يونيو 29، 2009

لا تحكي يا شهرزاد

tydjgrt6tu_l

من يخاف من العفريت يداهمه..

هذا ما ثبت لي بالدليل القاطع أمس. حين ذهبت للسينما مع صديق لي, كي أخرج من حالة ضيق انتابتني نتيجة التفكير في قهر المجتمع الذكوري للمرأة بسبل غير إنسانية على الإطلاق. تخيلوا ما حدث. وقفت أمام السينما ومن بين كل الأفلام اخترت الأفيش الذي تمشي فيه منى زكي كعارضة أزياء ومكتوب تحت أقدامها "احكي يا شهرزاد". أحسست أن الفيلم سيكون رومانسياً, وأنا بحاجة شديدة لفرحة ناعمة.

بداية الفيلم غير منطقية وغير مبررة وغير متسقة مع الأحداث. ينتاب منى زكي كابوساً غريباً. والغرابة في الكابوس أنه لم يكن كابوساً على الإطلاق. تتحرك الكاميرا بطريقة تبدو جيدة في البداية ثم تتحول إلى إرهاق بصر المشاهد (اللي هو أنا يعني) ثم تقوم منى من كابوسها بشهقة لتمارس تمارين الصباح ثم تمارس الجنس مع زوجها في مشهدين مختلفين متناقضين.

يقدم الفيلم نماذج لسيدات عانين من مجتمع للرجال فيه اليد العليا. حيث يختار الرجل الزوجة التي يريد, ثم يبدأ في التفنن في إبراز سيطرته أو يكون خسيساً فيبرع في التنكيل بها.

النموذج الأول هو سلمى حايك المصرية.. عاملة في محل أدوات تجميل, تتبرج بالنهار كي تؤدي عملها بين العطور ومستحضرات التجميل من الماركات العالمية, ثم تلبس الحجاب وتركب المترو لتعود لبيتها في العشوائيات بين القبح والروائح المميتة للقمامة وجثث الحيوانات الميتة. جاءت الشخصية مع هذا مبتورة وغير متكاملة الجوانب, وظهرت كما لو كانت مدخلة على الفيلم ولو حذفت منه ما تأثر.

النموذج الثاني تؤديه سوسن بدر, هي آنسة في الخمسين من عمرها رفضت الزواج رغم جمالها والمال الذي كانت تتمتع به حتى لا تدع الرجال يسترقونها (يعني يرجعوها لعهد العبيد). أحبتuntitled ولم توفق في الحصول على  حبيبها, وعندما قالت كما تقول الكثيرات "ياللا أهو ضل راجل ولا ضل حيطة" فوجئت بعرسان متسلطين يرغبون في نقودها وجمالها.. قالت لأحدهم "انت عايزني ألبس الحجاب, وأجهز الشقة, وتنام معايا.. في مقابل إنك تبقى جوزي.. لو الجواز عندك نوم على السرير يبقى من حقي أختار الراجل اللي أنام معاه".

النموذج الثالث لثلاث فتيات مات أبوهن وترك لهن تجارة.. لكن لم يتقدم لهن أحد بعد وفاته فقررن أن تتزوج إحداهن "سعيد" وهو عامل يقوم بأعمال التجارة وقد رباه أبوهن. لكن سعيد غرر بالإخوات الثلاثة ونام معهن جميعاً, فقتلته أكبرهن ودخلت السجن.

النموذج الرابع لطبيبة أسنان كتبت كتابها على رجل ثري صاحب منصب سياسي محترم بعد أن جرى هو خلفها, ثم تفعل معه ما يفعل الأزواج بعد إلحاحه عليها, وحين تحمل منه يقول لها إنه عقيم وإن ما في بطنها ليس منه. يطلب منها 3 ملايين دولار كرد شرف له وحتى لا يخبر الناس عن الفضيحة. ثم تكتشف بعدها أنه متزوج وأن لديه ابنة من زوجته الأولى.

هذه النماذج كلها تعرضها منى زكي المذيعة التي تحب الحديث في السياسة والتي أجبرها زوجها الصحفي الكبير على أن تقول ما يريد حتى يترقى فيصبح asfdas رئيس تحرير لصحيفته. رغم ذلك تتحول علاقتهما إلى ضرب حاد لها وهجر وتلقي المذيعة حلقتها الأخيرة وهي مضروبة "علقة ساخنة" والكدمات على وجهها كي تفضح قهر الذكور للإناث في مجتمعنا. تقدم المذيعة هذه النماذج وتختتم بنفسها, في مشهد مؤلم للغاية ينتهي عليه الفيلم.

كانت منى زكي في تمثيلها لهذا الدور مختلفة عن كل ما مثلته, فمالت إلى عرض بضاعتها على الجمهور بشكل رخيص. تستعرض منى في أغلب مشاهدها بالفيلم جسدها بشكل لم نعهده عليها. أكره هذا ليس فقط من منطلق أخلاقي ولكن لأنه أحد وسائل تشييء المرأة Objectification, فتتحول صورة الفتاة إلى عروسة باربي جميلة تلبس وتخلع من أجل إحداث رؤية بصرية خلابة وتضيع القضية.

أبدع وحيد حامد في رسم القصة مع وجود هزات واضحة في رسم بعض الشخصيات, إلا أننا نعلم جميعا أن هذا قد يسببه تدخل متعسف من الإنتاج أو القائم على الإخراج. أبدع وحيد حامد إلى درجة جعلتني أتمنى لو سكتت شهرزاد وما حكت.

سمعت في الأيام الأخيرة عن الكثير من الحوادث القريبة جدا مني لفتيات أمن بعض الرجال عديمي المروءة فأذلوهن وتركوهن بأطفال وغدروا بهن. المشكلة ليست في مشاعر الألم التي يشعرن بها, المشكلة أن ما يحدث في مجتمعنا خرج عن معطيات السلوكيات التي يمكن أن نصفها بالإنسانية. دخلت السينما بعد ليلة لم يكن يشغلني فيها سوى هذه السلوكيات اللاإنسانية, لأصدم بها في الفيلم الذي كنت أحاول الهروب فيه من الألم.

الغريب أنني أسمع من أصحابي الذكور الكثير عن تنكيل المرأة بهم, بعضهم ظل معلقاً لأشهر, وبعضهم أهين إهانة مباشرة وقوية, وبعضهم خانتهم شريكاتهم خيانة جنسية صريحة. يشير أغلب من لم يتزوجوا من أصدقائي إلى أن النساء لم يعدن كما كن وأن لا أمان لامرأة. بينما تصل إلي أخبار عن ممارسات مشابهة يفعلها الرجال وبنسب أكبر.

كنت أمشي في وسط البلد ثم رفع أحد الشباب يده وصفع الآنسة التي تمشي لجواره ثم عصرها بين يديه ومشى يسبها وتسبه. حين وقفت استعداداً للتدخل قال لي صديقي إنها ستكون أول من يخلع الحذاء ويضربني به. مشيت وكلمات أحد المارة الذين رأوا ذلك ترن في أذني "إيه قلة الأدب دي" قلت أنا في نفسي "إيه التدني ده".

