ولاد العم.. عود أحمد
أذكر أن آخر الأفلام التي كانت تتكلم عن الجاسوسية والصراع المخابراتي الخفي بين مصر وإسرائيل (إن كان موجوداً من الأساس) كان بطولة نادية الجندي (هذا باعتبار أن ما تقوم به نادية يوضع تحت خانة الأفلام). والحقيقة أن الأفلام التي تتحدث بحس قومي قد اختفت من شاشة السينما المصرية لسنوات طويلة, وكانت نادية وحدها هي المهتمة بهذا الجانب, لكن تجاربها كانت دائماً منقوصة. ثم جاء فيلم ليلة سقوط بغداد الذي ركب موجة الكوميديا في مناقشته للموضوع ومن ثم خرج من دائرة الأفلام التي نركز عليها في هذه التدوينة. فنحن هنا نتحدث عن فيلم يناقش الأوضاع الخارجية لبلادنا برؤية جادة.
في ولاد العم نجد أنفسنا أمام جيل آخر من النجوم يجرب نفسه في منطقة جديدة عليهم. الجميل في الأمر أنهم جميعاً أجادوا وخرجوا بعمل محترم. حين تشاهد أولاد العم ستلاحظ التميز غير العادي في الأداء التمثيلي لشريف منير وكريم عبد العزيز ومنى زكي. شريف منير تحديداً يجب أن نعتبره ظاهرة فريدة من نوعها. فالأخير من جيل ربما تجاوزته السينما الآن, وربما كان شريف يمثل قبل أن تولد منى زكي, فأول أعماله كانت في عام 1984 إن لم تخني الذاكرة (هذا على اعتبار أنني كنت أتابع الأعمال الدرامية وأنا في اللفة :) ), لكنه مع هذا يمثل بتألق كبير ولا يهمه ترتيب الأسماء على الأفيش ويراقب تقدمه وحده دون الانشغال بالآخرين. لن أتحدث عن منى زكي التي عادت سالمة إلى التمثيل بطبيعتها بدلاً من الاستعراض الذي أعتقد أنه كان مقصوداً في احكي يا شهرزاد, لكنني أود أن أشير هنا إلى كريم عبد العزيز الذي ينبغي أن تقارنوا تمثيله الحالي بالأداء الذي ظهر به أول ما ظهر. هذا الرجل يتقدم وبقوة.
مخرج الفيلم شريف عرفة أيضاً كان في تجربة جديدة عليه. فعلى الرغم من أن عرفة مخرج أفلام حركة جيد, إلا أن هذا الفيلم كان مختلفاً عن سابقيه. فعرفة الذي أخرج مافيا والجزيرة لم يتعرض في تجاربه السابقة لمشاكل تتعلق بمكان التصوير على سبيل المثال. إذ اضطر إلى تصوير أغلب الفيلم في جنوب إفريقيا نظراً للتشابه في الشكل الظاهري بينها وبين أرض فلسطين, وتشابه سمت شوارعها مع العاصمة تل أبيب. اضطر عرفة إلى تصميم بيئة إسرائيلية كاملة كي يتحرك فيها الأبطال. الأكثر من هذا أنه اضطر إلى تعليم الأبطال أنفسهم بعضاً من العبرية كي يخرج الفيلم صادقاً. ربما لهذا المجهود الضخم خرج الفيلم ببعض الهنات الإخراجية التي سنتحدث عنها لاحقاً.
قصة الفيلم فكرة وكتابة عمرو سمير عاطف الذي اشتهر من قبل بكتابة مسلسلات خفيفة مثل بكار (للأطفال) وتامر وشوقية, وراجل وست ستات, والعيادة. عمرو عاطف أيضاً يجرب نفسه في ميدان جديد عليه, فيكتب قصة قال إن فكرتها أوحتها له زوجته وهذا تصريح خطير منه!!
يحكي الفيلم قصة فتاة مصرية متزوجة ولديها ولد وبنت تستيقظ من النوم لتجد زوجها الذي أحبته كثيراً يعترف بأنه إسرائيلي الجنسية وأنه يعمل بالموساد ويجبرها على التسلل معه عبر المتوسط إلى إسرائيل. لتعيش أياماً قاسية ويكلف كريم عبد العزيز ضابط المخابرات المصري بالدخول إلى الموساد الإسرائيلي والكشف عن المعلومات التي عرفها دانيال (شريف منير) وسبب تواجده في مصر طيلة الفترة السابقة وأن يعود بالزوجة وطفليها. وهو في آخر الفيلم ينجح في هذا كله ويموت الشر ممثلاً في دانيال. ينتهي الفيلم بعبارة على لسان كريم عبد العزيز حين يسأله أحدهم: "إحنا مش هانرجع؟" (يعني نرجع إلى مصر) فيرد كريم: بأننا "راجعون" (يعني لتحرير فلسطين).
