يناير 14، 2013

وأنا كمان عاوز أتجوز!


هذه السلسلة من "البوصطاط" هدفها الأساسي الرد (ولو متأخر يعني) على كتاب عاوزة أتجوز للمدعوة غادة عب عال. حيث أنني إذ فجأتن شعرت بالحاجة الملحة للكشف عن الوجه الآخر للعملة والتعبير عن المعاناة التي نعانيها نحن معشر الذكور التلاتينيين الغلابة (نسبة للتلاتين يعني) لمجرد إننا "عاوزين نتجوز"

التلاتين هي السن اللي بتتحط فيه كشاب تلاتيني وعريس مستقبلي تحت المجهر، حيث إنك مؤكد مش هاتستنى أكتر من كده، وبالتالي فأنت أقرب واحد لاتخاذ القرار وبالتالي فالبنادق مصوبة عليك من كل ناحية وجميع طنطاتك بيراقبوك في الجاية والرايحة، التلاتين هي السن اللي هاتبقى فيه موضوع نقاش لا ينتهي بين ستات العيلة وجيران ستات العيلة ومعارف جيران ستات العيلة اللي هايشعروا بسعادة غامرة وهما بيقولولك إنك خسيت وتخنت، وده هايحصل في نفس المكان ونفس الوقت بس من طنطات مختلفين، وهي السن اللي هايتبادلوا فيه نقاش لطيف جدا عن قرعتك وهل سقوط الشعر أثر على منظرك ولا لأ، وهي السن اللي هايميل عليك بعضهم ويقولولك إنك كبرت قوي في الست شهور اللي فاتوا، وهايتبرع بعضهم بإنه يديك نصايح عن العمر اللي بيجري وإن الحياة مش كلها شغل، التلاتين هي السن اللي هايسألك الكل فيه سؤال تحس كده إنه أرقهم طول الليل وخلاهم مش عارفين يشتغلوا ولا ياكلوا ويشربوا:
-          "هو انت ما اتجوزتش لغاية دلوقتي ليه؟"
ولأن السؤال الوجودي السارتري ده بيؤرق الشباب من الجنسين فهتلاقي أصحابك كمان بيسألوك، والحقيقة ألذ حاجة إن اللي بيسأل هاتلاقيه دايما مبتسم ومتنح لقدام وبيمد إيده أثناء السؤال مع ضم التلات صوابع الأولانيين، يعني مش بس اتفقوا على السؤال، لا دول كمان بيسألوه بنفس الطريقة وبارتياح تام، كأنهم بيسألوك عن معاد ماتش المنتخب أو أقرب أتوبيس بيوصل لأول عباس!

ولأنك شاب رقة وزوق فانت هاتكبت في نفسك ومش هاترد بألفاظ قبيحة، كل اللي هاتقوله "ربنا يسهل"، "ربنا يرزقنا"، و"الاختيار صعب قوي" إلى أن تصل إلى مرحلة تعلن فيها للجميع إنك مصاب بمرض عضوي يمنعك من الجواز يمكن يسكتوا!

ولأني مليت من الإجابة الأخيرة فقد قررت كتابة هذه السطور عشان أفهم البنات والستات إن اللي بيأخر الشاب التلاتيني هما البنات والستات نفسهم

  1. عميقة عميقة مفيش كلام (الجزء الأول)
طبقا للمحلل السياسي وخبير العلاقات النسائية عمرو السيد تسعين في المية من الجوازات في مصر جوازات عميقة...يعني ايه؟ يعني زي الدولة العميقة كده. انت تبقى عاوز تتجوز، فتدور وتدور لغاية ما تلاقي اللي عليها العين وتتشجع وتقول لنفسك الحكاية زي شكة الدبوس والفيلم ده، لكن دايما فيه ست في حياتك عندها أجنداتها وخططها. الست دي في أغلب الأحيان هاتبقى الحاجة (والدتك يعني) واللي هاتلاقيها بتفرك وتضايقك بهدف تنفيذ وجهة نظرها اللي لا يمكن تصارحك بيها.