أصبح الزواج في مجتمعنا مغامرة غير مضمونة العواقب للرجل, وهو الشر بعينه لأغلب النساء.

حسبي الله ونعم الوكيل.

دعينا نتفق

moon_dancing_by_hoppipoppi دعينا نتفق. سأبحث عنك ما حييت, وحين أجدك سأحكي لك نكتة فتضحكين. ثم أحكي ثانية فتضحكين أكثر, ثم ثالثة.. ورابعة, حتى تتحول ضحكاتك إلى موسيقى ترحل في الكون فتؤنس الغرباء وتبهج المحزونين.

دعينا نتفق.. حين أجدك سأضع يداً في يدك وأخرى حول خصرك, وسأرتوي من عينيك فتضعين رأسك على كتفي خجلاً, سنرقص وترقص الأرض طربا وفرحا بنا, ثم تطلق أجسامنا وتستثنينا من جاذبيتها فنطير.

دعينا نتفق على أننا سنحلق وسنشبك أيدينا ولن نفلتها سوى حين أضع على رأسك تاجاً من ضوء القمر وطوقاً من الفل والياسمين... دعينا نتفق

يونيو 24، 2009

بعيداُ عن الأرض

Love_is_in_the_air_by_gucken

سوف أشتري دراجة نارية بقوة كل أحصنة الأرض مجتمعة, وأتعلم كيف أقودها. وحين أحب, سأركب عليها وأردف حبيبتي خلفي. سننطلق من الثبات بسرعة خارقة, وستختلط مشاعرنا بين الإثارة والخوف والضحك والنشوة. ستطوق ظهري بيديها, وتسند رأسها على كتفي, وسأقود أنا بيد واحدة بينما أمسك يديها بالأخرى.. ستزيد سرعتنا, فتضمني أكثر, حتى نصبح كياناً واحداً.. وتزيد سرعتنا أكثر فتختلط خلايانا ثم نتحول لشعاعين من نور يسافران في ظلام الكون بعيداً عن الأرض.. وعن الأحزان.

يونيو 22، 2009

My Mood

And I will pray for you each day
Comfort you through all the pain
Gently kiss your fears away
You can turn to me and cry
Always understand that I
Give you all I have inside

Whenever u call.. Mariah Carey

يونيو 17، 2009

غروب

Working_in_the_morgue_by_myownlittlecorner

«لقد تأملت في المدافن من قبل، أليس كذلك؟» سألتني د. إيلين باترسون في عجلة بعد حصة التأمل في أحد الأيام. حدقت مقتربة جداً من وجهي. قالت «المدافن... لقد تأملت فيها، أليس كذلك؟»

«نعم، عدة مرات. لم يكن هذا بالأمر الشيق». أوه. تسألني وكأنني راهبة بوذية. التأمل في المدافن هو أساس استكشاف النفس البشرية، وهو مبدأ من المبادئ الأساسية في البوذية.

لقد دخلت إلى البوذية منذ ثلاث سنوات مضت، لكن بعضاً من زملائي النساك يقولون إنني لم أستوعبها، يقولون إنني أتصرف كما لو كنت سأعيش إلى الأبد.

«حسناً، دعينا نرى إلى أي مدى أنت قوية. إننا ذاهبتان إلى مشرحة مقاطعة لوس أنجلوس. قابليني في باحة إيقاف السيارات في 1140 شارع نورث ميشان. يوم السبت. في العاشرة صباحاً».

«حسناً، سأكون هناك».

«بكل تأكيد ستفعلين».

سأفعل. سأفعل؟ تعرف إيلين ما تفعله. أنا أعني، إنها راهبة فمن المؤكد أنها تعرف ما تفعله . لقد دخلت إلى هذه الديانة عندما كانت كبيرة بالفعل، في الأربعين تقريباً، أو ما شابه. إنها بوذية راشدة. أنا بوذية طفلة، في العشرين من العمر. الأطفال يكون لديهم مثل هذه الذوات المتضخمة. وطبقاً لإيلين، فالجميع في محراب ماليبو سئموا مني. نعم، حسناً أنا سئمت من بعض الأشياء أيضاً. أنا أعني، أنني دخلت إلى هذه الديانة، وأنني لا أمارس الجنس، لكنني لا أتعلم ما ينيرني أيضاً.

يعتقد راما أننا ينبغي أن نعيش ونعمل في الحياة بينما نحافظ على نذورنا الدينية. لقد أمر إيلين أن تساعدني في فهم الزوال, والذي يعني أنه لا شيء يبقى، لاسيما أجسادنا.

عندما عرفت وظيفة إيلين للمرة الأولى، عملها، أحسست بالذعر. كانت تبدو مثل نسر-جسد مربع قصير وبدين، أنف معقوفة وحادة، أكتاف محدبة جداً. هل تستطيع أن تتخيل كيف تجثم على الجثث، تقطع الأجساد الميتة، تقوم بأعمال التشريح الجريئة المروعة؟ إن هذه ليست وظيفة أستطيع القيام بها، لكنها تبدو مناسبة لها تماماً.

كان يوم السبت دافئاً عندما قدت شرقاً في سانسيت. لم يبرح الضباب أن ينقشع. قدت سيارتي الفولكس فاجن إلى باحة إيقاف السيارات. تومض إيلين بنور سيارتها الفيات من خلفي. تدوي موسيقى زاعقة عندما تطفئ المحرك، تخرج من سيارتها بجهد واضح، وتدور ناحيتي على رجليها الذين يشبها رجلي النسر. تنظر من خلال نظارتها، تلك النظارة التي تبدو غامقة من الخارج. إنها غامقة جداً من الداخل أيضاً.

«أمستعدة أنت؟»

«بالتأكيد، هيا بنا».

«سوف نذهب بلا شك. وسترين أشياء لن تنسيها. أبداً». تمشي إيلين أمامي، تقودني إلى باب رمادي سميك. يصدر صوت صرير حين ينفتح، يرتطم منغلقاً.

«مرحباً» تقول بصوتها المرتفع فوق كتفيها المتحدرتين، «في مشرحة مقاطعة لوس أنجلوس».

الأجساد... الأجساد في كل مكان. على نقالات ذات دورين... تحت هذه الملاءات المجعدة. لا أستطيع أن أراهم، لكنني أعرف أنهم هناك. إنهم هناك. تكشفهم الرائحة- الرائحة الكريهة للدواء المليء بالكيماويات التي تزكم الأنف والتي اتحدت مع اللحم المتعفن. أتنفس من خلال فمي، لكنني لا أستطيع تجنب الرائحة. الموت بهذا الإصدار ثلاثي الأبعاد لا يماثل صور الموتى التي نتأمل فيها نحن النساك. هذه الإصدار يقف أمام وجهك، ويغزو كل حواسك.

