أبريل 20، 2009

رجل أعرفه



تحكي لي أمي أنه كان بطلا.


تقول إنه كان جندياً في الدفاع الجوي, وإنه أسقط 13 طائرة إسرائيلية وهو عدد كبير يستحق عليه نجمة سيناء تشريفاً له. تحكي أيضاً أن وحدته استشهدت بالكامل, وأنهم وجدوه ملقاً في الرمال الساخنة وبين يديه بقايا صديق له من بورسعيد. آثر ألا يتركه لحيوانات الصحراء تأكله.. فمشى به مسافة طويلة وأعيته الشمس وأعياه الصيام فوقع مغشيا عليه. حين استيقظ وجد نفسه في عربة نقل الموتى. بين رؤوس وأكتاف لأناس يعرفهم ويحبهم.


دخل المستشفى لكنه لم يخرج من المرض من وقتها.

بعد الحرب أقيمت له محاكمة عسكرية لاشتباه في تسببه في وقوع طائرة مصرية. لكن القاضي نظر إليه وقال "انت بطل يا ابني" وأصدر حكماً بالعفو عنه.


أذكر يده الباطشة. كنت أتوجع حين يداعبني من قوة يده, بينما لا تدل نحافة جسده على هذه القوة. أحيانا كنت أخافه حين يضحك. ولا أذكر أنه بكى سوى مرة واحدة.


ذات يوم عاصف, قرر الطلوع على سطح شقتنا كي يثبت غرفة من الخشب كنا نستعملها كعشة. خافت عليه أمي, فنطق بجملته الأولى عن الحرب.. قال:


- احنا كانت النار فوقينا وتحتينا.


ثم طلع إلى السطوح وكانت الرياح عاتية.. حركت الغرفة مسافة خمسة أمتار.. أنا متأكد أن عشرة رجال لن يستطيعوا أن يحركوها هذه المسافة. أمسك بالطوب وربطها بحبال في أجزاء بارزة من قوائم العمارة.


منذ عشرة أعوام رأيته يمشي على قدمية ذاهباً إلى العمل. تأملته. وصعب عليه تجاهل البلد له كثيراً. إذ لا يعرف أحد ما قدمه لهذا البلد. يمشي بينما هم يركبون السيارات الفارهة. يضحكون بينما أصدقاؤه ينزفون دماً كل يوم في عقله ووجدانه.


منذ عامين قرأت قصة لخيري شلبي. اسمها "سماعين". كان سماعين فتوة الحتة الذي يهابه الجميع. ولما مات في أوج قوته, استعجب الناس, ولم تصدق أمه فكانت تنادي عليه بعد وفاته كي توقظه في نفس الموعد الذي اعتادت أن توقظه فيه.


كان الرجل الذي أحدثكم عنه قوياً, ولو أنه مات قوياً لانتبه الناس.


هذا الرجل هو أبي.


يرقد الآن في فراش المرض, ولا يزوره أحد.


اللهم أمتني صالحاً وأمتني قوياً.

هناك 6 تعليقات:

أسما يقول...

I've read loads of things about the experience of war in Europe, specially the Two World Wars, I've studied them carefully, every battle, and every air raid; and read many many novels and poems written during and after these mighty wars; and I knew for sure that whoever goes through such experiences could never get over it. People actually lost their faith, and kept saying " God is dead" For, if He's still alive, why is this happening to us?
But, never in my life did I read or even care about what happened in our war against Israel, ur father is the first hero i hear about, and ur post is the first piece i ever read about this war, and i can't describe how i feel right now. Ur father is a strong man indeed, only his grief is so deep,and wont heal; but as long as u r beside him, supporting him with ur own strength he will feel much better, and more safe, even if he doesn't show it. God bless u both

عمرو يقول...

أهلا إيزولد
الحرب تعيش داخله.. وتعيش في من فرط ألمه. انتهتى الحرب منذ عقود لكنها لم تنته في بيتنا.
الدعم كلمة سهلة النطق صعبة التنفيذ, فالتعامل مع أبي معقد تقيد حياته وذكرياته الماضية. لكنني سأحاول.

أشكرك كثيراً على اهتمامك. أنت دائما زائرتي الأولى.. دمت كذلك.
:)

تــسنيـم يقول...

يااااااااااااه يا عمرو... أوجعتني مرتين

مرة لأنك كشفت القناع القبيح الذي ترتديه بلادنا .. مصر اللي بقت تاكل ولادها :(


ومرة لأن هذا البطل الذي أعطى ولم يخطر على باله يوم أن يطلب الثمن .. هو أبوك

يا بختك بجــد بيه... ويا وجعك حين تُعايش حقيقة أكل البلد لولادها الطيبين

عمرو يقول...

حلو تعبير تاكل ولادها ده يا تسنيم.
تعرفي؟ في الصعيد عندنا فيه تعبير بيقولوه الطبقات الشعبية (تاكل أبوك وامك) يعني يموتوا قبلك.
هذه البلد تأكل الطيبين بكل المعاني
سعيد بمرورك يا تسنيم
وسعيد بك

أحمد الشمسي يقول...

يعني ادعي عليك واقول" ربنا ينكد عليك زي ما نكدت عليا؟"

على فكرة البوست ده ممكن يتحول قصة لو شلت الأجزاء الأخيرة

عمرو يقول...

أحمد
:)