فبراير 20، 2010

الجنة الآن

الضعفاء والتعساء يحصلون على بعض التعاطف والإشفاق لكنهم أيضاً يثيرون الكثير من الاشمئزاز والنفور من جانب الآخرين. يقول كل من هاري وكريستين بيكويث أن الفرد ينبغي أن يكون قوياً وسعيداً ومستقلاً عن الآخرين بما يكفي لأن يحصل على المزيد من السعادة, والمال, والنجاح. وأن قدرة الفرد على الوصول إلى الرضا إنما تتوقف على قدرته على الاستغناء عن الاعتماد على الآخرين كمصدر للسعادة والاعتماد على ذاته بشكل شبه كلي.

الحياة ليست رحلة ترفيهية, وإلا لما قال الله إنه خلق الإنسان "في كبد", والظروف المحيطة ستكون دائماً محبطة ومهددة وداعية للاكتئاب الحاد والمزمن.

تقول تالين ميدانر أن الفرد قد يفكر في أنه سيصبح سعيداً إذا ما تخرج من كذا أو تزوج من فلانة أو أنجب أطفالاً أو زوج أولاده, لكن هذه مراحل في حياة الفرد ومع بلوغ كل مرحلة قد تحصل على شيء من السعادة وقد لا تحصل عليه على الإطلاق, فماذا ننتظر؟! هل ننتظر تحقق سعادتنا التي يحددها الآخرون بالدرجات التي يمنحونها لنا أو بالرضا عنا أو بالاتفاق معنا في أحلامنا؟ هذه ليست فكرة مجدية.

تقول كتب التنمية البشرية أن 80 بالمائة من الأفكار التي ترد على العقل البشري أفكاراً سلبية وسوداوية ومدمرة. الإنسان تعيس بطبيعته إذاً. والمشكلة أن التعساء يستمرون في تعاستهم ويفوتون حياتهم وينتقلون بين مراحلها دون أن يعيشونها. توقفت كثيراً عند جملة في إنجيل متى تقول "إن من لم يعط فسوف يؤخذ منه أما من أعطي فسوف يزاد له". كان منطق هذه الجملة غريباً في البداية لكنني بعد تفكير وجدته صحيحاً جداً ومنطبقاً على حياتنا. تخيل أنك الطرف الأضعف في علاقة عمل, فما الذي يجعل الطرف الأقوى يستمر معك, ما الذي يجبره على الاحتفاظ بقواعد اللعبة ويحافظ على الأخلاق في التعامل معك, ما الذي يوقفه عن ظلمك إن لم تستطع أن ترفع الظلم عن نفسك؟ تخيل أنك تحب والطرف الآخر لا يعبء لك. هذا الآخر لن يشعر بك سوى حين تصبح قوياً بما يكفي لأن تحيا حياتك سعيداً بدونه, أما وأنت تندب حظك لأنه غادر أو في طريقه لأن يغادر أو لأنه لا يريدك أو لا يحبك كما تحبه فأنت تعطيه حق التنكيل بك, وسيعيش هو حياته هانئاً مستقراً بينما تلقي بنفسك في الجحيم.

ما وصلت إليه هو أن سعادة الفرد تنبع من ذاته القوية, التي تستطيع أن تنفصل عن الأشخاص والأشياء وأن تستغني قدر المستطاع عما يسعدها من خارجها وأن تنتج هي السعادة بطريقة ما.. لكن ما هي هذه الطريقة؟

صديقي الذي يكبرني في العمر بعشرة أعوام كان يعيش بمفرده في مكان موحش للغاية وكان يشعر بشيء من الكآبة شبه الدائمة وقرر أن يخرج من هذا الشعور بشراء أشياء صغيرة تسعده. في تلك الليلة ذهبت له ووجدت لديه مضرباً لصنع النسكافيه يعمل بالحجارة (ذلك النوع المستخدم في الريموت كنترول). كان مندهشاً بشكل المضرب وطريقة عمله لكنه لم يكن يستخدمه في صنع النسكافيه, بل كنا نصنعه بهذه الطريقة التقليدية التي تهلك الأيدي وتجعلنا نتمنى لو لم نفكر في شرب النسكافيه من الأساس.

الجميل أنني لاحظت على نفسي أنني أفعل هذا, فأنا أشعر بسعادة يستغربها كل من حولي حين أشتري كشكول محاضرات جديداً أو قلماً.. لاحظ ذلك زملائي وزميلاتي في الجامعة وقالوا عني إنني طفل. هم لا يعلمون أن هذه الأشياء الصغيرة من الممكن أن تصبح مصادر للسعادة المباشرة السريعة واللحظية, وأنا لم أكن أعلم أن الأشياء الصغيرة التي كان صديقي يشتريها ما هي إلا مسكنات لحظية تترك لديه شعوراً قوياً بالتعاسة بعد انتهاء أثرها, فسوف تتركه للواقع الذي لم يتغير والذي سيبدو أقسى بكثير.