«هاي يا إيلين؟» أهمس ، «لابد وأن الناس يموتون في كل مكان وطيلة الوقت».

«نعم للناس مهارة خاصة في فعل ذلك».

«حقاً؟»

«نعم. إنهم يموتون كثيراً حتى أن المساحة لدينا ستنفذ. من فضلك توقفي عن الهمس. لن توقظي أي شخص».

ري، ري، ري، سحبت إيلين أحد النقالات إلى اليمين، كشفت الغطاء عن رجل لاتيني يبلغ من العمر ما يزيد عن الثلاثين عاماً. يحوط وجهه شعر خصال شعر داكنة، جلده الشمعي المشدود يشع باللون الأصفر تحت أضواء الفلورسنت. فتحت الباب. «سوف نعتني به لاحقاً»

«امم، إيلين؟»

«نعم؟ ماذا الآن؟»

«كيف مات؟»

«صدمته سيارة في شارع 405. دوني هذه الملاحظة: لا تمشي في منتصف طريق سريع. هذا قد يقلل من عمرك المتوقع».

«هل هو هنا منذ فترة طويلة؟»

«حسناً، انظري إليه جيداً» وكزتني كي أقترب أكثر. «ماذا تعتقدين؟»

«امم، لا أعرف». إنه محاك جداً للأحياء. مثل تمثال في نافذة عرض أزياء, تلمحه بينما تمشي بجانبه، وتحلف أنك رأيته يتنفس ويرتعش فتتوقف، تنظر، وإذا الحياة نزعت منه على الفور. تقف هناك على الرصيف تحدق فيه مع شعور بتقلص في أمعائك، تتساءل إن كنت قد تخيلت هذا اللمعان في عينيه». «أنا، امم، لم أر جسداً ميتاً في حياتي من قبل. لم أذهب قبل ذلك إلى جنازة».

«الجنازة ستتم مؤخراً. يتم التشريح أولاً. ستتم عملية التشريح له خلال ساعة تقريباً».

«تشريح؟»

«بالتأكيد. لقد رأيته من الخارج. ربما ترينه أيضاً من الداخل».

تقرقر أمعائي-بصوت عال. سأتقيأ، عرفت أنني سأتقيأ عندما فتحت فيه شقاً.

«هيا. سنذهب إلى الثلاجة».

«أوه، لا. لا أعتقد أنني أستطيع أن آكل الآن..»

«جيد. لأنك لن تريدي أن تأكلي هناك». تفتح إيلين الباب الحديدي المصمت فيصدر قرقعة وعصفة من الهواء, ندخل. يرتطم الباب مغلقاً خلفناً.

«هذه هي الثلاجة حيث نخزن الجثث».

ياه إن الجو بارد هنا. تزحف رعشات البرد على رجلي. لم أكن أدرك أنني سأكون في ثلاجة عملاقة. هذه السترة المزركشة بزهور وردية اللون والشورت الملائم لها لا تغطي الكثير من جسدي.

تقودني إيلين من المدخل الصغير إلى حجرة مليئة بالأجساد العارية. تتوقف قدماي، تتصلب عضلاتي، ويضيق حلقي. لا توجد ملاءات هنا. لا مداراة، ولا إشارة إلى الموت. هذه أرفف، أرفف من النساء. إنهن مكومات بارتفاع ستة جثث على رف معدني، مثل أرغفة الخبز في المخبز. لكنهن ليسوا دافئين وطيبي الرائحة، إنهن باردات وليس لهن رائحة. إنهن يغطون الحوائط ويملؤون الغرفة، مما يكون متاهة من الأرفف. الهواء مليء بأرواح الميتين الجدد.

«حسناً، لقد أوصلتك إلى هنا. الآن تمكثين وحدك». تفتح الباب، يرتطم. لقد ذهبت إيلين. لكنها ستأتي رغم ذلك، أليس كذلك؟

حسناً لن أبقى هنا بمفردي. وكأنني نسيت ما جئت إليه, أشد مقبض الباب، أنتزعه بشدة. ينبغي... أن... أفتح... هذا... الباب... الغبي. أوه! إنه عالق. حسناً لا تفقدي أعصابك. تنفسييي. ياه. الجو بارد هنا. أشعر كأنني عارية جداً.. مثل هذه الأجساد من حولي بالضبط، كلهم ينتظرون كي يقطعوا أو أن يطلبوا. يمكن أن يكونوا نائمين، يحلمون. إنهم في عشرينياتهم، ثلاثينياتهم، يحلمون بأنهم طويلين ورشيقين ومرغوبين. وهم كذلك، هم بالفعل كذلك. أين العواجيز؟ أين القبيحون؟

أخطو خطوة صغيرة باتجاه الأرفف. أنظر إلى سمراء نحيفة. يخفق الضوء في الأعلى، ويعطيها لمعة مخضرة. يا الله، إنها في مثل عمري. وجهها طويل، شفتاها نحيفتان، شعرها مموج متمدد على الرف خلف ظهرها الزيتي اللون. يا الله. إنها تبدو-كانت تبدو- بشكل مشابه لي. الآن أصبح جلدها جيرياً، وشفتاها شاحبتين، وشعرها جاف. ما الذي حدث لها؟ كيف ماتت؟ هل كان السبب هو الخمر؟ المخدرات؟ القيادة؟ وإلى أين كانت ذاهبة؟ إلى العمل؟ إلى التمرين؟

من المؤكد أنها لم تبدأ يومها الدافئ في لوس أنجلوس وهي تحس أنها ستموت مع الغسق، ستكون في الثلاجة مع غروب الشمس، وفي القبر غداً. بالتأكيد هي لم تشعر بهذا، لم تعرف أن غريبة -وهي أنا- ستحدق فيها وتسأل هذه الأسئلة. أريد أن ألمس هذه السمراء، أن أرى إذا ما كانت بهذه الصلابة والتصلب والموت كما تبدو. لكنني لا أستطيع أن أتحرك. متصلبة, متجمدة, ملصوقة في أرضية المشمع الرمادي.

حسناً، افعليها. كوني شجاعة. بوجه تجعد من الخوف، وظهر منحني إلى الخلف، خطوت خطوة صغير باتجاه الرف الخاص بها. أمد ذراعي إلى الأمام، ألمس ذراعها وأعود بخوف للوراء. ذراعها بارد، صلب مثل تفاحة خضراء. ألمس ذراعي- دافئ، مرن، كحبة خوخ في أحسن حالاتها. أخطو مقتربة أكثر. ألمسها. ألمسني. ألمسها. ألمسني.

