لن أستطيع اليوم أن أبدأ بالمقدمة التي تعرفونها جيداً والتي تقول إنني أكتب ما ينضح به عقلي وما ينتجه تداعي الأفكار فقط, لذا فلن أبدأ بهذه الكلمات, ولن أحذر من محتوى هذه التدوينة الذي قد يؤدي إلى سخط البعض.
لندلف إلى الموضوع مباشرة. أعتقد أن النمو الجنسي عند الذكور يسير على مسارين متوازيين لكن ليس بنفس المعدل, وهذان المساران هما المسار الجسدي الذي ينمو بطيئاً (أو على الأقل أبطء منه عند الإناث) و المسار النفسي الذي يبدأ مبكراً جداً. الذكر يبدأ في التدرب على أدواره الذكورية منذ الرابعة تقريباً, لكن التدرب على الأدوار الجنسية قد يبدأ مع نهاية المرحلة الابتدائية. قد تستغربون ما أقوله لكنها الحقيقة, وربما ينبغي أن أشير هنا إلى وجود اختلافات تعتمد على البيئة والمحيط الخارجي الذي يعيش فيه الذكر تؤثر على وقت حدوث هذا النوع من المران النفسي الجسدي أو تلغي حدوثه من الأساس.
أعرف أن ما سأقوله هو نوع من الحدس المخلوط بالدراسة. أي أنه نوع من الملاحظة العارضة التي استقيتها من خلال اقترابي من كل الفئات السنية أثناء عملي كمدرس ومن خبراتي الشخصية, مخلوطة بدراسات نفسية وتربوية تعرضت لها, لذا لن يكون الكلام دقيقاً للتطبيق على جميع الحالات, لكنه سيكون صحيحاً في المجمل.
عند انتقال الذكر من المدرسة الابتدائية إلى الإعدادية, خاصة تلك المدارس التي تفصل بين الجنسين, فهو يدخل إلى بيئة مختلفة المثيرات. يبدأ في سماع تفاصيل تغير من تشكيله النفسي كلها تتعلق بالجنس ويبزغ في عقله سؤال واحد. لماذا لا يحدث هذا معي؟ فهو لا يرى تلك الإفرازات التي يتحدثون عنها ولم يسمع من أحد من والديه أي معلومة عن هذا الموضوع. يأخذه الفضول إلى المزيد من المعرفة التي قد تكون ضارة جداً به. يحدث هذا حتى في أفضل المدارس الخاصة, ويقل كثيراً في المدارس المختلطة نظراً لتحرج الطرفين من الذكور والإناث, لكنه إن حدث فيها تكون كارثة.
ما الذي يحدث حين ترد هذه المعلومات غير المناسبة (والتي قد تكون خاطئة تماماً) إلى عقل الذكر الطفل؟ سيجد أنه ليس رجلاً, وهو لن يتفهم فكرة أنه لم يبلغ بعد, فجميع أصدقائه سيحكون عن مآثرهم التي هي لابد متخيلة. سيتسبب هذا في محاولات لاتوافقية منه للتكيف مع البناء المعرفي الجديد له, ومن هنا يبدأ في عمل سلوكيات مشينة. بمعنى أنه قد يتجه إلى معاكسة الفتيات في الشارع وأحيانا للتحرش بهن باللمس أو حتى الضرب (إن كان ربنا مديله شوية صحة يعني) كما سيتجه إلى إطلاق الشتائم بين مجتمعه الذكوري في محاولة منه لإثبات أنه أرجل من الباقين.
رأيت هذا بعيني في أفضل المدارس, وعشته بنفسي حين كنت طالباً. فحين انتقلت إلى المدرسة الإعدادية كان معي في الفصل (فصل الفائقين على فكرة) واحداً من أبناء أحد الشخصيات المرموقة في محافظتنا. "ولد ابن ناس" كما يحب البعض أن يقول, لكنه كان يركب دراجته ويغازل الفتيات بكلمات قبيحة للغاية, أو حتى بأفعال غير لائقة في الطريق العام. لم يكن عقلي يستوعب هذا في هذه الأيام, فاصطدمت به وسألته إن كان يرضى أن يحدث هذا لأخته وهو سؤال يبدو لي اليوم كلاسيكياً جداً. ورد علي برد كلاسيكي أيضاً فقال "أنا أختي ما تطلعش الشارع باللبس ده". هو تحرش فضيل إذاً.
في طريق عودتي أنا وزميل لي في المدرسة كانت سيدة محترمة تبلغ من العمر على الأقل خمسة وثلاثين عاماً (مازلت أذكر وجهها وملابسها على فكرة) تجلس في الكنبة الأمامية للميكروباص, وفوجئت به يدخل يده في فرجة بين مسند الكرسي ومقعده. لم تستطع السيدة أن تفتح فمها, وأحس هو بشعور جيد.
الجميل أن الكثير من النساء يتعاملن مع الطفل في الصف السادس الابتدائي والمراهق في الصفوف الإعدادية على أنه طفل نظراً لصغر حجمه. لم أفهم لماذا كان جارنا ينفعل كثيراً حين تقبلني ابنته ذات العشرين عاما وتحضنني ثم تدخل بي إلى غرفتها كي تلعب معي. كنت في هذه الأيام في الصف الخامس الابتدائي وكنت صديقها المميز, لكنه رفض هذه الصداقة بشكل مطلق. واليوم فقط فهمت لماذا كان الرجل يغضب كل هذا الغضب!!
