لا تحكي يا شهرزاد
من يخاف من العفريت يداهمه..
هذا ما ثبت لي بالدليل القاطع أمس. حين ذهبت للسينما مع صديق لي, كي أخرج من حالة ضيق انتابتني نتيجة التفكير في قهر المجتمع الذكوري للمرأة بسبل غير إنسانية على الإطلاق. تخيلوا ما حدث. وقفت أمام السينما ومن بين كل الأفلام اخترت الأفيش الذي تمشي فيه منى زكي كعارضة أزياء ومكتوب تحت أقدامها "احكي يا شهرزاد". أحسست أن الفيلم سيكون رومانسياً, وأنا بحاجة شديدة لفرحة ناعمة.
بداية الفيلم غير منطقية وغير مبررة وغير متسقة مع الأحداث. ينتاب منى زكي كابوساً غريباً. والغرابة في الكابوس أنه لم يكن كابوساً على الإطلاق. تتحرك الكاميرا بطريقة تبدو جيدة في البداية ثم تتحول إلى إرهاق بصر المشاهد (اللي هو أنا يعني) ثم تقوم منى من كابوسها بشهقة لتمارس تمارين الصباح ثم تمارس الجنس مع زوجها في مشهدين مختلفين متناقضين.
يقدم الفيلم نماذج لسيدات عانين من مجتمع للرجال فيه اليد العليا. حيث يختار الرجل الزوجة التي يريد, ثم يبدأ في التفنن في إبراز سيطرته أو يكون خسيساً فيبرع في التنكيل بها.
النموذج الأول هو سلمى حايك المصرية.. عاملة في محل أدوات تجميل, تتبرج بالنهار كي تؤدي عملها بين العطور ومستحضرات التجميل من الماركات العالمية, ثم تلبس الحجاب وتركب المترو لتعود لبيتها في العشوائيات بين القبح والروائح المميتة للقمامة وجثث الحيوانات الميتة. جاءت الشخصية مع هذا مبتورة وغير متكاملة الجوانب, وظهرت كما لو كانت مدخلة على الفيلم ولو حذفت منه ما تأثر.
النموذج الثاني تؤديه سوسن بدر, هي آنسة في الخمسين من عمرها رفضت الزواج رغم جمالها والمال الذي كانت تتمتع به حتى لا تدع الرجال يسترقونها (يعني يرجعوها لعهد العبيد). أحبت ولم توفق في الحصول على حبيبها, وعندما قالت كما تقول الكثيرات "ياللا أهو ضل راجل ولا ضل حيطة" فوجئت بعرسان متسلطين يرغبون في نقودها وجمالها.. قالت لأحدهم "انت عايزني ألبس الحجاب, وأجهز الشقة, وتنام معايا.. في مقابل إنك تبقى جوزي.. لو الجواز عندك نوم على السرير يبقى من حقي أختار الراجل اللي أنام معاه".
النموذج الثالث لثلاث فتيات مات أبوهن وترك لهن تجارة.. لكن لم يتقدم لهن أحد بعد وفاته فقررن أن تتزوج إحداهن "سعيد" وهو عامل يقوم بأعمال التجارة وقد رباه أبوهن. لكن سعيد غرر بالإخوات الثلاثة ونام معهن جميعاً, فقتلته أكبرهن ودخلت السجن.
النموذج الرابع لطبيبة أسنان كتبت كتابها على رجل ثري صاحب منصب سياسي محترم بعد أن جرى هو خلفها, ثم تفعل معه ما يفعل الأزواج بعد إلحاحه عليها, وحين تحمل منه يقول لها إنه عقيم وإن ما في بطنها ليس منه. يطلب منها 3 ملايين دولار كرد شرف له وحتى لا يخبر الناس عن الفضيحة. ثم تكتشف بعدها أنه متزوج وأن لديه ابنة من زوجته الأولى.
هذه النماذج كلها تعرضها منى زكي المذيعة التي تحب الحديث في السياسة والتي أجبرها زوجها الصحفي الكبير على أن تقول ما يريد حتى يترقى فيصبح رئيس تحرير لصحيفته. رغم ذلك تتحول علاقتهما إلى ضرب حاد لها وهجر وتلقي المذيعة حلقتها الأخيرة وهي مضروبة "علقة ساخنة" والكدمات على وجهها كي تفضح قهر الذكور للإناث في مجتمعنا. تقدم المذيعة هذه النماذج وتختتم بنفسها, في مشهد مؤلم للغاية ينتهي عليه الفيلم.
كانت منى زكي في تمثيلها لهذا الدور مختلفة عن كل ما مثلته, فمالت إلى عرض بضاعتها على الجمهور بشكل رخيص. تستعرض منى في أغلب مشاهدها بالفيلم جسدها بشكل لم نعهده عليها. أكره هذا ليس فقط من منطلق أخلاقي ولكن لأنه أحد وسائل تشييء المرأة Objectification, فتتحول صورة الفتاة إلى عروسة باربي جميلة تلبس وتخلع من أجل إحداث رؤية بصرية خلابة وتضيع القضية.
أبدع وحيد حامد في رسم القصة مع وجود هزات واضحة في رسم بعض الشخصيات, إلا أننا نعلم جميعا أن هذا قد يسببه تدخل متعسف من الإنتاج أو القائم على الإخراج. أبدع وحيد حامد إلى درجة جعلتني أتمنى لو سكتت شهرزاد وما حكت.
سمعت في الأيام الأخيرة عن الكثير من الحوادث القريبة جدا مني لفتيات أمن بعض الرجال عديمي المروءة فأذلوهن وتركوهن بأطفال وغدروا بهن. المشكلة ليست في مشاعر الألم التي يشعرن بها, المشكلة أن ما يحدث في مجتمعنا خرج عن معطيات السلوكيات التي يمكن أن نصفها بالإنسانية. دخلت السينما بعد ليلة لم يكن يشغلني فيها سوى هذه السلوكيات اللاإنسانية, لأصدم بها في الفيلم الذي كنت أحاول الهروب فيه من الألم.
الغريب أنني أسمع من أصحابي الذكور الكثير عن تنكيل المرأة بهم, بعضهم ظل معلقاً لأشهر, وبعضهم أهين إهانة مباشرة وقوية, وبعضهم خانتهم شريكاتهم خيانة جنسية صريحة. يشير أغلب من لم يتزوجوا من أصدقائي إلى أن النساء لم يعدن كما كن وأن لا أمان لامرأة. بينما تصل إلي أخبار عن ممارسات مشابهة يفعلها الرجال وبنسب أكبر.
كنت أمشي في وسط البلد ثم رفع أحد الشباب يده وصفع الآنسة التي تمشي لجواره ثم عصرها بين يديه ومشى يسبها وتسبه. حين وقفت استعداداً للتدخل قال لي صديقي إنها ستكون أول من يخلع الحذاء ويضربني به. مشيت وكلمات أحد المارة الذين رأوا ذلك ترن في أذني "إيه قلة الأدب دي" قلت أنا في نفسي "إيه التدني ده".
أصبح الزواج في مجتمعنا مغامرة غير مضمونة العواقب للرجل, وهو الشر بعينه لأغلب النساء.
حسبي الله ونعم الوكيل.