حجرتان وصالة
"نوع من القصص لا تكاد تبدأ قراءته حتى تكتشف في الكاتب والكتابة والحياة اليومية درجات من الدهشة ربما لم تلتفت إليها أبدًا"
قرأت هذه الجملة العبقرية على الغلاف الخلفي لكتاب إبراهيم أصلان الجديد بعنوانه الغريب "حجرتان وصالة.. متتالية منزلية". ولأننا جميعا نريد أن نكتشف في الحياة اليومية درجات من الدهشة لم نلتفت إليها فلم أتردد في شراء الكتاب.
لابراهيم أصلان عشر كتب تقريباً أشهرها يوسف والرداء ومالك الحزين وخلوة الغلبان, وهو يعتبر نفسه كاتب قصة قصيرة على الرغم من أن أغلب أعماله روايات. أما الكتاب الذي أتحدث عنه اليوم فهو لا ينتمي إلى أي من النوعين السابقين, بل هو خليط منهما كوّن تكويناً جديداً وفناً عابراً للنوعين سالفي الذكر.
ربما لن تلتفت كثيراً إلى عبارة "متتالية منزلية" المكتوبة على الغلاف وستكون مثلي ممن يفضلون قراءة المجموعات القصصية من الخلف إلى الأمام, أو تكون ممن ينتقون القصص بقراءة العناوين الأكثر جذباً في الفهرس, وفي الحالتين ستفاجأ بأن عليك إعادة القراءة, فهي كما قال الرجل متتالية, وليست مجموعة قصصية, بمعنى أنه في هذا الحيز الضيق (أقصد الحجرتين والصالة) نفسه ستدور كل القصص وبين نفس الشخصيات تقريباً وفي تسلسل تاريخي يروي لنا تفاصيل حياة خليل الموظف المتقاعد بهيئة البريد.
وبالتالي فطريقة بناء العمل وهيكلته جديدة في حد ذاتها, فمن خلال 28 قصة مرتبطة ببعضها يرسم لنا أصلان مشاهد من الحياة اليومية التي نقوم بربطها حتى نصل إلى المعاني المسكوت عنها.
يضيّق أصلان على نفسه في الكتابة ويجعل قواعد لعبة الإبداع أصعب. فيعمد إلى التخلي عن المحسنات البديعية بجميع أنواعها واللجوء إلى لغة بيضاء أقرب إلى العامية دون ابتذال وأقرب إلى الفصحى دون تفلسف. وهو بهذا يستبعد استخدام الجمل معقدة الصياغة أو المركزة التي يكون لها جمالها أحياناً. ولا يتناول أي قضية بعينها, فهو يرى أن الكتابة ينبغي أن تكون عن الإنسان وتأثره بالقضية لا عن أي شيء آخر, كما أن أصلان يركز على الحياة اليومية, وهو بهذا يستبعد البحث عن لقطات مختلفة أو مغايرة. هذه اللقطات تكون مصدراً لجذب اهتمام القارئ في الكثير من الأحيان. يترك أصلان كل هذا ويركز على استخراج غير العادي من العاديات. وهو قرار شجاع قد يجانبه الصواب, فالوصول إلى القارئ ينبغي أن يكون بجميع السبل وبكل الطرق.
النهاية التي وصل إليها أصلان في كتابته هي كتابة العادي مع التجديد على مستوى البناء, فالحديث في المتتالية كان عن دورة الحياة والموت, عن زوجة خليل التي تموت بعد أن أخبرتهم أن التليفون يرن بينما كان هذا في التلفاز وليس في الحقيقة, وعن خليل الذي يتصرف بعد موتها كما لو كانت على قيد الحياة, عن بائع الفول وعن البواب الذي لا يستيقظ طيلة النهار, عن غطاء زجاجة المياه وعن الكتكوت البني الذي تذكره خليل حين رأى فرخة بنية في الشارع فتوقف كي يسأل صاحبة الفرخة إن كانت الفرخة هي في الأصل الكتكوت البني الذي كان لدى خليل في الطفولة, وعن الأسئلة التي في عقل خليل طيلة حياته ولم يستطع أن يسألها.. عن العاديات التي نعلمها جميعاً.