أشعر كما لو كان قلبي يخفق وهو مفتوح، وأسقط على الأرضية. يشقني الحزن من منتصف صدري- أشعر بالحزن من أجلها، من أجلي، من أجل الجميع، من أجل كل شيء سيهلك في يوم ما. أمد ذراعي نحوها، آخذ يدها الخالية من الحياة في يدي، أضغطها، أمسكها. من كانت؟ هل كانت تحب بشكل جيد؟ هل أحبت بشكل جيد؟ هل أنا؟ هل فعلت أنا ذلك؟

الحياة. نفيسة جداً. كاملة جداً. عابرة جداً، مثل الدمعة المالحة التي تهبط على خدي. ألتقطها بلساني، أتذوقها، أشمها. حلوة ومرة، عطرة ونتنة، مقطوعة موسيقية وقعقعة علبة صفيح، رف فوق رف. على أرضية الثلاجة، وأنا محاطة بالميتين، وأمسك يد جثة، أتذكر لم أصبحت راهبة في المقام الأول: كي أساعد الناس، كي أقلل من المعاناة الإنسانية. أعود ليد السيدة، أريحها على رفها، أضعها بجانب فخذها. شكراً لك. شكراً.

أنهض. أتهادى حتى أصل إلى الباب، أدير المقبض، أترنح خارجة من الثلاجة. أسقط في الردهة المكسوة ببلاط رمادي، أسند بيد واحدة على الحائط الأبيض بينما الدموع تتساقط على سترتي المزركشة بالزهور الوردية. تتهاوى رجلاي بعد الباب الجانبي، خارج رصيف باحة إيقاف السيارات، في آخر الظهيرة الخالية من الغيوم.

وأتجه إلى الغرب. إلى الغرب في شارع سانسيت. 978-0071489751 Rules for Renegades lg_thumb[1]

 

من كتاب “قواعد للخارجين عن المألوف"
للكاتبة: كريستين كومافورد لينتش

ترجمة: عمرو محمود السيد

يونيو 16، 2009

تنفس

___and_breathe_out_by_Gwarf

كانت تشارولت واحدة من أوائل المرضى الذين أتعامل معهم. لقد ولدت بتليف كيسي، وفي سن الرابعة والعشرين أصبح التنفس يمثل مجهوداً ثقيلاً بالنسبة لها، هي في أغلب الأحيان تسعل سعالاً متقطعاً جافاً كما لو كانت رجلاً عجوزاً واهناً. عرفت خلال الشهور التالية أن تشارلوت واحدة من أطيب الناس الذين قابلتهم في حياتي. تقول في كل مرة أزورها "كم أنا محظوظة بأنني أعيش هذه الحياة الرائعة". بينما تتحرك شفتاها، يهتز خرطوم الأكسجين المثبت في أنفها ، إنه يقسم وجهها كما لو كان شقاً في منتصف إصيص من الخزف قابل للكسر.


تعلم تشارلوت أن عمرها ينفذ بسرعة قبل أسابيع من معرفتي بهذا. تتجرع كؤوساً صغيرة من المورفين السائل، وتتبعها بعصير التوت، عينتني نادلة لها في هذه الحانة الجنائزية. "أنا لست مستعدة.. كي أخلف الجميع وراء ظهري.. " كانت تلهث بعد كل عبارة. رئتيها ممتلئتان بشكل كامل. هذه هي الطريقة التي يقتل بها التليف الكيسي: يخنقك. "أريد أن... أخرج.. منزلك؟"
"نعم بالطبع، سنطهو العشاء -كل الأطعمة المفضلة لديك. دعينا نرى- سرطان البحر، الهليون، وكعكة الشيكولاتة بالتوت". أضع علامات على قائمة متخيلة على كفتي، وأنا ألعب دور النادلة. "هل نسيت أي شيء سيدتي؟" تبتسم تشارلوت.


بعدها بأسبوع تخطو تشارلوت بكل قواها نحو بابي الأمامي وبسرعة ثلاث خطوات في الدقيقة. حمل زوجها هيكلها المنكمش كي يصعد بها الأربعة سلالم، لكنها أصرت على أن تمشي المسافة حتى عتبة الدار. نحتفل ونشاهد غروب الشمس في صمت، منصتين إلى ارتطام المد بالصخور. تزيل تشارلوت خرطوم الأكسجين الخاص بها، تتكئ على حافة المركب، وتأخذ بصعوبة أنفاساً مجهدة من الهواء المالح.


بعدها بأيام قليلة ذهبت إلى المستشفى. قرأت لها الشعر، وتكلمنا عن حياتنا وعن المرات التي أحببنا فيها. بدأت تشارلوت تمليني الخطابات التي تأخرت طويلاً، مودعة الناس الذين تحبهم. مع أن عائلتها قريبة، لكن الخطابات تمنحها الفرصة كي تعبر عن مشاعرها الشخصية العميقة، التي غالباً ما كانت تخنقها، بشكل عاطفي وجسدي.


ذات ليلة كنت في حفل لشركة تابعة لأحد عملائي. خرجت من الغرفة الصاخبة كي أتصل بها في المستشفى، لأتمنى لها أحلاماً سعيدة. "لا أطيق الانتظار إلى الغد كي أراك يا تشارلوت. عندي قصيدة جديدة رائعة من أجلك".

تلهث قائلة "ر..ا..ئع".
"أراك غداً. أحبك".
"أ..حب..ك".


يدق جرس الهاتف في الصباح التالي، ماتت تشارلوت في السادسة والنصف صباحاً. لم في هذا الصباح؟ ما يزال لدي الكثير كي أخبرها به، كي أشكرها عليه. كان علي ألا أحضر هذه الحفلة، كان علي أن أكون في المستشفى معها. بعد كل هذه السنوات من العمل التنافسي الشرس في عالم الأعمال، ذكرتني تشارلوت بأكثر الأشياء أهمية في حياتي: حب الآخرين والاعتناء بهم. لقد علمتني أيضاً كيف أتنفس. كيف اشعر بالهواء في رئتي، كيف أكون شاكرة عليه.978-0071489751 Rules for Renegades lg_thumb[1]

 

من كتاب “قواعد للخارجين عن المألوف"
للكاتبة: كريستين كومافورد لينتش

ترجمة: عمرو محمود السيد

خسارة المنتخب وفشل التليفزيون

البني آدم إيه غير شوية مشاعر.. أنا حاسس بغيظ فظيع. فعلاً والله.

أنا أساساً ماليش في الكورة ولا باحب أتابع الدوري ولا أي حدث رياضي آخر. بس مباراة مصر والبرازيل دي مباراة دولية بيلعب فيها المنتخب في بطولة عالم, ومع فرقة كبيرة, كان لازم أحضرها وألف نفسي بالعلم وأتنطط وأقول "مصر.. مصر". اللعيبة عملوا جيم كويس, كانوا ممكن يفوزوا, خاصة إننا ما كناش بنلاعب البرازيل, كنا بنلاعب شبح المنتخب البرازيلي, وكانت هاتبقى حكاية يتحاكى بيها الأجانب في كل البلدان.

