فبراير 27، 2010

مصر الافتراضية والمشهد السياسي

كان سؤال الفلاح العجوز به الكثير من البلاهة لكنني لم أرد عليه ليس لأنه أبله ولكن لأن سؤاله أثار تفكيراً متواتراً في عقلي. استمر سؤاله يتردد داخلي: "هو فيه حد من الرؤسا جاي بكرة؟" رؤساء؟ وهل تعرف هذه البلد سوى رئيس واحد؟ جعلني سؤاله أتخيل أننا في الولايات المتحدة حيث يسير الرؤساء السابقون مع الناس في الشارع (أو على الأقل يظهرون بين الحين والآخر) ثم فكرت في أن هذا العجوز البسيط لابد وأنه ينظر إلى أمين الشرطة أو أي شخص لديه نفوذ ولو ضئيل على أنه رؤسا!!

في الميدان كان سبب سؤال الرجل واندهاشه واضحاً, فالكثير من العمال والمهندسين يعملون بجد من الصباح الباكر, فقاموا بإعادة رصف الطريق وإعادة طلاء الرصيف وتعليق اللافتات المرحبة بالزائرين والضيوف (وهم ضيف واحد بالمناسبة) غير أن ما أذهلني بحق هو ما رأيته في الحديقة التي تتوسط الميدان في مدينتي الصغيرة, حيث كان بالحديقة أربع نخلات تعاني من إعياء شديد فجاء ونش عملاق وانتزعها من جذورها بينما عمل آخر على زراعة أربع نخلات زينة مثل النخل الذي نراه على شواطئ هاواي في التلفزيون في نفس مكان النخلات السابقات. ثم قام أحدهم بفرش نجيل صناعي على نجيل الحديقة الأساسي في همة يحسد عليها.

كان من المنتظر أن يزور الرئيس مدينتنا في اليوم التالي ومن هنا فقد تم كنس ومسح كل الشوارع التي سيمر بها وتم تركيب مصاعد باهظة التكلفة له كي يصعد إلى الأدوار العلوية دون أن يتأثر ظهر سعادته باهتزاز المصعد. كما تم توزيع الأعلام والصور على المديرين والموظفين والعمال الحكوميين وتم إعطاء كل منهم اللي فيه النصيب ومنحه اليوم التالي أجازة مدفوعة الأجر كي يهلل ويزمر ويطبل للرئيس حين يأتي.

الرئيس كما ترون يعيش في عالم افتراضي, لابد وأنه يمشي في الشوارع التي يتم إخلائها من أجله ويتساءل عن سبب الشكوى من الزحام, ولابد أن دماغ سيادته يصيبه إعياء شديد من التفكير في سبب التذمر والشكوى ووجود معارضين مع أن الشعب يعيش في مدن نظيفة والشوارع مغسولة بالصابون والمصاعد غاية في الراحة... شعب نمروذ

أشد ما أضحكني هو تعليق أحد البسطاء حين صاح في اليوم التالي بينما كانت سيارة الرئيس تعبر الشارع في الاتجاه المعاكس. قال الرجل: "الريس ماشي في المخالف.. ارجع يا ريس دي فيها غرامة وحبس". كان الرجل يمزح بكل تأكيد فهو يعلم أن قواعد عالمنا لا تسير على عالم السيد الرئيس, الذي يعيش في دنيا منفصلة تماماً عنا.

الحقيقة أن المشهد السياسي المصري يختلف باختلاف الناظر إليه. فالبسطاء من أمثال الرجلين السابقين يرون أن كل شيء تمام, وأنه لا حاجة للتغيير وأن حسني مبارك أفضل من غيره وأن جمال لابد أن يرث لأنه شبع (هكذا يقولون وبهذا التعبير تحديداً)!!

المثقفون (أو من يعتبرون أنفسهم كذلك) المعارضون لا يكفون عن الهتاف بحياة البرادعي الذي جاء كي يخلصهم من النظام الجاثم على صدورهم. والحقيقة أن البرادعي لم يقدم حتى الآن فكراً واضحاً للكيفية التي سيدير بها البلاد وهذا لأنه لم يعلن حتى هذه اللحظة أنه سيترشح للانتخابات بل سيكون من السخف أن يتحدث عن هذا قبل موعد الانتخابات بأكثر من عام ونصف.

