أبريل 23، 2010

نشيج

post-18-30117-TEARS تعود بإناء فيه ماء تضعه على النار, ثم تجري خلف دجاجة من دواجنها.. تنحني في ألم, ترتمي بنصف جسدها مادة يديها نحو الدجاجة, ويرتج بطنها بعنف فتضع يدها تحته.. تهرب الدجاجة منها فتجري سنية خلفها بسرعة أكبر, يرتج بطنها... تتألم...
تصيح الدجاجة في قلق وفزع...
تخرج دماء نافرة من العنق المذبوح فتلتهب ذاكرة سنية, ترتد الكثير من الذكريات المؤلمة وتقف كأشباح أمامها لكنها تزيحها جميعاً وتعود إلى الموقد ثم تضع دجاجتها في الماء المغلي بعد أن تفارقها الروح..
تقف عزة أخت زوجها واضعة يدها عند وسطها, تلوي حنكها وهي تقول "اللي يقول لها جوزها يا عورة" فترد أخته الكبرى وهي تضغط برجلها على يد طلمبة الماء قائلة: "يلعبوا بيها الكورة"..
تضحكان..
تنتف سنية ريش الدجاجة في ألم, بينما تستمع إلى غناء النساء في الخارج وصوت الدفوف. كانت أم علي تغني بحماس كعادتها... تغني كأنها تفعل هذا للمرة الأولى.. وكان صوت النسوة من خلفها عالياً فرحاً مجلجلاً..
تمسح سنية دموعها.. هي لا تحب سليم على أي حال لكنها تتألم لما يحدث ولا تعلم السبب, تتشاغل بما في يدها عن حزنها وعن ألم بطنها الذي أصابها من أثر الركض..
تضع الدجاجة في الماء المغلي مرة أخرى.. لم يتبق أمامها سوى بعض الريش الناعم الداكن القصير, تنتفه بأطراف أظافرها فتتذكر كيف اندفعت النسوة نحوها في ذلك اليوم, وكيف عملن في همة لإزالة شعر جسدها بالحلاوة, وكيف كان صوت أم علي متحمساً بالخارج كالعادة, و كان صوت النسوة مجلجلاً وهن يغنين في فرح نفس الأغاني, بينما ظلت هي صامتة, لم يكن بإمكانها أن تصيح أو ترفض.. أو حتى أن تتألم مع نزع الشعر بالحلاوة.
تستمر في نتف الريش القصير الداكن..
ترى النسوة ينتفن الشعر الزائد من جسدها...
أم علي تغني بالخارج..
الجميع يضحكون في سعادة وهي صامتة..
تُخرج الدجاجة أحشاءها...
تدمع عينا سنية..
تمسح دموعها ثم ما تلبث أن تلاحظ منظراً مبهجاً. كانت الأوزة قد خرجت من عشتها بصحبة صغارها الذين خرجوا من البيض البارحة, وقفت الأوزة عند الماء الملوث بالدماء والمتجمع على الأرض, مالت برأسها إلى الأسفل كي تتفحص الماء بعينها اليمنى, ثم تذوقته بمنقارها قبل أن يقلدها الصغار. تبتسم سنية..
كم تتمنى طفلاً صغيراً, ليس لأن سليم يضربها كلما سقط حملها فقد نفذ تهديده وسيأتي لها غداً بضرة على أي حال, ليس لأن الجميع يعيرونها ويقولون إنها كالأرض البوار وإنما لأن شيئاً ما بصدرها يرغب في احتضان مولود صغير تتلهى به عن كل شيء حولها.. طفل صغير يتشبث بملابسها ويجري خلفها.
"خلصي يا عروسة.. عشان نحنيكي"
تلقي  عزة جملتها في سخرية وتتردد ضحكتها في أرجاء المكان.. تلم سنية رجليها المكشوفتين, وتنهض عابسة فتلكزها عزة بسخرية.. على الفور يبدأ شجار لم يكن في حسبانها, تتقلبان في الماء وعلى دماء الدجاجة, تجري الأوزة في فزع وتهرب بصغارها, تنتفض الدجاجات أيضاً ويتوقف الغناء وضرب الدفوف, تجري النسوة في محاولة لإنهاء المشاجرة...
تدرك سنية أن صحتها لم تعد تحتمل, تتلقى الكثير من الضربات في بطنها وصدرها, وتخرج خصلات من شعرها في يد أخت زوجها قبل أن تمد يدها إلى الحجر الملقى على مدى ذراعها, وتضربها به فوق رأسها بوهن واضح.. تتألم عزة لكنها تقوم ممسكة بجبهتها دون أن تصاب بالكثير من الأذى.تقوم سنية من فورها, وتجري..
تجري.. ليس لأنها تخاف من بطش سليم الذي لابد سيضربها إن وقعت في يده, ليس لأنها ارتكبت جرماً بضرب عزة, كانت تجري فقط دونما تفكير في السبب.. قررت أنها لن تذهب هذه المرة إلى بيت أبيها فهو سيعيدها إلى سليم على أي حال, جال بخاطرها أن تترك القرية بأكملها... تستمر في الركض.. تزرع قدميها في الأرض السمراء النائمة على مد البصر, ويرتج بطنها في ألم.. تتوقف من فرط التعب وتستند على جذع نخلة عند جانب الحقل. يرتفع صدرها ويهبط..
تمر لحظات وهي واقفة وحدها تتأمل الحقول الخالية أمامها إلا من بعض حشائش قصيرة, لثلاثة أعوام كانت تنزل مع سليم لتنزع عن الأرض حشائشها, ثم تعدها كعروس لموسم الزراعة وكانت الأرض تأتي دائماً بالحصاد.. تنظر إلى السماء, تتمنى لو كانت كالتراب يزرع فيأتي بالحصاد ولا يتأخر..
تبكي, لو أنها رزقت بطفل لأصبحت سعيدة... لو أن حملها لا يسقط لما ضربها سليم ولما تزوج عليها وما استطاعت النسوة أن يعيرنها.. يتحول بكاؤها إلى نشيج, تشعر بدوار يتسرب لرأسها, تتعلق بجزع النخلة المهتز, مع الريح المندفع يسقط البلح ويرتعش شعرها.. بينما يتسرب خيط رفيع من الدماء بين قدميها..