41770 صورة لمهاجم البرازيل (اللي اسمه ريحته وحشة ومش هاقوله عشان عيب)

بعد تسديده لركلة الجزاء

  اللي غاظني بقى هو التليفزيون المصري, ومعلق المباراة تحديداً ذلك المدعو "هشام فهمي". الراجل ده يا إما يقول كلام عروبجي زي "هما دولا المصريين, وهي دي مصر" وأبص على الملعب ما ألاقيش أي لعبة كويسة ولا حاجة, مجرد تطبيل عشان الليلة تفوت. ولما بقت النتيجة تلاتة واحد بقى بيقول "يا جماعة دي البرازيل". وإحنا أساساً كنا بنلاعب اسم منتخب البرازيل. المهم, لما بقت النتيجة تلاتة تلاتة بقى يقول "تلاتة تلاتة, أعيدها تاني وأكررها وما أملش منها تلاتة تلاتة, يعني راس براس, يعني رجل برجل" شالله رجل تشوتك برة التليفزيون يا بعيد. إحساس بالدونية غير عادي عند المذيع. حاجة تقرف

التعليق بين الشوطين وبعد المباراة حاجة تقرف برضه, الناس بتتكلم وهي حاطة إيديها في المية المتلجة القطبية وعمالين ينتقدوا في حسن شحاتة. طيب ما تمسكوا المنتخب انتم ورونا هاتعملوا إيه. حاجة تغيييييظ

كانت الطامة الكبرى بعد الهزيمة, إن التليفزيون بيذيع أغاني وطنية... آآآآآآآآآآآآآه خلاص هايجرالي حاجة.. هاموت.

يونيو 14، 2009

عينان تحدقان في الفضاء

dad_by_disconnactuseractus

يقول د. شتاين "فرصته في البقاء حتى العيد 20 بالمائة". إنه أكتوبر 2003.

قبلها بتسعة أشهر كان أبي رجلاً طويلاً أسمر مثل شيوخ القبائل: أبيّ وشجاع، كان الأصدقاء يتوجهون إليه من أجل القيادة وحل المشكلات في الأوقات العصيبة. اسمه الأخير، كومافورد، مشتق من common fort أو الحصن العمومي حيث كان المحاربون يجتمعون قبل الدخول في المعركة. يقول كل من اختصاصي الأورام، والجراح، واختصاصي الجهاز الهضمي نفس الشيء: "لدى والدك سرطان بالبنكرياس، المرحلة الرابعة..." لا توجد مرحلة خامسة.

مع منتصف ديسمبر كان السرطان قد أنهك أبي، ببطء في البداية، ثم التهمه في هذين الشهرين الماضيين بسرعة سادية. كان وجهه غائراً، هيكله ذي الستة أقدام وثلاث بوصات من الطول ليس به سوى العظم مع القليل من اللحم والعضلات المتعلقة بالعظم.

مع تشخيص حالة والدي، أعلنت تقاعدي رسمياً. بعدما واجهت هذا الفقد، أدركت إلى أي مدى هو مهم عندي، وإلى أي مدى لا أعرف عنه سوى القليل. كان لدي الفرصة كي أكتشف من هو ولم أكن لأضيعها.

بعد ثلاثين عاما كانت علاقتي فيها مع أبي متكسرة ومعقدة، أصبحنا أنا وأبي أصدقاء مقربين. خلال شهوره الأخيرة، تذكرنا المرات التي اختلفنا فيها وكيف تصافحنا وغفرنا لبعضنا بعضاً. قال لي أبي ما كنت أتوق لسماعه: إنني كنت دائماً على ما يرام في عينيه، رغم أني لست صبياً كما أراد. إني كنت ما أراد بالضبط. لماذا لم أعرف هذا من الاسم المستعار الذي منحني إياه؟ «تايجر بيبي» هو اسم محارب، محارب كان دائماً ما يقع على قدميه، ينهض ويجد طريقه الصحيح.

طلب مني أبي أن أعده بثلاثة وعود: أن أعتني بأمي ،أساعدها على تجاوز وفاته، وأن أشجعها على أن تتزوج ثانية، وأن ألقي برماده في البحر خلف متجر كيمو، محل شرائح اللحم المفضل لديه.

بعدها بأيام قليلة، أصبح تنفسه مضنياً أكثر. صعب عليه الكلام، ورفض تناول العلاج ومخفوق الفراولة المفضل لديه، وبالكاد كان يرتشف الماء. كان جسده ينتهي. في هذه الساعات الطويلة التي كنت أعتني به فيها بينما ترتاح أمي أو تذهب إلى الصيدلية كنت أحاول أن أبتسم بينما أخبره أنني أحبه. يتطلب كبت الدموع داخلي مستوى من ضبط النفس لا أعتقد أنني أمتلكه. استسلمت في النهاية، وتركت نفسي أبكي أمامه. فقط بعض دمعات قليلة لا تمت بصلة لانسكاب الدموع الفظيع الذي يحدث تحت الأغطية في حجرة الضيوف بينما أكون وحدي آخر الليل.

تنام أمي على دثار رقيق للكنبة التي بجوار نهاية سرير أبي المريض. لقد نامت هناك خلال الأسابيع الماضية حتى تستطيع الاستماع إلى أنات أبي الواهنة، وتكون بجواره على الفور إن احتاجها. أحدق في المرتبة الرقيقة. هكذا هو الولاء. انظري. انظري إليه. تذكريه. احفريه في عقلك. هذا ما ينبغي أن تصبحي للآخرين، وكيف يكون الآخرين تجاهك.

لقد تغاضت أمي عن سلوك أبي لسنوات. لقد صرفت بصرها حين أتى أبي من عشاءات عمله في الخامسة صباحاً. وأشاحت بصرها حين وجدت أقراط تتدلى منها لآلئ في سيارته بينما لم تكن هذه الأقراط ملكاً لها ولا لأختي ولا لي. غضت طرفها حين أجبت على الهاتف لأجد مكالمات من غريبات يسألن عما إذا كان أبي بالمنزل. ثم توقفت عن الإشاحة بنظرها. لقد غادرت وغادرت معها عندما كنت في السادسة عشر من العمر. قدنا السيارة عبر البلاد من كونيكتيكت إلى كاليفورنيا، كل في سيارة مختلفة. نعم فقد أخذنا سيارة أبي المرسيدس الذهبية.

في الجانب الغربي بدأنا حياتنا مجدداً، كما فعلناها من قبل حين كنت في الرابعة عشرة وانفصل والدي لأول مرة. كرهته. كانت كراهية قوية، من هذا النوع الذي أساسه الحب.

بعد ثلاثة عشر عاماً من تمام طلاقهما، تزوج والديّ مرة أخرى. لقد علم هو قدر الخسارة التي مني بها، واستعادت هي احترامها لنفسها مرة أخرى. مع هذا فقد كان لهذا الزواج الجديد قواعد، وكان الإخلاص أولها. كنت أبكي خلال المراسم الحميمية، وأنا أرى للمرة الأولى تعبيراً عن الإخلاص العميق على وجه أبي. كل هذا الحب، كل هذا الهيام. كنت في الرابعة والثلاثين.