القصة إذا ما نظرنا إليها نظرة كلية نجد أن بها القليل من المضامين الفكرية, وأن تفاصيلها لا تضيف الكثير. لكن هذا قد يكون مبرراً لو وضعنا في اعتبارنا إلى أن الفيلم يميل إلى سمت أفلام الحركة.
كنت أتمنى أن نخرج في هذه القصة من فكرة الإسرائيلي الصهيوني الوحش (بكسر الواو والحاء). فدانيال لن يستطيع أن يمثل الحب ويخدع امرأة لمدة تتجاوز خمس سنوات إن لم يحبها بالفعل. وكي يصل إليك ما أريد أن أقول تأمل معي قصة رأفت الهجان, وكيف رسمته السينما رجلا رومانسياً محباً للنساء حتى اليهوديات منهن. الإسرائيلي الصهيوني اليهودي أيضاً له قلب ويستطيع أن يحب –خاصة إذا كانت زوجته مصرية جميلة مثل منى زكي- لكن الفيلم أصر على أن يخرجه بلا مشاعر وأن يظهر الإسرائيليين على أنهم "وحشين قوي" إلى درجة تخرج عن نطاق المنطق والواقع. وأنا هنا لا أناصر الإسرائيليين لكنني أناصر طبيعة البشر.
هناك الكثير من الأشياء غير منطقية بالفيلم, منها التنقل السهل والسريع بين البلدان بلا أي صعوبة تذكر. ومنها التحول السريع في شخصية البطلة من امرأة تكره إسرائيل إلى حد الموت إلى سيدة تريد أن "تهاود أمورها", وتعيش كي تربي أطفالها. أعتقد أن هذا التحول يلزمه منعطفاًحاداً وخبرة قاسية في الاتجاه المضاد لما كانت تعايشه البطلة.
الموسيقى التصويرية للفيلم كانت من إبداع العملاق عمر خيرت, وبالطبع كانت رائعة إلا أنني لا أتذكر أنني خرجت من السينما بتيمة موسيقية ثابتة في أذني.
أجاد شريف عرفة في كل شيء إلا أن بعض الهنات بدت واضحة. منها رداءة المكياج الموضوع على وجه شريف منير في الصورة التي أمامكم. ومنها عدم احتراق شعر شريف منير حين احترق دانيال تماماً في الدقائق الأخيرة من الفيلم.
استطاع شريف عرفة أخيراً أن يوظف دوران الكاميرا حول البطل توظيفاً صحيحاً. في مافيا كان كطفل قليل التجربة في يده لعبة جديدة وهو فرح بها. لكنه اليوم يدور بالكاميرا في موضع صحيح من السيناريو حول كريم عبد العزيز في مشهد من أشد مشاهد الفيلم سخونة وقوة. إلا أن هذا المشهد نفسه كان مسبوقاً بمشهد من أشد مشاهد الفيلم سخفاً. فكريم يقف عند قرية يقصفها الإسرائيليون بالطائرات ويجتاحها الجنود ويخرجون أهلها. لا حاجة لك أن تقرأ نقداً أو ترى حرباً كي تعرف أن هذا غير منطقي. فالمنطق يقول أن القصف الجوي يحدث أولاً ثم يحدث الاجتياح البري. من الواضح أن هذا المشهد كلف المنتج الكثير من الدولارات لذا نجده يتكرر في كل إعلانات الفيلم وأفيشاته.
