ثلاثية غرناطة
ظلت الرواية أمامي فترة طويلة. كانت بمثابة تحدي كبير. فالقراءة في ظل الظروف التي أمر بها والعمل المتواصل الذي لا ينتهي أصبحت أمرا محالا.. أهدتني الرواية صديقة عزيزة. كانت متأكدة أنها ستعجبني وهذا بالفعل ما حدث.
تنقسم الثلاثية إلى ثلاث روايات هي غرناطة ومريمة والرحيل وتروي النهاية المؤسفة لقصة المسلمين في الأندلس. تبدأ الرواية بداية غير عادية بالمرة فأبو جعفر الرجل التقي الطيب يرى جارية عارية تعبر أمامه متجهة إلى البحر. يعلمنا أبو جعفر أن ما رآه نذير شؤم وأن الأحوال ستتبدل. بداية رائعة لا تملك سوى أن تصفق بعد الانتهاء منها.
هناك الكثير من الأحداث التي تنفعل لها في الرواية منها: موت أبو جعفر, ومحاكمة سليمة, ثم حرقها, عودة سعد وفاجعته في زوجته, رحيل نعيم وعودته, موت مريمة, وإصرار علي على البقاء رغم قرار الترحيل.
كل من كتبوا عن الرواية امتدحوها أشد امتداح. والحق أنها تستحق لكنني أردت أن أوضح بعض الهنات الموجودة أو فلنقل اختلافات في النظرة بيني كقارئ وبين رؤية الكاتبة.
في الرواية يرسم حسن أبي جعفر كرجل علمه جده وهذبه, وكل سلوكيات حسن تسير في هذا المسار. كما ترسمه الكاتبة محافظا يخشى على أسرته ويحوطها ويخاف من مجرد انتمائها لجار تشوبه شبهة توقعهم في مشكلة مع القشتاليين مع ذلك نجد حسن في أحد فصول الرواية ينخرط في فعل زنا مع مومس دون أن يضيف هذا أي شيء لمسار الحبكة أو التسلسل الدرامي لها. الغريب في الأمر أن علي يقع في نفس الفعل في الرواية الثالثة "الرحيل" لكنه أطيب من جده فيساعد المومس نجاة على الخروج من دائرة العهر.
في الصورة التعميد القسري لنساء المسلمين في غرناطة
الرواية في غرناطة ومريمة مضفرة تتباعد فيها الشخصيات عن بعضها ويتوالى ذكر أخبار كل منهم لكنها في الجزء الثالث أصبحت خطية مع موت كل الأبطال.
بالرغم من ظهور أبطال جدد في "الرحيل" إلا أنهم كانوا يتسمون بسمت تاريخي أكثر منه قصصي. فالشاطبي الذي يشغل حيزا كبيرا من الجزء الثالث نعرف أخباره ولا ندري من زوجته ولا أولاده ولا متى يغضب أو متى يحزن. هو شخصية تاريخية خالية من انفعالات البشر التي تضفيها الأعمال القصصية والروائية على أبطالها.
أكثر ما يجذب نظرك في الرواية هو عدم هدوء أو استكانة مشاعر الأبطال فالعشق لا يرتوي والحلم لا يتحقق والبحث يظل مستمرا وحين يجد الحبيب حبيبته تموت مثل ما حدث مع زوجة نعيم وما حدث مع كوثر.
أفضل شخصيات الرواية على الإطلاق من وجهة نظري هو نعيم. ولا أدري لماذا أعتقد أن هذه الرواية لو تم تحويلها لمسلسل أو فيلم سيكون خالد النبوي أفضل من يقوم بالدور.
ربما أكون قد تطاولت بمجرد الحديث عن هنات في هذا العمل المضني والمتقن, لكن يشفع لي أن ما قلته كان رؤى قارئ أكثر من كونها لناقد.