شاهدت الأسبوع الماضي فيلم أحمد حلمي "عسل اسود" الذي جاء بمستوى من الجودة يليق بأحمد كفنان يختار أعماله بعناية. عندما خرجت من الفيلم كانت حالة من الضحك السوداوي المأساوي تغمرني. لكن لسبب ما توقف فمي عن الضحك وتوقفت أنا عن السير متأملاً الفيلم.
الحقيقة أنه يمكن للفرد أن يلخص فيلم حلمي في جملتين أو ثلاثة, فالقصة تدور حول شاب مصري عاش طيلة عمره بأمريكا وقرر العودة ليكتشف مصر ذات الوجهين. الوجه القاسي الفاسد والوجه الحاني المتمثل فيما بقي من ود ومعاملات اجتماعية دافئة بين المصريين. هذه هي القصة كلها وبقية التفاصيل –صدق أو لا تصدق- تفاصيل هامشية.
القصة بهذه الكيفية تسير بشكل طولي وتنتهي قبل أن تبدأ, ولا أعرف لماذا وضع خالد دياب (الذي ألف فيلم حلمي السابق أيضاً بالمناسبة) نفسه في هذا المأزق, لماذا يقرر أنه سيقول لنا ما نعرفه وبالطريقة التي نراه بها؟ لماذا يقرر أن يوضح لنا كل التناقضات التي يمكن لأي منا أن يعددها في جلسة مع صاحبه على المقهى؟
هناك بعض الهنات في الفيلم والتي كان من اللازم تداركها, على سبيل المثال يتم إيقاف السيارة الميكروباص التي يتواجد بها البطل فيشتبك مع عسكري مرور يقرر أنه سيسحب البطل إلى اللواء, من المفترض أن سيادة اللواء لن يكون في الشارع ومع هذا "عديها", اللواء لم يكن لواء مرور, لكنه كان لواء أمن مركزي, وهذا دعاني إلى التفكير في عدم منطقية الحدث. يقرر اللواء أن يجعل البطل يندم على دفاعه عن سائق الميكروباص فيتركه يعلن للمتظاهرين أنه مواطن أمريكي (اللواء كان يحاول فض مظاهرة أمام مجلس الشعب!) مما يؤدي إلى تجمهر المتظاهرين على حلمي وضربه بشكل غير متقن و"مفقوس" تماماً في مشهد أقل ما يقال عنه أنه مصطنع للغاية.
أسوأ ما بالفيلم هو الفصل التام بين مصرين مختلفتين, فالنصف الأول من الفيلم مخصص لمصر الفساد والفهلوة والنصف الثاني مخصص لمصر التي نحبها ونفتديها بالعزيز الأمجد!
النهاية جاءت غامضة ومفتوحة.. فلا نعلم هل يريد البطل أن يعود لمصر أم لا والقرار متروك في أغلب الظن للمشاهد وهذا من نقاط القوة في الفيلم.
كان قد تم تغيير اسم الفيلم أكثر من مرة, وكان حلمي قد اقترح أن يطلق عليه “مصر هي أوضتي” بمعنى أنها المكان المريح الذي ستعود إليه مهما بت في الفنادق ذات السبع نجوم, ثم تم تسميته بعسل إسود في إشارة إلى بلادنا ذات الحال الأسود التي لا نستطيع أن نتخلى عنها أو نهجرها أو حتى نلومها.
لم يعد يمكننا التعليق على أداء حلمي كممثل فهو يثبت في كل مرة أنه مقتدر, لكنني هذه المرة ينبغي أن أشهد لإدوارد هذا الذي كنت أكرهه قبل دخول الفيلم فإذا بي أحبه بعد خروجي من السينما, إدوارد تخلى في تمثيله هذه المرة عن الاستظراف وبدا طبيعياً مما جعل تمثيله رائقاً.
خالد مرعي (المخرج) هو أيضاً من أخرج لحلمي فيلمه آسف على الإزعاج وهو مخرج فيلم تيمور وشفيقة وقد أجاد بشكل عام.
شاهدوا عسل إسود في السنيما تشجيعاً لهؤلاء.. الفيلم يستحق المشاهدة رغم كل ما فيه من عيوب, وخاصة لأنه يعرض بين مجموعة من الأفلام التي تدعو إلى الغثيان.