مايو 21، 2009

بجوار السور

fence_by_digidreamgrafix

لن تكون الرحلة طيبة إذاً. أنظر في وجهه. يقول لي إنني أجلس على كرسيه.

- أرني تذكرتك. لا مكانك بجانبي. تفضل.

يرفع شنطته على الحامل فتنفرج فتحة قميصه الواسعة لتكشف عن غابة من الشعر على صدره. يحتقن وجهي من الغيظ وأتساءل عن السبب الذي جعله يرتدي القميص من الأساس. يبدو كمن هبط للتو من أحد إعلانات الألبومات الجديدة التي أراها على الطريق. وجهه من ذلك النوع الذي حين تنظر إليه تعتقد أنه خرج من الحمام للتو. شعره ممشط كعرف الديك ومصبوغ بلون يميل إلى الصفرة. أكره أن أقابل شخصاً يهتم بمظهره في يوم تكون حالتي فيه مزرية. أرفع الجرنان محاولاً صرف تفكيري عنه.

يتململ في مقعده. يخرج هاتفه المحمول الذي يبدو من تعقد أزراره وغرابته أنه غالي الثمن. يبدأ في عمل بعض المكالمات. يقول لصديقه إنه عرف كيف يتصرف, وإنه "خلص" الموضوع. فهو يعرف كيف تسير الأمور في البلد, ويجيد تسييرها. مكالمة أخرى. يقول لها إن التعامل مع هذه الأشكال من البشر له طريقة, وإنها لن تعرف كيف تتصرف وحدها وإنه حين يعود سينهي كل شيء. مكالمة ثالثة ثم يعود لتململه السابق. ينظر نحوي ثم يشد الجريدة. يقرأ الخبر بصوت واضح كي أسمعه. كان الخبر عن سقوط أحد أصحاب المال والنفوذ. بعد أن انتهى من اغتصابه لجريدتي أعادها إلي. وهو يقول بينما يشعل سيجارة "حمار".

شعرت أن الإهانة موجهة لي وليس لمن ورد بالخبر. لم أرد ولم أنطق بكلمة. فقط استحضرت كل ما قرأت عن التوجه الإيجابي نحو الآخرين. لاحظته وهو يشرب سيجارته وقلت له في عقلي "أنت طيب. أنت سليم النية. أنت فقط مختلف عني وسأتغاضى عن هذا الاختلاف". كررت هذا كثيراً حتى قطع تفكيري.

- لماذا تسافر إلى القاهرة؟

- أنا أعمل هناك. وأنت؟

- لي بعض المصالح لابد من قضائها. ربما أرفه عن نفسي قليلاً بعدها.

يقول الكلمات الأخيرة ويبتسم نصف ابتسامة خبيثة. ثم يسألني:

- ما رأيك في القاهرة؟

- معقدة.

تركت نفسي أتحدث معه. أردت أن أعرف كيف يجيد تسيير الأمور, وكيف يمكن التعامل مع أشكال البشر وما هي أشكالهم. أردت أن أتعلم منه. لكن كلماته لم تخرج عن الكيفية التي يوقع بها بالبنات, ويتلذذ بتعذيبهن. ربما لن تفلح معي فكرة التوجه الإيجابي هذه المرة.

مشينا على رصيف المحطة. كان يمشي وكأن الكون ملك له. أشار إلى صف طويل من البشر أمام شباك حجز التذاكر. كنت قد وقفت في مثل هذا المكان لساعات منذ بضعة أيام. قال إن له طريقة خاصة في الحصول على التذاكر. وأنه... كنت قد سمعت ما يكفي عن أفعاله الخارقة ولم أصل إلى الكيفية التي يفعل بها هذا كله. خرجنا إلى ميدان رمسيس فقاطعت استرساله قائلاً:

- ألم أقل لك إن القاهرة معقدة. انظر لهذا لميدان. كيف تعبر إلى الناحية الثانية وسط كل هذه الأسوار إذا كانت معك حقائب ثقيلة ولا تستطيع صعود كوبري المشاة؟ لن تجد سوى أن تمشي مع السور حتى ينتهي كي تعبر الطريق وهذا مشوار طويل.

