بلا مصر بلا قرف!
هكذا قال لي صديقي بكل أريحية وتلقائية.. استرخى على الفوتيه وقال بصوت واثق "بلا مصر بلا قرف"..
منذ سنوات ليست بالكثيرة كان يمكن أن أقتل شخص يتفوه بكلمات كتلك, لكنني الآن أضحك. نعم أضحك وأتذكر بيت المتنبي:
وكم ذا بمصر من المضحكات .. ولكنه ضحك كالبكا
في الحقيقة لم أعد أعتقد أن المشكلة هي مشكلة الحكومة وحدها. لم أعد أصب جام غضبي على المسئولين. صرت أعتقد أن كلنا مدان.. وأتذكر بين الحين والآخر كلمات صديق العمر أحمد الشمسي في حديثنا المعاد المتصل عن البلد وحالها. حيث قال لي ذات مرة "إن منطق الناس فسد" وهذا التعبير تحديدا هو ما كنت أبحث عنه.. نعم التفكير نفسه أصبح فاسدا.
أتذكر أحيانا زوجة القاضي الذي كنا نعتبره رجل الديمقراطية الأوحد(لن أصرح باسمه يمكن أكون غلطان ولا حاجة) حين أطلت في أحد المحطات لتشتكي أن ابنها لم يقبل في النيابة.. هي تقول هذا الكلام كتعبير عن الإضطهاد الذي تتعرض له الأسرة.. وأنا ألمح التفكير المصري الفاسد خلف الكلام.. فهي أدخلته كلية الحقوق كي يساعده أبوه في أن يكون مستشارا وطالما لم يقبل يكون الأمر مستغربا بغض النظر عن مجموعه..
لماذا نستنكر إذن نشاط السيد جمال مبارك ونية والده توريث الحكم.. فأستاذ الجامعة يصبح أبنائه معيدين بالجامعة (أحدهم قال لصديق لي :"انت جاي تاخد أماكن عيالنا" ومنعه من استلام وظيفته كمعيد. وطبعا صديقي رفع قضية رأى فيها القضاء العادل أن القسم لا يحتاج وسقطت الدعوى) والمستشار حامي العد يصبح ابنه مستشارا بعد حين ويصبح ابن عم خال أبيه حاجبا بالمحكمة أو موظفا بها..
حين أتأمل ما حدث من فضائح لمصر خلال الشهر الماضي (حريق مجلس الشورى لمدة ساعة ونص دون وصول عربات الإطفاء - فضيحة بكين والعودة ببرونزية واحدة - الدويقة وما حصل بها) أقول لنفسي كيف تنكب بلاد بكل هذا في شهر ولا تشير أصابع الاتهام لفرد.. بل إن المتهمين المدانين يخرجون كالشعرة من العجين. فعبارات السلام ليست مدانة ولم تقتل أحدا.. ولا يتعب أحد نفسه بسؤال القضاء من الجاني إذن؟ الطبيعة!
زرت صديقا لي يعمل بالرياض وأتى في إجازة.. كان الرجل منبهرا بما رأى هناك.. قال لي إنه شعر بمغص في بطنه فتوجه للمستشفى.. كشف عليه الطبيب ثم سأله "أكلت برة النهاردة" رد صديقي بالإيجاب.. وبعد ثلاث دقائق وصلت الشرطة وفتح المحضر.. سأل الضابط "هل تعتقد أن السندوتشات التي أكلتها هي سبب المغص؟!ّ" صديقي يعمل بالرياض منذ عام تقريبا قال لي أنه يشعر بالفخر لأنه صار منهم وأنه يشعر بالانتماء لهم.. ثم استرخى وهو الآخر وقال بأريحية "بلا مصر بلا قرف"
يواتيني ويواتي كل شباب جيلي إحساس عميق بأن هذا البلد لم يعد لنا.. أو بمعنى أدق همومه لنا وخيراته لهم.. وهو ما أشار له مجدي الجلاد في مقاله المعنون "قضية أمن دولة"