لا تحصل على سعادتك بالميول الاستهلاكية ولا بإشباع حاجات مشبعة. البعض يميل لتناول الشيكولاتة التي تترك لديهم شعوراً لحظياً بالسعادة والبعض يدمنها, لكن هذه كلها مسكنات تعينك على التفكير في كيفية تصنيع سعادتك, مسكنات تستخدمها لفترة قصيرة جداً ريثما تفكر وتطبق تفكيرك. قد يميل البعض للأكل بشراهة أيضاً وهؤلاء يزيدون من مشاكلهم ويهربون من تعاستهم التي ستظل كامنة.

مرة أخرى لا تحصل على سعادتك معتمداً على أشخاص ولا أشياء. الآن أنت تتوقع مني أن أعطيك مجموعة من النصائح للوصول إلى السعادة والحقيقة أنه لا توجد نصائح للوصول لها, هناك فقط خطوات:

1. أقنع نفسك أن الحياة مؤلمة وقاسية بالضرورة, وأنك لن تستطيع الاستمرار والوصول إلى ما تريد وأنت تتوقع منها أن تكون حانية عليك, فهذا لن يحدث.

2. كن قاسياً على نفسك بما يكفي واتخذ كل القرارات الصحيحة المؤلمة التي أجلتها.

3. ابتهج, فأنت باتخاذ هذه القرارات لم تخسر شيئاً.. واعلم أن ما استغنيت عنه لم يكن ملكاً لك من الأساس.

4. يمكنك الآن تناول بعض المسكنات لكن لا تسرف فيها.

5. ابدأ في التخطيط من أجل الوصول إلى أهداف جديدة واقعية أقل من تلك التي استغنيت عنها.

6. قد يحدث أن تأتيك الدنيا إذا ما وليت وجهك, فإن جاءت فلا تفرح بسرعة, هذا المجيء ماكر جداً والأغلب أنه لن يعود بالخير. كل ما سيحدث أنه سيجدد لديك أحلاماً كنت تريدها لترجع بنفسك في نفس الدائرة. في هذه المرحلة ينبغي أن تكون حكيماً وقوياً بما يكفي لأن تأخذ من الدنيا ما تريد دون أن تغرر بك فتكسرك.

7. مع جني ثمار خطتك ستبدأ سعادة وليدة تحبو نحو قلبك.

8. الأهداف الجديدة كانت أقل مما كنت تحلم به في السابق لكنك الآن أقوى وقد حصلت على سعادة وطاقة نفسية يمكنك استثمارهما للوصول إلى أحلام وطموحات أعلى.

يمكنك أن تحصل على السعادة عن طريق إسعاد الآخرين, الخروج من حزنك لأحزانهم, الوصول إليهم وفعل شيء يسعدهم, بهذه الطريقة سترضى عن نفسك وستكون قوياً بما يكفي لأن تغادر الإحباط الموجود بداخلك. ستقول إن فاقد الشيء لا يعطيه وهذا صحيح, ستستطيع الوصول للآخرين بعد تطبيق الخطوة الخامسة وليس قبل هذا. إن قلت في هذه المرحلة أن فاقد الشيء لا يعطيه فدعني أبشرك بأن فاقد الشيء لن يحصل عليه وأنه سيستمر في تعاسته بينما يجني الآخرون المزيد من السعادة. قم الآن وابدأ, لكن تذكر, كن قوياً مع الآخرين, قاسياً على نفسك.

في مرحلة ما ستصبح مسئولاً عن آخرين (زوجتك-أولادك إلخ) تنبه إلى أنك لن يمكنك السيطرة على الناضجين منهم, فمحاولاتك لفعل هذا ستجعلهم يعتبرونك حزباً يضاد سعادتهم وسيثورون عليك وسيصبحون مصدراً للألم لن تتحمله. لا تحاول السيطرة على قراراتهم التي قد تكون مدمرة من وجهة نظرك, أوضح لهم الطريق واجعلهم يقضون وقتاً طويلاً في تأمل ما يريدون لكن لا تعترض. اجعلهم يتحملون مسئولية أنفسهم, وكن معهم خطوة بخطوة, تابعهم وحذرهم من عواقب ما يفعلون وإذا ما دمروا حياتهم فلا تحزن عليهم, أنت جنبت نفسك الكثير من الخسائر النفسية وأوضحت لهم أنهم على خطأ بالدليل العملي, وهم تعلموا بالطريقة الصعبة, وحان الوقت كي تساعدهم للنهوض من جديد.

