الحكومة الأمريكية للتربية والتعليم !!
أثناء مشاهدة الفيلم كنت أضرب رأسي بيدي بين الحين والحين متعجبا من براعة الكاتب.. تلك البراعة التي لا تنبع من قدرته الفائقة على الكتابة, لكنها براعة توظيف التاريخ بكل حذافيره كي يخدم أغراض الدولة في العصر الحالي
شاهدت بالأمس فيلم "300", وأجدني لا أستطيع سوى أن أصفق للأمريكان فقد لعبوها بدهاء شديد.. الفيلم باختصار يحكي عن اسبرطة القديمة, حيث يبدأ بمقدمة تظهر القسوة التي يتم بها التعامل مع أطفال اسبرطة كي يصبحوا جنودا أقوياء شجعان. ثم ينتقل الفيلم إلى القصر الملكي فنجد ملك اسبرطة وزجته يقابلا رسولا من جيوش الفرس. يرفض الرسول الكلام مع زوجة الملك (في إشارة واضحة أن الفرس لا يحترمون المرأة بينما تعطيعا اسبرطة حقها كاملا) وعندما ينفرد مع الملك يطلب منه تسليم البلاد مقابل العفو والرضا الفارسي.. ينتهي المشهد برمي الرسول حيا في البئر المخصص للرسل قليلو الذوق
وطبقا للقوانين الاسبرطية فعلى الملك قبل خوض أي حرب الرجوع إلى الكهنة كي يختبر رغبة الآلهة.. ولأن الفرس "الوحشين" رشوا الكهنة فقد رفضت الآلهة خوض الحرب. باقي الفيلم يمثل استبسال 300 من جنود اسبرطة أمام جيوش الفرس العظيمة.. وكيف أنهم أرهقوا المارد الفارسي قبل أن يموتوا فداء للوطن.. (تصوروا إن 300 عملوا كده أمال لما يطلع جيش اسبرطة للحرب هيعمل إيه؟)
"فين المشكلة؟!" الموضوع كله لغاية دلوقتي بيتكلم عن الاسبرطيين أو الازبرطيين كما أحب أن أناديهم. المشكلة بالطبع أن الازبرطيين هم الأمريكان الذين تحتم عليهم خوض الحرب مع جيوش الشرق العظيمة.. وماتت منهم فئة قليلة بين العراق وأفغانستان. والفيلم يوجه رسالة صريحة لكل أمريكي إزبرطي صالح أن الحرب لم نخسر فيها سوى عدد قليل من أفضل جنودنا.. وأن أمريكا قادرة على سحق جنود الشرق الإرهابيين.. وأنه لا ينبغي أن نحزن على هؤلاء الجنود وأن الفرد الأمريكي الصالح لابد أن يقدم نفسه للقتال في معارك قد يعود منها بدرعه أو يعود محمولا عليه, فلا مكان للعاطفة أو الخوف في أمريكا الازبرطية. الفيلم يشير أيضا إلى أن أهل الشرق لديهم دين وعقيدة وأخلاق.. لكنه دين فاسد فالفرس في الفيلم يعبدون ملكهم وعقيدتهم الذبح من أجل رضاه وأخلاقهم الفوضى والحرب
يأتي الفيلم ضمن جهود الحكومة الأمريكية المتفانية لحشد الرأي العام الأمريكي مع الإدارة الأمريكية في حروبها خارج البلاد.. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد فأمريكا لا تربي الشعب الأمريكي فقط, لكنها تمول نشر الكتب التي تحمل الأفكار التي على مزاجها والتي تعتقد أنها سوف تساعد في الحد من تفريخ إرهابيين جدد في الدول التي تعتبرها مزارع للإرهاب مثل مصر
الفيلم من الناحية الفنية يعد طفرة في عالم السينما حيث سجلت جميع مشاهده في الاستديوهات وربما لا يشعر المشاهد بذلك على الإطلاق.. اللهم إلا إذا دقق النظر في الإضاءة على وجه الأبطال فيعلم أن مصدرها ليست الشمس وإنما العديد من الكشافات. قصة الفيلم لم تقدم أي حيلة فنية وإنما سارت في اتجاه واحد وكانت بسيطة للغاية.. استخدم المخرج بعض أجزاء لموسيقى تصويرية تشبه تلك الموسيقى التي يسمعها الجنود الأمريكان في العراق والتي أشار إليها قبل ذلك فيلم فهرنهايت9\11. ولتقريب الصورة لذهن المواطن الأمريكي بشكل أكبر نشاهد الملك والملكة يمارسان الجنس في الفيلم على الطريقة الأمريكية؟!
كرد فعل طبيعي لإيران.. خرج المسؤولون الإيرانيون ليعلنوا أن الفيلم شوه التاريخ واختلق الكثير وأن إيران سوف تنتج فيلما مضادا يحمل الحقيقة التاريخية.. وكأن أمريكا كانت تبحث عن الحقيقة التاريخية حين أنتجت الفيلم!!!