وحين أتأمل البرادعي أشعر أنه لا يعرفنا, فقد قضى أغلب حياته خارج مصر, هو لا يعرف مشكلاتنا, بل رجع فقط كي يساعد في عمل تغيير سياسي قد يكون هو على رأسه. ومن لا يعرف مشكلاتك التعليمية والصحية والاجتماعية سيأخذ وقتاً طويلاً كي يفهمها خاصة وإن كان من كبار القوم الذين يتحركون في حراسة مدججة. أضف إلى هذا علاقات البرادعي الغير متزنة مع إيران والولايات المتحدة والعراق حيث فشل الرجل في استرضاء أي منهم (وربما لم يكن رضاهم هدفا له من الأساس) وتأثير هذا على مصر إذا افترضنا جدلاً أنه سيصبح رئيساً لها.

المعارضون المثقفون يهتفون بلا سبب واضح, ويشجعون شخصاً لا برنامجاً وفكراً, ويأملون في التغيير ولو من أجل التغيير فقط. ومع كل الاحترام لهم ومع كل الاحترام للبرادعي إلا أن الوضع مازال غامضاً بشكل كبير ولم تتضح صورة البرادعي بعد كشخص يمكننا ترشيحه كرئيس للبلاد.

هناك أحزاب كثيرة في مصر لكن ليس لها صوت ولا أهمية نسبية, والأحزاب الأهم منهم تم تقليم أظافرهم, فالإخوان المسلمون في ظل قيادة محمد بديع يبدون أقل نشاطاً وأيمن نور أصبح مثل القط العجوز الذي حلت به مصائب الدهر كلها فانزوى في مقاله اليومي بالدستور.

وبينما يمكن للمثقف المعارض أن يفتح الحنفية في الحمام ليجدها تسكب أخباراً عن وصول البرادعي أو لقاءاته التلفزيونية فلا تصل هذه الأخبار بهذا الوضوح للبسطاء الذين يؤمنون في النظام الحالي ويعتبرون جمالاً خير خلف لخير سلف.

حسناً دعونا نعيد تركيب صورة المشهد السياسي المصري: رئيس يعيش في عالم افتراضي, ونجل يعد نفسه للعمل السياسي والرئاسة ومرشح فوق أكتاف قليلة لا يعرف من يحملونه ولا يعرفونه, وأحزاب مقلمة الأظافر. لكن الصورة ليست بهذه السوداوية والمطرب الشعبي الحكيم عرف المخرج من هذا كله واختار لنا الحل. استمعوا معي لهذه الأغنية الشعبية الفكاهية اللذيذة.

هناك 12 تعليقًا:

سواحة يقول...

ده دعاية للمطرب و لا ايه بالظبط :-))))؟

المهم عجبتنى مقولة ياريس انت ماشى فى الغلط و فيها غرامة و حبس :-))

بص يا عمرو
البرادعيى عندى لو انى اعتبر من المثقفين ؟ نفسى يبقى غاندى المصرى يلف و يشوف البلد ديه محتاجة ايه و تحت جناحة يظهر ناس يتعلموا ازى سياسة
و بكده يوم ما يجى يوم اختار يبقى عندى اختيار :-) مش مجبرة لفرد واحد و اخلى ساعتها صوتى باطل

و الغلابة الى بتقول حيختاروه
دول حيمشوا وراء اى حد ينفعهم
و جايز يحصل فى الامور امور من النهاردة لسنة الجاية و ساعتها منفعتهم تبقلها شكل ثانى :-؟ الله اعلم

غير معرف يقول...

بص ياسيدى

بالنسبة لمين يحكم اعتقد وده رايى ان البرادعى ماينفعش يحكم ليه؟
اولا راجل بتاع كيماويات ونووى وذرة وطول عمره عايش بره يعنى مايعرفش البلد دى هتتحكم ازاى
ثانيا طول عمره وشه فى وش الكتاب طبعا عشان يطلع الاول ويوصل لجايزة نوبل كانت تتطلب منه انه يعمل ابحاث ويعقد مؤتمرات وحاجات كتير بعيدة عن العمل الحكومى والسياسى
ثالثا وده الاهم احنا عايزين اللى يحكمنا يكون لسه شباب كده وطبعا البرادعى عم الشباب
اما انا اؤيد اللى ييجى يحكمنا يبقى رجل عسكرى من زماااااااااان واحنامتعودين ان اللى بيحكمنا راجل عسكرى وسياسى حتى محمد على (اللى مش من هنا)

بعيدا عن القول (اللى نعرفه احسن من اللى مانعرفوش)
اعتقد انه فى كتير من الاحيان بينفع برده

اما بقى حكاية جمال (بعيدا عن انى بحب جمال فعلا واؤيده )ولانى مش بشجع حكاية التوريث وبرده جمال مش رجل عسكرى بس شارب من ابوه السلطه وعارف برده البلد وعايش فيها علطول وعارف داخلياتها واكيد ابوه مفطمه على كل حاجه وخصوصا انه لسه صغير فى السن

الصورة رائعة
والعنوان جنان

تعالى على جمب كده (اوعى تبلغ فيه ده انا بحب سيادة الريس والنعمة)

انا عايزاك كده تتشطر عشان تبقى ريس
وساعتها هفكر انتخبك ولا لا


ايمى

عمرو يقول...