بقي أن أتكلم عن سبب تسمية هذه المقالة بهذا العنوان. الحقيقة أن ما دعاني إلى كتابة هذه السطور هو تفكير لحظي عن حال اللادينيين والمتطرفين الدينيين. فكلا الفريقين -على الأقل من وجهة نظري- كان يعيش حياة يملأها القلق والخوف والحزن, وكلاهما يحث عن سعادة لم يجدها في واقعه, فحاول الأول إيجادها بالانغماس في الملذات وهو يقول إنه لن ينتظر الآخرة لدخول الجنة فهو يريدها الآن, وحاول الآخر أن يفجر نفسه في عملية انتحارية أو يموت بأي شكل من أجل هدف كان يبدو له سامياً كي يدخل الجنة الآن.. يبدو لي أن كلا الفريقين على خطأ.. فالأول سيدور في دائرة مغلقة, فكلما أشبع حاجاته أصبح الإشباع أقل إمتاعاً وأصبح هو أكثر رغبة في تخقيق متعة تكافئ أو تزيد على المتعة الأولى التي شعر بها, أما الثاني فسوف ينتبه في القبر إلى أن الهدف الذي ضحى بنفسه من أجله لم يكن سامياً. كلاهما على خطأ إذ يمكن تحقيق بعض من الجنة على الأرض. وأنت, ما الذي تفعله الآن؟ لماذا استمريت في القراءة؟ ألم أقل لك أن عليك أن تنهض وتبدأ في العمل :)

هناك 7 تعليقات:

محمد بحر يقول...

السلام عليكم
جميل موضوعك عن السعاده ولكن فيه شئ من الاكتئاب المخفى بين سطوره

تذكرت وأنا اقراء الموضوع كلمتك التى قلتها لى عند لقائنا ( الكلام سهل ولكن تطبيقه صعب)
أعتقد ان الضعفاء والتعساء يحققون جزأ من السعاده فى مشاهدة تعاطف الأخرين نحوهم -وان كان ذلك لايظهر عليهم-
اذا كنت الطرف الأضعف فى علاقة العمل -انا هنا اتخيل-والذى سيجعل الطرف الاقوى يستمر معى فهو انه سيرى هنا مصدرا لسعادته فى ان يكون هناك احدا اقل منه ومتحكما فيه
اعتقد ان لكل منا اسلوبه الخاص فى سعادته وان كانت تلك الاشياء الصغيره التى نلتهمها او نتعب انفسنا فى الجرى واللعب مع طفل صغير
واخيرا لابد من وجود الهموم والنكد والحزن لكى نشعر فعلا بالسعاده حينما تأتى او نجلبها رغما عنها الينا

هكذا هو الانسان دائما

mano يقول...

عمرو شفت الاينمى بتاع عائلة روبنسون قبل كده كان فى شعار بتاعهم
اسمه keep moving forward وافتكر عباره قالها احد الشخصيات
ان الفشل بيدى دفعه اكتر من النجاح
اصل انت نجحت تبقى ما اتعلمتش شىء مجرد نجحت وخلاص انما فشلت يبقى اتعلمت عشان تحقق من الفشل ده نجاح دايما keep moving forward الهدف من كلامى ده انهم حتى الفشل بيفلسفوه عشان يشعر الانسان بالرضا الذاتى وده المقصود من مقالتك برده ان الرضا الذاتى هو اساس السعاده
ثانيا اكتساب السعاده من اسعاد الاخرين ده احلى واسمى معنى فى الدنيا
بمعنى ان ضحكه طفل وابتسامه مريض او حتى مساعده زميل فى وقت شده دى كلها مش تسعد دى تنشر بهجه لا حدود لها
دمت موفقا يا عمرو

ponpona يقول...

دي :)عشان البوست
ودي :):)عشان عجبني
التعليق بقى أول ماأصحي من النوووووم ;)

أسما يقول...

متشكرين علي العنوان و الصورة التحفة اللي ادوني شعور مؤقت بالسعادة اول ما فتحت عيني انهاردة... بس انا ما عنديش تعليق علي البوست غير اني ادعيلك يا عمرو... مش عارفة ليه واصلني احساس انك كاتبه و في مرارة جواك... ما فرحتش بيه، بس كلامك في البوست منطقي، و امشي عليه لو ده هيجيبلك السعادة
:)

Heba Gamal Emara يقول...

الصوره جميله فعلا
و البوست أجمل

دمت (س___ع___ي___د___ ا ) موفقا

Unknown يقول...

الكاتب مش حاسس بالكلام وبالتالى لم يصل الى المتلقى


من الاخر البوست دة دمعة محبوسة على ضحكة عريضة

دعاء بحر يقول...

اساس السعاده من وجهه نظرى هى القناعه بمعنى اوضح مجرد احساسك انك مقتنع بحياتك وبعمل او بدراستك مؤمن بارائك وبمبدائك كل ده هيخليك سعيد وكتر التفكير فى انك شخص حزين او تعيس وكتر بحثك عن السعاده واسبابها ده هيعود عليك بحزن اكتر بص على الاشخاص اللى حوالك وشوف اسباب حزنهم اللى مش موجوده عندك وقتها هتحس انت قد ايه فى نعمه من ربناوهتبقى سبب ودفعه فى سعادتك عشان كده حاول تبقى انسان قنوع للوصول للسعاده الحقيقيه ولو فكرت شويه هتحس انى ربنا بيمتعك بحاجات كتير كافيه قوى انك تكون اسعد شخص فى الكون زى انك سليم صحيا وعقليا ابسطها وربنا يكتيلنا جميعا السعاده