الأفيش الرئيسي والأكثر انتشاراً للفيلم يستحق الإشادة على الرغم من أنه استقى التصميم العام من أغلفة كتب رجل المستحيل (على حد تعبير أحمد الشمسي) إلا أنه جاء قوياً, وأكثر جوانبه قوة كانت الطريقة التي كتب بها اسم الفيلم. دقق في اسم الفيلم جيداً على الأفيش كي تدرك أن طريقة كتابة الاسم تحوي مضمون القصة والكلمات المكونة للاسم. فهو مكتوب بشكل يجعل الحروف العربية تميل إلى شكل الحروف العبرية. (هذه أيضاً كانت ملاحظة الشمسي)
"ولاد العم" إذاً عود أحمد لأفلام جادة وإن مال إلى تيمة أفلام الحركة من أجل التسويق التجاري. وهو فيلم يحمل الكثير من التجريب والاجتهاد. شاهد الفيلم في السينما تشجيعاً للفن الجاد الخالي من الاستخفاف والظرف.
هناك 7 تعليقات:
يعني انا عايزة افهم، انت و احمد بتروحوا السينما تتفرجوا علي افلام و لا بتروحوا تفصصوها؟
عموما يا سيدي، انا عاجبني في نقدك بقي وقفتك مع الاسرائيلي الانسان، مش الجندي و لا العميل... دي، علي حد تعبير رضوي عاشور، لفتة فنان...
في حاجة تاني كنت عايزة اعلق عليها... ييييي، ايه ده، انا نسيت و لا ايه؟ الظاهر يا عمرو اني عجزت :(
عموما اول ما افتكر هاقولك...
علي فكرة انا نزلت بوست جديد يا سيدي، اي خدمة
:)
عودا احمد ومحمد وعمرو وكل الناس الحلوة
انا مشوفتش الفيلم بصراحة كل ما كنت اروح السينما عشان ادخله اروح داخلة فيلم تانى....يللا مش مشكلة المهم انى بحب شريف منير وبحب شريف عرفة
شريف عرفة مخرج كويس جدا وافلامه مش بتخيب يعنى من اسم المخرج ممكن تدخل الفيلم وانت مطمن
شريف منير كمان علامة كويسة ان الفيلم معمول حلو وفيه شغل مبهر الى حد كبير
مبحبش كريم عبد العزيز ومنى زكى...كريم بحس انه عيل صغير ومفتعل الى حد ما ومنى زكى بتغاظ منها معرفش ليه
لاحظ ان كل الاراء دى ليس لها علاقة بالفيلم انا بتكلم فى العموم
عموما.....عودا احمد
احمد ياشمسى....ملاحظاتك هااااايلة فعلا الله ينور يا عم
عمرو...بحب اقرا نقدك للافلام..بجد بتكتب كلام هايل كانك بتنقد سينما بقالك اربعين سنة
سلامو عليكو بقى
آخر فيلم جاسوسية سمعت عنه هو فيلم عمرو السيد في محطة مصر في البوس إللي قبل دهإللي عنوانه "من الملفات السرية لعمرو السيد"
بهزر أكيد :))
بس فعلاً بحب أقرا تعليقاتك ونقدك للأفلام
بس يا ترى هتعرف مين إللي كتب التعليق ولا لأ؟؟؟؟؟؟
إمضاء:
زائر مجاش من زمان
الفيلم ده انا نفسى ادخله ...
حاسسه انه هيخيلينى مبسووط معرفش ليه ؟؟؟
بس النقد والملاحظات متميزة مجهود تشكر عليه حضرتك واستاذ احمد :):):)
عمرو السيد ..
انت أحسن من القهوة ، أي والله
كلام جد جد يعني ... انت أحسن من القهوة
سلام عليك :))
انت عايز تقول يعني اني سبت كل حاجة وركزت في الأفبش؟
:)
عموما تصور أنا وانا بقولك الملحوظة ما كنتش متصور حجم التشابه، لما انت نزلت هنا صورة غلاف لرجل المستحيل انا نفسي اندهشت. فاكر ساعتها انا قلت لك ايه؟ "ده أدهم صبري وساحب وراه منى توفيق زي كل اغلفة رجل المستحيل"
عموما يا عمرو برغم اني شفت الفيلم معاك واتكلمنا في كل ده بس انت فعلا استااااااذ... انت عمي وعم النقد السينمائي في مصر
:)
بصرف النظر عن الفيلم شخصيا ... انت صايغ نقد محترف .. أحييك عليه بشدة شديدة :))
بس على رأي ايزولد ، و انا بقرا قاعدة اقول هو انتو كنتو بتتفرجوا و لا بتفصصوا الفيلم عشان تنقدوه ..
مش اسلوب ده .. عقدتني يا أستاذ :)
إرسال تعليق