يونيو 16، 2009

تنفس

___and_breathe_out_by_Gwarf

كانت تشارولت واحدة من أوائل المرضى الذين أتعامل معهم. لقد ولدت بتليف كيسي، وفي سن الرابعة والعشرين أصبح التنفس يمثل مجهوداً ثقيلاً بالنسبة لها، هي في أغلب الأحيان تسعل سعالاً متقطعاً جافاً كما لو كانت رجلاً عجوزاً واهناً. عرفت خلال الشهور التالية أن تشارلوت واحدة من أطيب الناس الذين قابلتهم في حياتي. تقول في كل مرة أزورها "كم أنا محظوظة بأنني أعيش هذه الحياة الرائعة". بينما تتحرك شفتاها، يهتز خرطوم الأكسجين المثبت في أنفها ، إنه يقسم وجهها كما لو كان شقاً في منتصف إصيص من الخزف قابل للكسر.


تعلم تشارلوت أن عمرها ينفذ بسرعة قبل أسابيع من معرفتي بهذا. تتجرع كؤوساً صغيرة من المورفين السائل، وتتبعها بعصير التوت، عينتني نادلة لها في هذه الحانة الجنائزية. "أنا لست مستعدة.. كي أخلف الجميع وراء ظهري.. " كانت تلهث بعد كل عبارة. رئتيها ممتلئتان بشكل كامل. هذه هي الطريقة التي يقتل بها التليف الكيسي: يخنقك. "أريد أن... أخرج.. منزلك؟"
"نعم بالطبع، سنطهو العشاء -كل الأطعمة المفضلة لديك. دعينا نرى- سرطان البحر، الهليون، وكعكة الشيكولاتة بالتوت". أضع علامات على قائمة متخيلة على كفتي، وأنا ألعب دور النادلة. "هل نسيت أي شيء سيدتي؟" تبتسم تشارلوت.


بعدها بأسبوع تخطو تشارلوت بكل قواها نحو بابي الأمامي وبسرعة ثلاث خطوات في الدقيقة. حمل زوجها هيكلها المنكمش كي يصعد بها الأربعة سلالم، لكنها أصرت على أن تمشي المسافة حتى عتبة الدار. نحتفل ونشاهد غروب الشمس في صمت، منصتين إلى ارتطام المد بالصخور. تزيل تشارلوت خرطوم الأكسجين الخاص بها، تتكئ على حافة المركب، وتأخذ بصعوبة أنفاساً مجهدة من الهواء المالح.


بعدها بأيام قليلة ذهبت إلى المستشفى. قرأت لها الشعر، وتكلمنا عن حياتنا وعن المرات التي أحببنا فيها. بدأت تشارلوت تمليني الخطابات التي تأخرت طويلاً، مودعة الناس الذين تحبهم. مع أن عائلتها قريبة، لكن الخطابات تمنحها الفرصة كي تعبر عن مشاعرها الشخصية العميقة، التي غالباً ما كانت تخنقها، بشكل عاطفي وجسدي.


ذات ليلة كنت في حفل لشركة تابعة لأحد عملائي. خرجت من الغرفة الصاخبة كي أتصل بها في المستشفى، لأتمنى لها أحلاماً سعيدة. "لا أطيق الانتظار إلى الغد كي أراك يا تشارلوت. عندي قصيدة جديدة رائعة من أجلك".

تلهث قائلة "ر..ا..ئع".
"أراك غداً. أحبك".
"أ..حب..ك".


يدق جرس الهاتف في الصباح التالي، ماتت تشارلوت في السادسة والنصف صباحاً. لم في هذا الصباح؟ ما يزال لدي الكثير كي أخبرها به، كي أشكرها عليه. كان علي ألا أحضر هذه الحفلة، كان علي أن أكون في المستشفى معها. بعد كل هذه السنوات من العمل التنافسي الشرس في عالم الأعمال، ذكرتني تشارلوت بأكثر الأشياء أهمية في حياتي: حب الآخرين والاعتناء بهم. لقد علمتني أيضاً كيف أتنفس. كيف اشعر بالهواء في رئتي، كيف أكون شاكرة عليه.978-0071489751 Rules for Renegades lg_thumb[1]

 

من كتاب “قواعد للخارجين عن المألوف"
للكاتبة: كريستين كومافورد لينتش

ترجمة: عمرو محمود السيد

هناك 7 تعليقات:

تــسنيـم يقول...

يا الله.. أحيانا يُصبح التنفس مدعــاة للألم..

بالرغم من أننا دوما نتغنى بقسوة هذه الحياة ونود لو أننا نستطيع أن نرحل تاركين إياها.. إلا أن أشخاص من أمثال شارلوت خلقهم الله في هذه الدنيا ليلقنونا درس ألا ننسى الشكر على الموجود في خضم بحثنا عن المفقود



واضح إن الكتاب فعلا رائع.. وأنا متشوقة لقراءة التدوينة الجديدة المُترجمة منه

:)

عمرو يقول...

أهلا تسنيم
الكتاب يتحدث عن مجال إدارة الأعمال.. لكن هذه الحكايات مذكورة فيه لغرس الدافعية في القارئ, كي يعلم أن الخسارة في الجانب المهني مكسب, أو أن الخسارة في الجانب المهني قد يعوضها مكسباً في الجانب الشخصي والعكس, أو كي يعلم (كما في هذه الحكاية) أنه ما زال باستطاعته أن يتنفس, مما يستوجب الشكر, والشعور بالامتنان
كيف عرفت أنني سأنشر منه تدوينة أخرى؟
في الواقع تتبقى لدي حكاية تتحدث عن لحظة فارقة بين الموت والحياة, قد أنشرها خلال هذا الأسبوع.
أسعدتني زيارتك يا تسنيم
:)

تــسنيـم يقول...

سؤال جانبي.. هو إنت قاعد على باب المدونة :))

ده أنا لسه مخرجتش وإنت رديت

:))

عمرو يقول...

يعني ما أردش
:)
أنا كل يوم الصبح بارش واستنى الزباين
ههههه

Unknown يقول...

سلام عليكوااااااا

سبحان الله على فكرة لو دورنا كويس كل واحد فينا هيلاقى فى حياته حد بيبين له ان مجرد الحياة فى حد ذاتها نعمة كبيرة بس احنا بعيد عنك الغباء خلى عقولنا تصدى

لسة برضو متمسكين بالتوافه وتاعبين قلبنا على الفاضى مع ان فى حاجات اهم بكتير نهتم بيها

شكرا عمرو محمود السيد على مواضيعك
بتفرق معايا على فكرة

سلام

عمرو يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
العفو يا إنجي
الحياة في حد ذاتها نعمة.. وربما الموت أيضاً
:)

أسما يقول...

و الله مش عارفة اقول اي حاجة:(