سيحدث مع الكثير من الآنسات أن يكتشفن أن الطفل الذكر الذي لم يتجاوز العشرة أعوام ولم يبلغ الحلم بعد قد دخل غرفهن متسحباً في الليل, أو صارحهن بأشياء لن يصدقنها.
هذه المشكلة المتضخمة لم تنبع من سوء تربية الأولاد, وإنما نبعت من السياق المجتمعي الذي يعتبر التوعية الجنسية البسيطة سراً من أسرار أمن الدولة, ويترك الولد ينمو بطريقة نفسية جنسية غير سوية.
الذكر لن يكتسب الأدوار النفسية الجنسية له دون تدريب. هذا يحدث بطرق كثيرة لن أبينها هنا لعدم أهميتها, لكنه يحدث في حياة من نعتبرهم أطفالاً, وبشكل شبه يومي. يحتاج الطفل الصغير إلى مجتمع من الذكور كي يمارس الضرب والشد والعنف. هذه طاقات لابد من تنفيسها ومهارات لابد من التدرب عليها, لكنه يحتاج إلى الحماية أيضاً من هذا المجتمع الذي سيؤدي به إلى لا توافقية في نموه النفسي الجنسي. غير أن مجموعة الذكور هذه مهمة جداً, لعدم تحول الذكر إلى الشذوذ.
ما يحدث بعد هذا أن الولد يصل إلى مرحلة البلوغ الجسدي, وهذا يجعله يشعر بارتياح كبير, وتتغير نظرته من محاولة إثبات الذكورية الجسدية إلى الرومانسية, فتجد في المرحلة الثانوية الكثير من العلاقات بين طلبة مدرسة البنين ومدرسة البنات التي لابد ستكون ملاصقة. في هذه الفترة يتراجع العنف عند الذكور لكنه يثبت في سلوك بعضهم ويبقى حتى فترة الجامعة.
في الجامعة يقابل الذكر مجتمعاً لابد أن يكون فيه متحضراً. فالأقوال التي اعتاد على قولها والتحرشات التي أصبحت جزءاً منه ستتسبب في فضيحة له إن استمر بها, غير أنه يحاول الحصول على القبول المجتمعي وإعجاب الجنس الآخر الذي لن يأتي بهذه الطرق الغوغائية. لكن مرة أخرى أريد أن أوضح أن بعض التصرفات غير السوية قد تظهر أيضاً. أثناء مشيهم على الكورنيش فوجئ مجموعة من زملائي بالجامعة بأن "س" الولد المهذب للغاية, الوسيم جداً, المجتهد أيضاً, أعطى ضربة بكتفه لفتاة تمر بجانبه فأوقعها أرضاً. تأسف الباقون لها ووبخوه على فعلته وأوقفوا لها عربة أخذتها إلى البيت. لكن الحادثة لم تكن مجرد عنف, كانت محاولة منه وهو الوسيم الذي يقول له الجميع أن "يا خسارة إنك ما طلعتش بنت" لإثبات الرجولة, ولكن بشكل لا توافقي جعله يندم كثيراً بعدها.
تقول الإحصاءات أن أغلب المتحرشين هم من الرجال في الأربعين وما فوقها, وهذا أمر نفسي بحت. فالكثير من الرجال تستمر الخبرات الأولى لديهم, وبعد خبرات متكررة فاشلة في استرضاء الجنس الآخر يتحول الذكر إلى العادات الأولى. المحاولات الفاشلة في الاسترضاء كثيرة, ومنها فشله في الزواج, أو فشله في الزواج ممن يريد, أو فشل زيجته على المستوى النفسي أو الفسيولوجي, أو ببساطة سوء التربية, ولا أقول قلتها.
أخيراً ينكسر الجسد, وتخبو قواه, ويضعف الرجل جنسياً. وربما تجدر الإشارة هنا إلى وجود اختلافات كبيرة بين الرجال في هذا أيضاً, تبعاً لعاداتهم الجنسية خلال أيام حياتهم, وصحتهم والأمراض التي أصابتهم إلى غير هذا. وهنا تتعامل النساء مع الذكور على أنهم حملان صغيرة, وقد تتخفف الواحدة منهن من أكثر ملابسها وتقول لنفسها "ده زي أبويا", لكن الحقيقة أن بعض الرجال يكون لديهم من العقل ما يجعلهم يتفهمون هذه الرسالة, بينما يشعر البعض بإهانة شديدة. فالرجل قد يكبر أو يشيخ أو حتى يموت جسدياً, لكن شهوته تبقى مستعرة, وخبراته النفسية تستمر في العمل.
قد تؤدي هذه المقالة إلى الكثير من اللغط, وقد تؤدي بالبعض إلى الحرص المبالغ فيه من مجتمع الذكور, وهذا أمر غير صحيح تماماً, ما وددت الإشارة إليه هنا هو احترام النمو النفسي للذكر, والتأكيد على ضرورة اقتراب الأم أو الأب من ابنهما المراهق بشكل يجعله يطمئن, فكل السلوكيات الشاذة وغير السوية منبعها مخاوف وأسئلة لا إجابات لها, أو هكذا يبدو الأمر لي. أتعرفون؟ ربما يجدر بي أن أتوجه بالكثير من الشكر لأمي.