لم يكن أبي أبداً يمسك يدي كثيراً عندما كنت صغيرة، لكننا الآن نمسك بأيدي بعضنا البعض في أغلب الأوقات. يداه القويتان تحولتا إلى يدين ناعمتين، مثل المقانق الطرية المتورمة من البريدنيزون، ثم المورفين. تقول هاتان اليدان بين يدي "أنا آسف، لقد أفسدت الأمور". ثم لاحقاً حين استفحل السرطان أصبحت تقول من "فضلك سامحيني".

تجيب يداي "لقد سامحتك", "أتسامحني أيضاً؟" تسأل يدي وتربت بلطف.

"نعم" تضغط يداه مرة أخرى.

23 ديسمبر. ما زال أبي متمسكاً بالحياة. أنا أعلم أنه سيجتهد كي يبقى ليومين إضافيين فقط كي يخالف المتوقع، ويثبت أن الطبيب مخطئ. إنه من ذلك النوع من الرجال الذي يتحدى الإحصاءات دائماً. أجلس بجوار سريره، أربت على يديه، وأنحني مقتربة كي أسمع همسه.

«أحبك تايجر بيبي».

"أحبك يا أبي."

نصفه هنا ونصفه الآخر في مكان آخر. يدير يده حول الحجرة، ويتعرف على زائرين لا أستطيع أن أراهم. هل ظهر المحبون كي يبينوا له الطريق إلى العالم الآخر؟ يبدو أنه مندهش من أن الكثير من «الرفقاء» قد جاءوا من أجله. أشعر بأبيه وأمه وزوجة أبيه وكثيرين آخرين لا أعرفهم.

إنها الرابعة صباحاً، ذهبت أنا وأمي أخيراً كي ننام. رحت كي أقبل أبي وأقول له ليلة سعيدة، وجدت عينيه تحدقان في الفضاء.

استيقظت بعدها بثلاث ساعات، وجدته قد رحل. اليوم 24 ديسمبر.

978-0071489751 Rules for Renegades lg

من كتاب “قواعد للخارجين عن المألوف"
للكاتبة: كريستين كومافورد لينتش

ترجمة: عمرو محمود السيد

يونيو 13، 2009

فستان من نور

Honey_and_the_Moon_by_cosmosue فوق بلد الطيبين بمسافة كبيرة كبيرة كبيرة, كان قمر أربعتاشر نايم على سرير من سحاب وبطانية من ليل طويل. كل الناس في الكون بتشتغل تقريبا كل يوم إلا قمر أربعتاشر واخواته. كل واحد منهم كان بيشتغل يوم واحد بس في الشهر. يعني اتناشر يوم في السنة. في ليلة أربعتاشر من شهر من الشهور, قام القمر من على السرير السحاب وبص في المحيط فلقى شكله كويس وجميل, مد إيده وغسل وشه فنور نور كبير كبير كبير..

بكل نشاط طل القمر على بلد الناس الطيبين ومد إيديه بأشعة ملت الأرض فلقى حاجة غريبة لفتت انتباهه. لقى اتنين بنت وولد وافقين كل واحد على سطح عمارة. الولد كان اسمه باسم, والبنت اسمها بسمة. ركز القمر وطرطق ودانه, وسمع كلام باسم لبسمة وكلام بسمة لباسم. عرف القمر إنها بتحبه وإنه بيحبها, كان مبسوط قوي إنه كل ليلة أربعتاشر في السنة بيداري عليهم ويخليهم يشوفوا بعض ويتكلموا ويضحكوا وهو كمان كان سعيد إن فيه قلبين بيحبوا بجد وكان بيتونس بيهم لغاية الفجر. لو بإيده كان ريح اخواته واشتغل هو كل أيام الشهر, عشان بسمة وباسم كل يوم يلاقوا نور يشوفوا بعض عليه بدل ما يبقى حبهم مستني يجي أربعتاشر من الشهر اللي بعده.

كان باسم في آخر كل ليلة يبص للقمر ويقول "يا قمر يا مدور وكبير, يا خفيف وطاير من غيرجناحات, يا قريب يا بعيد.. أنا باحب بسمة وانت عارف, إياك تطلع سرنا وادعيلنا نتجوز بعضنا".

في شهر من الشهور, بص القمر فلقى السطحين فاضيين, قال للهوى يفتح الشبابيك فلقى بسمة بتعيط, ولقى باسم حزين.. حزين.. حزين. القمر كمان ما قدرش ينور زي كل ليلة أربعتاشر. كان ضوءه شاحب, والناس في بلاد الطيبين كانت بتبص وتستعجب. ولما جه الصبح حصلت حاجات غريبة في البلد, الزهور بقت محنية وزعلانة والبالونات اللي على شكل قلب واللي بتتباع في الملاهي ما بقتش تطير.

طول النهار في اليوم ده والبدر مش عارف ينام, لما جات الشمس, غمض عينيه من قوة ضوءها وقالها, "يا شمس ياللي عارفة كل حاجة بتحصل في النهار.. إيه اللي حصل وأنا نايم باختصار؟"

قالت له إن بابا بسمة رفض إن باسم يتجوزها وطرده من البيت وإنه قال لبسمة إنها حتماً ولابد تتجوز تكشيرة النكدي. أصله راجل معاه فلوس كتير وهايعيشها عيشة كويسة.

القمر سمع الكلام ده, وحس بحزن شديد شديد. راح ولف راسه بالفوطة ونام على سرير السحاب. لما غاب عن اخواته في الليالي اللي كلهم مش بيشتغلوا فيها, قال الهلال إنه لازم يزوره, راحله لقاه تعبان خالص, سمع منه الحكاية, وقاله ما تخافش أنا هاتصرف.

الهلال في أول الشهر نزل في المحيط وأخد دش مية مالحة معتبر, فبقى بيلعلط كده من النور, طلع فوق في السما, ومد إيده بشعاع من نور وخبط على شباك باسم. لما باسم فتح اندهش, شاورله الهلال فنط باسم واتشعلق في شعاع النور لحد ما وصل فوق وقعد على ديل الهلال. فوق كان الليل محضرله بدلة سودا إنما إيه, والهلال كمان فصل لبسمة فستان من نور.

باسم صفر صفارة بسمة حافظاها كويس. فتحت الشباك ونطت ولمست الشعاع وطلعت لفوق, السحاب غطى على المدينة والنجوم زغرتت.

تاني يوم كانت الزهور رفعت راسها والبالونات بتطير, وأبو بسمة قاعد على القهوة بيفتخر بجوز بنته اللي عملها فرح فوق السحاب

تمت

يونيو 08، 2009

أتيليه

أنا أحب المتعة البصرية, أعلم أنني أتعلم أول ما أتعلم ببصري, وأعلم أنني أتذكر بعيني وأرى بها. اليوم خفقت عيناي إعجاباً ببعض الرسوم سأعرضها عليكم ..