-          "هو أنا يا ابني أتمنى غير سعادتك مع اللي يختارها قلبك؟" (بنبرة الحنية اللي انت عارفها بينما نور ملائكي بيشع من وشها)

ثم تتغير أمك تلقائيا أول ما تديها انت الأمان وتقول إنك عاوز تتجوز فلانة أو علانة، فتلاقي حواجبها بقت تمانية وتمانين وقورتها اترسم عليها المية وحداشر وضربت أخماس في أسداس والدنيا بقت جدول ضرب ع الآخر. أمك الحنينة اللي انت كنت فاكر انك عارفها هاتقول لك دايما إن القرار قرارك بس طبعا هي خايفة عليك، عشان هي عارفاك أكتر منك ("ده انت ابن بطني") وعارفة إنك متهور ("مطيور" يعني).

بعض الأشخاص اللي حظهم في الدنيا قليل (زيي كده) بتبقى جوازاتهم جوازات عميقة جدا، وده معناه إن قرار الجواز بيشترك فيه ستات كتير من تحالفات عائلية أوغير عائلية تتصارع مع بعضها للتأثير على عملية صناعة القرار الديمقراطي، ومنهم على سبيل المثال طنط فيفي جارتنا اللي أعتقد إنها موجودة في حياة كل شاب تلاتيني عاوز يتجوز.
لأن طنط فيفي بتحب لك الخير زي أحمد ابنها، فهاتلاقيها بتساعد مامتك في التأثير على دماغك، وده هايحصل من خلال إقناعك بعروسة خيالية "جمال ايه وأدب ايه..."

-          بس أنا عاوز واحدة تكون مثقفة
-          دي ما بتسيبش الكتب من إيدها، غير إنها دكتورة ومن عيلة... ادعي انت بس توافق عليك.

هاتحلف طنط فيفي وتتقطع إنها لا تربطها أي صلة بالبنت من قريب أو من بعيد وإن أحمد ابنها "لولا شايف له شوفة كانت خطبتهاله على طول"، وطبعا لأنك ثابت على موقفك فانت هاترفض رغم كل الضغوط. ثم تفاجأ بتحالف غريب مكون من طنط فيفي ومامتك وأحمد أصبح له هدف موحد:
-          يا ابني شوفها هو انت هاتخسر حاجة (أحمد)
-          ما حدش بيتجوز غصب عنه (طنط فيفي)
-          جاتها نيلة اللي عاوزة خلف (دي طبعا الحاجّة)
-          يا ابني انزل شوفها
-          انزل شوفها
-          شوفها
-          شوفها
-          شوفها
وتتحول كلمة "شوفها" إلى كلمة قدرية تتردد في كل مكان، فتبقى زي بالظبط جملة "فتحية ندهتها النداهة" من حيث عمق تأثيرها على نفسك، وهاتتحول أنت إلى فار تم تسليط موجات كهرومغناطيسية عليه لشل حركته، فتترنح في الأوضة وتحس نفسك اتكرش وودانك هاتتفجر وعقلك هايبظ من جمجتك على سجاد الصالون فتخرج منك كلمة غصب عنك من أثر الذن والتعذيب:
-          هاشوفها
*****
عشان التشويق والإثارة هانكمل الجزء التاني قريب قوي. التدوينة دي مهداة لنور أحمد وخطيبها عشان بيستحملوا وبيقروا كتاباتي الكئيبة
لوحة الشاب التلاتيني بريشة الفنان الكبير ألبرتو شيرتينو
(طبعا اللوحة ما اسمهاش كده وأنا ما أعرفش ألبرتو أساسا)   :)

يناير 06، 2013

الفرحة الآن


أمشي كما يليق برجل وحيد في بلد غريب، أضغط بسبابتي على منتصف نظارتي الشمسية التي أرتديها كي أشعر بأنني غامض بعض الشيء، أو كي أشعر بأنني لست أنا. أصل إلى سوق المدينة المزدحم، أشتري بعض الحلوى لطفل صغير يبكي فتشكرني أمه بابتسامة خجلة، وأتبادل بعض النكات مع بائع الجرائد الذي ماتت زوجته منذ شهور وتركته واجما، ثم أسير مرة أخرى متمنيا لو أذوب في الزحام أو أختفي.

تطرق يد على كتفي، فأدور للخلف بسرعة. أرفع نظارتي الشمسية على جبهتي وأنظر إلى صاحبة المعطف الأبيض والعينين الزرقاوتين. أقول لها بشكل مباغت:

- متشكر جدا، لم يبق لدي المزيد من الدماء لأتبرع بها

تنظر نحوي بغيظ وامتعاض شديدين، ثم ترفع عينيها للسماء قبل أن تقول وهي تمط شفتيها وتشير إلى لافتة على جانب الطريق:

- هذه حملة للتبرع بالأعضاء بالمناسبة

تمر بذهني كل صور الجثث التي رأيتها في حياتي بعد تشريحها، وأرى ذلك الشق الطولي بها والخيط السميك الذي أقفلت به. لطالما أرعبتني فكرة التبرع بالأعضاء هذه.