لم ينطق. فقط اتجه نحو السور وبحركة رياضية انحنى وعبر من أسفله ثم شد حقيبته.

- في هذا البلد كي تعبر فأمامك أمران, أن تقفز أو تنحني.

ابتسمت ابتسامة باهتة, فحياني. حملت حقيبتي التي بدت أثقل بكثير ومشيت إلى جانب السور.

هناك 11 تعليقًا:

تــسنيـم يقول...

اثبت.. وإيـاك أن تنحنِ


:)

عمرو يقول...

:)
تسنيم
إيه البخل ده. جملة واحدة. عموما يا ستي من يد ما نعدمها.

تــسنيـم يقول...

هي أول ما خطر على بالي :)

ربمـــا يكون الحـل الأمثل في هذه الأيام .. القــفز أو الإنحــناء لكـن


أمثالنا لا زالوا يؤمنون في يوم لن تكون فيه أي حلول أخــرى سوى سلك الدروب المستقيمة.. حينها فقط ستعود الأمـور إلى نصابها وتدخل الفئران.. إلى الجحور

عمرو يقول...

عندي إحساس غير عادي يا تسنيم أني سأستسلم في يوم وأقفز أو أنحني. ادع لي ولعامة المسلمين بالاستقامة
:)

تــسنيـم يقول...

بل بالثبات على المبدأ يا صديقي


ولا أظن أن الإنحناء يلائمك.. فهناك أشخاص خلقهم الله مشدودي الظهر لا ينحون


أتمنى أن نكون منهم

أحمد الشمسي يقول...

أنا مش هتكلم عن موضوع القصة، انت عارف ان الحياة في مصر هي موضوعنا المعاد المتصل اللي بنتكلم فيه كتير وبرضه مشعارفين نوصل فيه لحل، وعارف ان الموضوع اثار شجون كتيرة عندي.

أنا بس خايف يكون الفكر طغى على العاطفة في القصة دي، بمعنى ان الحوار حيادي وعقلاني شوية، وإن كنت ما اقدرش انفي الجانب القصصي تماما عنه... حاسس ان قصتك محتاجة محمد عبد المطلب يقول فيها الكلمة الأخيرة.

بالنسبة لي أنا... أنا شايف انها قصة كويسة، لكن مش عبقرية وأكيد انت نفسك حاسس بده.

على فكرة، خبر كأن مرفوع، انت عامله منصوب في القصة: ابحث بنفسك.

عمرو يقول...

أشكرك أحمد على هذه الصراحة. أنا سأفكر فيما قلت وأعتبره.

أعرف أن خبر كأن مرفوع سأصحح الخطأ.
دمت لي

أسما يقول...

يا نهار ابيض، ايه يا جماعة الكلام المقوقز ده! " سأفكر فيه و أعتبره"؟ أعتبره؟ جبتها منين دي؟!

عموما يا جماعة انا ماليش دعوة بالتعليقات الادبية دي ، فأنا لست أهل لها. أما عن فكرة القصة، فمن واقع مرمطتي في البلد دي انا باقول ان الراوي كان المفروض يعمل زي الراجل التاني و ينط من علي السور، أسهل و اسرع، و اهو كل الطرق ف الآخر تؤدي الي روما، فعلي ايه وجع القلب و الدماغ و الرجلين؟ انا شايفة ان اللي عايز يعيش هنا مش لازم يمشي جنب السور، هيتعب اوييييييييي.

عمرو يقول...

أهلا إيزولد
لا أستطيع أن أقول لك سوى جملة واحدة رداً على كلامك
Look who is talking
لماذا تمشين أنت بجانب السور في كل مرة؟
:)

أسما يقول...

I knew u wud say that
:)

عمرو يقول...

:)