكل لا تتحدث به أمي ولا يتحدث به أبي. هم يطلقون على الحلبة حاياجة وعلى البيض كحريت, ويلبسون بشكل مختلف وتنظر القرية كلها لي على أنني ابن بحري.. ابن الاسكندرانية (مع أن أمي أساساً من نفس القرية), وحده جدي لم يكن ينظر إلى هكذا, فأنا كنت قطعة منه.. قطعة مختلفة بعض الشيء.
في اليوم التالي ليوم رحلتنا في حقول القطن جاء الخبر لأبي فانقبضت ملامح وجهه لكنه لم يدمع. رحل جدي فجأة في حادث سير.
بعد شهر من وفاته أصبح كل شيء مختلفاً جداً. فأبي لم يعد كما كان وإن ظل صامتاً, والدكان أصبح مغلقاً, والحيوانات في البيت لم تعد تعرفني. غير أنهم باعوا الجمل.
لم تعد القرية قريتي بعد جدي, أصبح كل شيء غريباً ومغلفاً بالحزن. حتى جدتي لم تعد لابتهاجها الأول وحاولت الانتحار أكثر من مرة. مرت الأيام والسنون وأنا بعيد عن القرية. لم تعد تهمني أفراحهم ولا أحزانهم.. كنت فقط أريد أن أبتعد. أما أبي فقد ظل صامتاً كاتماً همه وأصر على أن يواصل ما بدأه جدي.
مع الأيام تحول أبي إلى صورة من أبيه. عود من القطن أسمر ورشيق وعلى رأسه شعر أبيض. كان من الطبيعي جداً أن يرحل هو أيضاً قبل أن يشهد الحصاد.
رحل أبي فجأة مثلما رحل أبوه وتركا في الروح ندبة لن تزول, وفي القلب جرحاً لن يلتئم.
هناك 10 تعليقات:
عندي يقين ان من يرحلون صغارا او هؤلاء الذين يتركونا سريعا بدون مقدمات يختارهم الله لانه يحبهم..وبقدر حزني على فراقهم الا اني اشعر بالسعادة والرضا لاجلهم عندما اتخيلهم هناك ينظرون الى ويبتسمون.. يخبروني انهم سعداء وهم بجوار ربهم فى جنته.. يلومونى على هذا الحزن الساكن في القلب أليسوا في مكان افضل كثيرا مما كانوا فيه....نعم...انا افتقدهم كثيرا..لكنهم سعداء وهذا يكفيني..
كثيرا من ندبات الروح لا تشفى..وقد يكون شفائها بحد ذاته ندبة اخرى فى الروح
ان تحب معناه ان تشقى..وان يرحل من تحب شقاء اكبر
وطالما ان الحياه هى سلسلة غير متناهيه من الشقاء
فدعنا نحياها كماهى
بعض الندب يا صديقى يكون دليللا على عمق علاقاتنا بمن رحلوا
دليلا على بقائهم احياء فينا
فعش معهم داخلك
لاتهرب منك الى المجهول وثق ان بقائهم فيك دليلا اخر على اقتراب المسافات
:(:(
الكلام دا بيوجع اوى يا عمرو
ربنا كتير بيختبر صبرنا فى الدنيا .. بس فعلا الدنيا مش بترجع زى ما هى لما بتفارق ناس بتحبهم ولكننا يجب ان نعيش و نحاول زرع الفرحة داخلنا بحانب حزننا
كلامك في الموضوع ده وفي الجروح التي لا تلتئم بيزيد الجروح وبيصعبها قوي..
فراق الأحبة هو سنة الحياة على فكرة..
والله أنا بقيت مؤمنة بكده.. دايماً في الحياة نفارق اللي بنحبهم سواء بموت أو ببعد عنهم..