تستطرد بطريقة آلية:

- هل تريد أن توقع معنا أم ماذا؟

أقول بتردد:

- ليس لدي أدنى مشكلة، عموما لن تحصلوا مني على شيء!

تتظاهر بأنها لم تسمع عبارتي الأخيرة، تشير بيدها إلى طاولة عليها بعض الاستمارات، تجلس وتبدأ في كتابة بياناتي كما هي مدونة في إثبات هويتي. أقرب الكرسي الذي أجلس عليه نحوها قليلا، ثم أستطرد:

- بحسبة عقلية بسيطة سأموت في ارتطام طائرة،، هل تعتقدين أنكم ستستفيدون من جسدي بعض الحادث؟ لابد وأنه سيصير مثل الكفتة!

- وما الذي يجعلك متأكدا هكذا؟

- ببساطة لقد مات جدي في حادث سير ومات أبي في حادث قطار، لابد وأنني سأموت في ارتطام طائرة، خاصة وأنا كثير السفر

- ما تقوله يذكرني بالنشوء والارتقاء

- تقصدين النشوء والارتطام

لا تعجبها مزحتي.

- لماذا أنت واجمة هكذا؟

- لا شأن لك.

- مشكلة عائلية؟

- هل يمكن أن تصمت قليلا؟

تقولها بشكل صارم، ثم تشير إلى بعض أسطر فارغة وتطلب مني أن أكتب الأعضاء التي أود التبرع بها.

- حسنا سأتبرع بكليتي لطفلين صغيرين رأيتهما في وحدة الغسيل الأسبوع الماضي، هل تتخيلين هذا؟ طفلان عمرهما أقل من السادسة ويغسلان؟ أعتقد أنني سأعطي قرنيتي لكريشنا، بائع السجائر الإندونيسي الأعمى الذي يتحسس طريقه كل يوم في وضح النهار، وسأعطي كبدي لجاك مديري الإنجليزي بشرط ألا يشرب المزيد من الخمر؟ أما قلبي فسأعطيه لسارة، الفتاة التي كانت تحبني، هل تعلمين أنها الشخص الوحيد الذي كان بإمكانه أن يشعرني بالسعادة؟ كانت دائما ما تقول...

- هل يمكن أن أكدر مزاجك وأقطع استرسالك هذا؟ لا يمكنك أن تحدد أسماء في هذه الوثيقة. التبرع بالأعضاء يحتاج إلى تناسق الأنسجة وفصيلة الدم وأشياء أخرى.

- آه، فهمت.

- هل مازلت تريد أن توقع؟

- إن ابتسمتِ فحسب.

تمط شفتيها بابتسامة صفراء، ثم تمسك القلم وتسألني مرة أخرى عن الأعضاء التي أريد التبرع بها.

- سأتبرع بكل أعضائي، ربما حينها فقط أشعر بالفرحة، ربما تضحك أسناني في وجه آخر أكثر ابتساما مني، وربما يجد قلبي مساحة أوسع في صدر أوسع من صدري. أتعرفين؟ لطالما أخبرت الله أنني لا أريد شيئا سوى الفرحة، لكن لحكمة يعلمها فقد أعطاني كل شيء وحرمني مما أريد... كما ترين، الحياة بدون من تحبين...

تقطعني مرة أخرى وتسألني بجدية:

- حسنا سأكتب أنك تريد التبرع بكل أعضائك. هل أنت متأكد من هذا؟

- نعم، يمكنكم أن تأخذوها جميعا، لكنني لن أتبرع بمؤخرتي بالطبع خوفا من أن يساء استعمالها.

لا تمنع نفسها من الضحك، تقول:

- لكن هكذا ستكون مؤخرتك هي الجزء الوحيد الذي لم يفرح

- يمكنها أن تفرح الآن.

أقولها ثم أقوم وأرقص محولا ظهري إليها. تضع يدها على فمها وتضحك ضحكة أعلى. أشعر أنني حصلت على ما أريد، أوقع الوثيقة ثم أرتدي نظارتي الشمسية وأختفي في الزحام.