واندا
أنا والله خايف على البلد, الفترة اللي جاية على جميع الأشكال مش هاتبقى مستقرة. ربنا يستر

عمرو يقول...

إيمي
شوفي يا ستي
البرادعي رجل سياسة جدا ووضعه في الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان مخليه عنده علاقات كتير وده أحد جوانب قوته كمرشح مرتقب, لكنه في الحقيقة ما يعرفش البلد, زيه زي جمال مبارك برضه اللي عمره ما ركب مايكروباص ولا وقف في طابور عيش. وبالتالي الناس دي هاتشوف مصر بتاعتها مش بتاعتنا
في فيلم طيور الظلام عادل إمام بيقول "البلد دي اللي يشوفها من فوق ما يشوفهاش من تحت". وهي دي المشكلة كل اللي هايمسك كرسي الرئاسة من المرتقبين مش بيشوفوها من تحت
أهلا بيكي على كل حال
:)

Heba Gamal Emara يقول...

كلام جميل كلام معقول مقدرش أقول حاجه عنه :)
و لو إني مبحبش اتكلم في السياسه قمر صناعي يسجل لنا حد يتصنت علينا نتقفش إحنا و كل زوار المدونه بتاعت حضرتك و بتاعتي :) :)

ponpona يقول...

عمرو انت كويس؟
أومال مش باين خالص ليه؟

يارب تكون بخير :)

عمرو يقول...

أهلا هبة
هو أنا اتكلمت في السياسة؟ طيب مش تقوليلي, ينفع كده؟ أخوكي كده بقى كلبوش :)


منى
أنا بخير والله بس مش باعمل حاجة غير التصميم المفروض أسلم الشغل بكرة.. ادعيلي :)

ponpona يقول...

ايه ده؟
هو احنا واحد في الشهر؟
كدهو من ورايا ومن غير ماحد يقولي !!
يعني البوست دا بقاله اربع تيام

كلام جد بقى فعلا
انت كويس وبخير يعني؟
طيب ليه الغيبة الطويلة دي :(

عاجبك علامات الاستفهام دي كلها؟
طيب يللا تعالي بقى

ponpona يقول...

هيييييييييه
طيب كويس ان انت ظهرت .. كنا هانعمل حملة تفتيش لو كنت فضلت مختفي أكتر من كده

D:

أسما يقول...

بيقولك تدونتين جد في الراس يفجروها... انا جييييييييت و الف حمد الله علي سلامتي، بس ما نمتش بقالي 24 ساعة متصل، و لسة مخلصة قراية عند احمد و مش في نفس اقرا البوست ده اللي شكله جد هو كمان، انا هانام حبة نونو كدة و آجي اعمل دوشة تاني
:)

عمرو يقول...

إيزولد
ألف حمد الله على السلامة
لا ما تقريش التدوينة دي.. خطر على صحتك :)
نامي واستريحي, ربنا يجعل أيامك كلها سعيدة
:)

أسما يقول...

:(

علي فكرة... الموضوع شاغل ناس كتير جوة و برة... هنا طوب الارض سألني عن مبارك و ميت ليه و ليه هو قاعد في الحكم كل ده، و دي حاجة ما تطمنش، يعني لو اللي بيسأل مصري هنقول مخنوق و علي آخره، لكن لما واحد امريكاني يشيل همك، يبقي مفيش غير جملة واحدة في دماغي، الحداية ما بتحدفش كتاكيت... من يومين انا قابلت واحدة مصرية، دكتورة في الجامعة و نقدر نقول من المثقفين الي حد ما، و قالت لي بالنص، انا عايزة البرادعي لمجرد التغيير... اما عن رأيي الشخصي، فأنا ما اعرفكش، و مش باتكلم في السياسة، و مع اول ألم في القسم هاقول عليك... هع هع هع
صباحك سكر
:)