أكثر ما لفت انتباهي اليوم وأنا أحضر ندوة إبراهيم أصلان التي تمت على هامش معرض الكتاب بالإسكندرية جملة قالها وتهمني على المستوى الشخصي.. قال: "لا تكتب عن الوجع واكتب بالوجع". هو يتحدث عن حيادية الكاتب في رسم شخصياته, والحقيقة أن ما يقوله إبراهيم في الندوات به الكثير من المثالية التي قد لا تنطبق على كتابته, فشخصية خليل هذه قريبة جدا منه (إبراهيم أصلان كان يعمل في البريد هو الآخر وهو الآن لا يعمل بشكل يومي لأسباب صحية كما أنه عاش حياته في امبابة وهي المكان الذي تقع فيه أحداث حجرتان وصالة).
والحقيقة أن المتتالية ستنتهي دون أن تنفذ وعدها المكتوب على الغلاف فهي لن تصيبك بدرجات الدهشة التي وعدت بها!
هناك 15 تعليقًا:
أدهشتني جدا بــ والحقيقة أن المتتالية ستنتهي دون أن تنفذ وعدها المكتوب على الغلاف فهي لن تصيبك بدرجات الدهشة التي وعدت بها!
:)
فأنت استرسلت في الحديث دون أن تُعلق على صحة هذه الجملة من عدمه :)
فكان لي أن أندهش :)
كان عليك أن تواجه أصلان بهذه القراءة الجميلة لمجموعته.
وإن كنت أعتقد أنها لم تكن لتعجبه كثيرا كما أعجبتني
بالمناسبة... أدهشتني أنا أيضا جملة الختام
هو كل الناس هنا مندهشة و لا ايه... طيب انا كمان من مندهش، بس عشان ما اعرفش انتوا بتتكلموا عن ايه
:(
"لا تكتب عن الوجع واكتب بالوجع".
على فكره
انت يضا تكتب هكذا خاصه عندما تكتب عن اباك
صعبة قوي صورة الطبق المرسوم علي الغلاف دي
هما ليه حاطينها كده :(
لاتكتب عن الوجع بل اكتب بالوجع ..
طيب واللي مش بيعرف .. يعمل ايه ؟!!
تؤتؤتؤ .. كده ماينفعش خاااالص
مش انت بتحب تقرأ التعليقات ؟
طيب ... واحنا بنحب نقرأ ردودك
اتفضل بقى تعالى
:)
تسنيم
أنا والله ما أخدت بالي, هو المقال طلع كده لوحده :)
مش أنا يا بيه
أحمد يا شمسي
مش عارف يا أخي ليه ما قلتش رأيي علانية وسط الحضور مع إنك عارف إني مش باسكت وباقول كل اللي ف نفسي, ياللا الحمد لله
:)
إيزولد
مش هارد عليكي عشان ما رديتيش على ردي ف مدونتك بس هه
عطش الصبار
والله أنا شايف إني باكتب عن الوجع, وبالوجع, وفي الوجع, وفوق الوجع وتحت الوجع ومش مخلي
:)
بنبونة
انتي عندك قدرة على ملاحظة التفاصيل, أنا كنت دايما باحاول أبعد بعيني عن الطبق وألاحظ الكلام المكتوب على الغلاف تحت الأوبجكتس المرسومة
:)
السلام عليكم
نسيت أن أخبركم أنني لن أكتب اليوم لأنني مرهق للغاية
أشكركم على أي حال
:)
:)
ايه ده، انا ما كنتش قريت التعليق الاخير ده... الف سلامة يا مان
:)
إيزولد
إيه ألف سلامة دي؟ هو أنا عيان؟
تؤ تؤ تؤ
:)
:-)
طيب انا مش مندهشة بقى :-)))
عارف ليه لان الجملة ديه صح
"نوع من القصص لا تكاد تبدأ قراءته حتى تكتشف في الكاتب والكتابة والحياة اليومية درجات من الدهشة ربما لم تلتفت إليها أبدًا"
من ساعة ما بدات اكتب فى مدونتى لاقيتنى مندهشة لحاجات كثيرة حوليا و بحاول افتكرها و اسجلها
انا اندهش اذن انا دبوس لالا مش ديه اذا انا انسان :-)) يندهش
كنت رايح اسكندرية علشان الندوة قول كده بقى :-))
بالمناسبة، دكتور احمد خالد توفيق بيكتب من سنة 92 او 93 تقريباً، مش زنبه ان فيه حد مخدش باله منه و"فوجئ به" من فترة قصيرة
انشر يا عم الفير
معلومات رهيبة ، شكرا جزيلا لكاتب المقال. انها مفهومة بالنسبة لي الآن ، وفعالية وأهمية هو المحير. أشكركم مرة أخرى وحظا سعيدا!
فكر فقط أود التعليق ويقولون موضوع كبير ، هل رمز لنفسك؟ يبدو حقا ممتاز!
إرسال تعليق