ستيفاني كلير

you-fell-into-my-dreams
You Fell into My Dreams

أفضل أن أطلق على هذه اللوحة

You Fell from My Dreams

شاهدوا باقي لوحات كلير على ويندوز لايف

جلين تارنوسكي

rooted and grounded Rooted and Grounded

شاهدوا باقي لوحات تارنوسكي على ويندوز لايف

يونيو 05، 2009

خايف أنام

 insomnia

إمبارح هفتني نفسي أكتب شعر. فقمت كتبت الكام بيت دول. دي أول تجربة لي في العامية. اللي هايقول وحشين ممكن يحبطني ويخسر البلد موهبة فذة في القوقزة العامية :)

القصيدة بقى:

الجرح سايل فوق دموعي
بيتكوي 
وأنا مستوي
خايف أنام
لا الظابط الواقف على كتفي اليمين
يهجم على القلب الضعيف
وأنا قلبي غاوي ومغتوي
مذنب خطير


قرفانة مني المرتبة
بتقلي فارق.. حل عني
أو جرب الليلة
تبات واقف
أو جرب الليلة
تغرق بالدموع خشب السرير

 
مسروقة مني ضحكتي
واللمبة فوق متشقلبة
خارج لسانها ومتلوي
بتقوللي شايف
الضلمة في النور مكئبة
الجرح سايل فوق دموعي
بيتكوي
وأنا مستوي
خايف أنام

يونيو 04، 2009

حروف شديدة الأهمية



كنت أنزل السلم بتأن وتؤدة (قديمة قوي تؤدة دي, صح؟) حين قابلت جاري الذي يسكن تحتنا. هو رجل محترم وأنا أحبه.. أسلم عليه ويرد السلام.. أقول "عامل إيه أستاذ طارق" وأستاذ طارق هو أخو المذكور. يرد "تقصد طارق بيه؟ هو بخير والله". كانت "طارق بيه" هذه كفيلة بإسكاتي وشعوري بارتفاع في الضغط وحالة من السعار لا يهدئها سوى العض في درجات السلم المصمتة.

يعمل المذكور وكيل نيابة, مع هذا فعلى بابه لافتة كبيرة (مقاس 20 × 80سم) مكتوب عليها "وكيل النائب العام", وعلى سيارته مليون ملصق يؤكد أنه تابع لهيئة قضائية. هذه ليست مشكلة ولن نختلف على الألقاب ولا على ملصقات السيارة. لكن المشكلة أنه بالنسبة لي مجرد جار. صفته في العمل لا تخصني ولا تهمني. أنا أتعامل معه بحميمية وهو مصمم أن يضع بيننا حاجز طبقي مهني بأن أناديه وأنادي أخيه -الذي يعمل وكيل نيابة أيضاً- باسميهما مردفاً كلمة بيه وباشا ومعاليك.. إلى غير ذلك من تفاهات.

حين كنت أقف مع صديقي ضابط الجيش, جاء عمه فقدمني له "دكتور عمرو السيد, ماجستير التربية, قسم طرق التدريس". أنا لست دكتوراً على الإطلاق, وأعتقد أنني لو عندي هذه الدال ما أحببت أن أقدم بها ولا أن تقف حاجزاً بيني وبين الناس. سلمت على الرجل وقلت له بابتسامة مختنقة "على اعتبار ما سيكون إن شاء الله".

طلبتي من ضباط الأمن المركزي كانوا يصرون على مناداتي "بالدكتور". قلت لهم مراراً إني لست كذلك, لكنهم كانوا يصرون. أعتقد الآن أنهم كانوا ينادونني كذلك ليس لأهميتي عندهم, ولكن لإحساسهم بالتضاؤل حين يتركون شخصاً لا يحمل أي ألقاب يخبرهم كيف ينطقون وكيف يكتبون. هم أمام أنفسهم في موقف حرج. كيف وهم أسياد البلد وأصحاب السلطة والمريسة واللقب, ينحنون على ورقة في حضرة وتحت قيادة شخص لا يحمل ثلث ميزاتهم. كان لابد من تفخيمي حتى يستطيعوا التكيف مع ذواتهم المتضخمة.

أختي طبيبة, وبالتالي لديها هذه الدال التي يقدرها الآخرون. عندما جاء مدرس كي يخطبها, قامت الدنيا في بيتنا ولم تقعد, وقالت أمي إن الدكتورة لا يتزوجها إلا دكتور. في هذا التوقيت كنت أعمل أنا مدرساً.

المظهر في مجتمعنا هام جداً. وهو ما خلق بيننا طبقية مهنية غير عادية. نحن الآن لا نعترف بالشخص, بل نعترف بلقبه المصاحب لاسمه. هذا بالطبع أحد عواملنا في تصنيف الناس إلى فئات بحيث يمكن لعقولنا أن تستورد قوالب تفكير جاهزة للتعامل معه دون إرهاق وبحث وتأمل. هو استسهال في فهم الناس إذاً.

هؤلاء الذين لا تجر أسماؤهم كلمات مثل باشا وبيه (وهي كلمات طبقية من أيام الأتراك الذين كانوا يخرجون لصيد الفلاحين بالبنادق) ولا يتصدر أسماءهم أحد أحرف الأبجدية شديدة الأهمية مثل الدال والميم, يعانون مثلي من وجود أفكار نمطية مسبقة يتعامل الناس معهم على أساسها. ويعانون من هوس مجتمعي بالألقاب, فمثلا تجد الرجل طبيباً ومخرجاً, فيكتب على فيلمه دكتور فلان. لكن ما علاقة لقبك هنا بما صنعت. هذا من قبيل استخدام اللقب في غير موضعه. وهو خداع, لأنني حين أقرأ كتاباً في نقد الأدب عليه دال قبل الاسم, فإن أول ما يأتي على بالي أن الرجل حصل على الدكتوراة في الأدب ثم أكتشف بعد ذلك بالمصادفة أنه طبيب أسنان!!

نحن مهوسون بتصنيف أنفسنا إلى طبقات. هو هوس يفرق بين أبناء البلد ولا يعود بالخير. أعتقد وأنا مؤمن بما أقول أن هوية الفرد وثقته وقوته وتأثيره تنبع منه, من أفكاره, وتصرفاته. وهي لا تتعلق أبداً باللقب, وقد رأيت بأم عيني من لهم ألقاب غير عادية بينما هم في حقيقة الأمر "أي كلام". رأيت من حصلوا على درجات علمية ولا يعرفون هل تكتب "فكرت" بتاء مفتوحة أم مضمومة. رأيت من تجر أسماؤهم ألقاباً ثقيلة خلفها لكن تكوينهم النفسي ناقص. هم يشعرون بالدونية حين أتكلم, فترتفع أصواتهم على صوتي, حتى لا يواجهون حقيقة الموقف.