(لكن اللي نكرهم تلاقيهم قاعدين ف وشنا ومش عارفين نروح منهم فين :) )
فكها يا عمرو كده وكفاية كلام ف المواضيع دي.. احنا ما صدقنا انك كنت مبسوط :)
كلمة ف سرك بقى.. لما تبقى مبسوط ما تقولش.. الناس يا ابني عنيها بقت وحشة ومش بتسيب حد ف حاله :)
:(
هو انهاردة يوم القوقزة العالمي ولا ايييييه؟ انا لسة صاحية و بقالي 16 ساعة نايمة باحلم حلم واحد، و مش حلو،هو مش كابوس و لا مرعب، بس متقوقز اوي و صحيت حلفت طلاق تلاتة ما انا قايمة من السرير انهاردة و مش رايحة المحاضرة بتاعتب الساعة 12 و فتحت مدونتك لاقيتك بتتقوقز انت كمان... بص يا جدع انت، انت عندك امتحانات و مذاكرة و حاجات كتير، ركّز في اللي يفرحك و يرفع معنوياتك، مع احترامي الشديد لحزنك و تقديري ليه، الا ان الندبات دي مش بتروح يا عمرو، بس انت ما تعملش زي النونو اللي عنده تعويرة في ايده و يقعد يقشر فيها فاكرها هتروح، ما يعرفش انه بكدة بيحفرها في جلده اكتر... تبهجج و النبي يا عمور عشان خاطري و خاطر الناس الجدعان اللي بييجوا عندك هنا... اعمل ايه عشان تتبهجج؟ اممممم... بس لاقيتها، انا هاغنيلك اغنية للست فيروز بعدها هتقول حقي برقبتي و مش هاتقوقز تاني... هع هع هع
احم احم احم... آلو آلو آلو... تس تس تس....
" علي جسر اللوزية تحت وراق الفيّة، هبّ الغربي و طاب النوم، اخدتني الغفوية، و سألوا كتير عليا، علي جسر اللوزية... هبّ الغربي و طاب النوم، ندهونا و ما وعينا، لامونا و شو نفع اللوم غصب عنا غفينا... ترا ترا تراااا..."
ها، حرمت و لا لسة؟
(وش زغراني)
طبعا انا اخترت الاغنية دي عشان بانام كتيييييير ... هع هع هع
مقطوم في القلب ناب
:(
أهلا بيكم كلكم وبهبة على وجه التحديد في أول ظهور ليها على المدونة هنا :)
مش عارف والله يا جماعة إيه اللي حصلان بالظبط. أنا ربنا الحمد لله راضيني جدا. آه والله. عندي حاجات كتير باشكر ربنا عليها وممتن ليها جدا, ولما باركز فيها بابقى فرحان بجد. لكن دايماً فيه حاجات في القاع كده بتخلي الواحد يحس بالحزن بعد الفرحة. تقدروا تقولوا إن الواحد متذبذب اليومين دول بين الفرحة والحزن. يعني حالة من عدم الاستقرار الوجداني. لكن أنا مبسوط إنها بتخليني أكتب. المشاعر الكتير بتخلي الواحد عايز يطلعها وبتخلي كتاباته تتنوع بتنوع المشاعر نفسها. هابقى أكتب إن شاء الله عن المشاعر المتناقضة دي بوست لوحده.
:)
بس أنا فعلا مش مكتئب, أنا بس عندي أسباب بتخليني أضحك وأسباب بتخليني أبكي. وأنا فعلا باحاول أركز على الجانب المشرق بس ليلة إمبارح كانت الدنيا غامقة حبتين. لذا فأنا أدعوكم جميعاً إلى كتابات متفائلة ومتبهججة في الأيام اللي جاية
:)
مش مكتئب انت يعني حضرتك !!
وانا اللي قرأت البوست وقعدت أعييييط أعيييييط
ممممممم
وكمان عايز كتابات متفائلة ومتبهججه ... طيب :)
أكتب ايه ؟
اكتب ايه؟
استني اما ادورلك كده ..
ها؟ ايه رأيك في دي ؟ حلوة ؟ طيب دي ؟ بيتهيألي دي أحلي ؟؟ لألأ بلاش دي لونها مش حلو !! ودي كمان بلاش .. لونها غامق قوي وانت الليلة اللي فاتت كانت غامقه بما فيه الكفاية .
هما ايه دول أصلا ؟؟
دول كتابات .. كتابات متفائلة ومتبهججة آخر حاجه ، يللا ياسيدي ، عشان مايبقاش نفسك في حاجة . هو احنا يعني عندنا كام عمرو
يسعد أيامك كلها يا عمرو قول آمين
:):):):):)
بنبونة
آمين
:)
إرسال تعليق