هناك 14 تعليقًا:

Unknown يقول...

ضرة بالضاد

ponpona يقول...

طيب أنا باعيط

عمرو يقول...

إنجي
تم التعديل يا فندم
شكرا
بس انتي ما قلتيش رأيك في القصة.


بنبونة
أنا آسف
:(

ponpona يقول...

انت ذنبك ايه .. القصة هي اللي بتوجع قوي
شيل الوش اللي زعلان اللي انت حاطة ده يا عمرو

اول مافوق هاجي احطلك رأيي باذن الله

عمرو يقول...

بنبونة
تمام كده
:)

عطش الصبار يقول...

القصه جميله يا عمرو
وخصوصا الم مشهد الذبح سنيه هى الاخرى تم ذبحها والتضحيه بها
كل شىء حولها يوحى بالعطاء
الاوزه-الارض -الفرح
ينتهى الامل بتسرب خيط الدماء الرفيع
انت رائع يا عمرو
تحياتى

عمرو يقول...

عطش الصباااااااار
عاملة إيه؟ نزلتي المجموعة ولا لسة؟ يا رب تكوني بخير وصحة وسلامة
بالنسبة لتمكني في كتاب القصة دي فده هو المتوقع قوي
(وش بسنان)
هع هع هع

زوجة جداً يقول...

عمرو: انا كمان بعيط..يمكن لانك لمست اوتارا يبكينى العزف عليها ..يدهشنى تقمصك لمشاعر امرأة لاحول لها ..اوسر لك ان هذا ما تريده المرأة وقتها ان ترتمى فى حضن البراح تجرى وتهرب من عيون الكل ..ان تتوحد هى والكون ثانية عله يعطيها بعض من اسراره فتفهم لماذا لاتستطيع ان تكمل دائرة الحياة ..جميلة ياعمرو..تحياتى لابداعك ..

تــسنيـم يقول...

مكتوبة بحرفنة نقدر نسميها ملعوبة :)


عجبتني بالرغم من إن الفكرة معتادة إلا إنك كاتب التفاصيل كما لو إننا بنتفرج على فيلم أو مسلسل..

محمد بحر يقول...

السلام عليكم

انت خدتنى لدنيا تانى أجمل ما فيها انك فكرتنى بمشهد دبح الفراخ اللى كنت معتاد عليه فى السعودية كل خميس

عجبتنى جملة "تزرع قدميها في الأرض السمراء النائمة على مد البصر"
تشبية رائع ياعمرو كعادتك

عمرو يقول...

زوجة جدا
أنا آسف, ماكنتش أعرف إن القصة هاتخلي ناس كتير قوي تعيط كده.. متشكر قوي على قرايتك وتعليقك


تسنيم
الفكرة فعلا معتادة بس مش معنى كده إني ما أكتبهاش :)
انتي كمان بتعلقي بحرفنة
:)


بحر
هو انتم مش بتدبحوا فراخ ف سوهاج دلوقتي ولا إيه هههههه
ربنا يكرمك يا بحر ويخليك ليا
:)

timaa يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
timaa يقول...

يأسرني حرفك كل مرة أمر من هنا .. فلا أملك إلا تتبعه حتى أخر رشفة ..

تفاصيلك تبهر ... وكأنها الوان الشفق عند الغروب .. تشعرك .. بدفئ كل خط فيها ..

عمرو يقول...

تيما
أخبارك يا بنتي
ليه مش بتيجي؟
كله تمام؟ على فكرة تعليقك نفسه فيه جانب أدبي جامد :)