يونيو 02، 2009

la maison en petits cubes

 

دعاني أحمد الشمسي إلى منزله, وأهداني هذا الفيلم القصير. عندما شاهدته, أحسست أنه حكايتنا جميعاً. حكاية من تضيق حياتهم يوما بعد يوم فيعيشون في خيالات جميلة, ربما تكون من الماضي أو من وحي إبداعهم. شاهدوا هذا الفيلم القصير غير الناطق واشكروا أحمد.

يونيو 01، 2009

مياو.. مياو

The_Secret_Marriage_by_lillywmw

ماما دايما تحكيلي حكاية القطة اللي قالت لصاحبها “مياو”, وهو كان بياكل مش, فقالها “مش”.. قالت له “مياو”.. قالها “مش”. ولكن هي ما فهمتش خطورة المش ده فقالت له "مياو". الحكاية دي بتنطبق على اللي بيدوروا على الحب أو الجواز. هاكملها لكم في الآخر

أعتقد إني مريت بتجارب كتير في حياتي الشخصية وشفت كتير من التجارب في الحياة عامة. ولأني باحب الأدب, ولأن الروايات اللي بنقراها لابد يبقى فيها قصة حب. أعتقد إني عندي بعض الخبرة اللي ممكن أنقلها لقارئي المدونة الأقل من تمانتاشر سنة (هههه)

لا يوجد تعريف للحب. أنا على الأقل لا أعرف له أي تعريف. في أفلام عبد الحليم الحب هو الاذبهلال. إن الواحد يقف ويضيق عينيه ويقول لحبيبته "وحياة كل كلمة حب حلوة قلتيها لك.." والكلام ده. لكن الحب في الواقع هو خليط من الحزن والفرحة والألم والغيرة والسعادة والإحباط والقلق والتوتر والغضب أحياناً. الحب هو خليط من المشاعر بتوجد لدى الناس بدرجات ونسب مختلفة. كلنا بنحب لك ما فيش حب شبه التاني. وأصعب حاجة على الواحد إنه يقول بيحب ولا لأ.

حتى عدم القدرة على الاستغناء عن الشخص والتعلق بيه مش دليل على وجود حب قوي يمكن بناء الحياة عليه. دايما فيه نسبة من الحب لكن هل النسبة دي تكفي عشان الواحد يربط حياته بإنسان تاني ويكمل معاه؟ السؤال ده في غاية الصعوبة لكن أعتقد إني عندي طريقة للمعرفة.

الإنسان مجموعة من الحاجات. وأهم شيء في الدنيا إن الإنسان يشبع حاجاته. ماسلو قال إن الحاجات فيه منها درجات. وعمل لها هرم (وده طبعا غير الهرم اللي بيبنوه المحششين حجر حجر). الحاجات الأولى اللي في القاعدة منها الحاجة إلى الطعام وإلى المسكن. في قمة الهرم فيه الحاجات الجمالية, زي إبرازالموهبة مثلاً. مفيش حد هايدور على إنه يغني وهو صوته حلو لو هايموت من الجوع, لأنه هايموت قبل ما يطلع على المرسح. أنا شايف إن علاقات الحب لابد من تصنيفها طبقا لهرم ماسلو كالتالي.

الواحد لازم يحدد حاجاته في شريك\شريكة الحياة. إنها تدلعه, تكلمه, تقدره, تحبه, تحترمه, إلخ. ده كلام ممكن البعض يعتبره رفاهية لكنه أساسي. بعد كده يسأل شريكة حياته إن كانت ناوية تلبي الحاجات دي ولا لأ. أنا مؤمن على فكرة إن إشباع حاجات الإنسان مسئوليته هو مش مسئولية اللي حواليه. بس ما فيش مانع إن الطرف الآخر يساهم في الإشباع ده.

فيه كام محور يمكن أخذ قرار الزواج على أساسهم, لو الإنسان شاعر بميل ناحية الشخص التاني هم المحاور التالية:

أولاً, الروح: لابد من وجود شعور بالانجذاب أو على الأقل الراحة مع الإنسان اللي هانرتبط بيه. فيه ناس أول ما نشوفها مش بنحبها خالص وفيه حديث عن رسول الله بيقول "الأرواح جنود مجندة, ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف" أو كما قال الرسول (ص).

ثانياً: العقل: لابد العقل يوافق قبل القلب. إحنا بنقول يكون فيه ميل. بعض الناس بتركز على الميل بس أو القلب (الحب يعني) وتلغي عقلها ودول بقى هايشوفوا الويل على الأغلب. لابد إن شريك الحياة يكون بيلتقي معانا في جوانب فكرية معينة زي المهنة مثلاً, أو الهوايات, أو طريقة التفكير بوجه عام. لأن احنا المفروض هانقعد ساعات طويلة نحكي معاه, ومش هانفضل طول اليوم نسبل ونقول شايفة القمر خاصة وإن كل البيوت مسلح دلوقتي.

ثالثاً القلب: لابد من وجود عاطفة إيجابية ناحية الشخص الي هانرتبط بيه. لكن العاطفة دي مش لازم تكون حب. لأن الحب صعب التعريف ولأننا ممكن نكون بنحب وما نعرفش غير لحظة الانفصال.

رابعاً: الماديات. فيه ناس كتير بتقول "لا أنا مش بيهمني الحاجات دي" لكن في الحقيقة وجودها بيسعدهم لو انت كده ما تتكسفش من نفسك. دور على الماديات اللي انت عايزها بس ما تنساش الحاجات اللي فوق.

فين المشكلة بقى؟

المشكلة إن الشباب الصغيرين لما بيجوا يقبلوا على الارتباط مش بيشوفوا غير محور واحد بس وينسوا باقي المحاور. يعني بيزبهل من جمالها مثلاً, ويفضل يقول عليها أمورة وعينيها ما تعرفش لونهم إيه. دي بسكوتاية.. دي عسلاية. وينسى باقي المحاور اللي اتكلمنا عليها. جمالها بيعميه عن كل شيء تاني وبيفتكر نفسه هايعيش في فيديو كليب. بعد الليلة الأولى ينتهي الفيديو كليب وتبدأ الحياة يا معلم. ويفضل يزعل على كل اللي ناقصه. فيه كمان حاجات تانية لابد من الالتفات إليها زي الكفاءة والمستوى الاجتماعي وراحة الأهل. كل الحاجات دي تفهمكوا إن الجواز ده مشكلة كبيرة وقرار صعب معقد جداً.

البنات والأولاد الحلوين اللي قروا البوست ده ما يتضايقوش خالص خالص (على رأي إنجي). القعدة من غير جواز مريحة جدا. اسألوني أنا.. بلا وجع قلب.

المهم.. الراجل اللي كان بياكل مش, حط وش القطة في الطبق, فلما لحست منه, صرخت وقالت “مياو مياو مياو”. قالها “مش قلت لك مش”